أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

تحولات إقليمية:

كيف تنظُر الصين للاتفاق بين فيتنام والفلبين؟

16 فبراير، 2024


أبرمت الفلبين وفيتنام اتفاقيات ومُذكرات تفاهم مُتبادلة، يوم الثلاثاء 30 يناير 2024، بشأن بحر الصين الجنوبي، بغرض توسيع التعاون بين خفر السواحل وتعميق التعاون بين البلدين في العديد من المجالات ذات الصلة، ولم ينشر المسؤولون الفيتناميون والفلبينيون تفاصيل محددة عن ذلك الاتفاق. جاء ذلك خلال زيارة أجراها الرئيس الفلبيني فرديناند ماركوس جونيور إلى فيتنام.

سياقات مُحيطة:

ثمّة عدد من التطورات المُتسارعة، والتي تحيط بتوقيع هذا الاتفاق بين فيتنام والفلبين، ويمكن الإشارة إليها على النحو التالي:

1. التوترات ببحر الصين الجنوبي: تنامت التهديدات الصينية لكلا البلدين في الآونة الأخيرة وشهدت المنطقة اشتباكات مع خفر السواحل الصيني، وآخرها نهاية عام 2023، إذ سبق أن وقع هجوم بمدافع المياه من قبل خفر السواحل الصيني أدّى إلى إتلاف سفينة فلبينية في 10 ديسمبر 2023 في المناطق المتنازع عليها مثل: سكند توماس شول (والمعروفة لدى الفلبينيين باسم إيونجين شول) وسكاربورو شول.

وتُشير التقديرات إلى تزايد حدّة الاستقطاب الإقليمي في المناطق البحرية المتنازع عليها بين تلك الدول والصين، فنجد أن عدد السفن الصينية في سكند توماس شول قد ارتفع ليصل إلى ما يقرب من 14 سفينة في 2023 بعدما كان عددها لا يتجاوز سفينة واحدة في 2021.

2. تعزيز واشنطن علاقاتها بفيتنام والفلبين: استعداداً منها لأي توترات مُحتملة حول تايوان، أقدمت واشنطن على إعادة إحياء العلاقات مع فيتنام في العديد من المجالات خصوصاً التعاون الأمني والعسكري كما قد زارها بايدن، في سبتمبر 2023، كما استأنفت إجراء الدوريات المشتركة مع الفلبين والتي يتوقع إجراء المزيد منها مستقبلاً.

3. توتر علاقة الصين والفلبين: فعلى الرغم من أن المسؤولين الصينيين والفلبينيين اتفقوا خلال اجتماع في شنغهاي، خلال شهر يناير 2024، على اتخاذ خطوات لتهدئة التوترات، فإن الرئيس الفلبيني ماركوس أعرب أثناء وجوده في هانوي عن مخاوفه بشأن التحركات العدوانية المرتكبة من قبل خفر السواحل الصيني، والتي تأتي كإجراءات أحادية وغير قانونية تنتهك سيادة بلاده وتؤدي لتفاقم التوترات في بحر الصين الجنوبي.

4. التقارب الصيني مع فيتنام: تتبنى فيتنام سياسات مُتعددة الأوجه، وبرغم تقاربها مع الولايات المتحدة، فإنها لم تتخل عن علاقتها بالصين. فقبيل الاتفاق الثنائي بين الفلبين وفيتنام، توجه الرئيس الصيني شي جين بينغ، في زيارة لفيتنام في نهاية 2023، من شأنها أن تدفع العلاقات الثنائية إلى مرحلة جديدة.

تفاهمات مُشتركة:

بالرغم من عدم نشر التفاصيل الدقيقة للاتفاق بين فيتنام والفلبين، فإن ثمّة بعض الخطوط العريضة يمكن الوقوف عليها لمعرفة ماهية ذلك الاتفاق وجدواه، وهو ما يمكن تبيانه على النحو التالي:

1. تعزيز التعاون البحري: يهدف الاتفاق إلى إقامة شراكة شاملة بين خفر السواحل لكلا البلدين؛ لتعزيز بناء القدرات والتدريب وتبادل الأفراد والسفن وتعزيز عمليات التشغيل البيني بين البلدين. كما يفكر البلدان أيضاً في إنشاء خط ساخن لتحسين التنسيق بين خفر السواحل.

فضلاً عن تعزيز التنسيق في القضايا البحرية بشكل ثنائي، داخل رابطة دول جنوب شرق آسيا "الآسيان"، وبشكل جماعي مع شركاء الحوار الآخرين. هذا إلى جانب الاتفاق على تعزيز آليات التعاون البحري القائمة، ولاسيما اللجنة المشتركة للشؤون البحرية والمحيطات على مستوى نواب الوزراء بين البلدين.

ومن جهة أخرى، يهدف الاتفاق إلى تعزيز التفاهم بشأن مُعضلة الحدود البحرية بين البلدين، وذلك من خلال استهداف تقديم تقرير مشترك إلى لجنة تابعة للأمم المتحدة تتعامل مع حدود الجرف القاري للدول الساحلية.

2. التعاون في مجال الأمن الغذائي: تم توقيع اتفاق لتزويد فيتنام للفلبين بما يتراوح بين 1.5 إلى 2 مليون طن متري من الأرز سنوياً بأسعار معقولة، كما اتفق البلدان على إنشاء إطار لضمان إمدادات مستقرة.

3. تصنيع السيارات الكهربائية: على هامش الاتفاق، تم الإعلان أن شركة (VinFast) ستفتتح شبكة أعمال في الفلبين، وأكّد الرئيس ماركوس أن بلاده يمكن أن تساعد على إنتاج بطاريات للسيارات الكهربائية بفضل احتياطياتها من الكوبالت والنحاس والنيكل. 

دوافع مُتعددة:

تُشير التقديرات إلى وجود بعض الدوافع والأسباب التي دفعت البلدين لإبرام هذا الاتفاق، ولعل أبرزها:

1. التخوف من نفوذ الصين: تطالب بكين بالسيادة المطلقة على بحر الصين الجنوبي وترفض مطالب دول المنطقة بشأن سيادتهم على حدودهم البحرية المقررة وفقاً لقواعد القانون الدولي للبحار، مما أسفر عن تنامي المخاطر بشأن وقوع مواجهات وصدامات عسكرية في المنطقة. وقد بلغ الأمر حد إصدار وزراء خارجية رابطة دول جنوب شرق آسيا "آسيان" بياناً في نهاية 2023، أعربوا فيه عن قلقهم إزاء التوترات المتزايدة في بحر الصين الجنوبي والتي تهدد السلام الإقليمي وحثوا على حوار سلمي بين الأطراف.

2. التصدي السلمي للمخاطر: وذلك وفق ما أعلنه الرئيس ماركوس، بشأن تمسك بلاده بالدفاع عن سيادتها ضد أي استفزازات نظراً لأن منطقة بحر الصين الجنوبي تُعد نقطة خلاف بالنسبة للفلبين، لكن دون تخلٍ عن السعي إلى معالجة الخلافات والقضايا العالقة مع الصين من خلال الحوار السلمي والمشاورات لتجنب المواجهات العسكرية البحرية.

فالفلبين تسعى نحو حشد المزيد من دول جنوب شرق آسيا لتعزيز موقفها في الخلاف المحتدم بينها وبين الصين، الأمر الذي يتطلب أن تقوم أولاً بتخفيف التوترات العالقة بينها وبين الدول المجاورة ومنها فيتنام، فالتطورات العالمية والإقليمية المتسارعة تتطلب تعزيز التعاون للتصدي لها.

3. استئناف إنجاز مدونة السلوك: إذ عملت رابطة دول جنوب شرق آسيا "آسيان" والصين على تدشينها منذ عام 2002. إلا أن التقدم المحرز بها كان بطيئاً، وجراء ذلك الإحباط بدأت الدول تتحرك بشكل ثنائي لإبرام تفاهمات ومحادثات في هذا الإطار لحين التوافق حول الإطار الجماعي لضبط السلوك في تلك المنطقة.

4. الشراكة بين البلدين: فقبيل إجراء الاتفاق، وصف ماركوس فيتنام بأنها الشريك الاستراتيجي الوحيد للفلبين في جنوب شرق آسيا، فضلاً عن الإشارة إلى أن اتفاق التعاون البحري هو الأساس لتعزيز الشراكة الاستراتيجية التي أنشأتها هانوي ومانيلا في عام 2015، وهي الشراكة الوحيدة من نوعها بين الفلبين ودولة عضو في "آسيان". كما يستهدف البلدان زيادة التجارة الثنائية من 7 إلى 10 مليارات دولار.

5. الضغوط الداخلية: إذ تعتمد فيتنام على استيراد 85% من احتياجاتها من الأرز من الفلبين، وأدى نقص الأرز العام الماضي، والذي تفاقم بسبب تغير المناخ ووقف بعض المنتجين الرئيسيين للصادرات، إلى ارتفاع الأسعار على مستوى العالم بما في ذلك الفلبين، الأمر الذي أثر بالسلب في استقرار سلاسل الإمداد وأسهم في تفاقم الضغوط الداخلية بفيتنام، مما دفع للبحث عن تعزيز التعاون لتأمين استقرار سلاسل الإمداد.

دلالات مُتعددة:

تحمل التحركات الثنائية بين الفلبين وفيتنام العديد من الدلالات، كما قد تترتب عليها بعض ردود الفعل، الأمر الذي يمكن تبيانه على النحو التالي:

1. رد الصين: لم يصدر رد فعل رسمي على الصعيد الحكومي بشأن ذلك التطور، بيد أن وسائل الإعلام الصينية قد حذّرت من تداعيات هذا الأمر والذي قد يُزيد فرص اندلاع صراع في حال أسفر هذا التعاون عن إلحاق الضرر بالمصالح الصينية في بحر الصين الجنوبي. فالصين منفتحة على تعزيز التعاون بين دول الإقليم حينما يستهدف ذلك التعاون تحقيق التنمية والاستقرار الإقليميين وليس الإضرار بهما، وهو أمر بات متوقعاً حدوثه في حال تم تعميق التنسيق الأمني وتبادل المعلومات بين خفر السواحل بالبلدين.

2. براغماتية طرفي الاتفاق: فبالرغم من التوافق الظاهري بشأن تنسيق مواقف البلدين على الصعيد البحري ببحر الصين الجنوبي على نحو قد يُثير حفيظة الصين؛ فإن كل منهما لا يسعى للتورط في صدام عسكري مباشر معها. فسبق أن تعهد المسؤولون الفلبينيون والصينيون في 17 يناير 2024 بتحسين الاتصالات وحل الحوادث والخلافات من خلال القنوات الدبلوماسية السلمية. كما أن فيتنام أيضاً تعمل على تجنب ذلك الصدام المحتمل مع الصين ولا تسعى له في مثل هذا التوقيت.

حتى إنه بُعيد ذلك الاتفاق، التقى نائب وزير الخارجية الفلبيني نجوين مينه فو، ومساعد وزير الخارجية الصيني نونغ رونغ، في العاصمة هانوي لتدشين فصل جديد في العلاقات الثنائية، وأعرب الجانبان عن التزامهما بتعزيز التعاون في قطاعات متعددة، بما في ذلك التجارة، والسياحة، كما اتفقا على أهمية تنظيم التبادلات والاجتماعات طوال عام 2024، ومواءمة استراتيجيات التنمية، وتعزيز الشراكات التي تحقق نتائج ملموسة، وتنظر بعض التقديرات إلى الفلبين باعتبارها بمثابة وكيل للولايات المتحدة وأنها جزء من سياسة الأخيرة لاحتواء الصين، في حين أنه في نوفمبر 2023، استضافت الصين مناورة عسكرية مشتركة تُعرف باسم (السلام والصداقة) مع خمس دول هي: كمبوديا ولاوس وماليزيا وتايلاند وفيتنام.

3. جدوى الاتفاق: فهذا الاتفاق في حقيقته جاء في شكل مذكرات تفاهم، وهي بطبيعتها ليست اتفاقات تترتب عليها التزامات صارمة إنما هي بمثابة إطار عام للتعاون يوضح نيات الأطراف ولا يعكس السعي لبناء تحالفات أو جبهة مُوحّدة ضد الصين ولا يضم أي بنود بشأن ترسيم الحدود البحرية، وهو أمر تتشكك الصين ذاتها في إمكانية حدوثه، إلا إذا استهدف البلدان مستقبلاً تحقيق اختراق على صعيد حل النزاعات الحدودية البحرية على نحو يتناقض مع الرؤية الصينية ببحر الصين الجنوبي، وهو ما لا يمكن لاتفاق التعاون بين خفر سواحل البلدين التصدي له.

4. حدود التوافق بين البلدين: إذ تُشير بعض التقديرات إلى صعوبة ميل كل منهما نحو المعاداة الصريحة للصين، خاصة وأن - الصين وفيتنام- يحكم فيهما الحزب الشيوعي، وحتى في ظل وجود التوترات البحرية فإن ذلك لم يثن كل منهما عن تأكيد أهمية تنبي نهج تعاوني في التعامل مع الصين في هذا الصدد.

ومن ناحية أخرى، يُشار إلى صعوبة تأليف الدولتين لجبهة موحدة ضد الصين نظراً لوجود خلافات بينهما حول الموارد في المناطق البحرية المتنازع عليها. كما أن فيتنام تسعى للحفاظ على استقلالها الدبلوماسي دون الاضطرار للانسياق في دائرة الصراع بين الفلبين والصين، فهي تسعى للتحرك بحرية دفاعاً عن مصالحها في المقام الأول مع الحفاظ على المرونة في شراكاتها الدولية، خاصة وأنها أكثر قرباً جغرافياً من الصين عن الفلبين. بل إن للصين اتفاق مُماثل بشأن خفر السواحل مبرم بينها وبين فيتنام في 2019.

ويصعب أيضاً إنجاز مدونة السلوك المتعثرة على صعيد إطار "الآسيان" لاستمرار الخلاف في الرؤى والأهداف بين تلك الدول، فضلاً عن رفض تلك الدول استعداء الصين التي تربطهم بها العديد من المصالح.

5. المزيد من الاستقطاب الإقليمي والدولي: وهو أمر تظل حظوظه قائمة، خصوصاً على صعيد الجبهة المقاربة لتايوان، وفي هذا الصدد أشارت القوات المسلحة الفلبينية إلى أن عام 2024، سيشهد تزايد وتيرة العمليات العسكرية، وأقدمت بالفعل على بناء قاعدة بحرية وتكثيف الوجود العسكري في خطوط الشمال مثل باتانيس التي تقع على بعد نحو 200 كيلومتر من تايوان.

فضلاً عن أن الصين بإمكانها ممارسة المزيد من الضغط على دول المنطقة حتى لو أبرموا اتفاقات لترسيم الحدود مثلما تعرضت له إندونيسيا وفيتنام بعيد اتفاق ترسيم حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة في 2022. كما أن الاستقطاب قد يطال موارد فيتنام في خضم التوتر بين الصين والولايات المتحدة مما دفع الأخيرة لتعزيز تعويلها على فيتنام لتأمين احتياجاتها من الموارد والمعادن الأرضية النادرة.

وفي التقدير، تعكس التحركات الثنائية بين الفلبين وفيتنام مدى التعقيد في التحالفات التي تشهدها منطقة بحر الصين الجنوبي، إذ تسعى مُختلف الأطراف إلى تحقيق قدر من التوازن بين مصالحها من جهة والتصدي للخطر الصيني دون استفزاز بكين من جهة أخرى.

ومع ذلك، لا ينبغي المبالغة في تقدير أهمية مذكرات التفاهم المبرمة بين فيتنام والفلبين، فهي لا تنطوي على ترسيم الحدود البحرية، ولا يمكنها أن تسفر عن تأسيس جبهة موحدة ضد الصين، فطرفا الاتفاق حرصاً على الإبقاء على قنوات التواصل مع الصين؛ من أجل تجنب الانزلاق نحو مواجهة عسكرية معها.