أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

جدل علاقة إيران ووكلائها.. توافق التوجهات ومرونة التحركات

22 فبراير، 2024


تظل العلاقات بين إيران والتنظيمات الموالية أو الصديقة لها في لبنان والعراق وسوريا واليمن وفلسطين، نهباً للتفسيرات المختلفة والمتعارضة، ما بين أنها علاقات تقارب أيديولوجي ومصالح مشتركة، أو أنها علاقات توجيه وهيمنة وتبعية.

ويرجع هذا الاختلاف إلى أن العلاقات بين إيران والتنظيمات والجماعات الموالية لها، تحوطها السرية والكتمان، كما يرجع إلى الالتباس الذي تثيره تصريحات أطراف تلك العلاقات بشأنها. فعلى سبيل المثال، فإن قادة إيران وهذه التنظيمات يستخدمون شعارات تؤكد عمق الصلة بينهم، مثل: "محور المقاومة"؛ الذي يشير إلى التنظيمات والمليشيات المناهضة للولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، والصديقة لإيران. وكذلك شعار "وحدة الساحات"؛ الذي استخدمته إيران لوصف العلاقة التي تربطها بهذه التنظيمات، وهو نفس الشعار الذي أطلقته "سرايا القدس" على المواجهة مع إسرائيل في عام 2022. وشعار "غرفة العمليات المشتركة" التي أُعلن عن تشكيلها في عام 2021 إبان المواجهة بين حركة حماس والجيش الإسرائيلي، وتكونت هذه الغرفة في بيروت وشارك فيها ضباط من حزب الله اللبناني والحرس الثوري الإيراني وحركة حماس وفصائل فلسطينية أخرى.

وتعطي هذه التعبيرات الانطباع بوجود علاقات وظيفية وتنظيمية عميقة بين هذه الأطراف، تتضمن تبادلاً للمعلومات والتنسيق بين الخطط والأنشطة. في نفس الوقت، ثمة تصريحات أخرى تعطي انطباعاً مُخالفاً، فتؤكد استقلال كل تنظيم وحريته في التحركات التي يعتبرها مناسبة لتحقيق أهدافه الوطنية.

وأفصح هذا الالتباس عن نفسه في التصريحات الخاصة بعملية "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر 2023. فتركزت تعقيبات أطراف ما يُسمى بـ"محور المقاومة" على أن قرار هذه العملية كان فلسطينياً بحتاً، وأن حركة حماس انفردت بالتخطيط والإعداد له. واتصالاً بذلك، باركت إيران هذه العملية، مؤكدة أنها ليست لها أي صلة بها، وفقاً لتصريح المرشد الأعلى، علي خامنئي. وكانت المفاجئة عندما صرح المتحدث الرسمي باسم الحرس الثوري الإيراني، رمضان شريف، في 27 ديسمبر الماضي، بأن هذه العملية كانت "إحدى عمليات الانتقام لاغتيال قاسم سليماني، وهذه الانتقامات ستبقى مستمرة". وهنا كانت المفاجئة شديدة، وأصدرت حركة حماس نفياً قاطعاً، وتراجع شريف عن تصريحه في اليوم التالي بدعوى أنه أُسيء فهمه. 

حالات متنوعة:

الأمر المؤكد أن هناك تشابكات وترابطات بين إيران وتلك التنظيمات، فقد قامت إيران بأدوار مختلفة في إنشائها وتأسيسها، ثم تدريب أعضائها وتمويلهم وتسليحهم، وهو ما يتضح في التالي:

1- لبنان: في بداية ثمانينيات القرن الماضي، وفي مناخ الاجتياح الإسرائيلي لبيروت عام 1982، أسهمت إيران في تجميع التنظيمات الشيعية المسلحة وتدريب عناصرها وتزويدها بالسلاح المتقدم، حتى أصبح حزب الله اللبناني رقماً سياسياً وعسكرياً صعباً. وفي تصريح نادر لحسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله، في فبراير 2012، أعلن لأول مره أن حزبه يتلقى دعماً مالياً من إيران، وأنه كان يتحاشى الإشارة إلى ذلك لأنه "لا يريد إحراج الإخوان في إيران". وعندما اتهمت الولايات المتحدة بعض المصارف اللبنانية بفتح حسابات لحزب الله، أكد نصر الله، في يونيو 2016، أن تمويل الحزب يأتي بالكامل من إيران ولا يمر عبر القنوات المصرفية.

2- اليمن: في بداية الثمانينيات أيضاً، حدث تطور مماثل في علاقات إيران بالحوثيين في اليمن. وفي هذه الفترة، تدفقت أعداد متزايدة من صعدة إلى مدينة قم الإيرانية لتلقي التعليم الديني، وترتب على ذلك تغيير اعتقادهم من المذهب الزيدي الذي كان سائداً في أوساطهم إلى المذهب الجعفري الاثني عشري الذي تتبناه إيران. وفتح ذلك الباب لقيام إيران بالتدريب العسكري لشباب الحوثيين ومدهم بالسلاح ودعمهم بالمال الذي مكّن المليشيا المُمثلة لهم من مواجهة الجيش اليمني في ست جولات ابتداءً من عام 2004، وصولاً إلى انقلاب الحوثيين على السلطة الشرعية وسيطرتهم على العاصمة صنعاء في عام 2014. ثم الخلاف مع حليفهم الرئيس الأسبق، علي عبدالله صالح، واغتياله في ديسمبر 2017، وبدء حرب أهلية، و"حرب بالوكالة" ما كان يمكن لها أن تستمر دون مساندة عسكرية إيرانية.

وإذا كانت هجمات الحوثيين الحالية على السفن العسكرية والتجارية في البحر الأحمر قد جذبت اهتمام العالم اليوم، فقد سبق لهم تحقيق ذلك بإطلاق الصواريخ على المنشآت النفطية السعودية في عام 2019، وبرر الحوثيون حينها هذه الهجمات الإرهابية بأنها رد فعل على التحالف العسكري الذي قادته السعودية ضدهم في عام 2015.

3- العراق: استثمرت إيران حالة الفوضى السياسية والاجتماعية التي أعقبت الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، لتدعم نفوذها، وتخلق مراكز قوة موالية لها. فدعمت طهران عصائب أهل الحق وكتائب حزب الله بعد سقوط نظام صدام حسين، ثم قوات الحشد الشعبي عام 2014 بعد استيلاء تنظيم داعش الإرهابي على الموصل وانهيار قطاعات كبيرة من الجيش العراقي، ووفرت طهران لهذه القوات الدعم الذي مكّنها من وقف تقدم داعش. واستخدمت إيران المنافذ البرية التي تقع على الحدود الطويلة مع العراق والتي تصل إلى أكثر من ألف كيلومتر لنقل أو تهريب ما ترغب فيه من أسلحة وذخائر ومؤن.  

استراتيجية الدعم:

تشعر إيران بأن تلك التنظيمات المسلحة تمثل ركائز نفوذها الإقليمي، فحافظت على علاقات الدعم والتأييد لها. وعندما اقتضت الحاجة، لم تتردد في حشد القوى اللازمة للدفاع عن حلفائها، فحين تعرض النظام السوري لخطر السقوط، حشدت طهران عشرات الآلاف من المقاتلين من الحرس الثوري الإيراني وأنصار حزب الله ومليشيات شيعية أخرى من العراق وباكستان وأفغانستان للدفاع عن النظام السوري، والقتال ضد مُعارضيه.

وتمثل حركة حماس نموذجاً فريداً في العلاقة مع إيران، فبالرغم من الخلاف المذهبي بين الطرفين، ورفض حماس الاستجابة لطلب طهران بدعم النظام السوري، فإن ذلك لم يؤثر في عمق الصلات بينهما، واستمرت طهران في تزويد حماس بالمال والسلاح، وعبّر عن ذلك يحيى السنوار، رئيس حركة حماس في قطاع غزة، في حديث له في عام 2018، عندما قال: "لدينا علاقات ممتازة للغاية مع الأخوة في حزب الله.. وهناك تنسيق وعمل مشترك واتصالات شبه يومية بيننا وبينهم.. كما أن علاقاتنا مع إيران ومع الأخوة في قيادة الحرس وقاسم سليماني في غاية القوة والمتانة والحرارة والدفء"، على حد وصفه. وأكد ذلك إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، في عام 2022، بقوله: "إن إيران هي المانح الرئيسي للحركة وإنها أسهمت بمبلغ 70 مليون دولار في تطوير أنظمتها الصاروخية". 

ومن ثم يتضح أن إيران تمثل أحد المصادر المهمة لتمويل هذه التنظيمات، والأرجح أنها زودتها في البداية بالأسلحة التي مكّنتها من إثبات وجودها على الأرض، ومع تضييق الخناق على طرق نقل هذه الأسلحة، وفرت لها طهران المعرفة التقنية اللازمة لتصنيعها محلياً، وتفننت في إيجاد سُبل مبتكرة لنقل أجزاء هذه الأسلحة ثم تجميعها. ووفرت لهذه التنظيمات أيضاً، مستشارين من الحرس الثوري لتقديم الخبرة والمشاركة في التخطيط وإدارة المعارك، وفقد بعضهم حياته نتيجة للاستهداف الإسرائيلي في سوريا والعراق. ومن خلال هذا الشكل من التعاون، تستطيع إيران أن تضبط حركة تلك التنظيمات وسلوكها، بالتحكم في مستوى ونوع الأسلحة التي تزودها بها، فنوعية السلاح تحدد شكل ومدى المعارك التي يمكن خوضها.

ويظلل كل ما تقدم، زيارات المسؤولين الإيرانيين إلى مراكز النفوذ الإيراني للتواصل والمتابعة وتقدير الموقف. فعلى سبيل المثال، بعد اندلاع الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة، زار وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبداللهيان، لبنان ثلاث مرات في أكتوبر ونوفمبر 2023 وفبراير 2024، وسوريا مرتين في أكتوبر 2023 وفبراير 2024، والعراق مرة واحدة في أكتوبر 2023.

أما إسماعيل قاآني، قائد فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني، فقد زار كلاً من سوريا والعراق ولبنان في أكتوبر 2023، وفي نوفمبر الماضي زار لبنان، وفي نهاية يناير 2024 عاد لزيارة العراق. وفي المقابل، كانت طهران أول مقصد يزوره إسماعيل هنية بعد اندلاع الحرب على غزة، والتقى هناك المرشد الأعلى خامنئي في 5 نوفمبر الماضي. 

وأياً كانت تفاصيل العلاقات بين إيران والتنظيمات الموالية لها، فإن مصلحة طهران أن تظل تلك العلاقات غامضة وملتبسة، إذ يوفر لها هذا الوضع تبني استراتيجية "الدفاع المتقدم" ونقل المعارك ضد خصومها بعيداً عن حدودها، دون أن تتحمل مسؤولية الأفعال التي تقوم بها هذه التنظيمات، وألا تتعرض لضغوط عسكرية مُباشرة من جراء ذلك.

ويدُل على ذلك أنه خلال الفترة الممتدة من إطلاق عملية "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر الماضي وحتى الأول من فبراير 2024، شن حلفاء إيران أكثر من 160 هجوماً مسلحاً على القوات الأمريكية في العراق وسوريا، ونفذت قوات الحوثيين عمليات عسكرية في البحر الأحمر أدت إلى ارتباك كبير في حركة الملاحة البحرية، علاوة على الهجوم على موقع "البرج 22" بالأردن الذي أودى بحياة ثلاثة جنود أمريكيين واستوجب رداً عسكرياً أمريكياً. وهي تحركات لا تتسق كلها بالضرورة مع الحسابات الإيرانية. 

فليس من مصلحة إيران الآن تصعيد الموقف والدخول في حرب شاملة. لذلك، فقد سارع الجنرال قاآني بالسفر إلى العراق للضغط على التنظيمات التي هاجمت القواعد الأمريكية لعدم التصعيد بعد الرد الأمريكي. وتتخوف طهران أيضاً من أن يؤدي تصعيد الموقف في البحر الأحمر إلى تهديد مصالح دول قريبة من إيران مثل: الصين والهند، وإلى عواقب عسكرية تفوق ما تصوره القائمون بهذه العمليات.

ختاماً، تسعى إيران لتحقيق مشروعها الإقليمي في الشرق الأوسط، وذلك من خلال توسيع نفوذها وإيجاد مواقع ومراكز لنشر تأثيرها في دول المنطقة. ويجمع بين طهران وهذه المواقع مصالح مشتركة وتوافقات أيديولوجية تعطي لإيران القدرة على تحديد السياق العام والمساحة التي يستطيع كل تنظيم التحرك في إطارها دون العودة إلى طهران للموافقة على كل قرار أو عملية. ومعنى هذا، وجود "توافق استراتيجي" على ما يمكن القيام به ضد الخصوم في كل مرحلة، و"مرونة تكتيكية" على مستوى التحركات التي يقوم بها كل تنظيم، وسوف تكون هذه الازدواجية دائماً مصدراً للالتباس بشأن العلاقة بين إيران ووكلائها.