أخبار المركز
  • شريف هريدي يكتب: (الرد المنضبط: حسابات الهجمات الإيرانية "المباشرة" على إسرائيل)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (عام على حرب السودان.. ترابط المسارين الإنساني والسياسي)
  • د. أحمد أمل يكتب: (إرث فاغنر: هل قاد "التضليل المعلوماتي" النيجر للقطيعة مع واشنطن؟)
  • عادل علي يكتب: (موازنة الصين: دوافع تزايد الانتشار الخارجي للقوة البحرية الهندية)
  • إبراهيم فوزي يكتب: (معاقبة أردوغان: لماذا خسر حزب العدالة والتنمية الانتخابات البلدية التركية 2024؟)

انتكاسات متتالية:

تراجع فرص حكومة الدبيبة الليبية في البقاء في السلطة

13 أبريل، 2022


شهدت العاصمة الليبية طرابلس خلال الأيام الأخيرة تصاعداً في حدة التوتر الأمني، في ظل استنفار الميليشيات المسلحة هناك، ووقوع بعض الاشتباكات بينها باستخدام الأسلحة الثقيلة والمتوسطة، مما أسفر عن وقوع عدد من القتلى والجرحى، وجاءت هذه التطورات بالتزامن مع انتقال حكومة فتحي باشاغا إلى مدينة الزاوية في غرب ليبيا، بالتوازي مع رفض حكومة الوحدة الوطنية المقالة برئاسة، عبد الحميد الدبيبة، تسليم السلطة، واتجاهه لتعزيز تحالفاته بتيار الإسلام الراديكالي.

تراجع الدعم للدبيبة:

كشفت التطورات الأخيرة التي شهدتها ليبيا عن تراجع الدعم للدبيبة، وهو ما يمكن عرضه على النحو التالي:

1- تعبئة ميليشيات طرابلس المتناحرة: قام عدد من ميليشيات طرابلس بتعبئة عناصرها، وهو ما ينذر بدخولها في اشتباكات مسلحة ضد بعضها البعض، خاصةً بعدما شهدت العاصمة الليبية مواجهات مسلحة، في 4 أبريل الجاري، في شارع الصريم بوسط طرابلس، بين ميليشيا جهاز دعم الاستقرار، التابع للمجلس الرئاسي، وميليشيا النواصي، التابعة تنظيمياً لوزارة الداخلية بحكومة الدبيبة. وأسفرت هذه المواجهات عن وقوع نحو 8 قتلة وعدد آخر من الجرحى. 

وتأتي هذه الاشتباكات في إطار الصراع القائم بين ميليشيات غرب ليبيا بشأن مناطق النفوذ والموارد، بينما ربطتها تقديرات أخرى بالصراع بين الميليشيات الداعمة للدبيبة وباشاغا. ولايزال التوتر قائماً في العاصمة، حيث أشارت بعض التقارير إلى أن ميليشيات كل من "جهاز الدعم والاستقرار" و"كتيبة النواصي" و"اللواء 444 قتال" وكذا "كتيبة 28 مشاة" عمدوا إلى حشد العديد من عناصرهم.

وسعى الدبيبة خلال الفترة الأخيرة لتعزيز علاقاته بزعماء الميليشيات المسلحة في طرابلس، خاصةً زعيم ميليشيا جهاز دعم الاستقرار، عبد الغني الككلي، المعروف بغنيوة، من خلال الدفع به ليترأس إحدى الوحدات شديدة الحساسية في وزارة الداخلية، في محاولة لضمان دعمه. وعلى الرغم من لعب غنيوة دوراً في إيقاف تقدم حكومة باشاغا نحو طرابلس مطلع مارس الماضي، فإن غنيوة لم يغلق الباب تماماً أمام احتمالية التوصل لتفاهمات مع حكومة باشاغا، خاصةً في ظل توقف إيرادات النفط لحكومة الدبيبة، وهو ما بات يمثل نقطة تهديد كبيرة بالنسبة للأخير.

وفي المقابل، يجري باشاغا مباحثات مع عدد من مليشيات طرابلس، بما في ذلك ميليشيا النواصي، التي يقودها مصطفى قدورة، وذلك لدفعها للتخلي عن الدبيبة، وتمهيد الطريق أمام وصول حكومته إلى طرابلس.

2- حصار الدبيبة اقتصادياً: يرتبط ذلك بقرار المؤسسة الوطنية للنفط بوقف الإمدادات المالية للدبيبة، وهو ما ترجع العديد من التقديرات بالضغوط الأمريكية لدفعه لتسليم السلطة، وهو ما ترتب عليه وجود حالة من السخط داخل ميليشيات غرب ليبيا بسبب تأخر تسلم رواتبهم، بما ينذر بتخليهم عنه.

3- تراجع دعم الإخوان للدبيبة: أعلن القيادي في جماعة إخوان ليبيا، ورئيس الحزب الديمقراطي، محمد صفوان، أن الاشتباكات الأخيرة التي شهدتها طرابلس تعكس انفلاتاً أمنياً وفقدان حكومة الدبيبة القدرة على السيطرة على الأوضاع الأمنية. كما حذر صفوان الدبيبة من استخدام الأموال العامة لكسب دعم الميليشيات المسلحة لتوفير حماية خاصة للحكومة، تضمن بها الاستمرار في السلطة.

وأصدرت مجموعة من أعضاء مجلس الدولة الاستشاري بياناً مشتركاً أعلنوا خلاله عن دعمهم لحكومة فتحي باشاغا وضرورة توليها مهامها في طرابلس. وعلى الرغم من تجنب كاتبي البيان للكشف عن أسمائهم في نهاية البيان، بيد أنه يعكس مؤشرات مهمة بشأن الانقسامات الحادة داخل المجلس الذي تسيطر عليه عناصر إخوان ليبيا، فضلاً عما تعكسه من مؤشرات بشأن قرب نهاية حكومة الدبيبة، مما حدا بعدد من أعضاء الجماعة لمحاولة تبني مقاربة برجماتية في مواقفها، كخطوة استباقية لأي تغيرات محتملة خلال الفترة المقبلة.

خيارات الدبيبة البديلة:

لم يستسلم الدبيبة لتراجع الدعم له، بل واتجاه للبحث عن دعم داخلي وخارجي يكفل له البقاء في السلطة، ويمكن عرض أبرز هذه الخطوات على النحو التالي:

1- تودد الدبيبة للصادق الغرياني: عمد الدبيبة، إلى حضور مفتي ليبيا المعزول، الصادق الغرياني، في احتفالات شهر رمضان التي أقيمت بالعاصمة طرابلس، حيث استغل الغرياني هذه المناسبة لمطالبة مختلف الأطراف الليبية بدعم حكومة الدبيبة، وعدم ترك المجال مفتوحاً أمام تولي حكومة باشاغا.

كما هاجم الغرياني البعثة الأممية وعدد من الدول الإقليمية متهماً إياها بمحاولة فرض حكومة عسكرية في طرابلس، كما دعا الجماعات والميليشيات كافة لدعم حكومة الدبيبة، فضلاً عن دعوته المؤسسة الوطنية للنفط وكذا المصرف المركزي لتجنب اتخاذ أي خطوات ضد حكومة الوحدة الوطنية المقالة.

وعمد الدبيبة، في المقابل، إلى الثناء على شخص الغرياني، وذلك على الرغم من الخلافات التقليدية بينهما، وربما دفعت المصالح المشتركة الطرفين نحو تحالف الضرورة، حيث يسعى الدبيبة لاستغلال نفوذ الغرياني على الجماعات الإرهابية لتعزيز كفته.

وكان الدبيبة قد بدأ منذ فترة في اللجوء إلى الجماعات الإسلامية الراديكالية، لمحاولة تعزيز نفوذه في الداخل، من خلال الترويج لفكرة أنه يستهدف تدشين دولة التوحيد في ليبيا، لكسب تأييد هذه الجماعات.

2- بحث الدبيبة عن دعم الجزائر: تتجه أغلب القوى الفاعلة في الشأن الليبي الدولية والإقليمية لدعم حكومة باشاغا، بما في ذلك تركيا ومصر، الأمر الذي دفع الدبيبة للبحث عن قوى خارجية تدعم موقفه المتأزم، ولعل هذا ما انعكس في الزيارة التي قامت بها وزير الخارجية في حكومة الدبيبة، نجلاء المنقوش، إلى الجزائر في 8 أبريل، حيث التقت خلالها بالرئيس عبد المجيد تبون، وفي أعقاب هذا الاجتماع أعلنت المنقوش أن تبون أكد استمرار دعمه لحكومة الوحدة الوطنية.

دور أمريكي مُرّجح:

يتمثل أحد العوامل التي قد تضعف من موقف الدبيبة في  الموقف الأمريكي، والذي بات داعماً لباشاغا، وفقاً لعدد من المؤشرات، والتي يمكن عرضها على النحو التالي:

1- تراجع فرص المواجهات المسلحة: قد يتحول الصراع بين باشاغا والدبيبة إلى صراع بين الميليشيات الموالية لكل طرف، غير أن الانخراط الأمريكي المتنامي في الملف الليبي، والقلق الغربي بشكل عام من التداعيات المحتملة لعودة الصراعات مرة أخرى في طرابلس ربما يجعل من إمكانية انفجار المشهد غير مرجحة بشكل كبير، وربما يدعم هذا الطرح التصريحات المتكررة من قبل أعضاء حكومة باشاغا، والذين يؤكدون باستمرار أن عملية تسلم السلطة في طرابلس ستتم بشكل سلمي.

2- فك الارتباط بين الدبيبة والبعثة الأممية: يلاحظ أن اتجاه الدبيبة للتحالف مع الغرياني سيعني بالضرورة نهاية أي تفاهمات بين الأول والبعثة الأممية، وهو ما يعني أن هذه التحركات قد تسرع من خروجه من المشهد، خاصة أن المستشارة الأممية، ستيفاني ويليامز، ألمحت إلى أنها تلقت مؤخراً استجابة من قبل رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، بشأن المبادرة الأممية، والتي تنص على تشكيل لجنة من مجلسي النواب والدولة مكونة من 24 عضواً. كما أشارت إلى ضرورة البناء على التوافقات القائمة بين المجلسين، في دلالة على دعمها للتوافق بينهما، والذي يتمثل أحد أهم مخرجاته التوافق على حكومة باشاغا.

3- اهتمام واشنطن بتسوية الأزمة: أعلن سفير واشنطن لدى ليبيا، ريتشارد نوريلاند، عن مبادرة أمريكية تحمل اسم "الاستراتيجية العشرية"، والتي تهدف لتسوية الأزمة الليبية وإنهاء حالة الصراع القائم.

وأعلن رئيس حكومة الاستقرار، فتحي باشاغا، عن دعمه المبادرة الأمريكية، مقابل صمت حكومة الدبيبة إزاء هذه المبادرة، مما يعكس مؤشرات مهمة بشأن وجود ضغوطات أمريكية لدفع الدبيبة لتسليم السلطة، بيد أن الأخير يبدو متمسكاً بالاستمرار في منصبه حتى الآن.

وأشارت تقارير إعلامية إلى وصول باشاغا وعدد من أعضاء حكومته وكذا عدد من نواب البرلمان، إلى غرب ليبيا، وتحديداً مدينة الزاوية، والتي تبعد حوالي 50 كيلومتراً عن طرابلس، في صباح 7 أبريل الجاري، في خطوة ربما تؤشر إلى قرب نهاية حكومة الدبيبة، خاصةً أنها ستكون المرة الأولى التي يصل فيها باشاغا إلى غرب ليبيا منذ حصول حكومته على ثقة البرلمان الليبي.

كما أن وزير الداخلية بحكومة باشاغا، عصام أبو زريبة، كان قد أكد في السابق على أن الحكومة الليبية الجديدة تستعد لدخول طرابلس بشكل سلمي، وينتمي أبو زريبة لمدينة الزاوية بغرب ليبيا.

وفي الختام، تعكس الاصطفافات العسكرية التي تشهدها العاصمة الليبية طرابلس خلال الأيام الأخيرة بين الميليشيات المتصارعة، بالإضافة إلى وجود مؤشرات على اتجاه الولايات المتحدة إلى دعم باشاغا عن تراجع فرص الدبيبة في البقاء في الحكم، على الرغم من سعيه للحصول على دعم الجماعات المتطرفة داخل ليبيا، والجزائر، وهو ما يعني أن خيار المواجهات المسلحة في طرابلس بين الميليشيات الموالية للدبيبة وباشاغا لن يكون أمراً مستبعداً.