أخبار المركز
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)
  • إيمان الشعراوي تكتب: (الفجوة الرقمية: حدود استفادة إفريقيا من قمة فرنسا للذكاء الاصطناعي 2025)
  • حسين معلوم يكتب: (تفاؤل حذر: هل تشكل الانتخابات المحلية فرصة لحلحلة المسار الليبي؟)
  • أحمد عليبة يكتب: (هاجس الموصل: لماذا يخشى العراق من التصعيد الحالي في سوريا؟)

الصراع التالي!

احتمالات قائمة لتصاعد العنف في إقليم أوروميا الإثيوبي

19 ديسمبر، 2022


ما لبثت إثيوبيا أن شهدت هدوءاً نسبياً للصراع في منطقة التيجراي خلال الأسابيع الأخيرة، منذ الاتفاقية التي تم توقيعها بين جبهة تحرير التيجراي والحكومة الإثيوبية، مطلع نوفمبر 2022، حتى بدأت إرهاصات صراع آخر تلوح في الأفق أمام أديس أبابا، حيث تنذر الفترة الأخيرة بتصاعد التوتر بين الحكومة الفيدرالية وإقليم أوروميا.

تصاعد التوتر في أوروميا: 

تواجه الحكومة الإثيوبية تحديات تتمثل في تصاعد وتيرة انعدام الأمن في إقليم أوروميا، سواء من حيث درجة العنف، أو نطاق الانتشار، وهو ما يمكن تفصيله على النحو التالي:

1- توترات عرقية متزايدة: تصاعدت خلال الفترة الأخيرة التوترات العرقية بين أكبر قوميتين في الداخل الإثيوبي، وهما الأورومو والأمهرة، حيث ألقت كل منهما باللوم على الأخرى بشأن عمليات القتل المتزايدة التي تشهدتها منطقة أوروميا، بالتزامن مع تصاعد وتيرة العنف وقطع الاتصالات السلكية واللاسلكية هناك. ووجه السكان المحليين في الإقليم اللوم والاتهامات لجنود التابعين لحكومة إقليم أوروميا، فيما حمل البعض الآخر مسؤولية الهجمات العنيفة لأحد الجماعات المسلحة من قومية الأمهرة، وهي مليشيا فانو.

2- احتجاجات واسعة في أوروميا: رصدت تقارير إثيوبية تنظيم طلاب الجامعات لتظاهرات حاشدة بشكل متزامن في عدة جامعات، كان أبرزها جامعتا "أداما" و"درداوا"، حيث حمل الطلاب شعارات سياسية تندد بحكومة رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، وتطالبها بوقف العمليات العسكرية التي تستهدف قومية الأورومو، وضرورة إيجاد حلول مستدامة لهذه القضية القومية، وشهدت التظاهرات مواجهات حادة بين المتظاهرين وقوات الأمن.

3- سيطرة المتمردين على بعض المناطق: عمدت عناصر "جيش تحرير أورومو" المتمردة إلى تصعيد هجماتها في إقليم أوروميا، فقد كشفت تقارير محلية، مطلع نوفمبر 2022، عن سيطرتهم على عدة بلدات في منطقة غرب وويلجا بإقليم أوروميا، كما تم اختطاف نصف المسؤولين الحكوميين في البلدات التي سيطر عليها جيش تحرير أورومو.

وفي المقابل، اتهمت تقارير محلية ميليشيا فانو الأمهرية بشن هجمات عنيفة ضد سكان أورومو الذين يُشتبه في دعمهم لجيش تحرير أورومو. وجاءت أبرز تلك الهجمات في مطلع سبتمبر 2022، وأدت إلى مقتل نحو 46 شخصاً من قومية الأورومو.

4- التزام أديس أبابا الصمت: التزمت الحكومة الإثيوبية الصمت حيال التوترات الراهنة في إقليم أوروميا، بما في ذلك التظاهرات الأخيرة التي نظمها طلاب الجامعات. وفي المقابل قلل مكتب الأمن الفيدرالي في أوروميا من حجم وتأثير هذه التظاهرات، وأعتبرها بمنزلة أداة مدفوعة من قبل مجموعات سياسية معارضة تستهدف إثارة الفوضى والتصعيد ضد الحكومة الإثيوبية.


تجدد الصراع التقليدي:

تعكس التوترات الراهنة في إقليم أوروميا أحد أبرز القضايا القومية المتعلقة بقومية الأورومو، والتي تشكل أكبر مجموعة إثنية في إثيوبيا، وهي موطن رئيس الوزراء الحالي، آبي أحمد، ولطالما حملت هذه القومية مطالب خاصة بعدالة توزيع الثروة والسلطة، وهو ما يمكن عرضه على النحو التالي:

1- مطالب قومية للأورومو: تطالب عرقية الأورومو بضمان توزيع عادل للسلطة والثروات، خاصة أنها تشعر بتعرضها لحالة من التهميش المتعمد تجاهها، رغم أنها تشكل أكبر المجموعات العرقية، حيث يتجاوز عددها حاجز الـ40 مليون نسمة، ولطالما انبثقت عن هذه القومية مجموعات مسلحة للدفاع عن قضيتها، ووصل إلى حد مطالبة بعض هذه المجموعات بضرورة انفصال إقليم أوروميا عن إثيوبيا وتشكيل دولة مستقلة، بيد أن غالبية المجموعات الأخرى تركز مطالبها على ضرورة منح الأورومو مزيداً من السلطة والنفوذ. 

2- أزمة متشابكة في أوروميا: تتعدد الأطراف المنخرطة في هذه الأزمة، سواء تمثل ذلك في الصراع بين القوات الحكومية وعناصر جيش تحرير أورومو، أو الصراع الدائر بين الجماعات المسلحة التابعة لعرقيتي الأورومو والأمهرة. 

وتجدر الإشارة إلى أن مجموعات الأمهرة كانت قد بدأت النزوح نحو إقليم أوروميا بداية من ثمانينيات القرن الماضي، وذلك على خلفية المجاعة التي شهدها شمال إثيوبيا آنذاك، بيد أن التوترات بين الأورومو والأمهرة تصاعدت خلال السنوات الأخيرة، وذلك بعد انشقاق جيش تحرير أورومو عن جبهة تحرير أورومو، بعد الاتفاق الذي أبرمته الأخيرة مع آبي أحمد، في 2018، حيث رفض الجيش هذا الاتفاق وأصر على مواصلة التمرد ضد أديس أبابا.

وشهد إقليم أوروميا، في يونيو الماضي، أعمال عنف واسعة ضد مجموعات الأمهرة الموجودة في الإقليم، مما أسفر عن مقتل حوالي 230 – 500 شخص، في مجزرة نُسبت إلى جيش تحرير أورومو، بيد أن الأخير نفى مسؤوليته عن الهجوم. وتشهد المنطقة منذ ذلك الحين تصاعد وتيرة العنف بين الأورومو والأمهرة، مع انخراط الأخيرة في دعم القوات الإثيوبية ضد جيش أورومو. 

وتتهم أطراف الصراع كافة بارتكاب انتهاكات وأعمال عنف، بما في ذلك السلطات الإقليمية في أوروميا، والتي وجهت لها الأقلية من الأمهرة اتهامات بالتواطؤ مع جيش تحرير الأورومو. وأقرت السلطات الإقليمية في بعض الأحيان بتعرض قواتها للاختراق من قبل عناصر جيش أورومو. 

3- توظيف اتفاق التيجراي: ربطت بعض التقديرات بين التصعيد الحالي للأورومو بمحاولة الأخيرة توظيف حالة الإنهاك التي تعانيها القوات الإثيوبية، من أجل تحقيق مكاسب من الحكومة الإثيوبية، عبر التوصل إلى اتفاق مماثل للاتفاق الذي أبرمته الأخيرة مع جبهة تحرير التيجراي.

وربما يدعم هذا الطرح، التصريحات التي أطلقها بعض النشطاء في إقليم أوروميا، والذين ألمحوا إلى ضرورة أن تستفاد حكومة أديس أبابا من تجربتها في محاربة تيجراي، والتي أثبتت عدم فاعلية الحل العسكري في حسم الصراعات في إثيوبيا، مع ضرورة أن تأخذ الحكومة الإثيوبية في الاعتبار الاختلاف بين الصراع في إقليم التيجراي، والذي لا يتجاوز عدد سكانه الخمسة ملايين نسمة، مقابل إقليم أوروميا الذي يتجاوز عدد قاطنيه الـ40 مليون نسمة.

4- محاولة أديس أبابا التفرغ للأورومو: أشارت تقارير إلى أن حكومة رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، تسعى للاستفادة من الهدوء النسبي مع جبهة تيجراي، وذلك لكي توجه تركيزها على جبهة الأورومو، ومحاولة إيجاد تسوية لهذه الأزمة، إما سلماً، أو حرباً. 

ارتدادات داخلية وإقليمية: 

هناك جملة من الارتدادات الداخلية والإقليمية التي ربما تتمخض عن التوترات الراهنة بين الحكومة الإثيوبية وقومية الأورومو، وهو ما يمكن عرضه على النحو التالي:

1- احتمالات اندلاع صراع مسلح: حذرت تقديرات من احتمالية تفاقم التوترات في أوروميا، إذ أكد السياسي المعارض من الأورومو، جوهر محمد، أن التصعيد العسكري الذي تقوده حكومة أديس أبابا ضد الأورومو يمكن أن يتمخض عنه نجاح المجموعات المتطرفة في استقطاب دعم واسع من المواطنين، لا سيما في ظل حالة التهميش التي يعاني منها الأورومو، واتجاه رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، إلى توظيف حملة مكافحة الفساد لاستبعاد بعض المسؤولين من الأورومو، الذين أبدوا دعماً لجيش تحرير الأورومو.

وفي هذا السياق، أشارت تقارير إلى أن تصاعد شعبية جيش تحرير أورومو، في ظل سيطرته على مناطق واسعة في إقليم أوروميا، فضلاً عن امتلاكه لأسلحة متطورة نسبياً، ناهيك عن التعاطف المتزايد له من قبل النخب السياسية والعسكرية في الإقليم. وتثار المخاوف من أن يتحول الصراع هناك إلى صراع طائفي موسع يمتد إلى خارج حدود أوروميا، وهو ما يهدد تماسك البلاد، بالإضافة إلى ترسيخه الكراهية العرقية بين القوميات المختلفة. 

2- استبعاد خيار التفاوض: استبعدت غالبية التقديرات احتمالية دخول الحكومة الإثيوبية في مفاوضات مع جيش تحرير أورومو، باعتبار أن هذه المفاوضات ستضفي الشرعية على ممارسات الأخيرة، وهو الموقف ذاته الذي يتبناه قادة الأورومو داخل حزب "الازدهار" الحاكم، كون السلام مع الجيش سيعني دمج عناصرها في الجهاز السياسي والأمني لإقليم أوروميا، وهو ما يهدد مكتسبات النخبة الحاكمة حالياً في الإقليم.

3- ترتيبات إقليمية محتملة: قد يمتد الصراع بين أديس أبابا والأورومو إلى خارج حدود الدولة الإثيوبية إلى القرن الأفريقي، خاصة في ظل تمركز مقاتلين من جيش تحرير أورومو في كينيا، وهو ما بات يمثل مصدر قلق بالنسبة لآبي أحمد، ورجحت هذه التقديرات أن تشهد الفترة المقبلة تنسيقاً مكثفاً بين أديس أبابا ونيروبي بغية تصعيد القتال ضد عناصره الموجودين في كينيا.

4- دعم غربي أوسع: يسعى آبي أحمد لاستقطاب دعم الولايات المتحدة والقوى الأوروبية لفرض سيطرته على الأقاليم الإثيوبية كافة. وفي هذا السياق، يستهدف أحمد الترويج لاتفاق السلام الذي أبرمه مؤخراً مع جبهة تحرير تيجراي للحصول على مزيد من الدعم الغربي، وهو ما انعكس في اللقاءات التي اجراها آبي أحمد على هامش القمة الأفريقية – الأمريكية التي استضافتها واشنطن مؤخراً، حتى أن بعض التقديرات لم تستبعد أن تلعب الولايات المتحدة دوراً في التنسيق الأمني بين إثيوبيا وكينيا ضد جيش أورومو.

وفي الختام، يبدو أن الفترة المقبلة ستشهد تركيزاً أكبر على الصراع الراهن في إقليم أوروميا، حيث يمكن أن يؤدي التصعيد الراهن في إقليم أوروميا إلى اندلاع احتجاجات واسعة من قبل الأورومو ضد سياسات الحكومة الإثيوبية وممارسات مجموعة "فانو" الأمهرية في الإقليم، وهو ما ينذر بإمكانية زعزعة الاستقرار حال لم يتم صياغة رؤية جديدة من قبل حكومة أديس أبابا، يمكن أن تحول من دون تأجيج المشهد.