عداد: إسراء أحمد إسماعيل
تشهد تركيا في السابع من يونيو الجاري إجراء الانتخابات العامة، حيث يواجه "حزب العدالة والتنمية" الحاكم لأول مرة تهديداً حقيقياً لسيطرته الأحادية على البرلمان التركي، وذلك خلال 13 عاماً هي فترة حكمه للبلاد.
كما أنه للمرة الأولى منذ نشأة الجمهورية التركية، يُحتمل لحزب سياسي كردي دخول البرلمان. وقد يتسبب ذلك في عرقلة سعي "حزب العدالة والتنمية" لتشكيل أغلبية برلمانية، ولكنه في الوقت نفسه قد يقود إلى إيجاد حل نهائي للصراع الكردي التركي، من خلال دمج الأقلية التركية بشكل سلمي.
ومن المرجح أن يحدد التصويت أيضاً ما إذا كان الرئيس "رجب طيب أردوغان" سيتمكن من إحكام هيمنته، حيث يطمح لبناء نظام رئاسي أقوى وترسيخ قبضته على السلطة.
وسعياً نحو توضيح خريطة الأحزاب التركية المتنافسة في الانتخابات الجارية، وتحديد أهم القضايا على الساحة التركية المؤثرة في الانتخابات، وصولاً إلى تحليل مؤشرات النتائج الانتخابية المحتملة وتداعياتها، أصدر "مركز التقدم الأمريكي" Center for American Progress، تقريراً بعنوان: "إطلالة على الانتخابات العامة التركية"، أعده ثلاثة من الباحثين والمحللين في المعهد وهم: مايكل ويرز Michael Werz، وماكس هوفمان Max Hoffman، ومارك باسكار Mark Bhaska.
أهم الأحزاب المتنافسة في الانتخابات التركية
بدايةً يتطرق معدو هذا التقرير إلى إلقاء الضوء على أبرز الأحزاب السياسية التركية المتنافسة في الانتخابات الحالية، وهي:ـ
1- حزب العدالة والتنمية AKP:
"حزب العدالة والتنمية" الحاكم هو حزب إسلامي محافظ، يشغل حالياً 312 مقعداً من 550 مقعداً في البرلمان، وقد تشكل الحزب في عام 2001 من قِبل فصيل معتدل من حزب الفضيلة الإسلامي بقيادة الرئيس السابق "عبدالله غول"، والرئيس الحالي "رجب طيب أردوغان"، ونائب رئيس الوزراء "بولنت أرينج".
ويتمتع الحزب بدعم من المحافظين الأتراك، والطبقات الدينية الدنيا والمتوسطة، ويحظى بدعم قطاع عريض من طبقة التجار، وتتركز قاعدته الانتخابية في قلب الريف الأناضولي، بما في ذلك أنقرة، وساحل البحر الأسود.
2- حزب الشعب الجمهوري CHP:
يعتبر حزب المعارضة الرئيسي في تركيا، ويمثل يسار الوسط، وهو حزب علماني. ويعد الأقوى في غرب تركيا، خاصةً على طول ساحل بحر إيجه وفي مدن أدرنة وإزمير.
وتتكون قاعدة الحزب من الأتراك الأغنياء والمتعلمين، والليبراليين في المناطق الحضرية، والعلويين، وبقايا النخبة القومية القديمة، والاشتراكيين. ويترأسه "كمال كيليجدار أوغلو"، وعمل الحزب على محاكاة الأحزاب الديمقراطية الاجتماعية في أوروبا.
ويهدف الحزب إلى الفوز بما يكفي من الأصوات لخلق حكومة ائتلافية إما مع "الحزب الديمقراطي الشعبي" HDP (الكردي)، أو مع "حزب الحركة القومية" MHP (القومي). ومن ثم، فهو يسعى للحصول على 30% من الأصوات في الانتخابات، ولكن تحقيق هذا الهدف لايزال بعيد الاحتمال.
3- حزب الحركة القومية MHP:
هو حزب يميني متطرف، ويتمتع بدوائر تقليدية قومية، مماثلة لتلك التي يتمتع بها "حزب العدالة والتنمية"، على الرغم من أنه يمتنع عادة عن السياسة القائمة على الدين أو الخطاب الديني. ويطمح في الحصول على 20% من الأصوات.
وفي حالة تشكيل حكومة ائتلافية، فقد يفضل تشكيل حكومة أقلية مع "حزب الشعب الجمهوري" CHP، وقد يحتاج هذا التحالف إلى دعم خارجي من قِبل "الحزب الديمقراطي الشعبي" HDP (الكردي)، ولكن التعصب القومي للحزب وعدائه لأي شكل من أشكال الحكم الذاتي الكردي يعمل على تعقيد هذه المعادلة، ويعيق فكرة الدخول في ائتلاف.
وبالتالي، فإنه على الرغم من اشتراك كل من "حزب الحركة القومية" و"حزب الشعب الجمهوري" و"الحزب الديمقراطي الشعبي"، في معارضة "أردوغان"، وما يتيحه ذلك من إمكانية تشكيلها لأغلبية في البرلمان، فإن مثل هذا التحالف لايزال غير مرجح بسبب التعصب.
4- الحزب الديمقراطي الشعبي HDP:
يعتبر الورقة الرابحة في هذه الانتخابات، بقيادة "صلاح الدين دميرتاز"، ويتألف في المقام الأول من الأكراد بشكل رئيسي في جنوب شرق تركيا، كما يحظى أيضاً بدعم بعض العلويين والليبراليين الأتراك.
ويأمل الحزب في زيادة هيمنته على جنوب شرق الأناضول، وجمع ما يكفي من الأصوات في أي مكان آخر في البلاد، حتى يتمكن من الحصول على نسبة 10% التي تعد الحد الأدنى للدخول كحزب في البرلمان.
القضايا المؤثرة في الانتخابات التركية
تناول التقرير عدداً من القضايا المهمة المؤثرة في الانتخابات العامة الجارية في تركيا، ومن أبرزها ما يلي:ـ
1- تباطؤ النمو الاقتصادي:
يرى الباحثون أن القضية الرئيسية الأولى التي تساهم في تحديد مصير الانتخابات العامة في تركيا، هي تباطؤ النمو الاقتصادي، حيث استند النجاح السياسي لحزب العدالة والتنمية في جانب كبير منه إلى النمو الاقتصادي السريع الذي تمتعت به أنقرة خلال العقد الأول من حكم الحزب.
لكن معدل النمو تباطأ إلى 2,9% في عام 2014، وارتفعت نسبة البطالة إلى 11,2% في الربع الأول من عام 2015، وتقترب الليرة التركية من أدنى مستوى لها مقابل الدولار الأمريكي. كما انخفضت نسبة الصادرات التركية متأثرةً بالاضطرابات في العراق وسوريا وتباطؤ النمو في منطقة اليورو، وبلغت نسبتها 13,4% في مارس 2015، كما بلغت نسبة التضخم في أسعار المواد الغذائية 14%، واضطر حزب العدالة والتنمية إلى النظر في زيادة الواردات من المواد الغذائية. وبالتالي، فإن الحزب الحاكم لم يسبق أن دخل الانتخابات العامة مع هذا الوضع من الاقتصاد المتعثر، مما قد يعيق سعيه لتحقيق الأغلبية البرلمانية.
2- اقتراح تغيير النظام الحاكم:
لعل الجانب الأكثر إثارة للجدل في الانتخابات التركية - كما يوضح التقرير - هو اقتراح الرئيس "أردوغان" نقل البلاد إلى نظام رئاسي قوي، الأمر الذي يتطلب من البرلمان إعادة كتابة الدستور، مُعللاً ذلك بأن النظام الذي وضعه الدستور التركي عام 1982 غير شرعي، لأنه تأسس في ظل الوصاية العسكرية.
ووفقاً لاستطلاعات الرأي التركية، فإن 76,8% من الرأي العام التركي يعارض النظام الرئاسي المقترح، فيما يؤيد 70% من الذين شملهم الاستطلاع استمرار نظام الحكم البرلماني الحالي. كما أظهرت نتائج استطلاع آخر أن 64% من مؤيدي "حزب العدالة والتنمية" يعارضون تغيير شكل النظام على الرغم من دعمهم للحزب.
وعلى الرغم من عدم شعبية الاقتراح الرئاسي، فإن المعارضين يخشون من قيام "أردوغان" بإجراء استفتاء شعبي مثلما فعل في الانتخابات الرئاسية التي عُقدت في أغسطس 2014، عندما فاز بما يقرب من 52% من الأصوات.
3- تغييرات داخلية:
يواجه "حزب العدالة والتنمية" أيضاً مشكلة داخلية تتمثل في أن القانون الداخلي للحزب يمنع أعضاءه من البقاء أكثر من ثلاث ولايات تشريعية متتالية، وهو ما يعني أن المسؤولين المخضرمين في الحزب مثل: "بولنت أرينج" نائب رئيس الوزراء، و"بشير أتالاي" نائب رئيس الوزراء السابق، و"علي باباجان" وزير الاقتصاد، و"تانر يلدز" وزير الطاقة والموارد، و"مفلوت تشافوش أوغلو" وزير الخارجية، سيتم استبعادهم من الأدوار الرسمية في حكومة "حزب العدالة والتنمية" الجديدة. وإجمالاً ثمة 60 عضواً من أعضاء "حزب العدالة والتنمية" في البرلمان لا يمكنهم خوض الانتخابات البرلمانية مرة أخرى.
4- السلام مع الأكراد:
قد تتسبب نتيجة الانتخابات البرلمانية في تركيا في خروج عملية السلام الكردية الجارية عن مسارها بسبب الطفرة في دعم اليمين المتطرف و"حزب الحركة القومية". وبالإضافة إلى ذلك، فإن وقوع اشتباكات بين الأكراد وقوات الأمن في أعقاب التصويت قد يعرقل نتائج الانتخابات، لاسيما إذا كان هناك اشتباه في تزوير الانتخابات.
وكانت استراتيجية "حزب العدالة والتنمية" تعتمد على التفاوض مع "حزب العمل الكردستاني" واتباع نهج الإصلاح التدريجي على أمل معالجة القضية، واحتواء المخاوف الكردية، مع المحافظة على وقف إطلاق النار، وتجنب تقديم تنازلات كبيرة تثير ردود فعل عدوانية من قِبل حزب الحركة القومية.
نتائج محتملة
يوضح التقرير أنه على الرغم من الانخفاض المحتمل في الحصة الإجمالية من الأصوات المحتملة لحزب العدالة والتنمية في الانتخابات البرلمانية، بيد أنه يمكنه كسب مزيد من المقاعد في البرلمان إذا فشل "الحزب الديمقراطي الشعبي" (الكردي) في الوصول إلى عتبة 10%، حيث إن هذه النسبة هي التي تجيز له دخول البرلمان. ومن ثم، يؤكد التقرير أنه من دون وجود "الحزب الديمقراطي الشعبي" في البرلمان، فإن "حزب العدالة والتنمية" سيكون قادراً بسهولة على تشكيل الحكومة بمفرده.
كما أن مصير التعديلات الدستورية المقترحة سيعتمد أيضاً على المكاسب أو الخسائر التي سيحققها "حزب الشعب الجمهوري" و"حزب الحركة القومية"، فعلى سبيل المثال إذا تمكن "حزب الشعب الجمهوري" من كسب تأييد 25% - 26% من الأصوات، وزادت نسبة تأييد "حزب الحركة القومية" إلى 17% - 18%؛ فإن "حزب العدالة والتنمية" سيُحرم من حصة 330 مقعداً من أصل 550 مقعداً يحتاجها لإجراء الاستفتاء وإقرار التعديل الدستوري الذي يعزز من سلطات "أردوغان" الرئاسية، ومن ثم يتم التخلي عن هذه الفكرة المقترحة.
وهكذا، يرى التقرير أن نتائج الانتخابات التركية – والتي من المقرر أن يستمر تأثيرها حتى عام 2019 - قد تحدد مستقبل الدستور التركي لعام 1982، والوضع السياسي للأكراد في تركيا، وموقف الدين في الساحة العامة، ونوعية الديمقراطية التركية، ودور أنقرة في المنطقة.
ويعتبر الباحثون أن فوز "حزب العدالة والتنمية" بالأغلبية المطلقة في البرلمان للمرة الرابعة على التوالي، من شأنه أن يتسبب في استمرار وزيادة وتيرة سياسة الحزب المحافظة لمدة أربع سنوات أخرى، كما أنه سيدعم الجهود المبذولة لإعادة كتابة الدستور، وسيساهم في استمرار سياسة خارجية أكثر استقلالية ونشاطاً لتركيا، وربما توقف العمل على تأمين سلام دائم مع المتمردين الأكراد في جنوب شرق البلاد. وبالتالي، فإنه في حين قد يتسبب فوز "حزب العدالة والتنمية" في تحقيق الاستقرار، ولكن من المرجح أيضاً أن يتسبب ذلك في زيادة الخطاب المعادي من قِبل الغرب، وسيدفع إلى وضع المزيد من الضغوط على المعارضة السياسية وحرية التعبير في تركيا.
أما إذا اضطر "حزب العدالة والتنمية" إلى الدخول في ائتلاف مع أحزاب أخرى، فإن النتيجة الأكثر احتمالاً هي تحالفه مع القوميين المتطرفين، وهذا يمكن أن يؤدي إلى عدم الاستقرار السياسي، وإيجاد خط سياسي متناقض تجاه الولايات المتحدة وأوروبا، وتعميق العداء تجاه الأكراد، وربما تجدد القتال مع المتمردين.
وفي المقابل، إذا تمكنت أحزاب المعارضة من تحقيق مكاسب كبيرة وتشكيل الحكومة، فإنه من المحتمل أن تتغير السياسة الداخلية التركية ودورها الإقليمي بشكل كبير. ففي هذه الحالة قد يتم إعطاء دفعة جديدة تجاه مسألة عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي، وتخفيف الضغط على الصحفيين والنشطاء السياسيين، فضلاً عن دور إقليمي أكثر تحفظاً.
ختاماً، يؤكد التقرير أنه أياً كانت النتيجة، فإن تركيا بصدد إجراء الانتخابات البرلمانية الأكثر حسماً في تاريخها، مع وجود ثلاثة أو أربعة أحزاب رئيسية متنافسة في بعض المناطق الرئيسية، مشيراً إلى أنه لا يمكن الاعتماد على نتائج استطلاعات الرأي، وأنه من الصعب توقع النتائج مسبقاً، ولكن ما هو مؤكد أن النتائج ستكون مهمة بالنسبة للولايات المتحدة، وأيضاً حاسمة في تحديد مستقبل تركيا، كما أنها ستساهم في تأكيد أو القضاء على سمعة تركيا كدولة ديمقراطية حديثة.
* عرض مُوجز لتقرير بعنوان: "إطلالة على الانتخابات العامة التركية"، والصادر عن مركز التقدم الأمريكي (Center for American Progress) في يونيو 2015.
المصدر:
Michael Werz, Max Hoffman, and Mark Bhaskar, Previewing Turkey’s General Election (Washington, Center for American Progress, June 2015).