أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

"اعتدال":

استراتيجيات المواجهة الفكرية للتطرف

10 يونيو، 2017


جاء افتتاح المركز العالمي لمكافحة التطرف "اعتدال" ومقره الرياض، على هامش القمة "العربية الإسلامية الأمريكية" التي عُقدت في مايو الماضي، ليكشف عن القلق العالمي من انتشار خطاب العنف والإرهاب باستخدام وسائل الإعلام التقليدية والجديدة على السواء، لا سيما مع توسع الجماعات الإرهابية -وعلى رأسها تنظيم "داعش"- في استخدام التقنيات الحديثة لأغراض الدعاية، والترويج لأفكارها المتطرفة والعنيفة، والتجنيد والتمويل، ودعم تنفيذ العمليات الميدانية، وهي الأمور التي حتَّمت بذل مزيدٍ من الجهد لرصد تلك الظواهر، وصياغة استراتيجيات للتحرك والمجابهة في إطار تعاون دولي عابر للحدود.

التطرف في الإعلام

على الرغم من أن أغلب الدراسات التي تطرقت إلى العلاقة بين التطرف والإعلام ركزت على دور الأخير في مواجهة العنف والإرهاب، ومناهضة تيارات التشدد، في إطار المسئولية المجتمعية التي تضطلع بها وسائل الإعلام؛ إلا أن العقدين الأخيرين شهدا تناميًا لخطاب العنف والإرهاب في هذه الوسائل، لتصبح أدوات لنشر خطاب العنف والكراهية بعدما كان النظر إليها باعتبارها أدوات للحد والمكافحة.

ولا يقتصر توظيف الإعلام لنشر خطاب التطرف على الإعلام الإلكتروني فحسب، في ظل توسع الجماعات الإرهابية في استخدامه، وإنما يمتد الأمر لوسائل الإعلام التقليدية، لا سيما في ظل التزايد المتنامي لقنوات البث الفضائي المملوكة للتنظيمات المسلحة وتيارات الإسلام السياسي والجماعات الطائفية، لتذيع البرامج والنشرات والتسجيلات التي تبث الأفكار وتروج للمعتقدات وتدافع عن السياسات، وتعمل كساحات للتراشق والتحريض، فضلا عن خطابات التكفير والكراهية.

ولا يقتصر الأمر على قنوات البث المرئي، وإنما امتد نشر هذا الخطاب عبر صحف ومواقع إلكترونية، تعمل تحت غطاء شرعي مثل شركات إعلامية مرخصة ولكنها تصدر من خارج بلدانها الأم، فنرى قنوات وصحفًا تستضيفها دول أجنبية وتقوم ببث خطاب العنف والتحريض، دون التعرض لمخاطر الحظر أو المساءلة.

وإذا كان هذا الأمر يتعلق بوسائل الإعلام المملوكة للتنظيمات، فقد امتد خطاب التطرف إلى وسائل الإعلام المملوكة لحكومات أيضًا، في ظل حالة الاستقطاب الطائفي العنيفة التي تضرب المنطقة، بالإضافة إلى ارتباط ذلك الخطاب بالمعادلات المعقدة للصراعات المسلحة التي تتداخل فيها تنظيمات طائفية وإرهابية.

وعلى صعيد الإعلام الإلكتروني، يبدو أن الأمر أصبح معضلة مستفحلة، لا سيما مع انتشار الإعلام الاجتماعي، وتحول كل مستهلك للمحتوى إلى منتج قادر على بث النص والصورة والفيديو، فضلا عن تضاؤل تكلفة تدشين المواقع الإلكترونية التي باتت أدوات إنشائها المجانية متاحة وسهلة الاستخدام، لا تستدعي أي خبرات تقنية معقدة.

فقد باتت منصات مثل "فيسبوك" و"تويتر" و"يوتيوب" وغيرها من التطبيقات، أدوات يبث من خلالها الإرهابيون أخبارهم بالصوت والصورة، فضلا عن استخدام مزايا سرعة النشر والبث الفوري عليها في توفير مصدر معلوماتي لحظي يساعد في تنفيذ العمليات الميدانية الإرهابية.

وقد زاد عدد الحسابات المتطرفة عبر شبكات التواصل الاجتماعي، حتى إن موقع "تويتر" أعلن، في 18 أغسطس 2016، أنه أوقف نحو 250 ألف حساب قام بنشر أفكار تشجع على الإرهاب خلال 6 أشهر، ليرتفع إجمالي الحسابات التي أغلقها لذلك الغرض منذ فبراير 2015 إلى 360 ألف حساب.

والواقع أن المحتوى الذي تبثه الجماعات الإرهابية عبر الإنترنت لا يظل حبيس الشبكة، وإنما تتلقفه وسائل الإعلام التقليدية المحلية والدولية، وتعيد بثه في إطار خدماتها الإخبارية، ما يمنح إعلام الإرهاب فرصًا متجددة للانتشار، الأمر الذي سبق وأشار إليه "بريان جينكينز" Brian Jenkins في دراسته المعنونة "العصر الجديد للإرهاب" الصادرة عن مؤسسة "راند" الأمريكية في عام 2006، حيث اعتبر أن إعادة بث وسائل الإعلام التقليدية للمقاطع التي تنشرها الجماعات الإرهابية عبر الفضاء الإلكتروني يعمل على تضخيم حجم تلك الأنشطة بمنحها فرصًا أكبر لتعرُّض المزيد من الجماهير إليها.

ولا يقتصر خطاب التطرف على الجماعات الإرهابية وحدها، وإنما يمتد لحروب التراشق الطائفي التي باتت وسائل التواصل الاجتماعي ساحة شائعة لها، وهو ما تطرقت إليه "ألكسندرا سيغل" Alexandra Siegel الباحثة بمركز "كارنيجي" للشرق الأوسط عام 2015 في دراستها المعنونة "حروب تويتر الطائفية"، حيث قامت بتحليل ما يفوق 7 ملايين تغريدة باللغة العربية، وهو التحليل الذي أظهر تزايد حجم اللغة الطائفية بسبب أحداث العنف على أرض الواقع، وأن تلك اللغة تنتشر عبر كلٍّ من رجال الدين، والمتطرفين، ووسائل الإعلام، والنخب على السواء.

أدوار "اعتدال"

في فبراير 2005 استضافت المملكة العربية السعودية أول مؤتمر دولي لمكافحة الإرهاب في الرياض، والذي وجه فيه الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز الدعوة لإنشاء مركز دولي لمكافحة الإرهاب، ما تبعه اعتماد استراتيجية الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب في عام 2006، ثم إنشاء مركز الأمم المتحدة الدولي لمكافحة الإرهاب في 11 سبتمبر 2011 من أجل تعزيز التعاون الدولي في هذا الشأن، ودعم الدول الأعضاء في تنفيذ الاستراتيجية العالمية للمكافحة، وهو المركز الذي بدأ تشغيله فعليًّا في أبريل 2012.

كما شهد شهر أبريل 2017 إعلان السعودية وماليزيا عن بدء التنسيق لاستكمال الترتيبات اللازمة لانطلاق "مركز الملك سلمان للسلام العالمي" من أجل مكافحة الإرهاب، وذلك قبل شهر واحد من إعلان تأسيس المركز العالمي لمكافحة التطرف "اعتدال"، وهو ما يعكس اهتمام المملكة بمكافحة التطرف الفكري لتيارات التشدد الإرهابية، كما يأتي كجزء من توجه عالمي لإنشاء المراكز البحثية والفكرية لمجابهة التطرف والإرهاب إقليميًّا ودوليًّا، سواء كانت رسمية تعبر عن حكومات مثل المركز القومي الأمريكي لمكافحة الإرهاب NCTC، أو مستقلة مثل المركز العالمي لمكافحة الإرهاب في لاهاي ICCT، فضلا عن المراصد التابعة لمؤسسات دينية مثل مرصد الفتاوى التكفيرية والآراء المتشددة التابع لدار الإفتاء المصرية.

وعلى الرغم من تلك الجهود الممتدة زمنيًّا وجغرافيًّا، فإن أدوارًا متوقعة وجديدة باتت منتظرة من مركز "اعتدال" في ظل قيامه على 3 ركائز أساسية لمكافحة التطرف بأحدث الطرق والوسائل فكريًّا وإعلاميًّا ورقميًّا. ويتصدر هذه الأدوار الرصد اللحظي للمحتوى المتطرف، إذ يعمل بالمركز ما يزيد عن 200 محلل بيانات يستخدمون تقنيات حديثة للرصد والتحليل الفوري، بحيث يمكن معالجة وتحليل الخطاب المتطرف خلال 6 ثوان فقط من لحظة توافر البيانات أو التعليقات على الإنترنت، فضلا عن نظم ذكاء اصطناعي متقدمة لتحديد المواقع الجغرافية التي تحتضن بؤر وحواضن الفكر المتطرف.

ولعل هذا الاهتمام اللافت بالتكنولوجيا، والاعتماد على تقنيات تحليل البيانات الضخمة ونظم تحديد المواقع الجغرافية وغيرها من التقنيات المتطورة، يؤشر إلى أدوار متوقعة لفعالية الرصد الأمني تواكب فعالية الجماعات الإرهابية في استخدام التكنولوجيا، والتي أثبتت فيها كفاءة ليس فقط في استخدام المواقع الإلكترونية وشبكات التواصل الاجتماعي، ولكن أيضًا في استخدام "الإنترنت المظلم" في تبادل المعلومات ونشر الدعاية وجمع الأموال عبر الاتصالات المشفرة.

ومن المتوقع أن يدعم "اعتدال" أواصر التعاون الدولي في مواجهة ظاهرة التطرف، ليس فقط على مستويات الرصد وإنما كذلك على مستوى التعاون الأمني والاستخباراتي، وهو ما يتعزز بالإعلان عن اشتمال أنشطة المركز على رصد المحتوى باللغات المتعددة والشائعة بين المتطرفين.

وتتعزز أدوار مركز "اعتدال" في ظل امتداد أهدافه إلى إنتاج محتوى إعلامي يتصدى للفكر المتطرف بهدف مواجهته وكشف دعايته الترويجية، أي بث محتوى مضاد للأفكار المتطرفة يخلق توازنًا فكريًّا توعويًّا قائمًا على تحليل الحجج والبراهين والأُطر المرجعية التي يستند إليها الخطاب المتطرف لدحضها والرد عليها، وهو ما يتوقع أن يشتمل على صياغة استراتيجية إعلامية مضادة لإعلام الإرهاب والجماعات المتطرفة يعتمد على الأسس المهنية في تقديم المحتوى، في إطارٍ يُراعي مفاهيم إتاحة المعلومات وإدارة النقاش المجتمعي بشأن قضايا المصلحة العامة.

إجمالا يمكن القول، إنه يتوقع أن يضطلع مركز "اعتدال" في الرياض بدور كبير في رصد وتحليل الخطاب المتطرف، والمتدفق عبر وسائل الإعلام التقليدية والحديثة، وذلك باستخدام المركز آليات مستمرة قوامها استثمار تقنيات التكنولوجيا الحديثة وفي إطار من التعاون الدولي. ولكن يتعين أن يتواكب مع هذه الجهود تحركات أمنية موازية على نفس القدر من السرعة والتطور، وهي التحركات التي تتطلب تعاونًا دوليًّا فعالاً على المستويات الأمنية والاستخباراتية لمكافحة الإرهاب والتطرف.