أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

البحث عن شرعية:

دور "دبلوماسية المتمردين" في حسم الصراعات

27 أغسطس، 2016


إعداد: أحمد محمود مصطفى

تركز معظم الأدبيات السياسية التي تتناول بالدراسة والتحليل دور العامل الدولي في الحروب الأهلية، على حساباته وآليات تدخله في الصراعات الداخلية، لكنها تغفل توجه المتمردين للتواصل مع القوى الدولية المنخرطة في الصراع وكسب الشرعية الدولية عبر أدوات دبلوماسية كانت حِكراً في الماضي على الدول القومية. وتنخرط حركات المتمردين في سلسلة من الأنشطة الدبلوماسية؛ لتطرح نفسها كحركات سياسية قادرة على إدارة الدولة، وخلق نظام يُدار بالقوانين في خضم الصراع المسلح.

وفي هذا السياق، تتناول "رييكو هوانج" Reyko Huang، الأستاذ المساعد بكلية بوش للخدمات العامة والحكومية بجامعة تكساس إيه أند إم، في دراستها بعنوان: "دبلوماسية المتمردين أثناء الحرب الأهلية" والمنشورة بمجلة "الأمن الدولي International Security" في عددها الصادر في خريف هذا العام، الأدوات غير العنيفة، والتي منها الدبلوماسية، لحركات المتمردين أوقات الحرب الأهلية، ودور الدبلوماسية في تحقيق أهداف الجماعات المتمردة السياسية والعسكرية. وتدرس "هوانج" حالة الحرب الأهلية في أنجولا كدراسة حالة لدور دبلوماسية المتمردين في تحقيق تلك الأهداف.

في بداية دراستها، توضح "هوانج" أنه استناداً إلى قواعد البيانات، كانت الدبلوماسية الأسلوب الشائع الذي انتهجه 39% من جماعات المتمردين لإنهاء الحروب الأهلية الكبرى (127 حرب أهلية) خلال الفترة من 1950 إلى 2006. وتشير الدراسة إلى أن المتمردين يعتمدون على سُبل متعددة لتسهيل التعامل الدبلوماسي مع المجتمع الدولي، وأكثر تلك الُسبل شيوعاً هو الاعتماد على شركة علاقات عامة تدير وجودهم في الخارج. كما أن جماعات المتمردين تعتمد على أفرادها المقيمين في الخارج لإدارة المكاتب الخارجية والتوصل مع الهيئات التشريعية للقوى الدولية. والتكتيك الأقل استخداماً هو تأسيس منظمات دولية خاصة بالمتمردين لتعزز من شهرتهم وتحقق التضامن الدولي مع مطالبهم. 

ماهية "دبلوماسية المتمردين"

تُعرف "هوانج" "دبلوماسية المتمردين" بأنها سلوك المتمردين على الساحة الدولية خلال الحرب الأهلية؛ بغرض تحقيق أهدافهم السياسية والعسكرية. وبالتالي تركز الدراسة، في هذا الصدد، على دور هذه الدبلوماسية في تأمين المزايا المادية والسياسية للمتمردين أوقات الحرب الأهلية، وتحقيق المصداقية والقبول لهم على المستوى الدولي، حيث إنهم يرغبون في إظهار قدراتهم كمنافسين سياسيين جادين في الوصول إلى سدة الحكم، وكذلك مدى جديتهم للدخول في محادثات سلمية.

وتطرح الدراسة تساؤلاً حول أسباب تبني المتمردين للدبلوماسية، مفاده: لماذا تشارك بعض قوى المتمردين في الجهود الدبلوماسية، بينما يفضل آخرون عدم المشاركة؟ وتوضح "هوانج" أن جماعات المتمردين عادةً ما تكون في وضع غير مواتِ مقارنةً بالدولة، فهي تعاني افتقار الموارد جزئياً أو الضعف العسكري؛ وهو ما يدفعها لتبني أدوات دبلوماسية في صراعها مع السلطات الحاكمة.

ولفهم سلوك المتمردين خارج ميدان المعركة، يجب التأكيد على أن الصراع العسكري ما هو إلا بُعد واحد للحرب الأهلية، فالمواجهات المسلحة لا تحدث في فراغ، إنما في سياقات سياسية محلية ودولية محددة، وهذه السياقات لها تأثير كبير على ديناميكيات الحرب ومخرجاتها. وتوضح الدراسة أن المتمردين ما هم إلا فاعلون سياسيون يسعون للوصول لمكانة وقوة الدولة، سواء كان بالاستيلاء على العاصمة أو تأسيس دولة جديدة لهم، فهم يتمنون أن يأُخذوا على محمل الجد كقوى سياسية تهدف إلى الحصول على صفة رسمية في السياسات الدولية.

وتشير إلى "هوانج" إلى أهمية أن يحصل المتمردون على دعم دولي قوي مُرجح لقضيتهم حتى يستطيعوا التغلب على القيود الشديدة مثل القدرات العسكرية، فضلاً عن تحقيق الهدف السياسي النهائي لهم. وفي هذا السياق، تشير الدراسة إلى مجموعة من الامتيازات المرتبطة بالدعم الدولي، ومنها الاعتراف الدولي بهم، والتمويل، والحصول على الأسلحة، وعضوية المنظمات الدولية، وتحقيق التعاطف السياسي معهم.

وظائف الدبلوماسية وقت الحرب

ترى "هوانج" أن انتهاج الدبلوماسية وقت الحرب يسمح للمتمردين بتقديم أنفسهم للمجتمع الدولي كفصيل سياسي. فمن خلال الدبلوماسية يتمكنون من طمأنة الدول بأنهم أكثر من جماعة عنف مسلحة، ولكنهم منظمة سياسية ولديها القدرة على التعاون، ويمكن أن تتعاون مع صانعي السياسات والدبلوماسيين، وقادرة على خوض محادثات سلمية. وهنا تتسق الدبلوماسية مع وسائل أخرى ضمن مهارات المتمردين في فن إدارة الحكم مثل إدارة محطات الراديو، وتأسيس وسائل الإعلام الخاصة بهم، ومؤخراً خلق وجود على الشبكة العنكبوتية عبر المواقع الالكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي. كما أن جماعات المتمردين تُنشئ المدارس والمستشفيات وقت الحرب وتضع القوانين وتؤسس المحاكم التي تطبق تلك القوانين، والتي يمكن أن تُرى كمحاولة للسيطرة على السكان والحصول على دعمهم.

ولأن الدبلوماسية ترتبط بالدول، فإن الجماعات المتمردة تسعي إلى استخدام الدبلوماسية رغبةً في إظهار قدراتها على المشاركة في الشؤون الخارجية، والذي عادة ما يُفهم على أنه حِكر على الدول المعترف بها. وعادةً ما تسعى الحكومات التي تحارب المعارضة المسلحة إلى إجراء جهود دبلوماسية مكثفة لتأمين حلفائها، وفي المقابل تكون دبلوماسية المتمردين بمنزلة سياسة مضادة تهدف إلى تشويه سمعة الحكومة، فهي معركة سياسية تحدث على الساحة الدولية. كما أن أنشطة الدبلوماسية الدولية للمتمردين يمكن أن تكون لها تأثيرات محلية، من خلال تحسين صورتهم في الداخل.

وتؤكد الكاتبة أن الدبلوماسية ليست مجرد أمر هامشي، بل هي مسألة جوهرية، فالجماعات المتمردة يمكن أن تستخدم الدبلوماسية لإقناع القوى الأجنبية بمواقفها، ولاسيما تلك التي تتبنى أهدافاً ومصالح تتماشى معها. لذا فإن الدبلوماسية هي وسيلة للمتمردين للتواصل وعرض وجهات نظرهم وتفضيلاتهم للجمهور المستهدف؛ ومن ثم كسب دعمهم. وفي هذا السياق تشير الدارسة إلى الجهود التي بذلها الوفد الخارجي لتيمور الشرقية في الأمم المتحدة لإقناع الدول المتعاطفة لدعم المحادثات الرسمية للحصول على استقلالها عن إندونيسيا.

"أنجولا" كدراسة حالة للأدوات غير العنيفة وقت الحرب

تتناول الدراسة الحرب الأهلية في أنجولا (1975 – 2002) كدراسة حالة لدور دبلوماسية حركة الاتحاد الوطني لاستقلال أنجولا التام "يونيتا UNITA" في تحقيق أهدافها ومصالحها. إذ انخرطت الحركة في عملية دبلوماسية واسعة في المرحلة الأولى من الحرب، بينما انخفض مستوى مشاركتها بعد الهدنة.

وبدأت الحرب الأهلية مراحلها الأولى في أعقاب الاستقلال عن البرتغال في عام 1975 بين الجبهة الشعبية لتحرير أنجولا وحركة الاتحاد الوطني لاستقلال أنجولا التام "يونيتا"، وقد استخدمت "يونيتا" تكتيكات دبلوماسية متنوعة متمثلة في تمركز عدد من الدبلوماسيين في العواصم الغربية المختلفة. كما سعى قادة الحركة لتأمين جوازات سفر من الدول الصديقة في أفريقيا، بالإضافة إلى فتح مجموعة من المكاتب الخارجية وصلت إلى 12 مكتباً حول العالم. وأخيراً كانت "يونيتا"، مثل باقي الحركات الممولة بشكل جيد، تُلقي العبء بشكل كبير على شركات العلاقات العامة وجماعات الضغط لإعادة إنتاج صورتها حول العالم، وإدارة علاقات الحركة بالمسؤولين الأمريكيين والإعلام والرأي العام.

وتوضح الكاتبة أن الحركة كانت لديها رغبة واضحة في الحصول على موارد من الخارج، وعلى الرغم من عدم ضعفها عسكرياً إلا أنها لم تتوقف عن جهودها الدبلوماسية لضمان استمرار الدعم السياسي بجانب الحصول على الأسلحة المتطورة. كما استخدمت "يونيتا" الدبلوماسية لتعزيز الشرعية الداخلية، حيث أثارت وحشيتها في ذروة الحرب الأهلية تخوفاً من قدرتها على تقديم نفسها كمنظمة سياسية قابلة للاستمرار وكسب الدعم الشعبي.

وقد وضعت الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في أنجولا عام 1992 حركة "يونيتا" في اختبار من حيث مبادئها والتزاماتها نحو الديمقراطية والحرية، وعندما جاءت النتائج لصالح الجبهة الشعبية، رفضت الحركة تلك النتائج وعادت للمقاومة في حالة من الانقلاب على خطاباتها عن الديمقراطية على مدار سبعة عشر عاماً.

ووفقاً للإطار النظري الذي تطرحه "هوانج"، يتوافق التراجع الذي شهدته الجهود الدبلوماسية في أثناء هذه المرحلة من الصراع مع أدلة على تضاؤل مصالح "يونيتا" في الحصول على المكاسب السياسية من خلال الدعم الدولي. وثمة عدة أسباب متداخلة لانقلاب استراتيجية الحركة بعد عام 1992، ومنها سحب الولايات المتحدة لدعمها للحركة في أوائل التسعينيات، واتجاه الحركة إلى التعدين وبيع الألماس كمصدر دائم للتمويل. وعلى الرغم من أن الدراسة أثبتت عدم وجود ارتباط بين اعتماد المتمردين على التهريب والدبلوماسية، فإن اكتشاف مصدر جديد للدخل بالاعتماد على تجارة الألماس لعب دوراً كبيراً في خفض الفائدة التكتيكية للدبلوماسية.

وفي ختام دراستها، تخلص "هوانج" إلى أن الدبلوماسية هي أداة فاعلة ومؤثرة لكلِ من الجماعات الانفصالية التي تسعى إلى الحصول على الاعتراف الدولي وتأسيس دولة مستقلة، والجماعات التي تهدف إلى تأسيس كيانات سياسية. كما تؤكد الدراسة على نجاح الجماعات التي تبحث عن الشرعية المحلية والدولية في توظيف الدبلوماسية لتحقيق أهدافها السياسية في الصراع.

* عرض مُوجز لدراسة بعنوان: "دبلوماسية المتمردين أثناء الحرب الأهلية"، والمنشورة في مجلة "الأمن الدولي"، عدد خريف 2016.

المصدر:

Reyko Huang, “Rebel Diplomacy in Civil War”, International security, Vol. 40, No. 4, (Cambridge: Harvard University's Belfer Center for Science and International Affairs, Spring 2016,) pp 89 -126.