أخبار المركز
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)
  • إيمان الشعراوي تكتب: (الفجوة الرقمية: حدود استفادة إفريقيا من قمة فرنسا للذكاء الاصطناعي 2025)
  • حسين معلوم يكتب: (تفاؤل حذر: هل تشكل الانتخابات المحلية فرصة لحلحلة المسار الليبي؟)
  • أحمد عليبة يكتب: (هاجس الموصل: لماذا يخشى العراق من التصعيد الحالي في سوريا؟)

«داعش» التي لم تنته بعد

01 فبراير، 2021


هجوم انتحاري مزدوج هزّ ساحة الطيران في العاصمة العراقية بغداد بعد خمولٍ استمر لثلاث سنواتٍ، وتناقص ملحوظٍ في قدرات تنظيم «داعش» الإرهابي، ويريد التنظيم بهذا التفجير الانتحاري الإرهابي أن يثبت أنه لم يزل حاضراً ويستطيع تخطيط وتنفيذ العمليات الإرهابية.

الجماعات الأصولية والتنظيمات الإرهابية لا تنتهي بمجرد هزيمتها عسكرياً، فهي بنيت في الأساس لتستمر في ظل أي ظروفٍ مؤاتية لها أو معادية، بل الحرب معها طويلة ومستحقة والمشكلة تكمن في المستعجلين الذين لا يفهمون هذه التنظيمات جيداً، ويحسبون أنه يمكن القضاء عليها بسرعةٍ وبمعركة واحدةٍ ثم ينتهي كل شيء، والأمر ليس كذلك أبداً.

هذا الهجوم الانتحاري اتصف، ككل عمليات تنظيمات الإرهاب، بالدناءة والغدر وهي صفة ثابتة في جماعة «الإخوان» وكل الجماعات الإرهابية المتفرعة عنها ومنها تنظيم «داعش»، فقد أبدى الإرهابي أنه مريض وأخذ يستغيث بالناس من حوله، وراهن على فطرة العراقيين السوية وشيمتهم العربية وقيمهم الإنسانية في إغاثة الملهوف ومساعدة المحتاج ليتجمعوا حوله ويساعدوه وحين تمّ ذلك فجر نفسه فيهم وخلّف عشرات القتلى.

وبعده بدقائق قام الانتحاري الثاني بتفجير نفسه مرةً أخرى ليحصد عدداً أكبر من القتلى والجرحى ليعيد تذكيرنا بمدى الدناءة وعدم المروءة التي تتم تربية هؤلاء الشباب عليها منذ التحاقهم بجماعات الإسلام السياسي، حيث لا دين ولا خلق ولا مروءة وحيث الاستعداد الدائم للعدوان على المدنيين المسالمين. بسبب الشحن الأيديولوجي المكثّف وخطابات سيد قطب وفتاوى القرضاوي، يصبح هؤلاء الشباب مستعدين لارتكاب لا أفظع الجرائم فحسب، بل وأكثرها خسةً ودناءة لأن هؤلاء يسلخونهم من الفطرة الإنسانية السوية ويحولونهم إلى مسوخٍ بشرية تدّعي الإسلام والدفاع عنه، إنهم يقتلون الأطفال، ويستهدفون كبار السن، ويحرقون النساء بل وأكثر من هذا فهم يقتلون آباءهم وأمهاتهم وأقاربهم ومعارفهم غدراً وغيلة ويسمون ذلك جهاداً وذوداً عن حياض الإسلام.

هؤلاء المؤدلجون الإرهابيون لا يفهمون إلا لغة القوة والحسم والحزم، فهم لا يعرفون التفاوض ولا يفهمون السياسة، ولا يتراجعون، بل يقتلون الناس إن لم تتم تصفيتهم قبل الوصول لهدفهم، وتنظيم داعش أوضح نموذج في هذا السياق، فهو لم يتوقف حتى تمّت هزيمته بالقوة العسكرية وتمزيقه وتفتيته بالسلاح الخشن وتصفية خليفته المزعوم «البغدادي» وملاحقة عناصره في كل مكانٍ.

الإدارة الأميركية الجديدة بحاجة لمعرفة أعمق بهذه الجماعات والتنظيمات ولوعي بجذورها في جماعة «الإخوان» وجماعات الإسلام السياسي، وأن الإرهابي الانتحاري هو تلميذٌ لشيخٍ ربّاه على التوحش وجماعة غرزت فيه احتقار البشرية وكراهية الإنسان، وأن أي مواجهة لـ«داعش» دون جذورها في الإسلام السياسي هو تعامل مع النتيجة وليس السبب وقضاء على المنتَج مع بقاء المنتِج.

أكبر خطأٍ ارتكبته إدارات أميركية سابقة هو الاقتناع بخديعة شعارات جماعة «الإخوان» بأنها تدعم الحريات والديموقراطية والحقوق وتؤمن بالإنسانية، وتسعى للخير والسلام وهي لا تحسن غير عكس كل هذه المعاني والمفاهيم.

لقد أنجزت دول عربيةٌ مهمةٌ تصنيف جماعة «الإخوان» جماعة إرهابية في الإمارات والسعودية ومصر وغيرها، ولكن بقيت لهم دولٌ داعمة مثل تركيا، وبقيت لهم محاضن هي الأخطر في أميركا والدول الأوروبية، حيث تجد الملاذ الحقيقي والدعم المادي والمعنوي، ويكفي استحضار الهجوم المستمر على فرنسا، لأنها وجدت نفسها مضطرةً لملاحقة هذه الجماعة وذيولها، فكل بحوث الإرهاب ودراساته المعمّقة تشير لهذه الجماعة كمصدرٍ لكل تلك الشرور.

أخيراً، فلم تنته «داعش» ولن ينته الإرهاب، ما لم تتم مواجهة جماعة «الإخوان» وتصنيفها جماعة إرهابية وملاحقة رموزها وتوحيد الجهود الدولية في مواجهتها ومعاقبة الدول التي تدعمها.

*نقلا عن صحيفة الاتحاد