أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • د. أحمد سيد حسين يكتب: (ما بعد "قازان": ما الذي يحتاجه "بريكس" ليصبح قوة عالمية مؤثرة؟)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)
  • أ. د. علي الدين هلال يكتب: (بين هاريس وترامب: القضايا الآسيوية الكبرى في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024)

تصويت على الدولة:

رسائل انتخابات الرئاسة المصرية 2014

04 يونيو، 2014


أصبح المشير عبدالفتاح السيسي الرئيس السابع لمصر منذ قيام ثورة 1952، وذلك عقب إعلان اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية أمس نتيجة انتخابات الرئاسة المصرية لعام 2014، حيث حصل السيسي على ما يقارب 24 مليون صوت، وبنسبة فوز كاسحة بلغت 96.91% من عدد الأصوات التي شاركت في الانتخابات الرئاسية.

لم يكن فوز السيسي مفاجئاً في كل الأحوال، لكن اللافت للنظر هو نسبة التصويت الشعبي لصالحه، في مقابل نسبة تكاد تكون صادمة، 3.9% فقط، حصل عليه منافسه حمدين صباحي، بالرغم من التقارب الشديد في أطروحات المرشحين فيما يخص قضايا الداخل التي شكلت محور هذه الانتخابات، لاسيما موقفهما من جماعة الإخوان المسلمين والإرهاب وعودة الاستقرار الأمني والعمل على تحقيق العدالة الاجتماعية واستعادة هيبة الدولة المصرية.

مغالطات انتخابية

إن أول ما يمكن استخلاصه من طبيعة سير الحملات الانتخابية والنتائج النهائية، أن فوز السيسي ليس تصويتاً بالمطلق لشخصه أو لحجم شعبيته أو لدوره في ثورة 30 يونيو 2013، بقدر ما هو تصويت على طبيعة الدولة المصرية ذاتها، فقد استشعر المصريون بعد أكثر من ثلاثة أعوام من قيام ثورة 25 يناير 2011، حاجتهم لاستعادة قوة الدولة، خاصة مع تلك الموجة الإرهابية التي تسعى لتقويض الدولة ذاتها.

ويدفع هذا الأمر إلى القول إن ثمة مغالطة سيطرت على الانتخابات الرئاسية المصرية، سواء انتخابات عام 2012 أو الانتخابات الأخيرة، وهي أن انتخابات 2012 تمثل ثورة يناير، بينما تمثل انتخابات 2014 ثورة 30 يونيو، في ربط غير مبرر بين الانتخابات والثورة، فلم تجسد جولة الإعادة في انتخابات 2012 بين المرشحين محمد مرسي وأحمد شفيق حقيقة أنها انتخابات الثورة، بدليل وقوع المصريين حينذاك بين خيارين أحلاهما مر، ثم ثبوت عدم اكتراث جماعة الإخوان بأهداف الثورة، أو حتى بالدولة المصرية، بعد وصولهم لسدة الحكم في مصر.

وينطبق الأمر نفسه على انتخابات 2014، فبالرغم من تقديم المرشح صباحي لذاته على أنه مرشح الثورتين، إلا أن المصريين صوتوا لصالح الدولة ولصالح الرجل الذي قد يمكنه تحقيق أي من أهداف هاتين الثورتين أكثر من سواه، أو أنه على أقل تقدير يمثل رمزاً لدولة المؤسسات والأكثر قدرة على إعادة الاستقرار.

وترتبط المغالطة الثانية بأن الانتخابات التي أوصلت المشير السيسي إلى الرئاسة تمت تحت حراسة القوات المسلحة المصرية، ما قد يوحي بتدخل مؤسسات الدولة لصالح وزير الدفاع السابق، بيد أن من يقولون ذلك يتعمدون إغفال حقيقة أن ستة انتخابات مختلفة منذ ثورة يناير تمت تحت حراسة القوات المسلحة، منها انتخابات رئاسة 2012 التي أوصلت مرسي إلى الحكم، والانتخابات البرلمانية التي أعطت التيار "الإسلامي" أغلبية برلمانية كبيرة.

دلالات التصويت

أما من جانب التحليل الأولي لأهم مخرجات العملية الانتخابية، فيمكن التوقف عند بعض الخلاصات المهمة، من أبرزها:ـ

1 ـ يؤكد الواقع على الأرض أن الانتخابات الرئاسية 2014 هي أول انتخابات منذ ثورة يناير تخلو من العديد من المظاهر السلبية، مثل الرشى الانتخابية وشراء الأصوات والتزوير، كما أنها تخلو من الدعاية الدينية، والاستغلال السياسي، بمعنى أنه لم يكن للمرشحين "السيسي وصباحي" ظهيراً سياسياً أو حزبياً قوياً يمكن الارتكان إليه، وهو ما يعطي مغزى أن التصويت الشعبي في هذه الانتخابات لم يكن نتاج تأثير دعائي في ظل معرفة المواطنين بكلا المرشحين، وفي ظل التخوف الذي كان قائماً من محاولة الإخوان والجماعات الإرهابية إفساد الانتخابات.

2 ـ تشير التقارير المحلية والدولية الخاصة بالرقابة على الانتخابات أنها تمتعت بالنزاهة، فلم تشهد العملية الانتخابية أي مخالفات جسيمة أو عمليات تزوير جماعي رصدها المراقبون الحقوقيون، الذين وصل عددهم نحو 15 ألف شخص، بينهم 500 مراقب دولي تقريباً، منهم نحو 150 من الاتحاد الأوروبي.

3 ـ تجسد العملية الانتخابية مدى قدرة الدولة المصرية على ضبط الأمور، خاصة حماية المواطن المصري، في اللحظات الحاسمة مثل أيام الانتخابات، وذلك مقابل ضعف التيارات الأخرى التي تعمل على هدم مقومات الدولة ومؤسساتها، فلم تستطع المزاعم السياسية لجماعة الإخوان وحلفائهم التأثير في مجريات العملية سياسياً، وكذا لم تستطع التهديدات الإرهابية إثناء المصريين عن المشاركة السياسية.

4 ـ تشير نسبة المشاركة السياسية إلى أن هناك 47.45% شاركوا في انتخابات 2014، مع ملاحظة حسمها من الجولة الأولى، فيما كانت نسبة المشاركة في الجولة الأولى لانتخابات 2012 هي 46.85% كما يوضح الجدول المرفق، ولم يتجاوز التصويت حاجز 50% في أي استفتاء أو انتخابات إلا في جولة الإعادة بين المرشحين محمد مرسي وأحمد شفيق، والتي بلغت 51.85% في ظل صراع سياسي محتدم وتعبئة شعبية من قبل التيارات الإسلامية وأنصار النظام السابق على ثورة 25 يناير.

مقارنة بين الانتخابات الرئاسية المصرية 2012 و2014

تخابات الرئاسة

عدد الناخبين المسجلين

عدد الأصوات المشاركة

نسبة المشاركة

المرشح الرئاسي

عدد الأصوات التي حصل عليها المرشح

نسبة ما حصل عليه المرشح

2014

53.909.306

25.260.190

%47.45

عبدالفتاح السيسي

23.780.104

%96.91

2012

(جولة الإعادة)

50,958,794

26,420,763

%51.85

محمد مرسي

13,230,131

%51.73

أحمد شفيق

12,347,380

%48.27

2012

(الجولة الأولى)

50,996,746

23,672,236

%46.42

محمد مرسي

5,764,952

%24.78

أحمد شفيق

5,505,327

%23.66

 

ويبقى في كل الأحوال أن مشاركة المصريين الانتخابية تفوق نظيراتها في دول ديمقراطية عتيدة مثل الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي، حيث تتراوح نسب المشاركة بين 30% و40%، وبالكاد تصل إلى ما يناهز 50% في انتخابات الرئاسة الأمريكية.

5 ـ تشير مقارنة الأصوات التي حصل عليها المشير السيسي مقارنة بأقرب الأصوات إليه، أي ما حصل عليه المرشحان مرسي وشفيق في عام 2012، إلى فارق شاسع بين المرشحين الثلاثة، فلم يحصل أي من المرشحين، مرسي وشفيق، على 6 ملايين صوت في الجولة الأولى، وحصل مرسي على 13 مليون صوت تقريباً في جولة الإعادة، مقابل 12 مليوناً و300 ألف للفريق أحمد شفيق؛ ما يعني وجود فجوة كبرى بين السيسي وسائر من ترشح سابقاً لانتخابات الرئاسة المصرية.

ولئن كان معروفاً أسباب تفوق السيسي ممثلة في استجابته لإرادة الشعب في إنهاء حكم جماعة الإخوان وفي أنه الأكثر قدرة على مواجهة ما تمر به مصر من مرحلة عصيبة الآن، إلا أن الدلالة الأقوى تبقى أن المصريين صوتوا لصالح حماية وحفظ الدولة المصرية، وأنهم باتوا على دراية بالتفريق بين مرشح وجماعة تدعي "الثورية" من أجل الأصوات الانتخابية وبين مرشح يمكنه تحقيق بعض هذه الأهداف "الثورية".

6 ـ تعتبر نتائج الانتخابات الرئاسية رسالة قوية من الشعب المصري إلى الخارج، مفادها أنه لا يمكن التأثر بمواقف أطراف أيدت ثورة يناير بينما عارضت ثورة 30 يونيو، وأن الشعب المصري هو من يحدد مصيره ومسار رؤسائه، وهو القادر على إنجاح من يشاء وإسقاط من يشاء، إذا ما انقلب على الأهداف الجمعية التي يريدها المصريون.

أخيراً، يمكن القول إن رئاسة مصر لم تعد منذ ثورة 25 يناير ترفاً أو منصباً رفيعاً فقط، بل أضحت تركة ثقيلة ومسؤولية كبرى أمام من يتولاها، وإن المشير السيسي يواجه تحديات جسيمة بعدما أعطاه الشعب المصري الشرعية والمشروعية في آن واحد، وأول هذه التحديات استعادة الاستقرار الأمني، واستكمال آخر خطوات خريطة المستقبل، أي إجراء الانتخابات التشريعية، ثم السعي لتحقيق ما أكد عليه في خطاب الفوز بأن ما حصل عليه من نتيجة مستحقة هو تضحيات قدمها الشعب على مدى ثورتين مجيدتين في 25 يناير و30 يونيو، هدفهما تحقيق العيش والكريم والحرية والكرامة الإنسانية.