أخبار المركز
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)
  • هالة الحفناوي تكتب: (ما مستقبل البشر في عالم ما بعد الإنسانية؟)
  • مركز المستقبل يصدر ثلاث دراسات حول مستقبل الإعلام في عصر الذكاء الاصطناعي
  • حلقة نقاشية لمركز المستقبل عن (اقتصاد العملات الإلكترونية)

قيود جديدة:

لماذا عاد الجدل حول الأنشطة النووية الإيرانية؟

06 مايو، 2019


اتخذت الولايات المتحدة الأمريكية ثالث إجراء عقابي ضد إيران في غضون أقل من شهر، حيث أعلنت، في 3 مايو 2019، وقف الإعفاء من العقوبات الذي سمح لإيران بتخزين أكثر من 300 كيلو جرام من اليورانيوم المخصب بنسبة 3.67% في منشأة ناتانز أو شحن ما تنتجه من الماء الثقيل بأكثر من 300 طن إلى الخارج، مع تجديد إعفاءات أخرى، بصفة مؤقتة، تتيح لبعض القوى الدولية التعاون مع إيران في بعض المجالات ذات الصلة بالبرنامج النووي. وفي الواقع، فإن ذلك لا يعود فقط إلى سعى واشنطن نحو تجفيف مصادر التمويل الإيرانية، وإنما يعود أيضًا إلى حرصها على منع إيران من تطوير برنامجها النووي أو مواصلة الاستفادة من المزايا التي وفرها لها الاتفاق النووي الذي توصلت إليه مع مجموعة "5+1" في 14 يوليو 2015.

ومن هنا، سارعت إيران إلى الرد على الخطوة الأمريكية الجديدة، حيث أعلنت مواصلة نشاطاتها النووية المسموح بها وفقًا للاتفاق النووي، حتى في حالة ما إذا لم يتم بيع الفائض من الماء الثقيل أو اليورانيوم منخفض التخصيب الذي تقوم بإنتاجه، وهو ما يؤشر إلى أن الأنشطة النووية الإيرانية سوف تتحول مجددًا إلى محور للمواجهة التي تجري بين واشنطن وطهران، بعد أن برزت ملفات خلافية أخرى خلال الفترة الماضية، على غرار البرنامج الصاروخي والدور الإقليمي، خاصة في دول الأزمات.

تهديدات مستترة:

كان لافتًا أن الخطوة الأمريكية الأخيرة جاءت بعد فترة قصيرة من التهديدات غير المباشرة التي أطلقها بعض المسئولين الإيرانيين بإمكانية العودة من جديد إلى تنشيط البرنامج النووي، وربما الوصول إلى مراحل غير مسبوقة من تطويره. إذ لم يستبعد وزير الخارجية محمد جواد ظريف، في 27 إبريل الفائت، أن يكون الانسحاب من معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية أحد الخيارات التي ربما تستند إليها إيران في تعاملها مع الإجراءات العقابية التي تواصل الولايات المتحدة الأمريكية فرضها. وتوازى ذلك، مع خطوة رمزية أخرى تمثلت في الإعلان عن زيارة سيقوم بها ظريف إلى كوريا الشمالية تحديدًا، التي انسحبت من المعاهدة عام 2003، على نحو يوحي بأن طهران تحاول عبر هذه الرسالة الإيحاء بإمكانية تبني السيناريو الكوري الشمالي من جديد. 

فضلاً عن ذلك، أعلن رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية علي أكبر صالحي، في 2 مايو الجاري، أن إيران أزاحت الستار عن السلسلة العشرينية من جهاز الطرد المركزي IR 6. 

وهنا، يمكن القول إن إيران تسعى عبر تلك التهديدات المباشرة إلى التلويح بالعودة مجددًا إلى رفع مستوى تخصيب اليورانيوم إلى نسبة 20%، وهى النسبة التي وصلت إليها قبل الإعلان عن الاتفاق النووي في يوليو 2015، ورفع العقوبات الدولية التي كانت مفروضة عليها في يناير 2016.

وتهدف إيران من ذلك إلى ممارسة ضغوط قوية على كل من الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية، أولاً من أجل منع الأولى من اتخاذ مزيد من الإجراءات العقابية ضدها أو على الأقل تقليص حدتها، وثانيًا بهدف دفع الأخيرة إلى رفع مستوى العلاقات التجارية بين الطرفين وتفعيل الآلية الجديدة التي يمكن من خلالها مواصلة الحصول على العوائد الخاصة بالاتفاق النووي، وهى العوائد التي لم تتوافق حتى الآن مع طموحات إيران، التي أشارت على لسان وزير الخارجية جواد ظريف، في 3 مايو الجاري، إلى أن الدول الأوروبية لم تنفذ سوى أقل من 1% من التزاماتها.

وكان لافتًا أيضًا في هذا السياق، أن تعبير ظريف عن استياءه من عزوف الأوروبيين عن رفع مستوى العلاقات مع طهران توازى مع تحذيره من أن ذلك قد يؤدي في النهاية إلى انهيار الاتفاق النووي، وهو السيناريو الذي تسعى الدول الأوروبية إلى تجنبه، لاعتبارات عديدة، تخص حرصها على تجنب اندلاع مواجهة عسكرية جديدة في المنطقة سوف تفرض ارتدادات قوية على أمنها ومصالحها، على غرار ما حدث من الأزمات الإقليمية الأخرى، وفي مقدمتها الأزمة السورية. 

أهداف رئيسية:

وعلى ضوء ذلك، يمكن القول إن واشنطن تسعى عبر الخطوة العقابية الأخيرة التي اتخذتها إلى تحقيق أهداف رئيسية ثلاثة: أولها، فرض قيود شديدة قد تقلص قدرة إيران، مستقبلاً، على إعادة تطوير برنامجها النووي، وهو المسار الذي اعتبرت إدارة الرئيس دونالد ترامب أنه قائم بقوة حتى مع استمرار العمل بالاتفاق النووي، في ظل اتهاماتها المستمرة لطهران بـ"انتهاك روحه" ومحاولة الالتفاف عليه. 

وقد انعكس هذا الهدف في تصريحات المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية مورغان أورتاغوس التي قالت أن الهدف من الخطوة الجديدة هو إجبار إيران على وقف إنتاجها من اليورانيوم منخفض التخصيب.

وثانيها، تجفيف بعض مصادر التمويل الأخرى التي حاولت إيران استثمارها في الفترة الماضية، عبر بيع الماء الثقيل، على سبيل المثال، في الأسواق الدولية، وهو ما يمكن أن يعزز الجهود التي تبذلها بالتوازي مع ذلك من أجل الوصول بالصادرات النفطية الإيرانية إلى المستوى صفر، على نحو قد يدفع إيران، في رؤيتها، إلى الاستجابة لمطالبها الخاصة بإجراء مفاوضات جديدة للوصول إلى اتفاق مختلف يستوعب مجمل تحفظاتها على الاتفاق الحالي.

وثالثها، توجيه رسالة إلى طهران بأن الإدارة الأمريكية مصرة على المضى قدمًا في السياسة التي تتبناها تجاهها وأنها لن تتوانى عن اتخاذ مزيد من الإجراءات العقابية حتى تقبل بإجراء مفاوضات جديدة.

اعتبارات مختلفة:

ومن هنا، أعلنت إيران رفضها وقف تخصيب اليورانيوم، وأشارت إلى أنها ستواصل العمليات الخاصة به وفقًا للاتفاق النووي. لكن ذلك ربما لا يعود فقط إلى الحفاظ على أحد مصادر التمويل، حتى لو كان تأثيرها أقل مقارنة بالمصادر الأخرى على غرار العوائد الخاصة بالصادرات النفطية، وإنما يعود أيضًا إلى أن وقف التخصيب يمكن أن يفرض تداعيات لا تتوافق مع مصالح طهران.

إذ أنه سوف يؤدي إلى انهيار الاتفاق النووي، باعتبار أن أحد الأسباب الأساسية التي دفعت إيران إلى الحرص على مواصلة العمل به رغم كل الإجراءات العقابية التي اتخذتها الولايات المتحدة الأمريكية يتمثل في سماحه لها بمواصلة عمليات التخصيب حتى لو بمستوى منخفض. 

كما أنه سيوجه رسالة إلى الداخل بأن رهان حكومة الرئيس حسن روحاني على الاتفاق النووي فشل بشكل كامل، على نحو سوف يدفع مؤسسات وقوى عديدة في الداخل إلى شن حملة غير مسبوقة ضد الحكومة متهمة إياها بتقديم تنازلات كبيرة للقوى الدولية بدون مقابل. 

فضلاً عن أنه سيُفقِد إيران ورقة ضغط يمكن أن تستخدمها لتعزيز موقعها في حالة إجراء مفاوضات مستقبلية مع واشنطن. فرغم حرص الأولى على رفض هذا السيناريو حتى الآن، إلا أنه قد يكون مطروحًا للنقاش في مرحلة لاحقة، لا سيما في حالة ما إذا لم تنجح جهودها الحالية في تقليص حدة الضغوط التي تفرضها العقوبات الأمريكية.

وعلى ضوء ذلك، يبدو أن المرحلة القادمة سوف تشهد تحركات مكثفة من جانب كل من الولايات المتحدة الأمريكية وإيران لاستقطاب تأييد القوى الدولية، ولا سيما الدول الأوروبية، التي تعول عليها الأخيرة في استمرار العمل بالاتفاق النووي حتى في ظل الإجراءات العقابية الأمريكية، وتحاول الثانية الحصول على دعمها من أجل فرض أقصى قدر من الضغوط على إيران للاستجابة لمطالبها.