أخبار المركز
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)

إشكاليات معرقلة:

تحديات إعادة الإعمار في بؤر الصراعات العربية

25 سبتمبر، 2017


رغم أن هناك دراسات حالة وتحليلات أحداث وتقديرات مواقف ومشروعات بحثية وبرامج تلفزيونية تناولت تعقيدات عمليات إعادة الإعمار في الدول المنهارة في المنطقة العربية، خاصة بعد الموجة الراهنة للصراعات الداخلية المسلحة، لدرجة يمكن القول معها أنها قُتِلت بحثًا، إلا أن ثمة أبعادًا لتلك الإشكاليات قد ظهرت جليًا، في الآونة الأخيرة، والتي تعوق عمليات إعادة الإعمار فيما يعرف بحسابات اليوم التالي The Day After، لدرجة أن بعض الأدبيات تطلق عليها "ساحات المعارك المقبلة" خاصة بعد الخسائر التي تكبدتها هذه الدول خلال السنوات الماضية.

وتتمثل إشكاليات إعادة الإعمار في بؤر الصراعات العربية في ليبيا واليمن وسوريا والعراق، في التكلفة المالية الضخمة لإعادة الإعمار، وتزامن ترتيبات الانخراط في عمليات إعادة إعمار الدول المنهارة، وتسييس مساهمات الجهات المانحة الدولية، والتسويات المحتملة الهشة للصراعات المسلحة الممتدة، وصراعات رجال الأعمال على عقود إعادة الإعمار، وانتشار القنوات الخلفية في عمليات إعادة الإعمار، وتعزيز الانقسامات الطائفية داخل تلك الدول، وتضخم المؤسسات البيروقراطية المنخرطة في إعادة الإعمار، وتقاطعات إعادة الإعمار للمناطق المتنازع عليها.

سياقات مُحفِّزة:

هناك عدد من المتغيرات الإقليمية التي تصب في اتجاه دفع عمليات إعادة الإعمار في الدول المأزومة، يمكن تناولها على النحو التالي:

1- استعادة نظم متصدعة السيطرة الميدانية: على نحو ما ينطبق على نظام الأسد بعد تحقيق انتصارات في مواجهة "الجيش السوري الحر" و"داعش" والأكراد والتنظيمات المسلحة الأخرى في سوريا، في الوقت الذي كان نفوذه لا يزيد عن 20 في المئة قبل التدخل الروسي في 30 سبتمبر 2015، لا سيما بعد توقف دعم وكالة المخابرات المركزية الأمريكية لبعض جماعات المعارضة المسلحة التي تقاتل الأسد. كما حولت تركيا، أحد الداعمين الرئيسيين للمعارضة، أولويتها عن الإطاحة بنظام الأسد سعيًا لإصلاح علاقاتها الثنائية مع روسيا والحد من التوسع الكردي قرب حدودها، وهو ما ساهم في دعم نفوذ قوات الجيش النظامي السوري، ويعول نظام الأسد على هذه العملية من أجل تعزيز شرعيته وترسيخ سيطرته.

كما حضرت 23 دولة معرض دمشق الدولي حافظت على علاقاتها الدبلوماسية مع الحكومة السورية، وطغت على المعرض الأجنحة المخصصة للدول الحليفة وعلى رأسها روسيا وإيران، فضلاً عن شركات تحضر بصفة خاصة من 20 دولة أخرى بينها من قطعت علاقاتها مع دمشق مثل ألمانيا وفرنسا. وفي هذا السياق، قالت بثينة شعبان مستشارة الحكومة السورية في تصريحات لقناة "الميادين" التلفزيونية اللبنانية، في 19 أغسطس 2017: "إن الحرب المستمرة منذ ست سنوات تقترب من نهايتها مع توقف دول أجنبية عن دعم مقاتلي المعارضة"، وأضافت: "عودة معرض دمشق الدولي في هذا التوقيت والإقبال الجماهيري والدولي لهما رمزية كبيرة ويوجهان رسالة بأن الحرب انتهت والإرهاب اندحر وأننا في بداية الطريق نحو إعادة الإعمار".

2- تحرير مناطق من سيطرة التنظيمات الإرهابية: وهو ما تشير إليه حالة الموصل في العراق، على نحو ما عكسته زيارة وزيرا الخارجية والدفاع الفرنسيين جان إيف لودريان وفلورنس بارلي، في 26 أغسطس الماضي، إلى أربيل، في إطار سعى فرنسي للتحضير لمرحلة ما بعد "داعش". وفي هذا الإطار، قال لودريان: "نحن موجودون في الحرب وسوف نكون موجودين في السلم". فقد كانت فرنسا من أوائل الدول التي انضمت للتحالف الدولي لمحاربة "داعش"، حيث كانت المساهم الثاني في العمليات الجوية بعد الولايات المتحدة، ومن ثم من الطبيعي أن يكون لها دور في عملية إعادة الإعمار.

3- تطلع جماعات المصالح الاقتصادية للاستثمار في إعادة الإعمار: سواء كانت القطاع العام أو الخاص، شركات أو أفراد، مستثمرون محليين أو عرب أو أجانب، بشكل فردي أو جماعي. فعلى سبيل المثال، يظهر ذلك جليًا في تطلع بكين لعقود إعادة الإعمار في مناطق خارج نفوذها التقليدي. وفي هذا السياق، بحث الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي مع السفير الصيني تيان تشي، في 7 سبتمبر الجاري، إمكانية إسهام الشركات الصينية في إعمار اليمن، وفقًا لما أوردته وكالة الأنباء الرسمية اليمنية، لا سيما بعد تعرض الاقتصاد لانهيار حاد، وتضرر البنية التحتية نتيجة الممارسات التي قامت بها حركة الحوثيين وحلفائها.

معوقات حاكمة:

تواجه عمليات إعادة الإعمار في الدول المأزومة بالصراعات المسلحة العديد من الإشكاليات التي تحول دون نجاحها، والتي تتمثل فيما يلي:

1- ضخامة الموارد المالية المقرر تخصيصها لإعادة الإعمار: وهو ما يرتبط بحجم الدمار الحادث في البنية التحتية لغالبية دول الصراعات في المنطقة العربية. فقد أشار مصطفى الهيتي رئيس صندوق إعادة إعمار المناطق المحررة بالعراق، في تصريحات إعلامية في 15 سبتمبر الجاري، على خلفية الاستعدادات الجارية لإعادة إعمار الموصل إلى أن "نسبة الضرر التي لحقت ببيوت الموصل بلغت 70 بالمئة فيما بلغت أضرار الجسور 40 بالمئة، وهو ما يتطلب الحاجة لـ150 مليار دولار لإعادة إعمار العراق في العشر سنوات المقبلة، وستكون برامج إعادة الإعمار في العراق سوق عمل مربحة ومغرية لشركات المقاولات الكبرى في العالم".  

وطبقًا لما نشرته صحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية، في 14 سبتمبر الجاري، يشير برنامج الأجندة الوطنية لمستقبل سوريا– الذي يشرف عليه خبراء سوريون ودوليون تحت مظلة لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (آسكوا)- إلى أن تكلفة الحرب السورية بلغت 327,5 مليار دولار. وكان قطاع السكن هو الأكثر عرضة للدمار بنسبة 30 في المئة، واقتربت إلى 18 في المئة نسبة الدمار في القطاع الصناعي، و9 في المئة حصة دمار قطاع الكهرباء والمياه، و7 في المئة قطاع الزراعة. ولا تشمل الإحصاءات الدمار لمدينتي الرقة ودير الزور.

وكذلك الحال بالنسبة لارتفاع تكلفة إعادة الإعمار في ليبيا واليمن، بعد تدمير المنشآت الحيوية والمباني التعليمية والبنية الصناعية والمطارات والموانئ. ففي الوقت الذي تحتاج ليبيا، وفقًا لتقديرات البنك الدولي لعام 2016 ما يزيد عن 100 مليار دولار، فإن تكلفة إعادة الإعمار في اليمن كما عبرت عنها تقديرات عبدالرقيب سيف وزير التنمية المحلية ورئيس اللجنة العليا للإغاثة في اليمن تبلغ نحو 70 مليار دولار.

2- تزامن عمليات إعادة إعمار الدول المنهارة: وتعد هذه إشكالية رئيسية تواجه الدول التي مرت بصراعات داخلية وحروب أهلية ممتدة تجاوزت ست سنوات متواصلة في بعض الأحيان، حيث يتطلع المانحون الدوليون والإقليميون لإعادة إعمار سوريا والعراق واليمن وليبيا في توقيتات متزامنة، وهو ما يلقي بأعباء مضاعفة على الموازنات المالية المخصصة لعمليات إعادة الإعمار.

ومن هذا المنطلق، قال الأمين العام لمنتدى الفكر العربي محمد أبوحمور خلال افتتاح أعمال الملتقى العالمي لإعادة الإعمار في دول الصراع "سوريا والعراق واليمن" في عمان، في 17 سبتمبر 2017: "إن تقدير الجهات المختصة حول كلف الإعمار في الدول العربية التي تشهد الصراعات والحروب، بلغت نحو تريليوني دولار، في وقت قدرت فيه بعض الجهات الدولية تكلفة إعمار سوريا وحدها بنحو 900 مليار دولار".

كما أكد نائب رئيس البنك الدولي لشئون منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا حافظ غانم في تصريحات لصحيفة "الحياة" اللندنية، في 9 أغسطس 2016 على أن "إعادة الإعمار تعد من أهم محاور الاستراتيجية الجديدة للبنك الدولي في المنطقة، وتجرى الاستعدادات لإعادة إعمار اليمن وسوريا وليبيا فور الاتفاق على عملية السلام، فيما العمل جاري حاليًا على إعادة إعمار المناطق المحررة من داعش في العراق".

3- تسييس مساهمات الجهات المانحة الدولية: تتمثل إحدى الإشكاليات الرئيسية التي تواجه استعادة الدول عافيتها في بؤر الصراعات العربية، في ربط بعض الجهات المانحة الدولية المساهمة في إعادة بناء أو إعمار تلك المناطق بشروط إجراء تغيير في هياكل النظم السياسية القائمة، على نحو ما يتضح جليًا في مقاربة بريطانيا خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، في سبتمبر الحالي، بشأن ربط إعادة الإعمار بخروج بشار الأسد من تفاعلات المرحلة الانتقالية السورية. فلا يمكن الرهان على البقاء في السلطة، في رؤيتها، في حين أن الدولة مدمرة والاقتصاد منهك.

وفي هذا السياق، قال وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون، في تصريحات صحفية في 20 سبتمبر الجاري: "إن بريطانيا والولايات المتحدة وغيرهما من الدول المعارضة للرئيس السوري بشار الأسد لن تدعم إعادة إعمار البلاد حتى يتم الانتقال السياسي بعيدًا عن الأسد". ويعد هذا التصور البريطاني قريبًا من رؤى عدد من أعضاء مجموعة "دول أصدقاء سوريا"، التي تصر على رحيل الأسد عن السلطة، وفي إطار عملية سياسية ذات صدقية تعكس إرادة غالبية السوريين، إذ أن العمل العسكري والأمني وحده، طبقًا لرؤيتها، قد يؤدي إلى انخفاض العنف لكنه لن ينتج سوريا مستقرة.

فبريطانيا تشترط انتقالاً سياسيًا بعيدًا عن الأسد لإعادة إعمار سوريا، على نحو يحمل رسالة محددة لنظام الأسد وموسكو وطهران. غير أن هناك عدم توافق دولي بشأن هذه المسألة، وهو ما أشار إليه مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشئون الشرق الأدنى ديفيد ساترفيلد بقوله: "نحن لا نرى أن الأسد سيبقى في السلطة في نهاية العملية السياسية لأنه خسر شرعيته وحقه في الحكم، ولكن هذا قرار يعود إلى الشعب السوري، وهو نتيجة العملية السياسية، وعلى هذه العملية أن تبدأ".

ونظرًا لاشتراط بعض دول الاتحاد الأوروبي التدخل في تحديد المسار الانتقالي السوري وربطه بالمساهمة في إعادة الإعمار، يسود اتجاه داخل الحكومة السورية بضرورة الاعتماد على الذات والحلفاء فقط، حيث قال نائب محافظ حلب فارس فارس: "إن أوروبا أعطت فقط مقاتلين لقتل الشعب السوري"، وأضاف: "علينا أن نعيد إعمار البلاد بأنفسنا بمساعدة الحكومة ومن دون دعم أوروبي".

ويبدو أن ثمة دولاً وأطرافًا سوف تحصد ثمار إعادة الإعمار، بحيث تكافئ الحكومة السورية الحلفاء الدوليين والإقليميين والمحليين وتعزز مكانتهم، وهو ما يساعد في ترسيخ نفوذها، إذ أعلنت وزارة الخارجية السورية، في بيان لها في 15 سبتمبر 2017، أنها "ترحب بمبادرات الدول والجهات التي لم تنخرط في دعم المعارضة، وتلك التي تتخذ نهجًا واضحًا وصريحًا ضد الإرهاب للمساهمة بدعم جهود إعادة الإعمار".

وأبدت الحكومة السورية ترحيبها بدور إيران وروسيا والصين والهند، لأنه ينظر إليها بأنها أقل ميلاً إلى ربط المساعدات بالإصلاحات المرتبطة بالانتقال السياسي، وذلك خلافًا لما تشترطه بعض دول الاتحاد الأوروبي. ومن ثم، لم يكن غريبًا أن يدعو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مجموعة الدول الأعضاء في "البريكس" للمساهمة في عملية إعادة إعمار سوريا.

كما فتحت موسكو هذا الملف مع رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري خلال زيارته لروسيا في 13 سبتمبر الجاري، حيث قال الأخير لقناة "روسيا اليوم"، في اليوم ذاته: "الأولوية الآن هى تطوير وتنمية البنية التحتية وخطوط السكك الحديدية والمنطقة الاقتصادية في طرابلس وكذلك الطريق السريع مع سوريا كى يكون لبنان مؤهلاً ليصبح محطة لكبريات الشركات التي تنوي الدخول إلى سوريا والعمل فيها بعد الحل السياسي".

4- التسويات المحتملة الهشة للصراعات المسلحة الممتدة: من المتوقع أن ترتفع فاتورة إعادة الإعمار في الدول العربية المأزومة بالصراعات في حال بطء التسوية السياسية بين أطراف تلك الصراعات، فضلاً عن احتمال زيادتها في حالة تراجع مسار "التسويات الهشة" وارتداد الصراعات مرة أخرى بعد الشروع في عمليات إعادة الإعمار، وهو ما تشير إليه اتفاقات الهدنة أو التهدئة أو خفض التوتر في عدد من الحالات، لا سيما مع تعدد الجيوش الجوالة العابرة للحدود الرخوة في الإقليم.

بعبارة أخرى، فإن تعدد الميلشيات المسلحة في بؤر الصراعات، والتي قد تتضرر من إعادة الاستقرار لتلك الدول، وتتخوف من سيناريوهات قادمة تتعلق باستعادة أوضاع ما قبل الاقتتال الداخلي، أو سيطرة بعض الخلايا النائمة التابعة للتنظيمات الإرهابية على بعض البؤر الجغرافية، يفرض حالة من عدم اليقين لدى الأطراف الدولية والإقليمية، مما يجعلها تحجم عن المشاركة في عمليات إعادة الإعمار في الأجل القريب على الأقل.

وينطبق ذلك بشكل واضح على وضع الموصل في العراق. وفي هذا السياق، تقول منسقة الأمم المتحدة للشئون الإنسانية في العراق ليز غراندي، في تصريحات صحفية في 3 أغسطس 2017: "الموصل تشكل التحدي الأكبر على صعيد الاستقرار أمام الأمم المتحدة لجهة الحجم والتعقيد"، لا سيما مع عدم قدرة الشرطة المحلية على السيطرة الميدانية وكذلك اقتلاع الألغام وغيرها من المعوقات".

5- صراعات رجال الأعمال على عقود إعادة الإعمار: وهو ما يبدو جليًا في ليبيا، وتحديدًا في مدينة بنغازي بعد إعلان قائد الجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر تحرير المدينة من الإرهابيين، حيث أن هناك من ينتظر انتهاء الحرب لكى يستثمر في إعادة البناء، بدرجة لم تصعِّد من حدة التنافس بين عدد من رجال الأعمال، سواء من دول عربية أو غربية للحصول على عقود فحسب، بل باتت تتطلب تحديد دور القطاع ودور الدولة فيما يخص إعادة الإعمار، وهو أمر غير واضح في الحالة الليبية.

ويتضح هذا الصراع أيضًا في عقود إعادة إعمار سوريا، وهو ما يفسر الحملة التي شنها رئيس اتحاد غرف الصناعة السورية وعضو مجلس الشعب (البرلمان السوري) فارس الشهابي، في أغسطس الماضي، على محتكري صناعة النسيج المقربين من نظام الأسد، والذين أسماهم بـ"دواعش اقتصاد الداخل"، واتهمهم بالسيطرة على الاقتصاد في مرحلة إعادة الإعمار، وخاصة في مجال العقارات والأراضي، على نحو يجعل الهدف ليس إعادة البناء بقدر ما يتعلق بتحقيق أرباح مادية.

6- انتشار القنوات الخلفية في عمليات إعادة الإعمار: هناك إشكاليات أخرى قد تعوق عمليات إعادة إعمار الدول المنهارة مثل العراق تتعلق بالتخوف من انتشار الفساد، من خلال إبرام بعض العقود بالأمر المباشر وليس عبر مناقصات، لا سيما أن العراق تتذيل قائمة مؤشر الشفافية الدولية، هذا بخلاف المعايير الطائفية التي تتبناها بعض الشركات التي تتولى إعادة الإعمار.

7- تعزيز الانقسامات الطائفية داخل الدول العربية: تسعى إيران إلى استغلال عملية إعادة إعمار الموصل بهدف توسيع نفوذ الميلشيات الشيعية في المحافظات المحررة من العراق، وهو ما برز في لقاء وزير الصناعة والمناجم والتجارة الإيراني محمد رضا نعمت زاده، في 16 يوليو 2017، بوفد عراقي في طهران، حيث أكد زاده على أن "العراق بحاجة إلى إعادة الإعمار والتطوير لا سيما في القطاعات الهندسية والبناء"، مشيرًا إلى "استعداد بلاده لدعم العراق في مجال انشاء البنية التحتية، لا سيما مد شبكات الماء والكهرباء وبناء الأرصفة البحرية والمنشآت العامة والترفيهية وغيرها".

ويعكس ذلك أيضًا تلاقي نظام الأسد مع الرغبة الإيرانية ليس في تحقيق مصالح اقتصادية فحسب، وإنما في إجراء تحولات في البنية الديموغرافية عبر توطين المقاتلين الشيعة وهدم معاقل القوى المعارضة، على نحو ما فعلته قوات الأسد في هدم المنازل في أحد أحياء دمشق القديمة، وهو بساتين الرازي، الموالي للمعارضة، لإفساح المجال أمام بناء مساكن جديدة، وأسواق، ومجمعات حكومية.

8- تضخم المؤسسات البيروقراطية المنخرطة في إعادة الإعمار: والذي يتوازى مع تداخل السلطات والجهات المشرفة عليها وتضاربها، على نحو ما تشير إليه محافظة نينوى (وعاصمتها الموصل)، إذ تتطلب خطة إعادة الإعمار وكلاء من جميع الوزارات وممثلين عن مجلس أمناء صندوق إعادة إعمار المناطق المتضررة ومحافظة نينوى والمجالس المحلية وأعضاء مجلس النواب.

9- تقاطعات إعادة الإعمار للمناطق المتنازع عليها: تبدو إعادة إعمار الموصل صعبة لأنها تتداخل مع أزمات العراق، داخليًا وإقليميًا، بحكم تداخل المدنية سكانيًا وجغرافيًا مع المناطق المتنازع عليها بين إقليم كردستان والحكومة المركزية، بما يرجح اتجاه العلاقة إلى مزيد من التعقيد، بل واحتمال الدخول في صدامات عسكرية. وقد يعيد ذلك إلى الأذهان أجواء الحرب إلى المدينة، بشكل قد يدفع الحكومة المركزية إلى تأجيل أى مسعى لإعادة إعمارها.

آليات متعددة:

إن هناك عدة آليات فيما يخص إعادة الإعمار في الدول المنهارة، تعمل على تنويع مصادر تمويل تلك العمليات، مثل البنوك المحلية التي يمكن أن تشارك في هذه العمليات رغم محدودية دورها كما يبدو في الحالة السورية وغيرها، لا سيما مع عدم تأهيل القطاع الخاص بسبب ضعف إمكاناته التقنية وسوء إدارته، وهو ما يفرض مشاركة البنوك العربية.

هذا بخلاف الدور الذي يمكن أن تقوم به الصناديق العربية المخصصة لإعادة الإعمار، مثل صندوق الائتمان لإعادة إعمار سوريا الذي أنشأته مجموعة "دول أصدقاء سوريا" عام 2013، وصندوق إعادة إعمار المناطق المتضررة من العمليات الإرهابية والذي أنشئ في العراق عام 2015.  

فضلاً عن التعويل على آلية المؤتمرات الدولية مثل مؤتمر المانحين لإعادة إعمار الموصل في الكويت المزمع انعقاده خلال المرحلة المقبلة، لإقرار سبل الدعم المالي واللوجيستي من خلال دخول شركات الدول المانحة ورغبتها في الاستثمار داخل المناطق المحررة.

ملف مضغوط:

خلاصة القول، إن عمليات إعادة الإعمار في دول الصراعات العربية ستكون شاقة وضخمة، سواء الخاصة بإصلاح الأضرار التي لحقت بالبنى التحتية والإسكان والتعليم والصحة، أو المرتبطة بإعادة تأهيل وتدريب وتوحيد قوات الشرطة والجيش، وتجاوز تعقيدات الانتقال السياسي والتصالح الوطني على نحو يجعلها بمثابة ملفًا مضغوطًا يؤثر على واقع الاستقرار في تلك الدول، والتي تتطلع إلى دخول مرحلة جديدة بدلاً من الدوران في حلقة المتاهة المستدامة.