أخبار المركز
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)
  • هالة الحفناوي تكتب: (ما مستقبل البشر في عالم ما بعد الإنسانية؟)
  • مركز المستقبل يصدر ثلاث دراسات حول مستقبل الإعلام في عصر الذكاء الاصطناعي
  • حلقة نقاشية لمركز المستقبل عن (اقتصاد العملات الإلكترونية)

تثبيت النفوذ:

لماذا تسعى واشنطن لتعزيز انخراطها العسكري في سوريا؟

07 مارس، 2021


تحرص إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن منذ وصوله إلى البيت الأبيض في 20 يناير 2021 وحتى الآن على تعزيز حضورها وانخراطها العسكري في الساحة السورية، سواء بشكل منفرد عبر التحركات التي يقوم بها الجيش الأمريكي، أو في إطار جماعي من خلال التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيم "داعش". ويبدو أن ذلك لا ينفصل عن السياسة التي تتبناها الإدارة وتقوم على محاولة الوصول إلى اتفاق جديد مع إيران يضم الملفات الخلافية الأخرى إلى جانب البرنامج النووي، وفي مقدمتها برنامج الصواريخ الباليستية والدور الإقليمي. واللافت في هذا السياق أيضاً أن واشنطن بدأت في التركيز مجدداً على ملف الأسلحة الكيماوية السورية، على نحو بدا جلياً في الاتهامات التي وجهتها المندوبة الأمريكية في الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد، في 4 مارس الحالي، إلى روسيا بـ"تعطيل كل الجهود لتحميل دمشق مسئولية استخدام أسلحة كيماوية".

مؤشرات عديدة: 

يمكن رصد أبرز المؤشرات الدالة على حرص واشنطن على تعزيز حضورها في الساحة السورية، وذلك من خلال ما يلي: 

1- الضربات الأمريكية الأخيرة في شرق سوريا: سعت إدارة بايدن إلى توجيه رسالة ردع مبكرة لإيران ومليشياتها في المنطقة، وهو ما يتضح من خلال الضربات التي قام بها الجيش الأمريكي في 25 فبراير الفائت ضد مواقع مليشيات عراقية موالية لإيران في شرق سوريا. وأشارت تقارير أمريكية إلى أن الغارة نفذتها مقاتلة إف-15 وأدت إلى مصرع عدد من المسلحين. وتحدث المرصد السوري لحقوق الإنسان عن سقوط 17 مقاتل على الأقل خلال الضربات.

2- إنشاء قاعدة للتحالف الدولي: أشار المرصد السوري لحقوق الإنسان إلى أن قافلة جديدة تابعة للتحالف الدولي ضد "داعش"، الذي تقوده واشنطن، دخلت الأراضي السورية عبر العراق في 15 فبراير 2021، وضمت نحو 50 شاحنة تحمل مدرعات وأسلحة ومعدات عسكرية ولوجيستية، واتجهت القافلة نحو مدينة القامشلي في محافظة الحسكة. وبحسب المرصد، يعتزم التحالف عبر تلك التعزيزات إنشاء قاعدة عسكرية جديدة له عند مثلث حدود العراق وسوريا وتركيا في منطقة عين ديوار بريف الحسكة. 

3- التعزيزات المتواصلة للجيش الأمريكي: كشفت تقارير عديدة في 25 فبراير الفائت عن وصول تعزيزات لوجستية وعسكرية للقوات الأمريكية إلى قاعدة "حقل العمر" العسكرية الجديدة في ريف دير الزور، وهو ما يتوازى مع قيام قوات التحالف الدولي التي تقودها واشنطن بإنشاء مدرج لهبوط الطائرات الحربية في القاعدة في منتصف الشهر نفسه.

أهداف مختلفة: 

تسعى إدارة بايدن من خلال ذلك إلى تحقيق أهداف عديدة يتمثل أبرزها في:

1- الحفاظ على مصدر النفوذ التقليدي الأمريكي: من الملاحظ أن الانخراط العسكري الأمريكي في سوريا يتم بصورة أساسية في مناطق الشمال الشرقي السوري. وتستهدف إدارة بايدن من حرصها على تعزيز الانخراط العسكري في تلك المناطق الحفاظ عليها كبؤرة نفوذ تقليدية بالنسبة للحضور الأمريكي في الساحة السورية، منذ الانخراط في الصراع السوري وحتى الآن. ويُشار في هذا الصدد إلى أن ملامح الدور العسكري الأمريكي في سوريا في عهد بايدن يُتوقع أن تتضمن كذلك الحرص على ضمان الالتزام باتفاق مذكرة منع الصدام بين الجيشين الأمريكي والروسي. وبالتالي، من غير الوارد أن تكون هناك محاولة لسحب القوات الأمريكية في سوريا في عهد بايدن، مثلما حاول سلفه ترامب من قبل، إلا في حال التوصل لحل سياسي مقبول من جانب واشنطن.  

2- مواصلة التنسيق مع الأكراد: تتجه إدارة بايدن إلى مواصلة التنسيق مع الأكراد، باعتبارهم الحليف المحوري لواشنطن على مدار عمر الأزمة، وهو ما يبدو جلياً في الإعلان عن إجراء مباحثات قريبة بين الإدارة الأمريكية وقوات سوريا الديمقراطية "قسد" خلال الزيارة المرتقبة من جانب قائد تلك القوات مظلوم عبدي للولايات المتحدة. 

3- تعزيز دور التحالف في سوريا: مع الوضع في الاعتبار أن المهمة الرئيسية للتحالف الدولي الذي تقوده واشنطن تتمثل في التصدي لنشاط تنظيم "داعش"، فإن تعزيز التحالف لحضوره في سوريا يعني أنه حريص على التصدي بشكل أقوى لنشاط التنظيم المتصاعد في الفترة الأخيرة، وتحديداً في مناطق شمال شرق سوريا، وعلى طول الحدود السورية- العراقية. ويُشار في هذا الصدد إلى أنه على عكس إدارة ترامب التي زعمت في أكثر من مناسبة أنه تم إكمال المهمة تقريباً في سوريا ضد تنظيم "داعش"، سيقدم بايدن دعماً عسكرياً أكبر لمنع عودة التنظيم. 

4- الحرص على امتلاك أوراق ضغط في مواجهة طهران: شهدت الأسابيع الأربعة الأولى من حكم بايدن مرونة لافتة تجاه إيران، ويبدو أن تلك السياسة لم تنجح حتى الآن في دفع طهران إلى إجراء تغيير في سياستها الحالية. وربما يكون ذلك مقدمة لتبني إدارة بايدن إجراءات جديدة ضد وكلاء إيران في شرق سوريا، لمنعهم من مواصلة استهداف المصالح الأمريكية مجدداً وإقناع طهران بأن هناك حدوداً للتصعيد لا يمكن تجاوزها.

5- منافسة الدور الروسي: في ضوء استمرار التقييم الأمريكي في عهد بايدن بأن النفوذ الروسي في سوريا يشكل تهديداً للأمن القومي الأمريكي، فإن إدارة بايدن ستكون حريصة على التصدي لهذا التهديد بأى وسيلة محتملة. ويدعم ذلك أن العلاقات بين موسكو وبايدن خلال الحملة الانتخابية للأخير شهدت توترات وتراشقات كلامية غير مسبوقة. 

6- الإبقاء على دور أمريكي في سوريا المستقبل: تحرص واشنطن من خلال سعيها لتعزيز وجودها العسكري في سوريا إلى ضمان امتلاك أوراق ميدانية، بشكل يفرض لها حضوراً في الترتيبات السياسية والأمنية التي يجري العمل على صياغتها في سوريا في مرحلة ما بعد تغير توازنات القوى لصالح النظام السوري، خاصةً في ضوء الفشل الحالي لمسار جنيف، وسعى كل من روسيا وإيران وتركيا لاحتكار الحل، وهو ما بدا جلياً في قيام الأطراف الثلاثة بإعادة تفعيل مسار الأستانة عبر تنظيم اجتماع جديد له في مدينة سوتشي في 16 فبراير الفائت. 

على ضوء ذلك، يمكن القول إن الضربات العسكرية الأخيرة التي وجهتها واشنطن للمليشيات الموالية لإيران لم تكن رداً على الهجمات الصاروخية التي تتعرض لها مصالحها في العراق فحسب، وإنما ربما تمثل مؤشراً يكشف عن اتجاهها إلى رفع مستوى انخراطها في التفاعلات التي تجري على الساحة السورية خلال المرحلة القادمة.