أخبار المركز
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)
  • هالة الحفناوي تكتب: (ما مستقبل البشر في عالم ما بعد الإنسانية؟)
  • مركز المستقبل يصدر ثلاث دراسات حول مستقبل الإعلام في عصر الذكاء الاصطناعي
  • حلقة نقاشية لمركز المستقبل عن (اقتصاد العملات الإلكترونية)

خيارات صعبة:

كيف تحاول تركيا الجمع بين "إف-35" و"إس-400" ؟

16 مارس، 2019


لم تسفر المفاوضات التي أجريت بين الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا بشأن أزمة أسطول مقاتلات "إف-35" عن تحقيق نتائج بارزة، حيث فشل الطرفان فى إبرام صفقة موازية تتخلى بموجبها أنقرة عن منظومة "إس-400"  الروسية مقابل المضى قدمًا في تنفيذ التعاقد الخاص بـ"إف-35" إضافة إلى صواريخ "باتريوت" مخفضة السعر، ولم تفلح المبررات التي تبناها كل طرف في إقناع الآخر بتغيير موقفه، حيث ترى واشنطن أن حصول أنقرة على الصفقة الروسية مؤشر على استمرار السياسة التركية في الابتعاد عن حلف "الناتو" من جهة والإضرار فنيًا بـ"إف-35" في حالة ما إذا امتلكتها تركيا إلى جانب حصولها على "إس-400" من جهة أخرى، في إطار غياب ضمانات بعدم تسريب التفاصيل الفنية للمقاتلة إلى روسيا على نحو يفقدها ميزاتها النسبية كـ"مقاتلة شبحية"، لا سيما في ظل اتساع نطاق الخلافات الروسية–الأمريكية، والتي فرضتها السياسات العسكرية الروسية تجاه أوروبا والتباين في التعامل مع بعض الملفات الأخرى، وهو ما ينقل التوتر في العلاقات الثنائية الأمريكية–التركية إلى مستوى آخر أكثر تعقيدًا يتعلق بالسياسات الدفاعية المتعارضة للأطراف المختلفة.

مأزق البدائل: 

وفقًا لما أعلنه القائم بأعمال وزير الدفاع الأمريكي باتريك شاناهان بعد خمس جولات من المفاوضات مع تركيا خلال الأشهر الثلاثة الماضية، وضعت الولايات المتحدة الأخيرة أمام سيناريو وحيد يقضي إما بالقبول بكل الصفقة أو التخلي عنها كليًا دون أن تترك لها خيارات بديلة، الأمر الذي يفرض مأزقًا حرجًا أمام تركيا، لا سيما في ظل تنسيقها المستمر مع روسيا في سوريا. ولذا فإن التصريحات التركية تؤكد على أن الحصول على المنظومة ضرورة وليس خيارًا على حد قول وزير الخارجية مولود تشاويش أوغلو. كما أن تضحية أنقرة بأسطول المقاتلات "إف-35" المكون من 100 طائرة يشكل خسارة فادحة يصعب تعويضها، خاصة مع إضافة منظومة "باتريوت" إليها. 

ومن المتصور أن مأزق البدائل على هذا النحو سيفرض في حالة وصول الطرفين إلى طريق مسدود خسائر أكثر على المدى الطويل لا تتوقف على حجم وأهمية الصفقة بل ستكون له آثار أوسع من ذلك بكثير على الجانبين التركي والأمريكي.

ففي حالة ما إذا اتجهت الولايات المتحدة إلى تجميد الصفقة، فإن مصالحها سوف تتضرر جراء هذا القرار على أكثر من مستوى أشارت إليه العديد من التقديرات والتصريحات الأمريكية. فعلى سبيل المثال، كان وزير الدفاع الأمريكي السابق جيمس ماتيس قد أشار، في خطاب إلى الكونجرس الذي كان بصدد فرض عقوبات على تركيا، في 20 يوليو 2018، إلى أن هناك ضررًا سيلحق بالصناعة العسكرية وتنفيذ التعاقدات، حيث تشارك تركيا، من بين 8 دول أخرى في حلف "الناتو"، في صناعة وتطوير الطائرة منذ عام 1999، إذ تقوم شركة ATI التركية بتصنيع الجزء الأوسط من جسم المقاتلة، وهو ما سوف يتسبب في تأخير مواعيد تسليم التعاقدات الخاصة بالطائرة لفترة قد تزيد على العام ونصف العام. فضلاً عن أنه كان من المقرر أن تكون تركيا هى مركز صيانة المقاتلة الرئيسي. إلى جانب أن هناك أزمة أخرى تتعلق بوضع القسم الأمريكي من قاعدة انجيرليك التركية والتي تشكل مركزًا حيويًا للتحركات العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط.

أما بالنسبة لتركيا، فمن المتصور أيضًا أن هناك خسائر مادية ستتعرض لها الصناعة العسكرية التركية المساهمة في المشروع قدرتها تقارير أمريكية بنحو 12 مليار دولار، إضافة إلى أن هناك نحو 10 شركات تركية ستتضرر نتيجة سحب عقود الصيانة الخاصة بالمقاتلة. كما أن تركيا لن تستطيع تعويض المقاتلة من خلال بديل آخر. 

انعكاسات غير مباشرة:  

واللافت في هذا السياق، أن التعقيدات الراهنة في الأزمة التركية-الأمريكية تتجاوز الخسائر الاقتصادية وتمتد إلى الخسائر والمميزات العسكرية الدفاعية واللوجستية لكل منهما. فربما تتسبب نتائج هذه الأزمة في إعادة تشكيل جانب من محاور التحالفات الجيوستراتيجية في أوروبا والشرق الأوسط، حيث كانت تركيا قريبة من سياسات الدول الغربية، إلا أن أزمة الانضمام للاتحاد الأوروبي إلى جانب محصلة مكاسبها في الصراع السوري، خاصة ما يتعلق بالملف الكردي، يجعلها تميل إلى روسيا التي تحاول بدورها الحصول على مكاسب عديدة من التنسيق مع الأخيرة، خاصة فيما يتصل باستقطاب حليف هام للولايات المتحدة و"الناتو"، فضلاً عن المكاسب اللوجستية المتعلقة بحرية المرور في مضيق البوسفور.

فيما توازن أنقرة بين هذه المكاسب وعوائد العلاقات مع الولايات المتحدة التي تبدو أقل في رؤيتها. كما أنها تعتبر أن حصولها على المقاتلة الأمريكية هو "استحقاق" وليس "منحة"، وفقًا لاتجاهات عديدة في أنقرة، على نحو دفع بعض المسئولين الأمريكيين إلى توجيه انتقادات مستمرة للسياسة التي تتبناها الأخيرة.

محاولات التسوية:

لكن رغم التصعيد المتبادل على الجانبين، إلا أن المحاولات لا تزال قائمة لاحتواء الأزمة. فقد أعلن وزير الدفاع التركي خلوصى أكار، في 15 مارس الجاري، أن هناك محاولة تركية للبحث عن طرق فنية للجمع بين المنطومة والمقاتلة، وبالتالي توفير مسعى لتقديم ضمانات تركية لاحتواء المخاوف الأمريكية من تسرب المعلومات الفنية الخاصة بالمقاتلة، وهو أمر وإن كان مرفوضًا من جانب واشنطن، إلا أنه يظل مؤشرًا على أن احتمال تسوية الخلاف لا يمكن استبعاده. 

وفي مقابل ذلك، صرح القائم بأعمال وزير الدفاع الأمريكي باتريك شاناهان، عقب آخر لقاء جمعه بأكار، في اليوم نفسه، بأن واشنطن معنية بدورها بإيجاد حل، معتبرًا أن حصول تركيا على المقاتلة "إف-35" مكسب استراتيجي هام لقواتها المسلحة. 

وفي النهاية، من المتصور أن حالة الشد والجذب بين واشنطن وأنقرة تعبر عن مستوى تأزم العلاقات بين الطرفين، ومحاولة كل منهما تعزيز فرصه في الحصول على أكبر قدر من المكاسب في إطار تطويع العلاقات على الجانبين، خاصة في ظل إدراكهما أن استغناء كل منهما عن الآخر يبقى خيارًا صعبًا، نظرًا لمستوى التشابكات بينهما والمصالح المتبادلة خاصة العسكرية والأمنية.