أخبار المركز
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)
  • هالة الحفناوي تكتب: (ما مستقبل البشر في عالم ما بعد الإنسانية؟)
  • مركز المستقبل يصدر ثلاث دراسات حول مستقبل الإعلام في عصر الذكاء الاصطناعي
  • حلقة نقاشية لمركز المستقبل عن (اقتصاد العملات الإلكترونية)

نواة للتوحد؟:

دلالات انعقاد مؤتمر القوى السنية في العراق

22 ديسمبر، 2014


على الرغم من استمرار سيطرة تنظيم "داعش" على مناطق واسعة من شمال ووسط العراق، عقد مؤتمر "مكافحة الإرهاب والتطرف" في محافظة أربيل في العراق يوم 18 ديسمبر الجاري، بحضور العديد من الشخصيات السياسية والدينية من ممثلي القوى السياسية السنية في العراق، حيث بلغ عدد الحضور حوالي 1400 شخصية، علاوة على ممثلين عن الحكومة الاتحادية، وكل من السفارة الأمريكية والبريطانية في العراق.

وقد سعى المشاركون في أعمال المؤتمر إلى وضع الأسس الكفيلة بإعادة الأمن إلى المحافظات السنية المتضررة وعودة النازحين لأراضيهم مرة أخرى، وهي محافظات نينوى وصلاح الدين وديالى وكركوك، وكذلك التباحث في إمكانيات تشكيل قوات حشد شعبي في كل محافظة من المحافظات الست. ولعل من أهم الأهداف التي سعى المؤتمر للتوصل إليها نفي أي مؤشرات للارتباط بين العشائر والفصائل والقوى السنية وبين "داعش".

ولم تكن هذه الخطوة هي الأولى على طريق توحيد الصف السني، ووضع نواة للمصالحة الوطنية، فقد سبق هذا المؤتمر نوع آخر من المؤتمرات، حيث عقد في العاصمة الأردنية عمّان في شهر يوليو الماضي، مؤتمر حمل رسالة إلى المجتمع الدولي مفادها أن الإرهاب والعنف هو نتيجة للتهميش والإقصاء.

مواقف القوى السياسية السنية

لم يحظ المؤتمر بإجماع كافة الأطراف السياسية العراقية، خاصة بين القوى السياسية السنية التي أعلنت تحفظها على انعقاد المؤتمر. ومن أبرز المعارضين الفصائل المسلحة التي كانت تقاتل الاحتلال الأمريكي ومجالس ثوار العشائر والمجالس العسكرية وبعض شيوخ العشائر السنية، حيث قاطعت هذه القوة المؤتمر. ولعل من أهم هذه القوى مجلس محافظتي صلاح الدين وديالى، نظراً لتأكيدهم أن المؤتمر يحمل صبغة تحريضية ضد القوات الأمنية وقوات الحشد الشعبي؛ بما يفتح المجال لمزيد من التوتر والعنف الطائفي، حيث أعلن المكتب الإعلامي لرئيس مجلس النواب سليم الجبوري عدم حضور الأخير إلى مؤتمر أربيل، في حين أكد محافظ صلاح الدين رائد الجبوري ورئيس مجلس المحافظة أحمد الكريم عدم مشاركة الحكومة المحلية للمحافظة في أعمال مؤتمر أربيل.

ولم يشارك في المؤتمر كذلك "المجلس السياسي العربي" في كركوك، حيث اعتبر المجلس أن من دعوا للمؤتمر لا يمثلون المكون السني، بل امتد الأمر ليشمل اتهام الأخير لهم بأنهم كانوا ضد التظاهرات وساحات الاعتصام في المحافظات السنية من قبل، علاوة على تحفظ المجلس على مكان انعقاد المؤتمر في أربيل بدلاً من بغداد، مما يمثل ضغطاً إضافياً على مناقشة أوضاع العرب في كركوك في تلك المرحلة، نظراً لصعوبة مناقشة الحضور عدداً من القضايا المصيرية، خاصة تلك المتعلقة بكركوك.

كما رفضت بعض عشائر العراق العربية حضور المؤتمر، معتبرين إياه محاولة للالتفاف على المطالب السنية المشروعة، وقاطعته أيضاً قائمة "ديالى هويتنا" ونائب رئيس الوزراء العراقي صالح المطلك، والقائمة العربية، ووزير الدفاع خالد العبيدي، ووزير التربية محمد إقبال، ووزير الكهرباء قاسم الفهداوي، ووزير الدولة للمحافظات أحمد عبدالله الجبوري والشيخ عبدالله الياور، ونحو 35 نائباً من اتحاد القوى العراقية السنية، علاوة على مقاطعة ائتلاف النهضة - أكبر مجلس محافظة سنية في العراق - المكون من 22 عضواً عربياً في نينوى.

اعتراضات القوى السياسية الشيعية

لم يتوقف الأمر عند تحفظات واعتراضات بعض القوى السياسية السنية، بل امتد ليشمل كذلك اعتراضات من قبل القوى السياسية الشيعية، والتي كان من بينها ائتلاف دولة القانون الذي ارتأى أن استضافة إقليم كردستان للمؤتمر ولشخصيات سنية مطلوبة للقضاء مثل طارق الهاشمي ورافع العيساوي وعلي حاتم السليمان وغيرهم، أمراً يحمل في طياته ازدواجية في المعايير ما بين وضع مبادئ للثقة مع الحكومة الاتحادية من ناحية، كما أنه يعد بمنزلة إهانة للسلطة القضائية العراقية من ناحية أخرى. هذا علاوة على ما يحمله هذا الأمر من إمكانية ترسيخ مفهوم الطائفية في البلاد، وهو ما اعتبره بعض المعارضين لفكرة المؤتمر من التحالف الوطني الشيعي خطوة في اتجاه تقسيم العراق على أسس طائفية ومذهبية، متهمين إياه بأنه تشوبه مخالفة دستورية. كما امتدت التحفظات من أهداف المؤتمر إلى أشخاص الحضور فيه، وهو ما تحفظت عليه كتلة "الصادقون" النيابية التابعة لميليشيات عصائب أهل الحق.

توصيات المؤتمر.. نقاط في حاجة للتفعيل

أما أبرز النتائج والتوصيات التي خرج بها مؤتمر القوى السنية، فكانت كالتالي:

1 ـ دعا المؤتمر أبناء العشائر إلى التطوع الرسمي في الحرس الوطني بعيداً عن نموذج الصحوات التي تختلف ظروفها وأهدافها عما تشهده المحافظات السنية من تهديدات في المرحلة الحالية، وهو ما حدد له منتصف شهر يناير المقبل، على أن يكون حصة كل محافظة حوالي 30 ألف عنصر.

2 ـ طالب المؤتمر الحكومة بضرورة الالتزام ببرنامجها وإنهاء مظاهر التسلح ومحاصرة الميليشيات المسلحة الأخرى لتجنب النزاع الطائفي، كما دعا إلى إعادة هيكلة الجيش العراقي بما يضمن عودة الكفاءات وتحقيق التوازن لبناء جيش مؤلف من جميع مكونات الشعب العراقي.

3 ـ أكد أن مهمة تحرير المدن والمناطق المحتلة من قبل "داعش" هي مهمة أبناء هذه المحافظات وبمساعدة قوات الأمن. وشدد المشاركون على المسؤولية القانونية والأخلاقية للحكومة تجاه النازحين، وأهمية تخصيص المبالغ اللازمة، والالتزام بعودة آمنة لهم وتعويضهم عن الضرر الذي أصاب منازلهم وممتلكاتهم مع نقل ملف النازحين للمحافظات وبإشراف أعضاء مجلس نواب تلك المحافظات لتجنب ما حدث مع سكان ناحية آمرلي التابعة لقضاء طوزخورماتو في محافظة صلاح الدين بعد تحريرها من تنظيم "داعش".

4 ـ حث المؤتمر الحكومة العراقية على الالتزام ببنود الاتفاق السياسي والعمل على تنفيذها وفقاً للسقوف الزمنية من أجل التمسك بإجراءات بناء الثقة مع حكومة حيدر العبادي، ومن أجل تحقيق المصالحة الوطنية المطلوبة في العراق، وكذلك العمل على مباشرة بعض التشريعات المهمة مثل قوانين العفو العام والمساءلة والتوازن وبقية القوانين المتفق عليها، ومطالبة الحكومة بالالتزام بإنشاء صندوق إعمار المحافظات المتضررة وإدراجه في موازنة ٢٠١٥.

5 ـ دعا المؤتمر المجتمع الدولي إلى المشاركة في إعمار المحافظات عبر إنشاء صندوق دولي للإعمار. واتفق المشاركون على تأسيس لجنة المتابعة والتنسيق، ولجنة للعلاقات الخارجية، ولجنة للنازحين لمتابعة تفعيل توصيات المؤتمر خلال المرحلة القادمة.

دلالات المؤتمر وتقييمه

يمكن القول إنه على الرغم من اعتبار المؤتمر خطوة أولى نحو إيجاد مظلة سياسية جامعة تمثل المحافظات السنية الست في العراق، فإن انعقاده أثبت عمق الخلافات السنية ـ السنية التي برزت قبل وأثناء انعقاد المؤتمر؛ ففي الوقت الذي تسعى فيه بعض القوى السياسية السنية إلى تشكيل إقليم "سني"، ثمة قوى أخرى تعارض هذا الطرح وتفضل إعادة تشكيل النظام السياسي وتطبيق المحاصصة الطائفية، بما يخدم مصلحة الدولة العراقية بعيداً عن المذهب ويعيد للمكون السني في العراق مكتسباته.

ولهذا يمكن اعتبار أن المؤتمر جاء كخطوة أولية نحو مسألة تشكيل إقليم "سني" بإدارة ذاتية على غرار تجربة إقليم كردستان ليشمل الإقليم محافظات نينوى وصلاح الدين ومناطق غرب كركوك وديالى والأنبار، واعتبار فكرة الأقاليم حلاً دستورياً يضمن لسكان المحافظات السنية عدم تكرار تجاوزات السنوات الماضية طيلة فترة رئاسة نوري المالكي لمجلس الوزراء، خاصة في ظل وجود عدد من الدعائم لهذا الطرح، أولها يتمثل في تهديدات تنظيم "داعش" وتشكيل التحالف الدولي لمواجهته، وثانيها الدعم الأمريكي للقوى والعشائر السنية؛ وهو ما يطرح إمكانية سعي المكون السني للحصول على مكتسبات سياسية واقتصادية واجتماعية مثلما حصل الأكراد عليها، خاصة في الفترة الأخيرة، وهو ما يمثل تحدياً مستقبلياً أمام حكومة العبادي، لاسيما في ظل تحفظ القوى السياسية الشيعية على هذا الطرح الذي يعتبر خصماً من رصيد ومكتسبات المكون الشيعي.

الأمر الآخر أن انعقاد المؤتمر يؤكد استمرار مؤشرات عدم الثقة بين الحكومة الاتحادية ومعظم القوى السياسية السنية، حيث وضع الحضور ملف الحرس الوطني على قائمة الأولويات، وتم التشكيك في الحلول التي تطرحها الحكومة الاتحادية في بغداد حول مستقبل هذه المحافظات، وذلك بغرض عدم تكرار تجربة حكومة نوري المالكي السابقة التي استهدفت الصحوات والعشائر وجمدت دور مجالس المحافظات، سواءً كان ذلك في الإدارة أو في الأمن. لذلك فمن المتوقع أن تستمر الفجوة بين الفصائل السياسة السنية وبين الحكومة العراقية، مع استمرار الأخيرة في تقديم الدعم لقوات الحشد الشعبي، وعدم اتخاذ خطوة مماثلة بتسليح العشائر السنية، مما يزيد الأمر تعقيداً.

ووفقاً لذلك، سوف تظل العراق ساحة للتجاذبات وللتنافس الإقليمي والدولي، حيث جاء المؤتمر الأخير في ظل دعوة الولايات المتحدة لتشكيل قوة سنية قوامها حوالي مائة ألف مقاتل سني، ويعني ذلك إدراك واشنطن أهمية القبائل والفصائل السنية في مواجهة "داعش"، خاصة بعد إخفاقات القوات الأمنية والجيش العراقي في هذه الخطوة.

من ناحية أخرى، سيدفع هذا الأمر المجال لإيران لمزيد من الدعم والتأييد المادي والمعنوي لقوات الحشد الشعبي "الشيعي" في العراق وتقوية هذه الفصائل في مواجهة تنظيم "داعش"، بل وإمكانية إقدام إيران في المدي المنظور على مساعدة هذه القوات في التقدم نحو مناطق في ديالى في الشرق وصولاً إلى بيجي في صلاح الدين شمالاً، وذلك من أجل الحفاظ على مصالحها الاستراتيجية في العراق، وعدم إتاحة المجال أمام القوى السنية لطرح فكرة الإقليم السني.

وفي النهاية، يعكس المؤتمر مدى صعوبة التوصل إلى فكرة المصالحة الوطنية العادلة في العراق في تلك المرحلة، في ظل انتشار الفساد في كافة مفاصل الدولة، واستمرار التطبيق الخاطئ لمفهوم المحاصصة الطائفية، وتمسك بعض القوى السياسية بمكتسباتها بعيداً عن مصالح الدولة المدنية العراقية؛ وهو ما سيلقي بظلاله على طول فترة وصعوبة مواجهة تنظيم "داعش" في العراق.