أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يصدر العدد الثاني من مجلة "اتجاهات آسيوية"
  • أ. د. نيفين مسعد تكتب: (عام على "طوفان الأقصى".. ما تغيّر وما لم يتغيّر)
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (بين موسكو والغرب: مستقبل جورجيا بعد فوز الحزب الحاكم في الانتخابات البرلمانية)
  • د. أيمن سمير يكتب: (هندسة الرد: عشر رسائل للهجوم الإسرائيلي على إيران)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (من المال إلى القوة الناعمة: الاتجاهات الجديدة للسياسة الصينية تجاه إفريقيا)

ترقب حَذِر:

كيف تعاملت إيران مع العقوبات الأمريكية الجديدة؟

26 سبتمبر، 2019


ما زالت إيران تترقب ما سوف تتجه إليه الولايات المتحدة الأمريكية من خيارات أخرى محتملة للتعامل مع الإجراءات التصعيدية التي تقوم بها خلال المرحلة القادمة، والتي قد لا تنحصر في فرض عقوبات جديدة، في 20 سبتمبر الجاري، شملت كلاً من البنك المركزي والصندوق الوطني للتنمية وشركة اعتماد تجارت بارس. وربما يمكن القول إن ما سوف تقدم عليه إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من خطوات إجرائية على الأرض سوف يحدد، بشكل كبير، البدائل التي يمكن أن تستند إليها إيران بدورها في الفترة المقبلة.

اعتبارات عديدة:

سارعت إيران إلى توجيه رسائل عديدة حاولت من خلالها الإشارة إلى أن الإجراءات العقابية الجديدة التي فرضتها واشنطن عليها لن تدفعها إلى إجراء تغيير بارز في سياستها. وفي الواقع، فإن ذلك يمكن تفسيره في ضوء اعتبارات عديدة يتمثل أبرزها في:

1- قراءة مختلفة: رغم أن هناك اتجاهًا في إيران لم يعد يستبعد نشوب مواجهة عسكرية مع واشنطن، في ظل التصعيد المتواصل بين الطرفين، على نحو بدا جليًا في التهديدات التي أطلقها العديد من مسئولي الحرس الثوري في الفترة الأخيرة، فإن هناك اتجاهًا آخر يرى أن اتجاه واشنطن إلى التعويل مجددًا على آلية العقوبات يوحي بأنها لا تسعى إلى تبني خيارات أخرى. وهنا فإن إيران قد تقرأ ذلك على أنه يعزز موقفها، بشكل قد يدفعها إلى الإمعان في اتخاذ مزيد من الخطوات التصعيدية مجددًا، التي تسعى من خلالها إلى رفع كلفة الإجراءات العقابية الأمريكية التي تتعرض لها.

وفي هذا السياق، قال محافظ البنك المركزي الإيراني عبد الناصر همتي في تعليقه على العقوبات الأمريكية الجديدة، في 20 سبتمبر الحالي، أن "فرض عقوبات أمريكية على البنك المركزي للمرة الثانية وبتهم جديدة يظهر أن واشنطن لم تجد وسائل جديدة للضغط على إيران".

2- أولوية التفاوض: يشير الاتجاه الأخير إلى أن الإدارة الأمريكية ما زالت ترى ضرورة مواصلة تبني الآلية الدبلوماسية لتسوية الخلافات العالقة مع إيران والتي تمتد من الاتفاق النووي إلى البرنامج الصاروخي والدور الإقليمي، سواء تم ذلك من خلال قنوات اتصال ثنائية مثلما حدث قبل ذلك عندما أجريت مفاوضات سرية ثم تحولت إلى علنية بين الطرفين مهدت المجال أمام الوصول إلى الاتفاق النووي في 14 يوليو 2015، أو عبر أدوار الوساطة التي تقوم بها دول عديدة تسعى إلى مواصلة العمل بالاتفاق مثل فرنسا.

3- وقف الدعم: توحي تصريحات المسئولين الإيرانيين بأن الهدف الأساسي الذي تسعى واشنطن إلى تحقيقه عبر العقوبات الجديدة، وفقًا لرؤية طهران، يكمن في عرقلة أو تقليص الدعم المالي الذي تقدمه إيران لحلفائها في الإقليم، سواء نظام الرئيس السوري بشار الأسد، أو الميليشيات المسلحة الموجودة في بعض دول الأزمات. 

4- ملفات ضاغطة: ربما لا تفصل إيران بين ردود الفعل المحتملة التي قد تتخذها واشنطن في الفترة القادمة وبين انشغال الأخيرة في الملفات الإقليمية والدولية الأخرى التي تحظى باهتمام خاص من جانبها، على غرار توقف المفاوضات التي كانت تجريها مع حركة "طالبان" الأفغانية للوصول إلى تسوية للأزمة الأفغانية تُهيِّئ المجال أمام سحب قسم كبير من القوات الأمريكية من أفغانستان، إلى جانب الخلافات المستمرة في العلاقات مع تركيا حول المنطقة الآمنة في شمال سوريا وصفقة صواريخ "إس 400" التي أبرمتها مع روسيا رغم معارضتها لها، فضلاً عن استمرار الحرب التجارية مع الصين، وعدم وصول المحادثات مع كوريا الشمالية إلى نتائج إيجابية بارزة يمكن أن تساعد في توقيع اتفاق بين واشنطن وبيونج يانج، حتى بعد اللقاءات التي جمعت بين الرئيس ترامب والزعيم الكوري الشمالي كيم جونج أون.

ومن هنا، كان لافتًا، أن إيران سعت في الفترة الأخيرة إلى رفع مستوى التنسيق والتعاون مع بعض تلك الأطراف. فقد لوحظ أنها أعلنت، في 17 سبتمبر الجاري، عن إجراء محادثات مع وفد من حركة "طالبان" قام بزيارتها مؤخرًا، حيث من المرجح أن مستقبل المحادثات بين الحركة وواشنطن كان محور تلك المحادثات، خاصة في ضوء اهتمام طهران بدراسة المسارات المحتملة للتفاهمات بين الطرفين والتي قد لا توثر فقط على موقعها من الأزمة الأفغانية، وإنما على اتجاهات التصعيد مع واشنطن، باعتبار أنها تحاول في الفترة الحالية الاستناد إلى نفوذها الإقليمي كورقة ضغط في مواجهة الضغوط والعقوبات الأمريكية.

كما قالت عضو هيئة المندوبين في غرفة تجارة وصناعة طهران فريال مستوفي، في 17 سبتمبر الحالي، أن إيران والصين أبرمتا عقودًا تصل قيمتها إلى 400 مليار دولار، ستقوم بموجبها الحكومة الإيرانية بترسية صفقات على الشركات الصينية دون أن تكون هناك ضرورة لمشاركتها في مناقصات، مشيرة إلى أن الحكومة سوف تقوم أيضًا بتقديم خصومات تتراوح بين 20 إلى 30% عند بيع النفط للصين.

ومن دون شك، فإن الهدف الأساسي من ذلك هو دفع الشركات الصينية إلى محاولة ملء الفراغ الذي نتج عن انسحاب الشركات الغربية من السوق الإيرانية، على خلفية العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة الأمريكية، وبالتالي مساعدة إيران على تقليص حدة التداعيات الاقتصادية القوية لتلك العقوبات.

وحسب بعض التقديرات التي نشرت في 11 سبتمبر الجاري، فإن العقوبات التي فرضتها واشنطن على أكثر من جولة أدت إلى تراجع كبير في الصادرات النفطية الإيرانية التي وصلت، في أغسطس الفائت، إلى 200 ألف برميل، بعد أن كانت تبلغ أكثر من 2 مليون برميل قبل عام.

اختبار حاسم:

وعلى ضوء ذلك، يمكن القول في الأخير، إن الخيارات التي سوف تقدم عليها الولايات المتحدة الأمريكية للتعامل مع التهديدات التي تفرضها السياسة الإيرانية، سوف تمثل المتغير الأساسي الذي سوف يضبط حدود التصعيد الحالي بين طهران وواشنطن وسيؤثر بشكل واضح في البدائل التي يمكن أن يتجه إليها كل طرف في الفترة القادمة. وبمعنى آخر، فإن السياسة الأمريكية تجاه إيران أصبحت أمام اختبار حاسم في الوقت الحالي، حيث سيكون لها تأثير مباشر على المسارات التي يمكن أن تتجه إليها ردود الفعل الإيرانية خلال المرحلة المقبلة.