أخبار المركز
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)

آليات تقليدية:

دوافع استهداف "القاعدة" للشركات الأجنبية بمنطقة الساحل؟

24 مايو، 2018


بدأت الجماعات الإرهابية التابعة لتنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، الذي ينشط في منطقة الساحل والصحراء، في توجيه تهديدات جديدة إلى الشركات الأجنبية العاملة في هذه المنطقة، وهى الآلية نفسها التي سبق أن استخدمها التنظيم الرئيسي في عام 2013 تحديدًا، حيث وصفت جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين"، التي تعد أحد الفروع الرئيسية للتنظيم، في بيان أصدرته في 9 مايو الجاري، الشركات الغربية العاملة في هذه المنطقة بأنها "أهداف مشروعة"، وحثت على مقاطعتها واستهدافها، وهو ما لا ينفصل عن مجموعة متغيرات رئيسية يتمثل أبرزها في تزايد الاهتمام الدولي والإقليمي بدعم قوة الساحل والصحراء وتصاعد نشاط تنظيم "داعش" في تلك المنطقة.

مغزى التوقيت:

اللافت في هذا السياق هو أن هذه التهديدات تتزامن مع الجهود التي تبذلها العديد من القوى الإقليمية والدولية المعنية بالحرب ضد الإرهاب من أجل تفعيل دور قوة الساحل، التي تتشكل من جيوش خمس دول هى موريتانيا ومالي وبوركينافاسو وتشاد والنيجر، لمواجهة التنظيمات الإرهابية المنتشرة في منطقة الساحل والصحراء، وهو ما يعني أن "القاعدة" يحاول التعاطي مع تلك الخطوة عبر تأكيد قدرته على تنفيذ عمليات نوعية ومواجهة الضغوط التي يتعرض لها.

وهنا، فإن استهداف المصالح الاقتصادية للقوى الأجنبية يعد من أهم الآليات التي يستند إليها في توجيه ضرباته، خاصة أنها تحظى باهتمام خاص من جانب دول المنطقة، التي تعول على الاستثمارات الأجنبية في دعم اقتصادياتها الوطنية.

كما أن اقتراب انهيار تنظيم "داعش" في سوريا يجعل منطقة الساحل والصحراء إحدى المناطق المرشحة لاستقطاب الإرهابيين العائدين منها، لا سيما بعد إعلان مجموعة أبو الوليد الصحراوي، وهى إحدى أهم المجموعات الموالية لـ"داعش"، العودة إلى المنطقة مجددًا في بداية العام الجاري.

ومن دون شك، فإن ذلك يمكن أن يؤدي إلى تفاقم الأزمات الأمنية في هذه المنطقة، ويجعلها بؤرة جاذبة سواء للإرهابيين أو لعصابات التهريب وتجارة المخدرات، على نحو سوف يفرض تهديدات لا تبدو هينة للشركات الأجنبية، خاصة وأنه من المتوقع أن يمارس العديد من هؤلاء العائدين نشاطهم الإرهابي بشكل فردى، في إطار ما يطلق عليهم "الذئاب المنفردة"، عبر استهداف تلك الشركات أو العاملين فيها.

ولا ينفصل ذلك أيضًا عن اتجاه المجموعات التابعة لتنظيم "القاعدة" إلى تركيز بعض عملياتها الإرهابية على استهداف القوات والمصالح الفرنسية والأممية إلى جانب جيوش دول المنطقة، على غرار الهجومين المنفصلين اللذين استهدفا قوة عسكرية تابعة لقوات حفظ السلام في مالي في 24 نوفمبر 2017، وأسفرا عن مقتل 5 وإصابة 21 جنديًا على الأقل من القوة الأممية والجيش المالي، والهجوم الذي تعرضت له السفارة الفرنسية ومقر الجيش البوركيني في واجادوجو في 2 مارس 2018، وأدى إلى مقتل 8 أشخاص.

أسباب عديدة:

يمكن تفسير حرص تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" على تجديد استهدافه للشركات الأجنبية في ذلك التوقيت في ضوء اعتبارات عديدة يتمثل أبرزها في:

1- هدف رخو: تعد الشركات الأجنبية العاملة في منطقة الساحل والصحراء، وفقًا لاتجاهات عديدة، إحدى الأهداف التي يمكن الوصول إليها عبر تحركات وخطوات أقل تعقيدًا مقارنة بالأهداف العسكرية أو الحيوية التي تتزايد صعوبات استهدافها نظرًا لأنها تخضع لإجراءات أمنية أكبر، لا سيما وأن استهداف الشركات لا يقتصر فقط على المنشآت التابعة لها، وإنما يمتد أيضًا إلى العاملين الأجانب في مواقعها، على غرار الهجوم الذي وقع في منطقة عين اميناس جنوب شرقى الجزائر في يناير 2013، عندما تم احتجاز أكثر من 650 شخصًا من بينهم ما يزيد عن 150 من الأجانب من جنسيات مختلفة، وذلك قبل أن تتدخل القوات الجزائرية لتحريرهم، حيث غالبًا ما يمثل هؤلاء العاملون هدفًا مهمًا لهذه التنظيمات.

2- مصدر تمويل: يعد استهداف العاملين في الشركات الأجنبية مصدرًا رئيسيًا لتمويل أنشطة التنظيمات الإرهابية، التي تنفذ عناصرها عمليات اختطاف مستمرة للعاملين الأجانب بها، والتي يعقبها طلب فديات مقابل الإفراج عنهم، وهو ما حدث في دول عديدة بالمنطقة تنشط فيها مثل تلك التنظيمات.

وقد قامت جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" التابعة لتنظيم "القاعدة" في مالي، في بداية يوليو 2017، ببث فيديو يظهر 6 أجانب على قيد الحياة كانت قد اختطفتهم، وذلك قبيل الزيارة التي قام بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى مالي بعد ذلك بيوم واحد، حيث كانت مكافحة الإرهاب أحد المحاور الرئيسية في محادثاته مع المسئولين في باماكو.

3- أوراق ضغط: يحاول تنظيم "القاعدة" عبر التهديد باستهداف الشركات الأجنبية، لا سيما الفرنسية منها، ممارسة ضغوط على الدول المشاركة في قوة الساحل للانسحاب من هذه القوة، التي يعتبر أنها تمثل آلية مهمة قد تؤدي إلى تراجع قوته وتعرضه لخسائر بشرية ومادية كبيرة على غرار تلك التي منى بها "داعش" في العراق وسوريا، في ظل الاهتمام الخاص الذي تبديه دول المنطقة فضلاً عن القوى الإقليمية والدولية المعنية بمكافحة نشاطه فيها.

4- إثبات النفوذ: يبدي قادة تنظيم "القاعدة" قلقًا خاصًا إزاء تصاعد نشاط تنظيم "داعش" في تلك المنطقة، والذي انعكس في البيان الذي أصدره التنظيم، في 12 يناير 2018، ويعلن فيه مسئوليته عن بعض الهجمات الإرهابية، التي يأتي في مقدمتها الهجوم الذي استهدف مجموعة من عناصر القوات الخاصة الأمريكية، في 4 أكتوبر 2017 بالنيجر، على نحو قد يؤدي إلى اتساع نطاق نفوذ الأخير، وهو ما دفعهم إلى العودة من جديد إلى تبني الآليات التقليدية الخاصة باستهداف الشركات الأجنبية ضمن مساعي إثبات النفوذ وتأكيد القدرة على منافسة التنظيمات الإرهابية الأخرى.

وعلى ضوء ما سبق، يمكن القول إن التهديدات الأخيرة التي وجهتها الجماعات الإرهابية التابعة لتنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" للشركات الأجنبية التي تعمل في منطقة الساحل والصحراء قد تمثل بداية لموجة إرهابية جديدة تركز على استهداف مصالح القوى الأجنبية التي تبدي اهتمامًا خاصًا بالقضاء على تلك التهديدات ودعم الاستقرار في تلك المنطقة.