أخبار المركز
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (المعضلة الروسية: المسارات المُحتملة لأزمات الانتخابات في جورجيا ورومانيا)
  • إسلام المنسي يكتب: (جدل الوساطة: هل تخلت سويسرا عن حيادها في قضايا الشرق الأوسط؟)
  • صدور العدد 38 من دورية "اتجاهات الأحداث"
  • د. إيهاب خليفة يكتب: (الروبوتات البشرية.. عندما تتجاوز الآلة حدود البرمجة)
  • د. فاطمة الزهراء عبدالفتاح تكتب: (اختراق الهزلية: كيف يحدّ المحتوى الإبداعي من "تعفن الدماغ" في "السوشيال ميديا"؟)

نبؤات مستقبلية:

بزوغ اقتصاد "البيانات الشخصية".. وهيمنة التوظيف عبر الإنترنت

21 يناير، 2019


عرض: باسم راشد – باحث متخصص في العلاقات الدولية

مع تزايد عدد مستخدمي الانترنت وشبكات التواصل الاجتماعي، أضحت بياناتهم الشخصية سلعة تتنافس عليها الشركات والتنظيمات السياسية، لتصبح موردًا اقتصاديًّا يحقق من خلاله الكثيرون مكاسب مالية ضخمة، وسياسية، وفي المقابل تصاعد الحديث عن ضرورة الحفاظ على خصوصية تلك البيانات. وسيؤدي انتشار الثورة التكنولوجية المتقدمة إلى أن أصبحت عملية التوظيف أسهل وأسرع. ومع تزايد دور المرأة في الآونة الأخيرة في كافة المجالات يتوقع أن تتولي نصف المناصب العليا في الشركات بالدول المتقدمة خلال العقود القادمة.  

وفي هذا السياق، نشرت مجلة "الإيكونوميست" تقريرًا سنويًّا بعنوان "العالم لو"، يتضمن مجموعة من السيناريوهات المستقبلية المتوقعة في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والتكنولوجية والتاريخية. وتتضمن النسخة الصادرة في عام 2018 مجموعة من التوقعات المستقبلية في مجال الاقتصاد والأعمال.

الدفع مقابل الحصول على البيانات:

إن البيانات الشخصية للمواطنين يتم استخدامها من جانب الشركات لتحقيق مكاسب مالية كبيرة. فماذا لو كان الناس يتحكمون بالفعل في بياناتهم؟ وكان عمالقة التكنولوجيا مطالبين بدفع مقابل الوصول إليها؟ كيف سيبدو اقتصاد البيانات حينها؟.

يؤكد التقرير أن ذلك لن يكون المرة الأولى التي ينتقل فيها مورد اقتصادي مهم من مجرد استخدامه إلى التملك والتداول، فقد حدث نفس الشيء مع الأرض والمياه، على سبيل المثال. لكن على عكس الموارد المادية، تُعتبر البيانات الشخصية مثالًا لما يسميه الاقتصاديون سلعًا "غير منافسة"، مما يعني أنه يمكن استخدامها أكثر من مرة. في الواقع، كلما زاد استخدامها، كان ذلك أفضل للمجتمع. 

وفي عصر الذكاء الاصطناعي، فإن معظم خوارزميات الذكاء الاصطناعي تحتاج إلى التدريب باستخدام نماذج بشرية، في عملية تسمى التعلم الآلي، وما لم يعرفوا المقصود بالإجابات الصحيحة (التي يقدمها البشر)، فإن الخوارزميات لا يمكنها ترجمة اللغات أو فهم الكلام أو التعرف على الكائنات في الصور. ومن ثم يمكن النظر إلى البيانات الشخصية كشكل من أشكال العمل الذي يساهم في تدريب تلك الخوارزميات.

برغم ذلك، فإن قلة من الناس يدركون قيمة بياناتهم الشخصية، وحتى إذا أدركوها فلن يستطيعوا الحصول على صفقة مربحة مقابل الحصول عليها، لذا من المتوقع أن يشهد المستقبل صعودًا في "اتحادات عمال البيانات"، وهي المنظمات التي تعمل كبوابات للبيانات الخاصة بالأشخاص، وسيقتصر دورها على التفاوض على الأسعار، ومراقبة بيانات الأعضاء، وضمان جودتها، ويمكن للنقابات نقل بيانات متخصصة إلى أعضائها وحتى تنظيم الإضرابات، بهدف الضغط على الشركات للدفع مقابل الحصول على البيانات.

ولكي تدفع الشركات العملاقة للأشخاص، لا بد أولًا أن يتوفر الإطار القانوني الصحيح لتشجيع ظهور اقتصاد جديد للبيانات. وثانيًا، يجب أن تصبح التكنولوجيا اللازمة لتتبع تدفقات البيانات أكثر قدرة على ذلك. أما ثالثًا، وهو الأكثر أهمية، فسيكون على الناس تطوير نوع من "الوعي الطبقي" كعاملين في البيانات؛ فمعظم الناس يقولون إنهم يريدون حماية معلوماتهم الشخصية، ولكن بعد ذلك يتاجرون بها دون أي شيء، وهو ما يُعرف باسم "مفارقة الخصوصية". ومع ذلك، قد تتغير الأمور مستقبلًا؛ إذ يرى أكثر من 90٪ من الأمريكيين أن التحكم في من يمكنه الحصول على البيانات اللازمة أمر مهم، وفقًا لمركز بيو الأمريكي للأبحاث.

ويجادل بعض المشككين في أمرين مردود عليهما؛ الأول أنه حتى لو حصل الناس على المال مقابل بياناتهم، فلن يحصلوا على الكثير؛ فإذا شارك "فيسبوك" أرباحه عبر جميع المستخدمين الشهريين، مثلًا، فسيحصل كل منهم على 9 دولارات فقط في السنة. لكن مثل هذه الحسابات تفشل في إدراك أن عصر البيانات قد بدأ للتو، وأن المستخدمين سيحصلون على أكثر من ذلك مستقبلًا.

أما الأمر الثاني فيرتبط بمدى تحقيق التكافؤ بين الأشخاص، خاصة أن بيانات بعض الأفراد تستحق أكثر بكثير من غيرها، لكن يُردّ على ذلك بأنه بطريقة أو بأخرى، يجب على المجتمعات أن تجد آلية عادلة لتوزيع الثروة، وإذا لم يحدث ذلك، فيمكن أن يعود التفاوت الاجتماعي إلى مستويات القرون الوسطى، أما إذا حدث ذلك فيمكن الافتراض بأنه في يوم من الأيام سيتحد عمال البيانات في العالم للحصول على حقوقهم المالية مقابل بياناتهم الشخصية.

العمالة الحرة:

يتوقع التقرير أنه خلال عام 2020، ستبدأ الشركات في جميع أنحاء العالم المتقدم في الاعتماد بشكل أكبر من أي وقت مضى على الاستعانة بمصادر خارجية، وتعيين العمال المؤقتين عبر المنصات الرقمية.

سيكون لدى جميع العمال، بداية من ميكانيكي سيارات الأجرة المستقلة إلى مساعدي التجزئة إلى مضيفات الطيران، وظائف يتم تعيينها على أساس يومي أو أسبوعي من خلال التبادلات عبر الإنترنت التي تطابق الشركات مع المقاولين. وستستعين ماكدونالدز بمصادر خارجية لجميع وظائف مطعمها، فلن يصبح الطهاة وعمال النظافة في ماكدونالدز أصحاب الامتياز في الشركة، بل سيتقدمون للمناصب على مدار الساعة من خلال TaskRabbit، منصة العمل عبر الإنترنت، خلال 2029.

وقد ساهم ظهور منصات العمل عبر الإنترنت، مثل TaskRabbit وPeoplePerHour وExpert360، في عام 2010، والتي أوصلت العمال بأصحاب العمل بسهولة، في انتشار فكرة الاعتماد على مصادر خارجية. ففي عام 2018، تم إدراج ما يقرب من 1٪ من العمال على منصة عمل واحدة على الأقل، وبحلول عام 2028 سيرتفع هذا الرقم إلى 30٪.

وسيكون ذلك نتيجة لسببين؛ أولهما العقبات القانونية التي تواجه هذا النوع من الاقتصاد، أي العمالة الحرة، والتي ستتراجع مستقبلًا مع تقديم الولايات المتحدة مجموعة من الإصلاحات في سوق العمل تنص على ضرورة إدماج وضع "العمالة الحرة". وفي يوم الإعلان عن ذلك الأمر، ستقفز أسعار أسهم منصات العمل الكبيرة عبر الإنترنت. وستحذو دول أخرى حذو واشنطن، وستعتبرها بعض بلدان أوروبا ذات معدلات البطالة المرتفعة وسيلة لزيادة فرص العمل.

أما السبب الثاني فيرتبط بانتشار التكنولوجيا المتقدمة والتي ستجعل العثور على العامل المناسب لمهمة منفصلة أسرع وأسهل من أي وقت مضى، ستصل إلى أقل من 6 ساعات فقط في عام 2026.

وبرغم ما ستحققه الشركات من مكاسب اقتصادية كبيرة، وتسارع نمو الإنتاجية للعمالة نظرًا لارتفاع قيمة المنافسة، وما سيحققه العمال ذوو المهارات القيِّمة من ربحية مرتفعة أيضًا؛ إلا أن إحلال هذا النوع من العمل محل العمل بدوام كامل سيؤدي إلى نتائج أخرى سلبية، مثل: نقص نوعية معينة من الوظائف "كالأطباء مثلًا" في أوقات حرجة؛ ففي ديسمبر 2028، أدت محاولة مجموعة من المستشفيات الأمريكية لاستخدام الأطباء عند الطلب إلى نقص في الموظفين خلال عيد الميلاد.

هذا بالإضافة إلى تراجع تغطية الرعاية الصحية لهؤلاء العمال، كما ستنخفض الروح المعنوية لهذا النوع من الموظفين لكونهم لن يشعروا بأنهم جزء من فريق، ولن يكتسبوا الخبرة التي يكتسبها الموظفون في شركة ما بدوام كامل، سواء فيما يتعلق بالعمل ضمن فريق أو التعامل مع رئيس فريق عمل معين.

نصف المديرين من النساء:

يتنبأ التقرير بأنه في عام 2069، بعد قرن تقريبًا من تعيين "كاثرين غراهام" في عام ١٩٦٩ كأول رئيسة تنفيذية لشركة أمريكية، سيكون نصف المديرين التنفيذيين العالميين من النساء. فطبقًا لإحصائيات عام 2018، كان 7٪ فقط من قادة الحكومة، و15٪ من أعضاء مجالس الإدارات، وحوالي 3٪ من المديرين التنفيذيين، من الإناث. ومن بين شركات فورتشن الأمريكية البالغ عددها 500 شركة، كانت هناك 23 منها تقودها النساء.

وقد أشار المنتدى الاقتصادي العالمي في عام 2017 إلى أنه بالنظر إلى بطء تغير الأمور، فإن سد الفجوة بين الجنسين يحتاج إلى 217 سنة، على الرغم من أن النساء في العالم المتقدم كن في ذلك الوقت متعلمات مثل الرجال، ويشكلن نسبة 47٪ من القوى العاملة العالمية. لذا ركّزت المحاولات الأولية لإصلاح تلك الفجوة على استخدام نظام "الحصص" لكن التأثير كان محدودًا بصورة مخيِّبة للآمال.

لكن في أواخر عام 2018، تضافرت مجموعة من العوامل لتسليط الضوء على تلك الفجوة؛ منها عودة غضب الرأي العام بشأن التحرش الجنسي من خلال هاشتاج "#MeTooRound2" وما صاحبه من تركيز على التمييز الذي تواجهه النساء في الوظائف ذات الأجور المتدنية، فضلًا عن تزايد الضغط على الشركات لنشر أرقام الأجور المفصلة، بما أوضح أن النساء أقلية في المناصب العليا في كل صناعة، بالإضافة إلى تركيز الإعلام بشكل مكثف على مسألة عدم المساواة بين الرجل والمرأة في الوصول للسلطة.

ونتيجة لذلك، أقر منتدى "دافوس" في عام 2019، التزام "50/50"، والذي يعني أنه في غضون 50 عامًا سيكون 50٪ من المدراء التنفيذيين من الإناث، لكنه كان أقرب إلى كونه استجابة للرأي العام المشتعل أكثر منه اقتناعًا تامًّا بأحقية المرأة في الوصول للسلطة كالرجال بما زاد الأمور سوءًا.

ويتوقع التقرير أنه بحلول عام 2021 ستتحسن الأمور قليلًا من خلال قيام بعض الموظفات في شركة Blokes & Partners، وهي شركة قانونية بارزة، برفع دعوى قضائية ضد الشركة بسبب التمييز في الترقية على حسب الجنس، بما دفع إلى تزايد الغضب العام ضد هذه الشركات، وبدأ المستهلكون في مقاطعة منتجاتها.

لذلك سيبدأ قادة الأعمال بالالتزام بفكرة المساواة بين الجنسين، لكونها دعاية جيدة من ناحية، ولتجنب رفع دعاوى ضدهم من ناحية أخرى، فضلًا عن قيام بعض الحكومات بدفع المدارس لإعطاء الثقة في الفتيات على قدم المساواة مع الرجال، بما سيزيد من التحاق الإناث بأقسام العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات في الجامعات، وهو ما سيساعد بدوره في تعزيز وجودهن في مناصب المديرين التنفيذيين بالشركات المختلفة.

وبفضل الاختراقات التكنولوجية والثقافية، أصبح من المرجح أن تظل النساء في العمل بدوام كامل مثل الرجال. ومع ذلك، ستدرك الشركات في أواخر عام 2030 أن النساء ما زلن لا يصلن إلى المراكز العليا بقدر الرجال. وهو ما فسَّره البعض بأن النساء لم تكن لديهن نفس القدرة أو الرغبة في القيادة كالرجال، فيما أرجع آخرون ذلك إلى التحيز البنيوي الذي يفضل الرجال كقادة.

لذا، يتوقع التقرير أن تبدأ الشركات في إعادة تقييم الموظفين من الجنسين، وترقيتهم على أساس الخبرة والمهارات القابلة للقياس الكمي يقوم بها الكمبيوتر لتجنب التحيز والإحساس الغريزي، ومن ثم بعد مرور 50 عامًا على التزام دافوس 50/50 في عام 2019، ستشكل النساء نصف إجمالي الرؤساء التنفيذيين العالميين.

وسينتج عن ذلك القرار أمران؛ أولهما أن الشركات ذات القيادة النسائية تتفوق على نظيرتها ذات القيادة الذكورية، وذلك نتيجة للتنوع الداخلي في تلك الشركات، والذي دفع النساء إلى القيادة. أما ثاني تلك النتائج فهي أن الشركات ذات القيادة النسائية ستقوم بتوظيف أفضل للمواهب المتنوعة المتاحة لديها، بما سيحقق مزيدًا من الإنتاجية والربحية.

وجدير بالذكر أن مجرد وجود رئيسة تنفيذية على قمة الشركة، لا يجعل ذلك بالضرورة أماكن العمل أفضل بالنسبة للنساء الأخريات. ومع ذلك أصبحت حصة المديرات التنفيذيات رائدة في مجال المساواة الأوسع، لكونها نتيجة وليست سببًا للمساواة الحقيقية في الفرص والوصول إلى السلطة.

المصدر: 

The Economist, The World If, 2018, pp. 6-10