أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

اضطرابات قادمة:

المخاطر الأكثر بروزًا بالاقتصاد العالمي بعد أزمة كورونا

20 مايو، 2020


عرض: بثينة فرج محمد – باحثة اقتصادية

أصدرت وحدة الاستخبارات الاقتصادية التابعة لمجلة "الإيكونوميست" تقريرها السنوي عن آفاق الاقتصاد العالمي خلال عام ٢٠٢٠، في ظل العديد من التحديات والتطورات التي يواجهها المجتمع الدولي راهنًا. فيقدم لمحة سريعة عن قدرة الوحدة على قياس المخاطر من خلال تحديد وتقييم أهم خمسة مخاطر للنظام الاقتصادي العالمي خلال هذا العام.

يشير التقرير إلى أن عام 2019 كان عامًا صعبًا بالنسبة للاقتصاد العالمي، حيث اجتمعت حالة عدم اليقين الجيوسياسي وتباطؤ الاقتصاد الصيني الذي أدى إلى تراجع التصنيع العالمي. وقد توقعت وحدة الاستخبارات الاقتصادية سابقًا أن يكون النمو العالمي أسرع بشكل هامشي في عام 2020. لكنّ التطورات التي يشهدها العالم مع بروز جائحة فيروس كورونا ستحدّ من أي زيادة في ثقة مؤسسات الأعمال والاستثمارات. كما يبدو أن الاضطرابات الاجتماعية التي شهدها العالم في عام 2019 ستستمر في عام 2020، وهو ما يُشكل تحديًا لكلٍّ من صناع السياسات ونماذج الأعمال.

ومن المتوقّع أن يبلغ النمو العالمي 2.9٪ في عام 2020، وهو ما يقرب من أدنى مستوياته في العقد. ومن المتوقع أن يتباطأ النمو الاقتصادي في العالم المتقدم خلال العام. كما أن ظهور فيروس كورونا المستجد في الصين سيُضعف من آفاق النمو في آسيا. أما بالنسبة لباقي العالم الناشئ، فمن المتوقع حدوث انتعاش متواضع مقارنة بعام 2019، بما في ذلك أمريكا اللاتينية والشرق الأوسط وإفريقيا جنوب الصحراء الكبرى.

ويدعم توقّعات النمو هذه استمرار السياسة النقدية التوسعية بين البنوك المركزية الرئيسية في العالم، وهو ما سيعمل على تخفيف الطلب في الأسواق المتقدمة، ويحدّ من الضغوط المالية التي قد تُواجهها بعض اقتصادات الأسواق الناشئة المثقلة بالديون. ومع ذلك، تُمثل السياسة النقدية التوسعية خطرًا أيضًا، لأنها قد تؤدي إلى أزمات ديون جديدة في الأسواق الناشئة. وفي ظل تعدد وتعقد الأزمات التي يواجهها العالم، يدعو التقرير صنّاع السياسات والشركات للاستعداد لمزيدٍ من التقلبات في عام 2020.

خسائر فادحة في الاقتصاد العالمي

يُشير التقرير إلى أن من المتوقع أن يكون الأثر الاقتصادي العالمي لتفشي فيروس كورونا أكثر عمقًا من تأثير متلازمة الجهاز التنفسي الحادة (سارس)، وهو فيروس مماثل انتشر من الصين في عام 2003، بسبب الدور الأكبر الذي تلعبه بكين في الاقتصاد العالمي اليوم.

وتوقّع التقرير -اعتمادًا على تقييمات المهنيين الطبيين- أن حالة الطوارئ الصحية العامة داخل الصين ستكون تحت السيطرة، وأنها سترفع إجراءات الحجر الصحي، وسيعود النشاط الاقتصادي إلى طبيعته، وأن الحكومة الصينية ستنفذ أيضًا حوافز مالية ونقدية قوية لحدوث انتعاش في التوسع الاقتصادي، وهو ما يؤدي إلى انتعاش النمو في النصف الثاني من العام، في الصين والعالم.

ويُقدّر المحللون احتمالًا بنسبة 20٪ أن الفيروس لن يتم احتواؤه في الصين حتى منتصف عام 2020، ونسبة 5٪ أن يظل غير خاضع للسيطرة بعد عام 2020. وفي السيناريو الأسوأ، سيكون التأثير الاقتصادي أعمق بكثير وأكثر استمرارًا، حيث سيصبح تعطل حركة التجارة الدولية راسخًا، حيث يتم تحويل سلاسل التوريد عن الصين، مع احتمال وضع بعض الدول قيودًا شديدة على التجارة الثنائية.

ومن المرجّح أن تتصاعد التوترات التجارية بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، خاصة إذا أثبتت الصين أنها غير راغبة أو غير قادرة على الوفاء بالتزامات الاستيراد المتفق عليها بموجب الصفقة التجارية للمرحلة الأولى.

وسيواجه عدد كبير من المصدّرين الدوليين ضائقة مالية؛ حيث إن الانخفاض المستمر في الطلب الصيني يؤدي إلى انخفاض أسعار السلع وعائدات التصدير. وستشكل أزمة الصحة العامة المستمرة أيضًا تهديدًا للاستقرار السياسي والمالي داخل الصين نفسها. إذا تعرضت شرعية الحكومة لتهديد خطير، فمن المحتمل أن تستجيب بتعزيز تدابير الرقابة الاجتماعية، وفي الوقت نفسه، إذا امتد استخدام الحكومة لسياسات نقدية ومالية توسعية لتحفيز الاقتصاد إلى عام 2021 وما بعده، فإن ذلك سيجدد المخاوف بشأن أرصدة الديون الخاصة الضخمة في الصين والاستقرار المالي على المدى الطويل. مع الأخذ في الاعتبار التأثير المباشر لضعف الطلب في الصين، فضلًا عن الاضطراب الاقتصادي المحتمل في دول أخرى مع تفشّي انتشار الفيروس على مستوى العالم، فإن توقعات نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي العالمي قد تنخفض إلى أقل من 2.5٪ هذا العام.

أعباء الديون في الأسواق الناشئة

أدى انخفاض أسعار الفائدة على مدار عقد إلى ارتفاع مستويات الديون العالمية، لا سيما في العديد من الأسواق الناشئة، حيث أصبحت مستويات الديون الخارجية الآن أعلى بشكل ملحوظ مما كانت عليه في عام 2009. ففي الاقتصادات المتقدمة، خفضت الأسر أعباء ديونها، ولكن تم تسهيل ذلك عن طريق زيادة الاقتراض العام. كما ارتفع مستوى مخاطر الديون، لا سيما في الولايات المتحدة.

ونتيجة لذلك، أصبحت آفاق النمو العالمي أكثر عرضة للتغير في الظروف المالية، مثل: التغيرات في أسعار الفائدة الأمريكية، أو الرغبة في مخاطر السوق المالية، والتي يمكن أن تترجم بسرعة إلى تكاليف تمويل أعلى للدول المدينة. وقد حدث هذا عام 2018، عندما تسبب ارتفاع أسعار الفائدة الأمريكية وتعزيز الدولار الأمريكي مقابل العملات الأخرى في تقلبات العملة على نطاق واسع بين الأسواق الناشئة، مما تسبب في أزمات العملات وركود حاد في تركيا والأرجنتين.

ومنذ ذلك الحين، أعطى التحول المتجدد نحو التيسير النقدي من جانب الاحتياطي الفيدرالي (الاحتياطي الفيدرالي، والبنك المركزي الأمريكي)، والبنك المركزي الأوروبي والبنوك المركزية الرئيسية الأخرى، الشركات والحكومات المدينة مساحة للتنفس. ورغم ذلك، فإنها لا تزال عرضة للتدهور المفاجئ وغير المتوقع في ظروف السوق، مثل الانخفاض الحادّ في أسعار تصدير السلع أو الشعور بالهدوء الشديد في معنويات المخاطرة العالمية، وكلاهما يمكن أن يؤدي إلى وصول المقرضين إلى بر الأمان. علاوة على ذلك، لم يختفِ خطرُ حدوث ارتفاع متجدد في أسعار الفائدة العالمية.

أدت الضغوط السياسية المناهضة للمؤسسات إلى التحول عن التقشف المالي في عددٍ من الاقتصادات المتقدمة، بما في ذلك الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، حتى في الاتحاد الأوروبي، وبدأت سياسة التيسير المالي. وفي حال استمرت هذه الديناميكية في اكتساب الزخم، فإن السياسة النقدية في الأسواق المتقدمة يمكن أن تشدد في وقت أقرب مما تتوقعه الأسواق المالية حاليًّا، مما يؤدي إلى تكرار عام 2018 مع ارتفاع تكلفة الديون على مستوى العالم وتدفقات رأس المال من الأسواق الناشئة الأكثر خطورة.

في ظل هذه السيناريوهات، يمكن للاقتصادات الضعيفة التي شهدت مؤخرًا استقرار عملاتها، مثل تركيا والأرجنتين، أن تتراجع بسرعة إلى أزمة، وقد تظهر أزمات جديدة، خاصة في الدول التي تأمل في الحصول على دعم ثنائي من الصين أو القوى الإقليمية. كما أنه من المتوقع أن يتم تقليص الإنفاق في الأسواق الناشئة بشكل كبير، مما قد يدفع أجزاء كبيرة من العالم إلى الركود.

تداعيات احتجاجات هونج كونج

منذ يونيو 2019، شهدت هونج كونج اضطرابات اجتماعية خطيرة، وقد كان الدافع وراء ذلك في البداية هو محاولة الحكومة المحلية تمرير الإصلاحات إلى قوانين تسليم المجرمين للخارج إلى دول لم توقع معها معاهدة لتسليم المطلوبين ومن ضمنها الصين، ومع ذلك أصبحت المظاهرات منذ ذلك الحين تعبيرًا أوسع عن الاستياء من النظام السياسي المحلي وقيادته.

هناك فرصة واضحة لأن تندلع الاحتجاجات مرة أخرى هذا العام، إذا تم النظر إلى الحقوق المدنية القائمة على أنها مهددة على المدى الطويل. ويتوقع أن تتزايد الاحتجاجات مع قرب موعد انتخابات المجلس التشريعي المقرر إجراؤها في سبتمبر 2020. 

وإذا استمرت التوترات في الارتفاع، فهناك خطر من أن تستجيب الحكومة الصينية للاضطرابات المستمرة وتصاعد المشاعر المؤيدة للاستقلال في هونج كونج من خلال تعليق نظام الحكم المكون من دولة واحدة والذي يسمح للإقليم بالاستمتاع بحكم ذاتي واسع النطاق. مثل هذا المسار ممكن بموجب المادة 18 من القانون الأساسي -الدستور المصغر للإقليم- الذي يسمح بتطبيق "القوانين الوطنية ذات الصلة" في هونج كونج في حالة حدوث حالة من الاضطراب خارجة عن سيطرة حكومة الإقليم.

ويمكن أن يؤدي تصاعد الاضطرابات إلى نشر جيش التحرير الشعبي، مما يزيد من احتمال وقوع إصابات. ومثل هذه التوترات سوف تتسبب في حدوث اضطراب اقتصادي خطير ومفاجئ، ويهدد وضع هونج كونج كثالث أهم مركز مالي في العالم، والذي سيؤدي إلى رحيل سريع للمواهب الأجنبية التي تشحذ اقتصادها، وتحث العديد من الشركات الأجنبية في هونج كونج على الإغلاق أو الانتقال إلى مدن آسيوية أخرى، مثل سنغافورة أو طوكيو أو تايبيه أو بانكوك. بالإضافة إلى ذلك، فإن الضغط السياسي لفرض عقوبات على الصين سيجعل الأمر أكثر صعوبة بالنسبة لواشنطن وبكين للحفاظ على المحادثات التجارية، ويمكن أن يؤدي إلى زيادة حادة في التوترات بين الصين والغرب.

المصدر:

The Economist Intelligence Unit. Top five risks to the global economy in 2020.