أخبار المركز
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)

الاحتواء العنيف:

كيف يتعامل النظام الإيراني مع الاحتجاجات الشعبية؟

03 يناير، 2018


أدى الانتشار السريع والتمدد المفاجئ للاحتجاجات إلى توظيف النظام الحاكم في إيران آليات متزامنة لإنهاء واحتواء الحراك الشعبي، فعقب امتداد المظاهرات سعى النظام لتجاوز حالة اختلال التوازن الناتجة عن الصدمة، وقام باتباع عدة إجراءات جمعت بين التصعيد والتهدئة في آن واحد.

ففي مقابل الدعوات للتهدئة والوعود بإجراء إصلاحات اقتصادية وإعادة النظر في الموازنة والاستجابة للمطالب الاجتماعية؛ قام النظام الحاكم في طهران باتباع إجراءات أمنية متشددة، من بينها: توجيه الاتهامات بالعمالة للمتظاهرين، واتهامهم بارتكاب أعمال تخريبية، والتهديد بالتصعيد أو الاستعانة بالميليشيات التابعة للنظام الإيراني، فضلًا عن الاستهداف الأمني للاحتجاجات وتطويقها.

إجراءات المواجهة:

اتبع النظام الإيراني عدة إجراءات لإنهاء الاحتجاجات المتزايدة، منها: الاعتقال، والتصعيد العنيف ضد المتظاهرين، والتهديد بقمع المظاهرات، والاستعانة بالميليشيات المُسلحة. وفي الوقت ذاته سعى النظام لإعادة النظر في الموازنة التي قدمها الرئيس روحاني، وتقديم بعض الوعود بتحسين الأوضاع الاقتصادية، وتتمثل أهم آليات مواجهة الاحتجاجات من جانب النظام الإيراني فيما يلي:

1- الاتهامات بالعمالة: اتهم المرشد الأعلى "آية الله علي خامنئي" المتظاهرين بأنهم "عملاء ومخربون" وذلك في 2 يناير 2018، ويمثل هذا التصريح ذروة النهج القمعي للنظام؛ لأنه لا يُعد تصريحًا سياسيًّا فحسب؛ بل يعد بمثابة أمر إلى الأجهزة القضائية والأمنية باتخاذ التدابير الفورية لإنهاء ما وصفه بـ"المؤامرة".

2- تهديد المتظاهرين: هدد الحرس الثوري الإيراني المتظاهرين المناهضين للنظام بالرد بقبضة من حديد إذا استمرت الاحتجاجات السياسية؛ حيث صرح الجنرال "إسماعيل كوساري" نائب قائد الأمن بالحرس الثوري في طهران "بأن الوضع في العاصمة تحت السيطرة، وحذر المتظاهرين من أنهم سيواجهون القبضة الحديدية للأمة إذا استمرت الاضطرابات".

كما وصف وزير الداخلية الإيراني "عبدالرضا رحماني فضلي" المتظاهرين بالمرتزقة والمخربين، وهددهم بالملاحقة الأمنية"؛ إذ صرح في 31 ديسمبر 2017 "الذين يخربون الأملاك العامة، ويثيرون الفوضى ويتصرفون بشكل مخالف للقانون بأنهم سيحاسبون على أفعالهم ويدفعون الثمن. سنتصدى للعنف وللذين يثيرون الخوف والرعب".

وهو نفس الاتجاه الذي ذهبت إليه تصريحات رئيس السلطة القضائية "صادق لاريجاني" في مطلع يناير 2018، حيث صرح بأن إيران "لن تسمح لمثيري الشغب بالعبث بالأمن الداخلي، وينبغي التصدي لهم بحزم"، وطلب من القوات الأمنية وضباط القضاء التعامل مع المحتجين.

وتُعد هذه التصريحات وكأنها بمثابة تفويض قانوني بقمع المظاهرات، وهو ما أكد عليه المدعي العام الإيراني "محمد جعفري" من خلال حثّ المواطنين على تقديم المعلومات عن مثيري الشغب للأجهزة الأمنية، مصرحًا بأن الجهاز القضائي سيتصدى بحزم لهم.

3- المواجهة العنيفة: في ضوء هذه التوجيهات من رأس الدولة، ورئيس السلطة القضائية، والمدعي العام للبلاد، كان لدى الأجهزة الأمنية مسوغات عديدة لاستخدام القمع المفرط للقضاء على كل مظاهرة تنشب في مدن الجمهورية؛ حيث استخدمت قوات الأمن قنابل الغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه والهراوات لتفريق المتظاهرين، خاصة في مدينة تبريز وكرمنشاه ومشهد وقم وأصفهان. ومع استمرار تواجد المتظاهرين في الميادين تم استخدام الرصاص الحي الذي أدى إلى مقتل ما يقدر بحوالي 22 إيرانيًّا حسب المصادر الرسمية، بيد أن المعارضة الإيرانية تؤكد أن عدد القتلى أعلى بكثير.

وقد تدخل الحرس الثوري الإيراني في هذه التظاهرات، حيث قام بمهاجمة 2017 مظاهرة ليلية في 30 ديسمبر في مدينة "درود" الواقعة بمحافظة لورستان بوسط إيران، مما أدى إلى مقتل 4 متظاهرين.

وعلى الرغم من ادعاء النظام الإيراني بأن بعض "مثيري الشغب" قد تسللوا بين المتظاهرين، وقاموا بإثارة الشغب وإطلاق النار؛ إلا أن بعض المقاطع المصورة التي تم تصويرها بواسطة المتظاهرين تؤكد ضلوع النظام في عمليات العنف.

4- الأعمال التخريبية: أظهرت مقاطع مصورة نشرها المتظاهرون على موقع التواصل الاجتماعي تويتر قيام قوات الأمن بتخريب الممتلكات العامة، ونهب المحال التجارية، وتحطيم زجاج السيارات حتى يكون ذلك مبررًا لاتهام السلطاتِ المتظاهرين بأنهم مخربون وليسوا سلميين، بهدف تشويه المتظاهرين والمحتجين ضمن الحرب الإعلامية التي يخوضها النظام الإيراني لتبرير اتباع العنف والقوة المفرطة في مواجهتهم.

5- تطويق المتظاهرين: حاولت قوات الأمن تطويق المتظاهرين لفضها، خاصة احتجاجات الطلاب الجامعيين، حيث حاصرت قوات الأمن الداخلي الإيراني وقوات الحرس الثوري وميليشيات التعبئة الشعبية العامة "الباسيج"، طلاب جامعة طهران المنتفضين الذين هتفوا داخل الحرم الجامعي بشعارات مثل "ارحل يا خامنئي" و"الموت للديكتاتور" و"لعبة الإصلاحيين والأصوليين انتهت"، وبعد تطويق التظاهرات تم إطلاق الرصاص الحي على الطلاب بحسب مقطع فيديو منتشر على مواقع التواصل الاجتماعي نشر في 30 ديسمبر 2017.

6- الاستقواء بالميليشيات: يشير بعض المحللين إلى أن إيران قد تستعين بالميليشيات الخارجية التي دربتها في دول أخرى في حال تفاقم الأوضاع، وهو ما يتضح من خلال تصريح وزير النقل العراقي السابق "باقر صولاغ"، في 2 يناير 2018، "بأن التظاهرات في إيران جاءت بدعم من الاستكبار العالمي، وهذه التظاهرات ستفشل بقوة الحديد، وقوات الحشد الشعبي سيكون لها دور كبير في قمع هذه التظاهرات التي تريد إسقاط ولاية الفقيه، روحنا لها الفداء".

وعلى الرغم من عدم لجوء النظام الإيراني للاستعانة بالميليشيات التابعة له (مثل: حزب الله اللبناني، والحشد الشعبي في العراق)؛ إلا أنه يعتبرهم خط الدفاع الأخير في مواجهة المحتجين في حالة خروج الأوضاع عن السيطرة.

7- حجب "التواصل الاجتماعي": قامت السلطات الإيرانية بحجب موقعي التواصل الاجتماعي "تليجرام" و"إنستجرام"، خاصة بعد أن تداولت بعض الصفحات على تليجرام أماكن التظاهرات وأخبارها، بالإضافة إلى بث مقاطع مصورة للمتظاهرين مثل قناة "آمد نيوز" التي يديرها الصحفي الإيراني المنفي "روح الله زام". وقد أعلن وزير الاتصالات الإيراني "محمد جواد آذري جهرمي" في 3 يناير 2018، أنه تواصل مع رئيس تليجرام بالبريد الإلكتروني وأخبره أن عودة التطبيق مرهونة بحذف المحتوى الذي يحرض على العنف والأعمال الإرهابية. كما قامت إيران بتخفيض سرعة الإنترنت، وهو الإجراء الذي اتبعته في احتجاجات 2009 أيضًا.

8- محاولات التهدئة: على الرغم من ممارسات العنف تجاه المتظاهرين، إلا أن هذا لا ينفي وجود بعض محاولات للتهدئة من قبل النظام؛ حيث ألقى الرئيس الإيراني روحاني خطابًا طالب فيه الإيرانيين بالتعبير عن آرائهم دون اللجوء إلى العنف، معترفًا بالمصاعب الاقتصادية التي دفعت المواطنين للخروج إلى الشوارع. بيد أن خطابه حمل أيضًا تهديدات باتخاذ إجراءات حاسمة.

كما صرّح المتحدث باسم الحكومة الإيرانية "محمد باقر نوبخت"، في 30 ديسمبر 2017، "بأن هناك خططًا اقتصادية مستقبلية لتحسين الأوضاع في إيران، وأنه قد تم وضع فصل كامل في ميزانية عام 2018 لإيجاد فرص عمل، وتم إدخال 650 ألف فرصة عمل إلى السوق العام الماضي"، مع السعي لإجراء تعديلات على الميزانية العامة التي تم تقديمها إلى مجلس الشوري في ديسمبر 2017.

وفي هذا السياق، صرح المتحدث باسم لجنة توفيق الموازنة "علي أصغر يوسف نجاد"، في 2 يناير 2018، بأن "اللجنة صادقت على عدم رفع أسعار الكهرباء والغاز والماء في موازنة العام المقبل"؛ إلا أن هذه الخطوات جاءت متأخرة بعد سقوط عدد من القتلى في الاحتجاجات، ولا تمثل حلًّا جذريًّا للمطالب الاقتصادية التي طرحها المتظاهرون.

تراجع السيطرة:

أتت محاولات التهدئة واحتواء المتظاهرين من قبل النظام الإيراني متأخرة بعد أن تصاعدت حدة التظاهرات بشكل كبير، وانتشرت في عدد كبير من المدن، وهو ما دفع بعض التحليلات للتوصل إلى استنتاج مفاده أن عدم اتزان رد فعل النظام الإيراني واتباعه الإجراءات القمعية العنيفة قد أسهم في تأجيج الاحتجاجات التي رفعت في بدايتها مطالب غير سياسية اقتصادية واجتماعية كان من الممكن احتواؤها سياسيًّا.

فالاحتجاجات لم تبدأ سوى بأعداد محدودة بسبب الاعتراض على خطة موازنة العام المالي الجديد التي عرضها الرئيس حسن روحاني على مجلس الشورى الإسلامي في ديسمبر 2017، لكن بعد أن تعامل الأمن بإجراءات قمعية تصاعدت حدتها في اليوم التالي مباشرة لتمتد إلى ثلاث مدن كبرى.

وشهدت هذه التظاهرات انتشارًا جغرافيًّا أوسع نطاقًا في الأيام التالية، ونجحت في استقطاب قوميات غير فارسية، مثل: "الأذريين" في مدن مثل أرومية وتبريز، و"الكردستانيين" في كرمنشاه، و"العرب" في الإقليم الأحوازي، وهو ما جعل التظاهرات تتحول إلى احتجاجات سياسية كبرى تسعى لمحاكاة نموذج "ثورات الربيع العربي".

وساهمت الدعوات التحريضية لبعض رجال الدين في "خراسان رضوي" إلى شرعنة قمع المتظاهرين مثل "آية الله أحمد علم الهدى" ممثل المرشد في "مشهد" والذي صرح في 30  ديسمبر 2017 لوكالة الأنباء الإيرانية بأنه "إذا تركت وكالات الأمن وإنفاذ القانون مثيري الشغب وشأنهم فإن الأعداء سينشرون تسجيلات وصورًا في إعلامهم ويقولون إن نظام الجمهورية الإسلامية فقد قاعدته الثورية في مشهد".

وبمتابعة خرائط انتشار الاحتجاجات والزخم الذي تكتسبه يوميًّا في عددٍ من المحافظات والمدن، يمكن القول إن محاولة قمع الاحتجاجات قد أدت إلى نتيجة عكسية، لا سيما بعد سقوط قتلى تصاعدت بسببها حالة الغضب ضد النظام والرغبة في الثأر؛ فبعد سقوط أول قتيلين على يد قوات الأمن تصاعدت حدة هذه الاحتجاجات تدريجيًّا حتى قام المتظاهرون بالانتقال من وسط طهران إلى شارع باستور حيث يقيم المرشد الأعلى "علي خامنئي" في 1 يناير 2018.

وربما أدى هذا العنف إلى خلق حالة من التعاطف تجاه المتظاهرين؛ حيث تداول بعض المتابعين على موقع التواصل الاجتماعي تويتر أنباء تفيد بوجود تعاطف من جانب بعض جنود الأمن مع المتظاهرين، ورفض بعضهم إطلاق النار على المتظاهرين، كما نشر حساب "الشباب الإيراني الأمريكي" استقالة ضابط إيراني اعتراضًا على آليات التعامل مع المتظاهرين في 31 ديسمبر 2017. كما صرح المرجع الديني الإيراني في مدينة قم "نوري همداني"، في 30 ديسمبر 2017، بدعمه للاحتجاجات الشعبية، قائلًا: "إن الناس يطالبون بحقهم، ويجب علينا دعمهم".

إجمالًا، يمكن القول إن سياسة القمع التي انتهجها النظام الإيراني، بتحريض من جانب الأقطاب الرئيسية (الدينية، والسياسية، والقضائية، والأمنية) في طهران، أدت إلى تصاعد حدة الاحتجاجات، واكتسابها زخمًا سياسيًّا يتجاوز ما شهدته إيران خلال احتجاجات عام 2009، في ظل تحولات البيئة الداخلية، وتفاقم حالة الاستياء الشعبي من سياسات البلاد الخارجية التي أدت إلى تفجر الأزمات الاقتصادية الداخلية وتردي الأوضاع الاجتماعية.