أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • د. أحمد سيد حسين يكتب: (ما بعد "قازان": ما الذي يحتاجه "بريكس" ليصبح قوة عالمية مؤثرة؟)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)
  • أ. د. علي الدين هلال يكتب: (بين هاريس وترامب: القضايا الآسيوية الكبرى في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024)

العلاقات الدولية في زمن كورونا

29 مارس، 2021


عندما تُنشر هذه المقالة، يكون قد مر أكثر من عام على تأكد جائحة كورونا التي لم نكن ندري في حينه أبعاد تأثيراتها المختلفة، ولم نكن نتوقع أن تكون لها هذه الآثار الواضحة على العلاقات الدولية. وقد كتبت للمرة الأولى في هذه الصفحة بتاريخ 2020/3/17 مقالة بعنوان «كورونا قضية دولية جديدة»، وفيها ذكّرت بما طرحه الزعيم السوفييتي جورباتشوف، الذي وصل إلى قمة السلطة في عام 1985، وركز منذ بدايات حكمه على أن العالم يواجه تحديات مشتركة مثل المخاطر النووية والمناخية والصحية، وأن هذه التحديات تتطلب تعاوناً دولياً يتجاوز الانقسام الدولي القائم آنذاك. وفي حينه اعتبر البعض أن الرجل يحاول أن يجد مبررات للتخلي عن السياسات السوفييتية التقليدية، لكن التطورات اللاحقة (ومنها جائحة كورونا) تثبت صحة وجهة نظره، بغض النظر عن فشل سياساته. والمفارقة أن جورباتشوف طرح أفكاره تلك لكي يدافع عن المبدأ الذي رفعه وهو «عالم واحد أو لا عالم»، بمعنى أن العالم سيكون في طريقه إلى الفناء ما لم يوحّد جهوده في مواجهة التحديات المشتركة. وقد نجح جورباتشوف بفكرته هذه والسياسات التي بُنيت عليها في تحقيق وفاق حقيقي بين القطبين الأميركي والسوفييتي، بغض النظر عن أن سياساته الداخلية المبنية على مبدأ «إعادة البناء» (البروسترويكا) قد أدت إلى تفكك الاتحاد السوفييتي.

والمفارقة أن فكرة «التحديات المشتركة»، وقد تجلت بأوضح صورة في جائحة كورونا، لم تؤد إلى عمل مشترك من أجل مواجهتها على النحو الذي يحمي الإنسانية من ويلاتها، وإنما على العكس من ذلك أدت إلى سلسلة من التفاعلات الصراعية، سواء بين خصوم متنافسين أو أطراف دولية متعاونة. فقد احتدم التوتر بين الولايات المتحدة والصين وزادت حدته، كلما زاد تعثر السياسة الأميركية في مواجهة الجائحة، بسبب اتهامات ترامب للصين بالمسؤولية عن تفشي الجائحة، سواء اتهامها لها بتصنيع الفيروس في مختبراتها، أو اتهامه لها بإخفائها المعلومات الأولية عن انتشار الوباء على النحو الذي حال دون التحسب له في الوقت المناسب. غير أن التوترات سرعان ما امتدت إلى داخل مجموعات دولية يسودها التعاون، وكان النموذج الأبرز هنا هو الاتحاد الأوروبي الذي عانت بعض دوله في البداية من الوباء أكثر من غيرها، كما بدا واضحاً من حالتي إيطاليا وإسبانيا اللتين ساد فيهما الشعور بأن مؤسسات الاتحاد الأوروبي تخلت عنهما، ومن ثم تعززت حجج المشككين في جدوى الاتحاد، خاصة في ظل صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا والمعادية أصلا للتكامل الأوروبي. وزاد من هذه المشاعر توظيف كل من الصين وروسيا للأزمة، بتوجيه مساعدات طبية للبلدين المنكوبين، على نحو عزز الشعور بتخلي الأصدقاء والحلفاء.

وظهر مبدأ «أمتي أولاً»، بمعنى أنه في ظروف كظروف جائحة كورونا يُعلي كل بلد مصلحة أبنائه على مصلحة إخوانه، وامتد التوتر كذلك إلى العلاقات الأميركية الأوربية عندما حظر ترامب في مارس 2020 السفر إلى الدول الأوربية لتطويق انتشار الجائحة، واستثنى بريطانيا من قراره، مما أعطى للقرار بعداً سياسياً. وبدا من هذا كله أن كورونا تعمل كفاعل دولي نشط لمصلحة انحسار العولمة التي كان البعض يعتقد أنه لا راد لهيمنتها على العلاقات الدولية. وللأمانة، فإن البادئ بتدشين هذا التراجع عن العولمة كان ترامب بشعاره «أميركا أولاً»، لكن كورونا كانت لها إضافتها القوية لهذا التراجع أو الارتداد، بالقيود التي فُرِضت على السفر تطويقاً لانتشارها، وبصعود اتجاهات الاعتماد على الذات بعد أن ثبت بالدليل القاطع أن حركة التجارة الدولية يمكن أن تتأثر بشدة في ظروف خارجة عن السيطرة ولو إلى حين. وها نحن نشاهد الآن ما يمكن تسميته بحرب اللقاحات بين بريطانيا وأوروبا.

*نقلا عن صحيفة الاتحاد