أخبار المركز
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)

فعلها صالح ... وصنعاء تخرج من قبضة طهران!

04 ديسمبر، 2017


إنها بداية النهاية لمأساة اليمن. هكذا يراها أهل البلد على الأقل ويصنعونها بأيديهم. انقلاب على الانقلاب أو انتفاضة شعبية أو ثورة ثانية أو جمهورية ثانية... لم تعد التسمية مهمة. الواضح أن الرئيس السابق علي عبدالله صالح تصدّر المشهد مجدداً. كان الناس يبحثون عن قيادة في الداخل وبالتحديد في العاصمة. فكانت قيادتهم السابقة حاضرة لم تبارح صنعاء على رغم كل المضايقات والطعنات والتهديدات التي تلقتها من الحركة الحوثية، فيما الشرعية تقيم في الخارج! إنها الآن مناسبة للخروج من قتال لم يكن في الأفق المنظور ما ينبئ بأنه سيتوقف، ما دامت إيران مصرّة على مشروعها التوسعي في المنطقة. وما دامت قيادات في صفوف الانقلابيين تتنفع من «اقتصاد الحرب». والحقيقة أن الحوثيين هم من عجّل الثورة عليهم. مارسوا سياسة تمكين لم تترك مكاناً للسياسة والقوى والأحزاب والقبائل. أفرغوا المؤسسات الرسمية من كل شيء. من الموظفين والأموال. واستأثروا بالقرار الوطني، واحتكروا كل المكاسب الاقتصادية والسيطرة على قطاع النفط والسوق السوداء. وكانت لهم أخيراً وقفة اعتراض على احتفال «حزب المؤتمر الشعبي»، شريكهم المفترض في المواجهة، بالذكرى الـ35 لتأسيسه في آب (أغسطس) الماضي. رضخ صالح وبلع الموسى واستكان إلى حين. لم يغفر محاولات لضرب أركان حزبه واغتيال أحد أبنائه، وأخيراً مهاجمة منازل لأهل بيته ولقادته. شكل في البداية غطاء شرعياً وعسكرياً للانقلابيين، فلما تمكّنوا أرادوا استتباعه بل إذلاله. لكنه كان يستعد. انتهز الفرصة بعدما استجمع رجال حرسه الجمهوري الذين لزموا منازلهم منذ سقوط العاصمة بيد «أنصار الله». وألّب قبائل موالية جنوب شرق العاصمة من خولان وسنحان وحاشد رفضت الانجرار وراء عبدالملك الحوثي، وتريّثت في استجابة دعوات التحالف العربي، على رغم علاقاتها التاريخية مع المملكة العربية السعودية.

هادن الرئيس السابق في وقت ساد الظن أن نهايته باتت قريبة على يد شركائه. لكنه عرف كيف ينحني أمام العاصفة بواقعية عرف كيف يمارسها أثناء توليه الحكم لأكثر من ثلاثة عقود «فوق رؤوس الثعابين، على حد تعبيره. لم يخض معركة كسر عضم، قبل أن يكمل استعداده العسكري بما يكفي للرد على تحدّي «أنصار الله». لذلك يأخذ عليه بعض خصومه أنه تلطى خلفهم بعدما كان خاض معهم ست حروب في السنوات الماضية. وسهّل لهم التحكم بمفاصل الدولة ومؤسساتها. وعدوه صاحب الانقلاب الفعلي على الشرعية. وها هو يعود اليوم إلى مقدّم الواجهة، لكن في الوجهة المعاكسة. وبصرف النظر عن توصيف ما حدث ويحدث في العاصمة ومدن ودساكر ومحافظات أخرى، وبصرف النظر عن دور هذا الطرف أو ذاك فيها، أثبت الرئيس صالح أنه لا يزال يتمتع بشعبية واسعة، في صفوف القبائل المحيطة بالعاصمة. وهي قبائل كانت ولا تزال لها كلمة فصل في من يقيم في القصر. وهي انتفضت سريعاً عندما أشعل رجاله النار بوجه الشريك اللدود. وتحرك الشارع الذي عانى المر في السنوات الثلاث الماضية. وهكذا اختل ميزان القوى لمصلحة حزب المؤتمر والقوى المعترضة على الحركة الحوثية وأيديولوجيتها وارتباطاتها الخارجية.

الانتفاضة الحالية كانت سيناريو معداً في آب الماضي، لكن هجمة الحوثيين حالت دون ذلك. تأجلت أكثر من ثلاثة أشهر. وعجلت سياسة القهر التي مارسوها الفرصة المفصلية في التوقيت المناسب لإطلاق عملية سياسية تنهي هذا المشروع الغريب عن اليمن وأهله، وتعيد صنعاء إلى حضن العالم العربي. لم يعد بإمكان القادة الإيرانيين التباهي بأنها إحدى عواصم عربية أربع تقيم فيها الجمهورية الإسلامية. إنها فرصة ليستعيد الرئيس السابق المبادرة العسكرية، وليطلق مبادرة سياسية مختلفة التوجه عما كان يسعى إليه سابقاً. فهو رجل واقعي، فلا مسلمات ولا ثوابت أبدية جامدة، بل مصالح تتحكم بالنهج السياسي أياً كان. أثبت أخيراً أنه لم يعُد واجهة للآخرين فحسب. ووفر له هذا التحول العسكري والسياسي هامشاً كبيراً للحوار مع الخارج. وهذا ما كان متعذراً في السابق. كان الحوار عبر الوسطاء، وبات ممكناً الآن أن يكون مباشراً مع كل الأطراف المعنيين بالصراع. أبدى في كلمته قبل يومين عزوفاً عن السلطة وهذا جديده اليوم. ودعا إلى حوار مع دول الجوار، مؤكداً أن مجلس النواب هو الممثل الشرعي. ودعا التحالف إلى وقف النار لبدء مرحلة انتقالية لاختيار قيادة جديدة، وإنهاء عصر الميليشيات، علماً أن أصواتاً كثيرة كانت ولا تزال تنادي بما سماه رئيس الحكومة السابق خالد بحاح «إعادة هندسة الشرعية». كما لو أنه يأخذ عليها عدم فاعليتها في إدارة البلاد في أخطر أزمة تشهدها منذ عقود.

لم يكن أمام التحالف العربي أن يقف متفرجاً. هو الآخر التقط اللحظة المناسبة. مثل هذا التحول يمكن أن يطلق العملية السياسية من بابها الواسع ويوفر على دوله المزيد من الاستنزاف في حرب لا أفق لنهايتها. بات الجمهور اليمني بمعظمه، وليس المؤتمر الشعبي وحده في مواجهة الحوثيين. تحوّل أبناء القبائل وجُلهم مدجج بالسلاح إلى قوات عسكرية لا يمكن «أنصار الله مواجهتها ومواجهة جنود الحرس المدربين أحسن تدريب. لذلك ناشد التحالف اليمنيين إلى رفد الانتفاضة ودعمها. إنها خطوة أولى لملاقاة صالح والآخرين. وكان واضحاً هذا التجاوب في خطاب الإعلام الخليجي. لم يعد صالح يوصف بالرئيس»المخلوع». بات الرئيس «السابق»! إنها بداية فتح صفحة يمكن أن تؤدي إلى استعادة الدولة ومؤسساتها، واستعادة صنعاء من يد الإيرانيين. والعودة إلى المرجعيات من المؤسسة العسكرية إلى الدستور الجديد والبرلمان والمبادرة الخليجية. فالخلاف مع الرئيس السابق كان على سبل إدارة الدولة ومؤسسات الحكم والفساد وغير ذلك من شعارات رفعها الشباب اليمني في تحركه الكبير في عام 2011، بينما الخلاف مع الحوثيين أيديولوجي وأثبتت التجارب أن الحوار معهم غير مجد ما داموا يعتقدون بأن حقهم في الحكم إلهي!

كلمة الرئيس صالح وبيان التحالف يؤسس لمرحلة جديدة في الصراع. إنها بداية مبادرة تفتح باباً للحوار لاستكمال عناصرها. ليست كاملة أو شاملة، لكنها خطوة أولى تمهّد الأرض لتحرك سياسي منتج هذه المرة، سواء تم ذلك عبر المبعوث الدولي ولد الشيخ أحمد أو عبر لقاءات مباشرة. ولن يكون بمقدور الحوثيين بعد اليوم مواجهة كل هذا الحشد الداخلي، فضلاً عن التحالف العربي الذي يمثل دول الجوار التي كانت رسالتها منذ إطلاق «عاصفة الحزم» حاسمة وواضحة بأنها لن تسمح بتحول اليمن قاعدة متقدمة لإيران في شبه الجزيرة العربية لاستكمال تطويق المملكة العربية السعودية، وتعزيز المشروع التوسعي. بالطبع المعركة العسكرية في بداياتها. لكن انخراط القبائل المحيطة بالعاصمة يرجح كفة الحسم لمصلحة خصوم «أنصار الله»، خصوصاً أن هذه القبائل كادت أن تضيع دورها في الحراك الأول قبل ست سنوات. ثم تعرضت للتنكيل على أيدي الحوثيين الذين لجأوا إلى التعامل معها بتجاهلها وزنها حيناً وبإغرائها حيناً آخر. وهي ستعى الآن إلى استعادة دورها، وهي قادرة على ذلك في بلد مليء بالسلاح إلى حد التخمة. لذلك قد لا تطول معركة صنعاء وإخراج الحركة وأنصارها منها وانكفائهم إلى مناطقهم في صعدة وحجة وعمران. لن يكون بمقدورهم مواجهة أهل العاصمة بالقتل الجماعي.

قُضي الأمر. لا عودة إلى شراكة بين المؤتمر والحوثيين. إنه طلاق مبين بين طرفين لا رابط ايديولوجي أو سياسي بينهما، بل تاريخ من الحروب شهدت ست جولات، وكان مقدراً لها أن تشهد جولة سابعة قبل أشهر تأجلت إلى اليوم. ويمكن القول إن الانتفاضة الحالية ستستمر حتى خلاص صنعاء من قبضة طهران وميليشياتها، لتكون أول عاصمة عربية تخرج من العباءة الإيرانية.

*نقلا عن صحيفة الحياة