أخبار المركز
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (المعضلة الروسية: المسارات المُحتملة لأزمات الانتخابات في جورجيا ورومانيا)
  • إسلام المنسي يكتب: (جدل الوساطة: هل تخلت سويسرا عن حيادها في قضايا الشرق الأوسط؟)
  • صدور العدد 38 من دورية "اتجاهات الأحداث"
  • د. إيهاب خليفة يكتب: (الروبوتات البشرية.. عندما تتجاوز الآلة حدود البرمجة)
  • د. فاطمة الزهراء عبدالفتاح تكتب: (اختراق الهزلية: كيف يحدّ المحتوى الإبداعي من "تعفن الدماغ" في "السوشيال ميديا"؟)

الخطة البديلة:

فرص نجاح بيان البرهان في تسوية الأزمة السودانية

13 يوليو، 2022


أعلن رئيس مجلس السيادة السوداني، الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، في 4 يوليو 2022، انسحاب المؤسسة العسكرية من مفاوضات الحوار الوطني الذي ترعاه أطراف إقليمية ودولية ضمن "الآلية الثلاثية"، وذلك لإفساح المجال أمام المكونات المدنية للتوافق على تشكيل حكومة كفاءات وطنية تتولى إدارة البلاد لحين انتهاء المرحلة الانتقالية، ويتم بعدها حل مجلس السيادة وتشكيل مجلس أعلى للقوات المسلحة يتولى مسؤولية الدافع والأمن، مؤكداً دعمه للجهود التي تقوم بها الآلية الثلاثية وشركاء السودان.

سياقات متشابكة:

تأتي هذه الخطوة من قبل قائد الجيش السوداني والبرهان في إطار جملة من المتغيرات الداخلية التي شهدها الملف السوداني خلال الفترة الأخيرة، والتي يمكن عرضها على النحو التالي:

1- تعثر الحوار المدني العسكري: شهدت الأسابيع الأخيرة محاولات مكثفة من قبل الآلية الثلاثية، والتي تضم الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي ومجموعة دول شرق ووسط أفريقيا للتنمية "إيجاد"، للدفع نحو إجراء مباحثات مباشرة بين المكون العسكري والمدني، بيد أن القوى السياسية، خاصة ائتلاف قوى الحرية والتغيير وحزب الأمة، قررت مقاطعة حوار الآلية الثلاثية في يونيو الماضي، مما أدى إلى تأجيله إلى أجل غير مسمى.

وعلى الرغم من نجاح الولايات المتحدة والسعودية في تشكيل لجنة مشتركة من المجلس السيادي وقوى الحرية والتغيير لتسوية الأزمة، فإن ممثل الحرية والتغيير، طه عثمان، انسحب بشكل مفاجئ، وهو ما أفشل عمل اللجنة.

2- استمرار الاحتجاجات في الشارع: يواصل المئات من المحتجين اعتصامهم في الخرطوم، للمطالبة بإنهاء سيطرة المكون العسكري وتشكيل حكم مدني في البلاد، وازدادت وتيرة الاحتجاجات منذ 30 يونيو الماضي، بعدما انطلقت تظاهرات في نحو 25 مدينة، والتي تزامنت مع الذكرى الثالثة من احتجاجات عام 2019 التي أطاحت بنظام البشير.

ودعت قوى الحرية والتغيير إلى إعلان العصيان المدني، كما أعلنت نقابة الأطباء الدخول في إضراب عام لمدة 72 ساعة بداية من 5 يوليو الجاري. وتواصل لجان المقاومة تنظيم الاعتصامات في ثلاث مدن سودانية رئيسة، هي الخرطوم وأم درمان وبحري.

وأدانت المفوضة السامية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، ميشيل باشليه، الانتهاكات التي شهدتها هذه التظاهرات، وطالبت بإجراء تحقيق فوري ومستقل. كما أدانت الولايات المتحدة وبريطانيا والنرويج استخدام السلطات الأمنية السودانية للقوة المفرطة ضد المحتجين.

3- انقسام القوى الداخلية: أعلن تنسيقية لجان المقاومة والحزب الشيوعي وائتلاف "قوى الحرية والتغيير – المجلس المركزي" رفضهم بيان رئيس مجلس السيادة، معتبرة أن هذا البيان يمثل مناورة مكشوفة هدفها ترسيخ الحكم العسكري والالتفاف على الثورة. كما ندد ائتلاف قوى الحرية والتغيير بقرارات مجلس السيادة في أعقاب إجراءات 25 أكتوبر الماضي، والتي أعادت عناصر الإخوان إلى هياكل الدولة.

في المقابل، أعلن حزبا "الأمة" و"الاتحاد الديمقراطي- الأصل" في بيانين منفصلين ترحيبهما ببيان قائد الجيش السوداني، باعتباره خطوة جيدة تمهد الطريق لتسوية الأزمة السودانية المتفاقمة. أما "قوى الحرية والتغيير – التوافق الوطني"، القريبة من المجلس السيادي، فقد أعلنت بأن بيان البرهان انطوى على عدد من النقاط الإيجابية، لكنها أشارت إلى وجود عدة نقاط غامضة تحتاج لمزيد من التوضيح، ملوحة باستعدادها للدخول في حوار مع القوى والأطراف الأخرى.

دلالات مهمة: 

عكس البيان الصادر عن رئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان، وما ارتبط به من مواقف داخلية متباينة عن جملة من الدلالات المهمة، والتي يمكن عرضها على النحو التالي:

1- اظهار تشرذم القوى السياسية: عكست خطوة البرهان محاولة منه لإلقاء الكرة في ملعب القوى السياسية، وإظهار مدى انقسامهم وعدم قدرتهم على إدارة المشهد، وبالتالي تعزز فرضية أن الأزمة السياسية الحالية لا ترتبط بالمؤسسة العسكرية، لكنها تمثل نتاجاً للصراعات البينية داخل المكون المدني.

وفي إطار محاولة البرهان إضفاء مزيد من الجدية على إعلانه الاستعداد للانسحاب من المشهد، أصدر البرهان قراراً في 6 يوليو الجاري، بإعفاء أعضاء مجلس السيادة المدنيين الخمسة، والذين كان قد تم تعيينهم في 25 أكتوبر الماضي، مع الإبقاء على أعضاء المجلس من الجماعات المسلحة الموقعين على اتفاق جوبا، بالإضافة إلى أعضاء المجلس من العسكريين، وكذا قائد قوات الدعم السريع، الفريق محمد حمدان دقلو (حميدتي).

2- استمرار دور المكون العسكري: أنطوى البيان الصادر عن البرهان على بعض الآليات التي تضمن استمرار المكون العسكري في المشهد، والتي تتمثل في النص على توافق القوى السياسية على تشكيل حكومة كفاءات كشرط لانسحاب المجلس السيادي، وهو ما يمثل تحدياً أمام هذه القوى التي تشهد خلافات حادة فيما بينها.

وتتمثل الآلية الثانية في تشكيل مجلس أعلى للقوات المسلحة، يتولى مسؤولية الأمن والدفاع، بالإضافة إلى مهام مقترحة لم يتم الإعلان عنها، وإن تم توضيحها في المقترحات المقدمة للآلية الثلاثية، حيث تم اقتراح أن يكون المجلس مسؤول عن تسمية بعض الوزارات السيادية، وكذا بعض الوظائف السيادية.

ولذا شككت بعض القوى السياسية في الخطوة التي أعلن عنها البرهان، واعتبرتها تمثل تراجعاً تكتيكياً من قبل المكون العسكري لتجاوز الضغوط الداخلية والخارجية.

3- خوف القوى المدنية من الشارع: عكس موقف القوى المدنية الرافضة لبيان السيادة تخوفات متنامية لديها من سخط الشارع السوداني وانقلابه عليها حال أبدت أي ترحيب ببيان البرهان، لاسيما مع الموقف الرافض الذي أبداه المحتجون إزاء بيانه، بل أن ثمة تقديرات ربطت بين انسحاب ممثل قوى الحرية والتغيير من اجتماعات اللجنة المشتركة التي ترعاها الولايات المتحدة والسعودية بالقلق من ردة الفعل الشعبية. 

4- دعم أمريكي وأممي: أشارت بعض التقارير الغربية إلى أن الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، كان على علم بقرار البرهان بالانسحاب من المحادثات، وأن غوتيريش يأمل في أن تؤدي هذه الخطوة إلى تهدئة الأزمة والتمهيد للتوصل إلى اتفاق يؤدي في النهاية إلى حكومة مدنية ديمقراطية.

وأشارت تقارير إلى أن الخريطة التي أعلن عنها البرهان كان يجري التشاور بشأنها خلال الشهر الماضي، في إطار الوساطة السعودية – الأمريكية، وتم إطلاع الشركاء الدوليين والإقليميين بشأنها، والذين أبدوا دعماً لها. 

ترتيبات جديدة محتملة:

يكشف موقف القوى المدنية من بيان البرهان عن عدد من المتغيرات، والتي يمكن عرضها على النحو التالي:

1- الضغط للحصول على تنازلات أكبر: اعتبرت بعض الأطراف السودانية أن الضغوط الشعبية المتزايدة على مجلس السيادة هو ما دفع البرهان لإطلاق هذا البيان، وهو ما ألمح إليه رئيس حزب المؤتمر السوداني والقيادي بائتلاف قوى الحرية والتغيير، عمر الدقير، وبالتالي باتت هناك قناعة لدى بعض القوى السياسية بأنه يجب تصعيد الاحتجاجات لانتزاع تنازلات أكبر من مجلس السيادة.

2- مزيد من الانخراط الأمريكي: يتوقع أن تزيد الولايات المتحدة من انخراطها في الملف السوداني خلال الفترة المقبلة، من خلال ممارسة ضغوطات أكبر على الأطراف المختلفة لقبول الحوار والتوصل إلى صيغة توافقية. وربما يدعم هذا الطرح دعوة وزارة الخارجية الأمريكية الأطراف السودانية كافة إلى الانخراط في الحوار للتوصل لتسوية تقود السودان نحو حكومة مدنية وانتخابات ونظام ديمقراطي.

ويبدو أن التفاهمات الأخيرة التي تم التوصل إليها بين رئيس مجلس السيادة السوداني ورئيس الوزراء الإثيوبي، خلال الاجتماعات الأخيرة لمنظمة الايجاد بالعاصمة الكينية نيروبي، والتي بموجبها تم وقف التصعيد الراهن على الحدود بين البلدين، تعكس أحد ملامح الترتيبات الأمريكية في المنطقة، والتي تستهدف حلحلة الأزمات المتفاقمة في منطقة القرن الأفريقي.

3- تشكيل حكومة كفاءات: يبدو أن الضغوط الأمريكية والغربية ستدفع نحو عودة الحوار بين القوى السياسية تحت رعاية الآلية الثلاثية، والوساطة الأمريكية – السعودية، لكن في إطار الموقف الأخير الذي عبر عنه كثير من القوى السياسية برفض بيان قائد الجيش السوداني، يرجح أن تنطلق خلال الفترة المقبلة اجتماعات الآلية الثلاثية، والتي يبدو أنها ستشهد فقط حضوراً من قبل الأطراف التي كانت حاضرة في اجتماعات يونيو الماضي، وهو ما قد يسهل من مهمة التوافق بينها.

وبالتالي فإنه في حالة استمرار "قوى الحرية والتغير – المجلس المركزي" في التمسك بموقفه الرافض للحوار، فيرجح أن يتم تشكيل حكومة مدنية من قبل القوى المدنية التي ستشارك في الحوار، إلى جانب أطراف اتفاق جوبا للسلام، ومن ثم يعقبها الإعلان عن حل مجلس السيادة الحالي.

ورجحت بعض التقديرات احتمالية الدفع باسم المحامي، عادل عبدالغني، لتولي رئاسة الحكومة المرتقبة، فيما طرحت هذه التقديرات إمكانية إحداث تغييرات في قيادة المجلس السيادي، من خلال الدفع باللواء المتقاعد، عبد الرحمن الصادق المهدي، لرئاسة المجلس، في تطورات ربما تعيد هيكلة المشهد الداخلي في الخرطوم.

وفي الختام، بات الملف السوداني يقف عند نقطة فاصلة، ستمهد الطريق لتشكيل توازنات جديدة في المشهد الداخلي، سواء في حالة استمرار الاحتجاجات الراهنة واتجاهها نحو مزيد من التصعيد، أو حتى إذا ما تمت الاستجابة للإعلان الأخير من قبل رئيس مجلس السيادة.