أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

الاستثمار الوقائي:

آليات صمود شبكات الكهرباء في مواجهة الكوارث الطبيعية

10 مارس، 2023


تعرضت سوريا وتركيا في السادس من شهر فبراير 2023 لزلزال شديد قوته 7.8 درجة، على نحو أسفر عن وفاة الآلاف وتدمير كلي لآلاف المباني في الدولتين، كما ألحق بشكل خاص أضراراً واسعة بالبنى التحتية الرئيسية في جنوب شرق تركيا مثل ميناء الإسكندرونة، وبعض محطات توليد الكهرباء التي أصابها التصدع وفقاً للتقييمات الأولية. 

وفي هذا الإطار، يستعرض هذا التحليل مراحل تعافي أنظمة الكهرباء عقب الزلازل والفيضانات وغيرها من الكوارث الطبيعية، ودور الإجراءات والسياسات الوقائية في التخفيف من أخطارها على المنشآت الحيوية، بما في ذلك محطات توليد الكهرباء وشبكات التوزيع.

أضرار الكوارث:

عادة ما تتسبب الكوارث الطبيعية شديدة القوة في إلحاق أضرار هيكلية بالبنى التحتية، مثل تدمير الطرق والموانئ ومحطات المياه، وكذلك محطات توليد الكهرباء ونقلها وأنظمة التوزيع الفرعية، بما يعمل على انقطاع الخدمات الأساسية كالكهرباء والمياه في المناطق المتأثرة بالزلازل والفيضانات. 

ويؤدي توقف الخدمات الأساسية في المناطق المتعرضة للكوارث الطبيعية، إلى تبعات سلبية تمتد للأنشطة الاقتصادية والإنتاجية كافة. فعلى سبيل المثال، يترتب على حالات انقطاع الكهرباء الناجمة عن مثل هذه الكوارث خسائر اقتصادية في الولايات المتحدة الأمريكية تتراوح بين 20 و55 مليار دولار سنوياً، وفقاً لتقديرات وزارة الطاقة الأمريكية.

وعادة ما تعمل الحكومات على إعادة تأهيل شبكات الكهرباء المتضررة بشكل سريع، إلا أن تعافي الأخيرة قد يطول لاسيما إذا ما كان مستوى الضرر الذي أصاب محطات التوليد وخطوط التوزيع شديداً، أو أن حالة البنى التحتية الأخرى مثل الطرق أو الموانئ سيئة، بما يفرض مصاعب لوجستية أمام إعادة بناء المحطات وخطوط التوزيع أو صيانتها. ومن ثمّ يتحدد وقت التعافي، الذي قد يستغرق شهوراً أو سنوات، بناءً على مستوى الضرر الذي أصاب بنية الكهرباء، وحالة البنى التحتية الأخرى من ضمن عوامل مختلفة. ومن الوارد أيضاً أن تعطي الحكومات أولوية لإصلاح شبكات الكهرباء في المناطق الحضرية المركزية، أو المناطق ذات الإسهام العالي في الاقتصاد، وذلك على حساب مناطق الأطراف أو المناطق الهامشية، مما يجعل الأخيرة عُرضة للحرمان من خدمات الكهرباء لفترة أطول.

على جانب آخر، تحدد طريقة تخصيص ملكية مرافق الكهرباء كيفية توزيع الأعباء المالية لإعادة تأهيل قطاع الكهرباء عقب الكوارث الطبيعية. ففي معظم البلدان النامية، تكون مرافق الكهرباء - سواء في مراحل الإنتاج أو النقل أو التوزيع - مملوكة لكيانات حكومية، وهي مسؤولة أيضاً عن إدارة البنية التحتية للكهرباء وإصلاحها. بينما في العديد من البلدان المتقدمة، فإن ملكية البنية التحتية لإنتاج ونقل وتوزيع الكهرباء موزعة بين الشركات العامة والخاصة، مما يعني أن تكاليف إعادة تأهيل قطاع الكهرباء لن تتحملها الحكومة وحدها.

مراحل التعافي:

بشكل عام، تستجيب الحكومات وأصحاب المصالح الآخرين لأزمة نقص الكهرباء في المناطق المتعرضة للكوارث الطبيعية عبر مرحلتين أساسيتين، هما كالتالي:

1- مرحلة الإغاثة: تتبين مرونة أنظمة الكهرباء عقب الكوارث الطبيعية ليس من خلال سرعة إصلاح الشبكات الكهربائية بعد تضررها، ولكن من خلال توفير الكهرباء سريعاً عبر مصادر بديلة، ومن ثم تقليل مدة انقطاع التيار الكهربائي. وتعد حلول الكهرباء المستقلة أو أنظمة خارج الشبكة (Off grid Systems) أحد الخيارات الأساسية التي تلجأ لها الحكومات لتوفير الكهرباء للأفراد والنشاطات الإنتاجية عقب الزلازل والفيضانات. ويتم تزويد المناطق المتأثرة بالكوارث الطبيعية بمولدات الديزل أو زيت الوقود، لتلبية احتياجاتها من الطاقة اللازمة للإنارة أو الطهي أو التدفئة. 

كما تمثل أنظمة الطاقة الشمسية خارج الشبكة أحد الحلول الأخرى لسد نقص الكهرباء. فمثلاً في عام 2015، عقب الزلزال الذي أصاب العاصمة النيبالية كاتماندو، زودت منظمات المجتمع المدني المستشفيات والمدارس وغيرها من المنشآت الأساسية بالألواح الشمسية وبطاريات تخزين الكهرباء. وتم نشر الطاقة الشمسية لأول مرة على الإطلاق في عمليات الإغاثة التي أعقبت تعرض كل من بورتوريكو وجنوب شرق الولايات المتحدة لأعاصير متكررة في عام 1988. 

وتبدو الأنظمة أو الحلول خارج الشبكة أكثرها ملاءمة لتوفير الكهرباء في المناطق المتأثرة بالكوارث الطبيعية؛ وذلك نظراً لسهولة تركيبها وتشغيلها بموجب برنامج زمني قصير للغاية. وفي هذا السياق، من المتوقع أن تزود السلطات التركية، بالشراكة مع القطاع الخاص، المناطق المتضررة من الزلزال أخيراً في جنوب شرق البلاد بنحو 12 ألف لوحة شمسية لتلبية احتياجات الكهرباء الرئيسية. ومع ذلك، ليس مألوفاً أن تخاطر الحكومات بتركيب أنظمة الطاقة الشمسية المستقبلة بوتيرة أسرع من اللازم، تحسباً لتعرض المناطق لهزات ارتدادية عقب الزلزال، مما يعوق جهود استعادة التيار الكهربائي سريعاً. 

علاوة على السابق، يمثل استيراد الكهرباء أحد الحلول الأخرى لتوفير الكهرباء سريعاً عقب الكوارث الطبيعية. فعلى سبيل المثال، بعد زلزال كوجالي بتركيا في أغسطس 1999، استوردت أنقرة الكهرباء من بلغاريا وجورجيا وإيران لرفع قدرات توليد الكهرباء في مجمل البلاد، حيث كانت تعتمد عدة مناطق داخلية على محطات كوجالي للحصول على الكهرباء.  

2- مرحلة إعادة التأهيل: تتوقف سرعة تأهيل شبكات الكهرباء المتضررة من الكوارث الطبيعية على عدة محددات، أولها يرتبط بمدى توفير الأموال اللازمة لإعادة تأهيل البنية الكهربائية سواء كان ذلك بتمويل حكومي ذاتي أو حشد الأموال من القطاع الخاص أو الجهات الدولية، والتي عادة ما تحرص على تقديم المساعدات المالية للدول المتضررة من الكوارث الطبيعية. وثاني تلك المحددات يتصل بإدارة سلاسل الإمدادات الخاصة بقطاع الكهرباء، من حيث توفير قطع الغيار والمعدات، بالإضافة إلى تكنولوجيا تشغيل محطات التوليد وغيرها. وسرعة تقديم الدعم الفني تعني توفير التيار الكهربائي للمناطق المتأثرة بالزلازل أو الفيضانات بشكل أسرع، خاصة إذا كانت الأضرار التي أصابت البنية الكهربائية محدودة. 

أما المحدد الثالث فيتعلق بهيكل المشاركين في إعادة تأهيل قطاع الكهرباء، حيث إن مشاركة منتجي الكهرباء المستقلين، إلى جانب الكيانات الحكومية، تزيد من مرونة نظم الكهرباء عقب الكوارث الطبيعية، وسد عجز الكهرباء بشكل أسرع سواء بالنسبة للمستخدمين المنزليين أو العملاء الصناعيين. فعلى سبيل المثال، عقب زلزال تشي تشي في تايوان عام 1999، تم الاعتماد على منتجين مستقلين لإعادة إمدادات الكهرباء بالمنطقة الصناعية (Hsinchu Science Park). كما استعانت نيبال بالشركة البريطانية (Renovagen)، المتخصصة في التكنولوجيا النظيفة، لنقل الألواح الشمسية إلى المناطق الجبلية عبر تقنية (Rabid Roll)، والتي تجعل الألواح الشمسية كالسجادة، مما يسهل نقلها عبر المرتفعات. 

الخلاصة هنا أن تعافي قطاع الكهرباء عقب الكوارث الطبيعية، وعلى غرار باقي البنى التحتية الأخرى، يتوقف على محددات متعددة؛ مالية وتكنولوجية ولوجستية وغيرها. وما أن يتم استيفاء هذه المحددات، تصبح إعادة تأهيل الشبكة الكهربائية أسرع والعكس صحيح بطبيعة الحال. 

 سياسات استباقية:

على أية حال، لا يتسنى للدول تجنب تبعات الكوارث الطبيعية على البنى التحتية بما فيها شبكة الكهرباء، بيد أنها تستطيع تقليل حجم الأضرار المتوقعة أو تحجيمها، كلما كانت لديها خطة للتأهب لحالات الطوارئ، ويمكن أن تسهم في تقصير وقت التعافي.  

وتتضمن خطة التأهب للكوارث الطبيعية، بحسب البنك الدولي ومؤسسات دولية أخرى، عدة مستويات للتحرك، وهي كالتالي:

1- البنية التحتية، ويتضمن ذلك إجراء تقييمات دورية بشأن متانة مرافق الكهرباء، وتحديث الشبكة، والتعديل التحديثي الزلزالي للمنشآت الخرسانية (أي جعلها أكثر مقاومة للزلازل) عبر تعديل تقنيات البناء أو مواد البناء المستخدمة في المرافق.

2- مصادر توليد الكهرباء، وذلك من خلال تنويع مصادر التوليد، وبناء أنظمة احتياطية لتوليد الكهرباء في حالات الطوارئ. ومثال ذلك، أنه في أعقاب زلزال وتسونامي توهوكو في اليابان عام 2011، دشنت الحكومة اليابانية برنامج "المرونة الوطنية"، الذي يمول إعادة إعمار المدن المتضررة من الكارثة، وضمن أهدافه بناء قدرات احتياطية للكهرباء بالمدن في حالة وقوع كارثة طبيعية أخرى. واستفادت مدينة هيغاشي ماتسوشيما اليابانية من التمويل الحكومي ببناء منشآت غير مركزية لتوليد الكهرباء عبر مصادر الطاقة المتجددة، لتلبية ربع احتياجاتها من الكهرباء محلياً، دون الاعتماد على الشبكة الوطنية.

3- إقرار التشريعات الخاصة بضمان سلامة المباني والمرافق الحيوية، مثل قوانين البناء الخاصة بتحديد اشتراطات سلامة المباني، بالإضافة إلى قوانين التأمين الإلزامية التي تهدف إلى تعويض المنشآت المتضررة من الكوارث الطبيعية. 

4- ممارسات التشغيل والصيانة الجيدة، والتي تعتبر إحدى الجوانب الحيوية لضمان سلامة مرافق الكهرباء.

ويتطلب تطبيق الإجراءات الوقائية السابقة تخصيص مبالغ مالية كبيرة في كثير من الأحيان، ما يقتضي حساباً دقيقاً للتكاليف والعوائد. وتشير الدراسات إلى أن التقوية المادية لشبكات الكهرباء خطوة مثمرة، ساعدت الكثير من الدول على الحد من خسائر قطاع الكهرباء عقب الكوارث الطبيعية. فعلى سبيل المثال، كان للاستثمار الوقائي في البنية التحتية الكهربائية في نيوزيلندا نتائج إيجابية للغاية، وأدى إنفاق 6 ملايين دولار لتحديث البنية الكهربائية - قبل الزلزال الذي تعرضت له في عام 2011 - إلى انخفاض قدره ما بين 30 و50 مليون دولار في تكاليف إحلال الأصول. 

ختاماً، يمكن القول إنه على أية حال لا يمكن للدول تفادي تبعات الكوارث الطبيعية على قطاع الكهرباء، لكنها ينبغي أن تكون على أهبة الاستعداد واتخاذ الإجراءات الوقائية اللازمة لتعزيز صمود شبكات الكهرباء عقب الكوارث الطبيعية، وهذا ما يقتضي من مشغلي الكهرباء قبل كل شيء النظر إلى الكوارث الطبيعية باعتبارها متغيراً أساسياً - وليس طارئاً - قد يؤثر في نماذج أعمالهم واستثماراتهم المستقبلية.