أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

النموذج الصيني ونهاية الحلم الأميركي

29 أغسطس، 2018


لا تزال الولايات المتحدة في قمة النظام العالمي، ويكفي أن نتذكر أن ميزانية الدفاع الأميركية تقل قليلاً عن 50% من ميزانية الدفاع المعلنة لكل دول العالم، وهي تفوق ميزانية دفاع الدول الكبرى التسع التي تليها مجتمعة، بما في ذلك روسيا والصين والقوى الأوروبية الكبرى.

تقول التنبؤات القائمة على بحث علمي ومنهجية كمية، إن الصين ستلحق بالولايات المتحدة، ثم تتعداها بحلول 2050. قد يحدث هذا وقد لا يحدث، لأن فترة الثلاثين عاماً القادمة هي فترة طويلة نسبياً في عالم معولم يتميز بالعديد من المفاجآت، بل يقوم أكثر وأكثر على التحول والتغير.

الصين قد تفوقت فعلاً على الولايات المتحدة في بعض الأمور، بحيث أصبحت للبعض نموذجاً يحتذى به، أي أن «الحلم الأميركي» الذي كان يجذب العديد من دول العالم بدأ يخبو، وحتى يفقد بعض المنافسة مقارنة بما نستطيع أن نسميه الآن الحلم الصيني، خاصة في مجال التحول الاقتصادي وغيره مما يعتبر من عناصر القوة الناعمة.

بالإضافة إلى القوة العسكرية، تأسس الحلم الأميركي على التوجه الليبرالي، مثل نشر الديمقراطية الغربية وحرية السوق، حيث إن العديد من المؤسسات الدولية بعد نهاية الحرب العالمية أصبحت نسخة من هذا التصور الأميركي، بما في ذلك التأكيد على حقوق الإنسان بمفهومها الفردي أو إنشاء منظمات اقتصادية، مثل صندوق النقد الدولي أو حتى أخيراً منظمة التجارة العالمية، والتي تعكس المفهوم الأميركي في حرية السوق، بل إن إنشاء الاتحاد الأوروبي نفسه استلهم النموذج الفيدرالي الأميركي وعملته الموحدة: الدولار.

الوضع العالمي يتغير الآن، حتى قبل وصول ترامب، ومشاكل الوحدة الأوروبية حالياً بدأ يتشكل إحساس في العالم بأن النموذج الأميركي- خاصة في تطرفه في حماية حرية الفرد على حساب المجتمع - غير قابل للتطبيق عالمياً.

هناك مثلاً تحفظ لدى العديد من المجتمعات، وليس الدول فقط، فيما يتعلّق بالحرية المطلقة في الإجهاض أو الاعتراف القانوني بالزواج بين «المثليين»، سواء كانوا رجالاً أو نساء، وما يترتب على هذا الاعتراف بالنسبة للإنجاب أو الميراث. ثلاث عوامل على الأقل تؤكد أهمية النموذج الصيني الذي يتأسس: أولاً: على معايير وقيم مختلفة أو ما يسمى نموذج المعايير الآسيوية مثلاً أن مستقبل المجتمع ومعايير تماسكه يأتي قبل حرية الفرد الشخصية، ثم أثبتت الصين ثانياً: أن عملية التحول ليس فقط ممكنة، ولكن تستطيع أن تمر بسلام وحتى بنجاح، فالمقارنة بروسيا مثلاً التي شهدت اختفاء الاتحاد السوفييتي، وهروب منطقة الجوار والنفوذ التي تهدد أمنها إلى الاتحاد الأوروبي أو الحلف الأطلسي المعادي، فإن الصين تحولت إلى اقتصاد السوق ومعدلات نمو هي من الأعلى في العالم، بينما احتفظت رسمياً بالنظام السياسي المعلن منذ الثورة الشيوعية بقيادة ماوتسي تونج في سنة 1949، والقائم على الحزب الشيوعي.

ثم هناك، ثالثاً: الإصرار الصيني على أن كل مجتمع يختار ما يناسبه، وذلك عكس النموذج الأميركي الذي لا يزال يصر على أن تقدم أي مجتمع هو قدرته على نسخ النموذج الأميركي، وفي الحقيقة، فإن النموذج الصيني يعطي لمفهوم أساسي مثل القوة الناعمة معنى مختلفاً، والتقدم لا يحدث عن طريق نسخ نموذج معين في سياق مختلف، ولكن أن تستلهم بعض عناصر هذا النموذج وتُكيِّفه لكي يتماشى مع سياق مختلف، أي أن النموذج الناجح لا يقوم على قدرته في الاستنساخ، ولكن على قدرته في التكيف والتطبيق في ظروف وأمصار مختلفة.

وبطريقة أوضح: يأتي نجاح النموذج ليس من الإصرار على استنساخه وما تنتج من مشاكل تطبيقه حرفياً «مثلاً العراق بعد غزو 2003»، ولكن من مرونته. هناك إذن تغيير جذري يقدمه النموذج الصيني في الفكر والتطبيق: ليس من الممكن وحتى غير المطلوب أن يصبح العالم في تحوله صورة طبق الأصل من النموذج الأميركي، بل يستلهم هذه التجربة ويختلف عنها. وأوضح النجاح الصيني كيفية الوصول إلى ذلك.

*نقلا عن صحيفة الاتحاد