أخبار المركز
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)

إزالة "الركام":

معضلات التعامل مع الأنقاض في بؤر الصراعات العربية

15 نوفمبر، 2020


تواجه عملية رفع الأنقاض الناتجة عن قصف الأبنية والإضرار بالموارد وتلويث آبار المياه وإحراق المحاصيل وتسميم التربة في بؤر الصراعات المسلحة العربية، حزمة من المشكلات التي تتمثل في تعثر عمليات إعادة الإعمار لارتباطها بالتباينات السياسية بين الأطراف الدولية، وغلبة المبادرات الفردية على التحركات الحكومية، والافتقار إلى خبراء الفرز ولجان التقييم لتلك الأنقاض، وصعوبة التمييز بين المُخلَّفات الضارة (مثل الألغام التي لا يمكن رؤيتها) والمُخلَّفات غير الضارة، وعدم عودة النازحين لتخوفهم من الألغام والذخائر غير المتفجرة.

وقد أدت الصراعات المسلحة التي شهدتها بعض الدول العربية، خلال العقد الماضي، إلى تدمير في الحجر سواء بشكل بالغ أو جزئي، لتحقيق مكاسب عسكرية، وهو ما خلَّف مجموعة من الأنقاض. لذا، أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة مؤخراً أن السادس من نوفمبر من كل عام سيكون اليوم الدولي لمنع استخدام البيئة في الحروب والصراعات العسكرية. وبرغم أنه يوجد تعاون بين بعض الحكومات العربية ومنظمة الأمم المتحدة لإعادة تأهيل البنية التحتية في بؤر الصراعات المسلحة، إلا أن هناك عقبات عدة لا تزال تواجه محاولات التعامل مع ركام الأنقاض، يمكن تناولها على النحو التالي:

إعمار مؤجل

1- تعثر عمليات إعادة الإعمار: تعد إزالة الأنقاض الخطوة الأولى في عملية إعادة الإعمار للدول المنكوبة بالصراعات المسلحة، الأمر الذي يرتبط بدوره بالحل السياسي. فعلى سبيل المثال، تتعثر المفاوضات القائمة بين الدول الضامنة لمسار الأستانة (روسيا وتركيا وإيران) والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بشأن عملية إعادة الإعمار في سوريا، في ظل الانتقادات التي توجه للنظام السوري، فضلاً عن استمرار تطبيق العقوبات الغربية المفروضة عليه فيما يعرف بقانون "قيصر". فهناك إدراك غربي بأن النظام السوري يحاول الترويج إلى أنه انتقل من مرحلة الانتصار في مواجهة الجماعات المسلحة والتنظيمات الإرهابية إلى المرحلة التالية (إعادة الإعمار). 

يضاف إلى ذلك طول المدة الزمنية التي تستغرقها عملية إعادة الإعمار، والتكلفة المالية التي تخصص لها نظراً لتنامي الخسائر التي تعرضت لها الدول من تلك الصراعات الممتدة. وفي هذا السياق، قدَّر تقرير لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا تحت عنوان "سوريا: بعد ثماني سنوات من الحرب" في 24 سبتمبر 2020، خسائر سوريا نتيجة الصراعات المسلحة التي شهدتها، بنحو 442 مليار دولار، بعدما كان تقرير سابق في عام 2016 قدَّر تكلفة تلك الصراعات بـ 260 مليار. 

وأضاف التقرير أن "11.7 مليون شخص بحاجة إلى شكل من أشكال المساعدات الإنسانية، وأن ثلاثة ملايين طفل خارج المدارس، وأن الوضع مهدد بتفكك النسيج الاجتماعي وبتدهور حاد في التنمية البشرية". وذكر التقرير أن "82 في المئة من الأضرار الناجمة عن النزاع تراكمت في سبعة من أكثر القطاعات طلباً لرأس المال، وهى الإسكان والتعدين والأمن والنقل والصناعة التحويلية والكهرباء والصحة".

حالات فردية 

2-غلبة المبادرات الفردية على التحركات الحكومية: وهو ما ينطبق على بعض حالات بؤر الصراعات، مثلما هو قائم في سوريا. فرغم التوجه الحكومي لإصدار تشريعات تتعلق بإزالة الأنقاض، عبر إصدار القانون رقم 3 لعام 2018، الخاص "بإزالة أنقاض الأبنية المتضررة نتيجة أسباب طبيعية أو غير طبيعية أو لخضوعها للقوانين التي تقضي بهدمها"، إلا أن تطبيق ما جاء فيه على أرض الواقع لم يبدأ بعد بشكل فعلي، في الوقت الذي تنشط عدة حالات فردية لإزالة الأنقاض من قبل أصحاب العقارات القاطنين في الأحياء المدمرة، وهو ما يختلف طبقاً للقدرة المالية للسكان، نظراً لارتفاع أسعار المواد الأساسية اللازمة للترميم واستئجار معدات إزالة الأنقاض. في حين تتركز العمليات الحكومية على تنظيف المناطق العامة والشوارع الرئيسية.

تقييم الأضرار

3- الافتقاد إلى خبراء الفرز ولجان التقييم: يعتبر البعض أن الأنقاض تعد ثروة وطنية مهدرة في عدد من دول الإقليم مقارنة بدول العالم المتقدم، لأن هناك إدراكاً لأهمية عملية إعادة تدويرها للاستفادة منها في استخدامات إنشائية مستقبلية، وهو ما يتطلب تشكيل لجان فنية من نقابات المهندسين، مثلاً، للوقوف على تقييم الأضرار وترحيل الأنقاض ونسبتها من إجمالي المباني المدمرة.

وفي هذا السياق، يشير البعض إلى أنه غالباً يتم اتباع وسائل محددة للتعامل مع هذه الأنقاض في الدول التي تتوافر فيها معامل إعادة التدوير، ولكن يختلف أسلوب التعامل مع الأنقاض طبقاً لنوعها، فعمليات الهدم تنتج عنها مواد يمكن بعد فصلها أو تجميعها تقسيمها إلى مواد وعناصر مقبول استخدامها مباشرة بحالتها (معادن، وحديد، وخشب)، أو مواد يمكن إعادة استخدامها بعد المعالجة مثل (الركام، والحجر، والخشب)، أو مواد لا يمكن استخدامها لأنها ملوثة وضارة بالبيئة والصحة مثل مواد العزل.

ذخائر غير متفجرة

4- صعوبة التمييز بين المُخلَّفات الضارة والمُخلَّفات غير الضارة: من الأهمية بمكان أن يتم فرز المُخلَّفات الضارة "المرئية" مثل الركام والمُخلَّفات الضارة غير المرئية مثل "الألغام" التي يتم زرعها من قبل الميلشيات المسلحة والتنظيمات الإرهابية لمنع الاستقرار والأمن في هذه المنطقة، وهو ما تشهده بعض المدن اليمنية، وكذلك الحال في عدد من المحافظات العراقية، إذ قدَّرت السلطات في محافظة كركوك أنه بين عامى 2014 و2017، تراكم 8 إلى 9 ملايين طن من الحطام خلال الحرب على تنظيم "داعش"، ويتمثل التحدي الأكبر في التعامل مع هذه الأنقاض في احتمال وجود ذخائر غير متفجرة مدفونة تحتها.

كما حذر آمر سرية الألغام ومُخلَّفات الحرب التابعة لما يسمى بغرفة عمليات "سرت الجفرة" الموالية لحكومة الوفاق الليبية، في 17 أكتوبر الفائت، المواطنين من الاقتراب من المنطقة الممتدة من غرب سرت إلى جنوبها، وقال أن "هذا التحذير يأتي لخطورة المنطقة ووجود كم هائل من الألغام التي زرعتها مرتزقة فاغنر الروسية"، على حد قوله، الأمر الذي يشير إلى خطر كامن يواجه دولة ما بعد الصراعات في ليبيا وهو الألغام.

قضية العائدين

5-عدم عودة النازحين: تعاني بعض المدن المنكوبة بالصراعات المسلحة أو التنظيمات الإرهابية وخاصة في سوريا والعراق من مشكلات عدة، حتى بعد سكوت المدافع، الأمر الذي يحول دون عودة المواطنين النازحين إلى ديارهم واستقرار العائدين منهم في مناطق جغرافية أكثر أماناً. وقد شدد نائب محافظ كركوك للشئون الفنية علي حمادي، في تصريح لوسائل الإعلام في 17 إبريل الماضي، على أن وجود كميات ضخمة من الأنقاض وسط ممتلكات الناس يمثل العقبة الرئيسية التي تحول دون عودة 80% على الأقل من النازحين.

وفي هذا السياق، تجدر الإشارة إلى مشروع أطلق في إبريل الماضي لإعادة نازحي كركوك، بهدف إزالة الأنقاض التي دمرتها سنوات المواجهة بين الجيش العراقي وتنظيم "داعش"، وذلك عبر إعادة تدوير الركام وإعادة إعمار المنازل (حوالي 10 آلاف)، لاسيما في ظل مواجهة تحديات جائحة "كوفيد-19". ويعد المشروع حصيلة جهود كل من برنامج الأمم المتحدة للبيئة "اليونيب" والمنظمة الدولية للهجرة، وبدعم من الحكومة اليابانية. 

فقد سعت "اليونيب" للتنسيق مع محافظة كركوك التي شكلت "لجنة معالجة الأنقاض" ووزارة البيئة العراقية لتعزيز القدرات من أجل تطوير خطط مثلى لإدارة الأنقاض وتطبيقها. ويستفيد المشروع أيضاً من دعم وتيسير بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق "يونامي" وبنك التنمية الألماني في الموصل. كما أعلنت اليابان اعتزامها تقديم مساعدات للعراق بـ41 مليون دولار للإسهام في مشروع التدوير في كركوك كجزء من الجهود المبذولة لتسهيل عملية العودة للنازحين.

تحدٍ ضاغط:

خلاصة القول، إن مُخلَّفات الأبنية المهدمة (الأنقاض) في بؤر الصراعات المسلحة بخلاف الأنقاض الناتجة عن عوامل طبيعية مثل الزلازل (على نحو ما شهدته محافظة أزمير في تركيا في 30 أكتوبر الفائت) والانفجارات الأرضية (وهو ما شهدته لبنان في انفجار مرفأ بيروت في 4 أغسطس الماضي لدرجة أن محافظ بيروت صرح بأن هذا الانفجار لم تشهده المدينة خلال الحرب الأهلية) تمثل أحد التحديات التي تواجه الدول في "اليوم التالي" لسكوت المدافع أو حتى كمرحلة انتقال من الدمار إلى الإعمار، فضلاً عن الدول المستقرة نسبياً والتي تراهن على تفعيل هيئة إدارة الكوارث والأزمات، للتعامل مع الكوارث الطبيعية التي تقع بشكل مفاجئ. ورغم المساعدات التي تقدمها بعض الجهات المانحة، سواء التابعة للأمم المتحدة أو للحكومات، إلى الدول المأزومة، إلا أنها ليست كافية للتعامل مع هذا الكم من الأنقاض.