أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

جدل محتدم:

هل يقلص المحافظون خيارات روحاني في الملف النووي؟

04 أكتوبر، 2017


لم تعد حكومة الرئيس حسن روحاني تستبعد احتمال إقدام إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على الانسحاب من الاتفاق النووي أو على الأقل اتخاذ خطوات من شأنها التأثير على استمرار العمل به خلال الفترة القادمة. ومن هنا، سعت الحكومة إلى الترويج لخيارات أخرى قد تلجأ إليها للتعامل مع هذا المسار في المرحلة القادمة، لا تنحصر فقط في العودة إلى تنشيط البرنامج النووي من جديد واستعادة المستوى الذي كان عليه قبل الوصول للاتفاق النووي الذي فرض قيودًا عليها في هذا السياق.

أحد أهم هذه الخيارات يتمثل في استمرار العمل بالاتفاق بدون الولايات المتحدة الأمريكية، أى تطبيق بنود الاتفاق من جانب إيران وكل من الدول الأوروبية وروسيا والصين، باعتبار أنها الأطراف التي تفاوضت مع إيران للوصول إلى الاتفاق والتي تبدي اهتمامًا خاصًا بمواصلة تطبيقه خلال المرحلة القادمة.

لكن هذا الخيار سوف يرتبط بمتغير أساسي وهو استمرار هذه الأطراف نفسها في العمل بالاتفاق والتزامها بالبنود التي يتضمنها، دون أن تقترب من الموقف الأمريكي إزاء بعض الملفات الخلافية، على غرار ملف الصواريخ الباليستية أو تفتيش المنشآت العسكرية.

مكاسب محتملة

ووفقًا لرؤية الاتجاه المؤيد لهذا الخيار، فإن ذلك يمكن أن يحقق نتائج إيجابية عديدة لإيران. يتمثل أولها، في أنه سوف يساهم في تحسين صورة إيران على الساحة الدولية، خاصة أنه سيثبت للقوى الدولية أن إيران قادرة فعلاً على الانخراط في التزامات دولية صارمة على غرار الاتفاق النووي، على عكس الإدارة الأمريكية، التي ستتحمل، طبقًا له، المسئولية الدولية في هذه الحالة عن تعزيز احتمالات انهيار الاتفاق.

وينصرف ثانيها، إلى أنه سوف يبقي على احتمالات حصول إيران على مزيد من العوائد الاقتصادية للاتفاق، لا سيما فيما يتعلق بإبرام مزيد من الصفقات الاقتصادية مع الشركات والمصارف الدولية، خاصة الأوروبية والآسيوية، بشكل يمكن أن يدعم قدرة الحكومة على التعامل مع المشكلات الاقتصادية التي ما زالت قائمة.

ويتعلق ثالثها، بأنه سيجنبها المغامرة بدعم احتمالات إعادة طرح الخيار العسكري ضدها من جديد للتعامل مع أزمة ملفها النووي، في حالة ما إذا اتجهت في النهاية إلى تطوير البرنامج مرة أخرى ورفع مستوى عمليات التخصيب بدرجة يمكن أن تقربها من مرحلة امتلاك القدرات اللازمة لإنتاج القنبلة النووية، وهو خط أحمر لن تسمح به الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل. 

ومن هنا، حرص بعض المسئولين الإيرانيين على التقليل من أهمية الانسحاب الأمريكي المحتمل من الاتفاق النووي، وعلى الإشارة إلى إمكانية مواصلة تطبيقه في حال حدوث ذلك، من خلال التوافق بين إيران والقوى الدولية الأخرى المعنية باستمراره. 

ففي هذا السياق، قال رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية علي أكبر صالحي، في 8 أغسطس 2017، أن انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من الاتفاق لن يؤثر على استمراريته، في ظل إعلان الدول الأوروبية وروسيا والصين وسائر الدول تأييدها للاتفاق. 

كما أنه طرح مبادرة جديدة لتشكيل مجموعة دولية بديلة عن مجموعة "5+1" تتكون من إيران والدول الأوروبية الثلاث (بريطانيا وفرنسا وألمانيا) إلى جانب روسيا والصين، تسمى مجموعة "7-1"، أى إيران وتلك القوى الدولية باستثناء الولايات المتحدة الأمريكية.

واللافت في هذا السياق، هو أن هذا الخيار أعاد وزير الخارجية محمد جواد ظريف الإشارة إلى إمكانية الاستناد إليه في حواره مع صحيفة "ذي غارديان" البريطانية في 29 سبتمبر 2017.

ففضلاً عن أنه توقع إعلان إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عدم التزام إيران بالاتفاق، فقد دعا الدول الأوروبية إلى "تولي القيادة" من أجل إنقاذ الاتفاق النووي، لكنه أضاف أنه في "حال قررت أوروبا واليابان وروسيا والصين التوافق مع الولايات المتحدة الأمريكية فأعتقد أن هذا يعني نهاية الاتفاق".

ورغم أنه هدد في حالة حدوث ذلك بعودة إيران إلى تنشيط برنامجها النووي من جديد من خلال "تكنولوجيا أكثر تطورًا وبوتيرة أسرع وبلا قيود" على حد قوله، إلا أن تصريحاته توحي في الوقت نفسه بأنه يعول على استمرار القوى الدولية الأخرى في العمل بالاتفاق، على اعتبار أن الحالة الوحيدة لانهياره تتمثل في تأييدها للإجراءات الأمريكية، وهو ما لم يحدث حتى الآن، في ظل إصرار تلك القوى على مواصلة تطبيق الاتفاق والإقرار بأن إيران ملتزمة بتنفيذ بنوده.

اتجاه مضاد

لكن هذا الخيار يواجه، على ما يبدو، معارضة قوية داخل إيران، من جانب تيار المحافظين الأصوليين، فضلاً عن القيادة العليا في الدولة والمؤسسات الأخرى النافذة على غرار الحرس الثوري.

فوفقًا لهذا الاتجاه، فإن الاتفاق النووي سوف يكون بلا جدوى في حالة انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية منه، في ظل الثقل الذي تحظى به الأخيرة على الساحة الدولية، والذي يتيح لها التأثير على المسارات المحتملة للاتفاق مهما كانت الإجراءات التي سوف تتخذها في التعامل معه.

ومن هنا، وجه هذا الاتجاه انتقادات قوية للمبادرات التي طرحها الفريق المؤيد لمواصلة العمل بالاتفاق حتى في حالة الانسحاب الأمريكي.

وقد عبر حسين شريعتمداري رئيس تحرير صحيفة "كيهان" (الدنيا) المحافظة عن رؤية هذا الاتجاه المتشدد في حواره مع وكالة أنباء "فارس" القريبة من الحرس الثوري، في 12 سبتمبر 2017، حيث هاجم المسئولين الذين طرحوا هذه المبادرات بقوله: "إن الترجمة لهذه الرؤية بلغة غير دبلوماسية هى أنكم في الجدال النووي تقومون برطم أقدام أمريكا ببطونكم"، مضيفًا: "من المؤكد أنهم سيقولون للشعب أننا وجهنا ضربة قاضية لأمريكا، في حين أن هذه الضربة أشبه بتوجيه لكمة لأنفسنا". 

وهنا، فإن شريعتمداري يعني أن هذا الاتجاه يفترض أن إيران سوف تواصل تقديم تنازلات في برنامجها النووي وفقًا للاتفاق الحالي حتى رغم العقوبات التي ستتعرض لها من جانب الولايات المتحدة الأمريكية التي سوف تنسحب من الاتفاق.

ويستند هذا الاتجاه في رفضه لذلك إلى اعتبارين أساسيين: الأول، أن هذا الخيار لن ينتج تداعيات إيجابية على إيران، بل على العكس من ذلك ستكون انعكاساته وخيمة، إذ أنه يفترض عودة العقوبات الدولية المفروضة على إيران وفي الوقت نفسه التزامها بالقيود المفروضة عليها في الاتفاق، خاصة فيما يتعلق بتقليص مستويات تخصيب اليورانيوم واستخدام الجيل الأول فقط من أجهزة الطرد المركزي في عمليات التخصيب وغيرها.

والثاني، أن التعويل على أن مواصلة العمل بالاتفاق في غياب الولايات المتحدة الأمريكية سوف يساهم في حصول إيران على عوائد أكبر من الاتفاق النووي، على المستويين الاقتصادي والتكنولوجي، غير مضمون، باعتبار أن هذه العوائد كانت في حدها الأدنى حتى في الفترة الماضية التي التزمت فيها واشنطن بالاتفاق، نتيجة عزوف كثير من الشركات والمصارف عن التعامل مع إيران خشية التعرض لعقوبات أمريكية.

وعلى ضوء ذلك، يمكن القول في النهاية إن حكومة روحاني سوف تواجه عقبات عديدة في حالة اتجاهها إلى محاولة تمرير هذا الخيار في الداخل، في ظل الموقف المتشدد الذي يبديه المحافظون الأصوليون، الذين يسعون إلى استغلال التصعيد الأمريكي من أجل تعزيز احتمالات انهيار الاتفاق النووي الذي لم يكن يحظى بقبولهم من البداية.