أخبار المركز
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)
  • إيمان الشعراوي تكتب: (الفجوة الرقمية: حدود استفادة إفريقيا من قمة فرنسا للذكاء الاصطناعي 2025)
  • حسين معلوم يكتب: (تفاؤل حذر: هل تشكل الانتخابات المحلية فرصة لحلحلة المسار الليبي؟)
  • أحمد عليبة يكتب: (هاجس الموصل: لماذا يخشى العراق من التصعيد الحالي في سوريا؟)

فشل الأمم.. التحدي الأكبر

27 فبراير، 2019


التحدي الكبير الذي أتطرق له هنا هو ظهور وتزايد حالات «الدولة الفاشلة». نرى لها أمثلة جديدة في العالم العربي، لكنه الحال المتواصل، ومنذ مطلع التسعينيات، للصومال الذي يستمر في احتكار المرتبة الأولى على قائمة الدول الفاشلة. وقد ذكرتُ في مقال سابق أن الفشل قد يحدث خلال فترة بسيطة في دولة مزدهرة وغنية، لكنها تتدهور بسرعة شديدة، وأعطيت مثالا بحالة فنزويلا. 

نقطة عامة يجب أن نتذكرها وهي أن فشل الدول حالياً ليس بالمرة شأناً محلياً، فوجود الدولة الفاشلة يؤدي إلى تدفق ملايين اللاجئين ليصبحوا أزمةً لدول مجاورة وأخرى بعيدة، كما هو الحال حالياً في أميركا اللاتينية وكذلك عبر المتوسط. كما أن الدولة الفاشلة تكون مسرحاً ثميناً لنمو وترعرع المنظمات الإرهابية، كما فعلت «داعش» في سوريا والعراق.

الكتاب الذي يعالج هذه الظاهرة باقتدار هو «لماذا تفشل الأمم؟» الذي ظهر في سنة 2012 لمؤلفَيه دارون أسمجلو وجيمس روبنسون، وهما ينتميان لمؤسستين أكاديميتين عريقتين، معهد ماستشوتس للتكنولوجيا وجامعة هارفارد. ورغم أنهما متخصصان في الاقتصاد فإن مؤلَّفهما مكتوب بلغة سهلة ودون استخدام مفرط للمصطلحات الاقتصادية، كما أنه مليء بالأمثلة ودراسات الحالة التي تجعل قراءته مشوقة نسبياً. وباختصار شديد، النظرية التي يقدمها الكتاب في صفحاته البالغ عددها 500 صفحة، تقول إن الفرق الكبير بين الدول الفاشلة والدول الناجحة هو نوعية المؤسسات التي تحكمها، ليس فقط المؤسسات الاقتصادية، ولكن المؤسسات السياسية أولا، لأنها هي التي تتمتع بسلطة القرار.

هذه المقولة هامة لأن كثيرين ما زالوا ينظرون للتنمية على أساس أنها عملية اقتصادية في الأساس، وبالطبع لا نستطيع أن نشرح في هذه الحالة لماذا دولتان غنيتان بالموارد مثل سيراليون ونيجيريا ما تزالان متخلفتين وفقيرتين، بينما دولة محدودة الموارد مثل اليابان هي في مصاف الدول المتقدمة.

يجب التركيز إذن على أهمية المؤسسات السياسية أولاً وليس الاقتصادية، أي على مؤسسات اتخاذ القرار والتوجيه في المقام الأول.

وللبرهنة على مقولتهما هذه يبدأ المؤلفان كتابهما بمثال سهل وواضح، حيث يتكلمان عن مدينة «نوجالس» في جنوب الولايات المتحدة، والتي انقسمت منذ عدة قرون إلى قسمين: قسم في المكسيك وقسم آخر بقي جزءاً من ولاية أريزونا الأميركية. ثم يقدمان بعض البيانات عن كل قسم من المدينة المقسمة. في القسم الأميركي مثلاً يبلغ دخل الأسرة حوالي 30 ألف دولار سنوياً، وهناك طرق معبدة ومدارس ذات مستوى رفيع وكهرباء ومياه صالحة للشرب ونظام صرف صحي. أما في القسم المكسيكي، فإن مستوى دخل الأسرة لا يتجاوز ثلث نظيره في القسم الأميركي، وبالطبع يختلف حال التعليم والطرق. شتان إذن ما بين قسمي المدينة، ولا نستطيع شرح الاختلاف بسبب اختلاف الأحوال الجوية، أو الجغرافيا أو حتى الثقافة.. حيث يشترك قسما مدينة «نوجالسي» في هذه العوامل. الفارق في حظ قسمي المدينة يعود إلى نوع المؤسسات التي تقوم بالحكم. 

ويتعقب المؤلفان التاريخ منذ أيام الاستعمار الإسباني في المكسيك والاستعمار البريطاني في الولايات المتحدة قبل خمسة قرون، لشرح الاختلاف في مؤسسات الحكم، ليس بين الحكم الملكي والجمهوري، كما جرت العادة، لكن بين جمهوريتين كما هو حال الولايات المتحدة والمكسيك.

وبهذا الوضوح في البرهنة والإثبات، يُعالج المؤلفان أيضاً العديد من الحالات الأخرى، مثل حالتي زيمبابوي وبوتسوانا في أفريقيا، وكوريا الجنوبية وكوريا الشمالية في آسيا.

المؤسسات السياسية أو صاحبة القرار هي ما يجعل النظام الاقتصادي يقوم مثلا بفرض الضرائب الباهظة لخدمة السلطة أو توزيع الدخل واستخدامه لتقوية خدمات التعليم والصحة من أجل المواطن وتسهيل حياته اليومية. ليست الموارد إذن هي الشيء الأساسي والأهم في التنمية وبناء البشر، بل كيفية استخدامها، وهذا قرار سياسي!

*نقلا عن صحيفة الاتحاد