أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

عقبات ماثلة :

فرص انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي في ضوء محاولات التقارب بين الجانبين

07 أغسطس، 2023


رحّب ممثل الشؤون الخارجية والسياسة الأمنية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، في 20 يوليو 2023، قبل بدء اجتماع وزراء خارجية الاتحاد في بروكسل، بسعي أنقرة لإعادة إطلاق مفاوضات الانضمام إلى التكتل، ووضعها هذه المسألة في أعلى سلّم مقاربتها السياسية. وقد عُقد هذا الاجتماع بهدف بحث إمكانية تعزيز العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وتركيا.

عوامل التقارب:

ثمّة عوامل وفرص قد تعزز موقف تركيا للقبول بها عضواً في الكتلة الأوروبية، ويمكن الإشارة إليها على النحو التالي:

1. موافقة تركيا المشروطة على انضمام السويد لـ"الناتو": وافقت أنقرة، في قمة حلف "الناتو" التي انعقدت في العاصمة الليتوانية فيلنيوس، في 10 يوليو 2023، على طلب السويد العضوية في حلف شمال الأطلسي "الناتو"، إلا أنها رهنت تلك الموافقة بقبول الدول أعضاء الاتحاد الأوروبي بعضوية تركيا في الاتحاد، مؤكدة أن المصادقة على انضمام السويد لـ"الناتو" من جانب البرلمان التركي لن تتم قبل أكتوبر 2023. وقد لاقى هذا الأمر ترحيباً من جانب واشنطن والأطراف الأوروبية، على أساس أنه يُسهم في توسعة "الناتو"، والذي يطمح أعضاؤه أيضاً إلى ضم أوكرانيا.

وفي هذا السياق، فقد صدر بيان ثلاثي عقب اجتماع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ورئيس الوزراء السويدي أولف كريسترسون، والأمين العام لحلف "الناتو" ينس ستولتنبرغ، تم التأكيد خلاله، أن تركيا والسويد ستعملان على تنسيق مكافحة الإرهاب وتعزيز الروابط التجارية الثنائية، بالإضافة إلى أن السويد ستدعم جهود تنشيط عملية انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك تحديث الاتحاد الجمركي بين الاتحاد الأوروبي وتركيا وتحرير التأشيرات.

وتناور أنقرة بهذه الورقة من أجل تنشيط مفاوضات انضمامها للاتحاد الأوروبي، والتي وصلت إلى طريق مسدود منذ عام 2018. وفي هذا السياق، فقد اتفق رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، على هامش قمة فيلنيوس، على السعي لتعاون أوثق بين التكتل وأنقرة.

2. التداعيات الجيوسياسية للأزمة الأوكرانية: دفعت الحرب الروسية الأوكرانية بالاتحاد الأوروبي لإعادة التفكير في موقفه تجاه أنقرة، إذ حثّ مسؤولون أوروبيون التكتل إلى فتح قنوات تواصل مع تركيا للتخفيف من التداعيات التي فرضتها الأزمة الأوكرانية، والتي رأوا أنها قد تُسهم في تجسير الاختلافات بين الجانبين الأوروبي والتركي. وقد قابلت أنقرة هذا بإعراب أردوغان عن تفاؤله وتطلعه لإحراز تقدم في الموضوعات الرئيسية بين بلاده والاتحاد، خاصة في ضوء اللقاءات التي تم عقدها بين الجانبين خلال الفترة الأخيرة. فإلى جانب التعويل الأمريكي والأوروبي على تركيا في استئناف اتفاق الحبوب الأوكرانية، والذي انسحبت منه روسيا رسمياً في 17 يوليو 2023، تتطلع تلك الأطراف إلى أن تكون تركيا معبراً لإمدادات الغاز إلى أوروبا، في ضوء أزمة الطاقة التي تعاني منها الأخيرة على وقع الحرب الأوكرانية.

3. استثمار الخلاف بين روسيا وتركيا: شهدت الفترة الأخيرة تنامياً في مؤشرات الخلاف بين روسيا وتركيا، خاصة بعد الزيارة التي أجراها الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، في 7 يوليو 2023، إلى تركيا، والتي أعقبها إفراج أنقرة عن خمسة من قادة كتيبة "آزوف" الأوكرانية، خلال الزيارة، بالمخالفة لاتفاق تبادل الأسرى الذي أبرمته موسكو مع كييف وأنقرة في سبتمبر 2022، والذي يقضي ببقائهم في تركيا حتى انتهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا. هذا إلى جانب قبول أنقرة بتوسعة حلف "الناتو"، وهو الأمر الذي تعهدت موسكو، على إثره، باتخاذ الإجراءات المناسبة للرد عليه. ومن ثم فإن الغرب يسعى لاستثمار الخلاف الناشئ بين الجانبين، في مراضاة أنقرة، للابتعاد عن موسكو، وربما تؤكد موافقة الرئيس الأمريكي جو بايدن على تمرير صفقة "أف- 16" إلى تركيا، بعد مماطلة واشنطن في هذا الأمر، هذا الاتجاه الغربي لمراضاة تركيا.

تحديات قائمة: 

ثمّة تحديات ما زالت ماثلة أمام عملية انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، يمكن تناولها على النحو التالي:

1- استمرار الشروط الأوروبية: أعلن جوزيب بوريل، في مؤتمر صحفي عقب اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي، عن الشروط الأوروبية لإعادة الانخراط وتعزيز الروابط مع تركيا، وأبرزها الحفاظ على الحريات والقيم الأساسية على النحو المحدد في الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان؛ والتي تُعد أنقرة جزءاً منها، فضلاً عن قضية قبرص؛ التي رأى بوريل أن حلها بما يتماشى مع قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة سيكون مفتاحاً أساسياً في إعادة التعامل مع تركيا، لذلك فإن الاتحاد الأوروبي يريد من تركيا أن تظهر تحركاً جاداً في تلك القضايا الشائكة.

2- احتفاظ أنقرة بعلاقاتها مع روسيا والصين: بالرغم من التحركات التركية الأخيرة باتجاه الغرب، لا تزال أنقرة متمسكة بعلاقاتها مع روسيا، إذ لا تزال تمتنع حتى الآن عن الانضمام إلى العقوبات الغربية ضد روسيا، كما أجرى أردوغان اتصالاً هاتفياً بنظيره الروسي فلاديمير بوتين، في 2 أغسطس 2023، ناقشا فيه اتفاقية شحن الحبوب عبر البحر الأسود والزيارة المُزمعة للرئيس الروسي إلى أنقرة، في محاولة لتسوية الخلافات البادية بين الجانبين أخيراً.

وبالتوازي مع ذلك، فقد تصاعدت خلال الأيام الماضية، فرص تعزيز العلاقات الصينية التركية، إذ استقبل أردوغان، في 26 يوليو 2023، وزير الخارجية الصيني وانغ يي؛ بعد أقل من 48 ساعة من تولي الأخير المنصب، في أول زيارة رفيعة المستوى لمسؤول صيني إلى تركيا منذ عام 2021، وبحث معه العلاقات بين البلدين بكافة جوانبها، مؤكداً ضرورة تسريع الجهود المبذولة لتنسيق مبادرة الحزام والطريق الصينية ومبادرة الممر الأوسط التركية، واتفقا على تنشيط آليات الحوار والتشاور بشكل أكثر فعالية بين البلدين مثل لجنة التعاون بين حكومتي البلدين، وآلية التشاور لوزراء الخارجية، والمشاورات القنصلية، واللجنة الاقتصادية المشتركة. وفي ضوء الخلافات المتصاعدة بين الغرب وكل من روسيا والصين، فإن تقارب تركيا مع الأخيرتيْن يعزز عوامل التباعد بين الأخيرة والغرب.

3- تصاعد أزمة "الإسلاموفوبيا" في أوروبا: تُمثل ظاهرة تزايد أعداد المسلمين في أوروبا، أحد الهواجس الأوروبية والغربية من انضمام أنقرة للاتحاد الأوروبي. وقد شهدت الفترة الأخيرة، تصاعداً للإساءات ضد المصحف الشريف، في بعض الدول الأوروبية، كالسويد والدنمارك، وهي الاعتداءات التي نددت بها أنقرة، ووصفها رئيس البرلمان التركي نعمان قورتولموش، في 23 يوليو 2023، بأنها اعتداء على القيم الإنسانية الأساسية، مؤكداً أن بلاده ستظل صاحبة موقف قوي في مواجهة مظاهر العداء للإسلام، داعياً قادة الغرب وأوروبا لوضع حد لهذه التصرفات، ووقف تصاعد موجة "الإسلاموفوبيا". كما أن القنصلية السويدية في أزمير، قد تعرضت لهجوم مسلح، أسفر عن إصابة موظفة بجروح خطرة. وقد تزيد تلك الحوادث من الخلافات بين أنقرة والاتحاد الأوروبي.

سيناريوهات مُحتملة:

يمكن توقع مُستقبل التقارب الأوروبي التركي خلال الفترة المُقبلة من خلال عدّة سيناريوهات تظهر فيما يلي:

1. السيناريو الأول: قبول الانضمام: على الرغم من ضعف مؤشرات تحققه، فإن هذا السيناريو يستند إلى الأوراق الرابحة التي يملكها أردوغان في مفاوضاته مع الاتحاد الأوروبي؛ والتي يأتي على رأسها قبول انضمام توسعة حلف "الناتو" إلى جانب ملف الهجرة والطاقة وغيرها، كما تُشير التصريحات الإيجابية الصادرة عن المسؤولين الأوروبيين، بعد اجتماع وزراء خارجية الاتحاد إلى التفاؤل بشأن إمكانية انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي، إذ صرّحت وزيرة الخارجية الألمانية آنالينا بيربوك، أنّه بعد إعادة انتخاب أردوغان لولاية ثالثة فإنه حان الوقت للتفكير في التعاون مع تركيا، كما عبّر وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاجاني، عن ضرورة مناقشة اندماج أنقرة في الاتحاد الأوروبي بروح إيجابية من أجل إعادة بناء العلاقات القوية، فيما رفعت حكومة تصريف الأعمال الهولندية في 21 يوليو 2023، القيود المفروضة على تسليم الأسلحة لتركيا. 

2. السيناريو الثاني: تعزيز التعاون الثنائي: يُعد هذا السيناريو الأكثر واقعية، ويقوم على أساس أن الموقف الراهن بين تركيا والاتحاد الأوروبي، يمكن معالجته من خلال تعزيز الشراكة الاقتصادية بين الجانبين، من خلال تدشين تعاون تجاري أوروبي تركي أوسع يسهم في دعم الاقتصاد التركي لإخراجه من عثرته، وقد يتم ذلك من خلال تعديل بعض بنود اتفاقيات الاتحاد الجمركي بين الطرفين والمعتمدة منذ عام 1995، والتي تميل تماماً إلى مصلحة الدول الأوروبية، فضلاً عن ذلك قد يتم تقديم تسهيلات أوروبية لتركيا فيما يخص منح التأشيرات للمواطنين الأتراك، ولكن لا يرى ذلك السيناريو أي تغيير في المواقف السياسية لغالبية الدول الأعضاء حيال العضوية التركية الكاملة.

3. السيناريو الثالث: فشل الانضمام: في ضوء التحديات التي لا تزال قائمة في علاقات أنقرة مع الاتحاد الأوروبي، يتوقع هذا السيناريو أن ترفض أنقرة الشروط الأوروبية التي تم تحديدها للقبول بها عضواً في الاتحاد، خاصة وأن واشنطن قد رفضت مقايضة أنقرة بخصوص انضمام السويد لـ"الناتو" مقابل انضمامها للاتحاد الأوروبي معتبرةً أنه شأن داخلي للدول الأعضاء في الاتحاد، وهو ما قد يرجح من إمكانية التراجع الأمريكي عن بيع مقاتلات "أف-16" إلى تركيا، والتي اشترط أردوغان تمريرها لقبول عضوية السويد في "الناتو". وفي حال حدوث ذلك، فإن انضمام السويد لـ"الناتو" سوف يتعثر، الأمر الذي سيتبعه تصعيد لحدة التوتر بين أنقرة وشركائها الغربيين في "الناتو"، ومن ثم فشل انضمام أنقرة للاتحاد الأوروبي.

وفي التقدير، يمكن القول إن العقبات الرئيسية ما زالت ماثلة أمام إمكانية أنقرة إلى الاتحاد الأوروبي، بالرغم من الأوراق الرابحة التي يملكها أردوغان في ذات الشأن، خاصة وأنها معظمها أوراق قد تُمثل سلاحاً ذا حدين؛ ففي الوقت الذي تُعد فيه أزمة توحيد قبرص وخطة توسيع "الناتو" من أبرز تلك الأوراق، قد تُمثل أبرز التحديات التي ستواجه عملية انضمام أنقرة للاتحاد، حال عدم إدارتها بشكل غير صحيح، لذلك من المرجح أن يعكف أردوغان وحكومته خلال الفترة المقبلة على إدارة الأوراق الرابحة بالشكل الذي يمكنه من المناورة الجيدة لتحقيق هدفه في الانضمام.