أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • د. أحمد سيد حسين يكتب: (ما بعد "قازان": ما الذي يحتاجه "بريكس" ليصبح قوة عالمية مؤثرة؟)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)
  • أ. د. علي الدين هلال يكتب: (بين هاريس وترامب: القضايا الآسيوية الكبرى في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024)

الردع السريع:

رسائل نشر واشنطن غواصة نووية في الشرق الأوسط

25 أبريل، 2023


يمكن فهم الوجود الأمريكي في الشرق الأوسط من خلال إدراك المصالح الرئيسية لواشنطن في المنطقة، ولعل أبرزها الحفاظ على التدفق الحر للطاقة إلى الأسواق العالمية، ومكافحة انتشار أسلحة الدمار الشامل، والتصدي للجماعات الإرهابية، ودعم الشركاء والحلفاء الرئيسيين، بالإضافة إلى مواجهة تأثير القوى الكبرى المتنافسة معها وتحديداً الصين وروسيا. 

وفي تطور ملحوظ، أعلنت البحرية الأمريكية، في 8 إبريل 2023، أنها نشرت الغواصة الهجومية النووية "يو أس أس فلوريدا" "USS Florida" في الشرق الأوسط، وهي تستطيع حمل 154 صاروخ "كروز" للهجوم الأرضي من طراز "توماهوك". ويُعد هذا التطور بالغ الأهمية، حيث إنه عادة ما تعبر الغواصات المنطقة، لكن الجديد أن هذه الغواصة ستبقى لفترة من الزمن. وسبق نشر تلك الغواصة بأيام، إعلان وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاغون" تمديد جولة حاملة الطائرات "جورج أتش بوش" في شرق البحر المتوسط، والإسراع بنشر طائرات هجومية تابعة للقوات الجوية من طراز "A-10" في قاعدة بالشرق الأوسط، وهو ما يؤشر على تقييم واشنطن لاحتمالية تصاعد التوترات في المنطقة وضرورة استعدادها لمواجهة ذلك.

أهداف واشنطن:

تصاعدت التوترات بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية منذ انسحاب الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، من اتفاقية (5+1) مع طهران في عام 2018، وهي الاتفاقية التي نصت على تحفيف العقوبات على طهران مقابل كبح أنشطتها النووية ووضعها تحت المراقبة الشديدة. وربما وصلت جهود الإدارة الأمريكية الحالية برئاسة جو بايدن لإعادة تفعيل الاتفاق النووي، إلى طريق مسدود حتى الآن، بل وتفاقم التوتر مع طهران مع الاتهامات الغربية الموجهة لها بتزويد روسيا بطائرات مُسيرة في حرب أوكرانيا، وأيضاً مع التصعيد المتبادل بين إيران وإسرائيل خاصة بعد مقتل مستشارين عسكريين للحرس الثوري الإيراني وإصابة خمسة جنود سوريين في الأسابيع الماضية، وتعهد طهران بالانتقام من تل أبيب.

وبالتالي تسعى واشنطن من خلال إرسال الغواصة النووية "يو أس أس فلوريدا" للمنطقة، إلى تحقيق عدة أهداف، ومنها الآتي: 

1- تأمين المصالح الأمريكية بعد تزايد التوترات في الشرق الأوسط خلال الأسابيع القليلة الماضية على جبهات متعددة، بما في ذلك الضربات والضربات المضادة في سوريا، واشتباكات الجيش الإسرائيلي في فلسطين ولبنان. كما نقلت صحيفة "وول ستريت جورنال" يوم 8 إبريل الجاري عن مسؤولين أمريكيين قولهم إن لديهم معلومات استخبارية تفيد بأن إيران تخطط لمزيد من الهجمات في جميع أنحاء المنطقة على المدى القريب.

2- تعزيز الوجود الأمريكي في الإقليم بعد سلسلة الهجمات التي تعرضت لها القوات الأمريكية في سوريا، والتي أسفرت إحداها في مارس الماضي عن مقتل متعاقد أمريكي وإصابة عشرات آخرين في هجوم بطائرة مُسيّرة أطلقتها قوات موالية لإيران في سوريا، وفقاً للرواية الأمريكية. 

3- ردع إيران بعد تعرض إسرائيل لسلسلة من الهجمات من حلفاء طهران في المنطقة، بشكل لا يمكن السماح به من جانب واشنطن كتهديد مستمر لتل أبيب. فضلاً عن التهديدات الإيرانية ضد السفن التجارية الإسرائيلية في الخليج العربي وبحر العرب، وقد نصح الأسطول الأمريكي السفن الإسرائيلية بإغلاق أجهزة الإرسال والاستقبال الخاصة بها، والإبحار في أقرب مكان ممكن من ساحل عُمان وبعيداً عن الوجود الإيراني، والإبلاغ بشكل روتيني عن مكان وجودها وعن أي نشاط مشبوه. 

4- ضمان الأمن والاستقرار البحري في المنطقة، والحفاظ على استقرار أحد أكثر ممرات الشحن ازدحاماً في العالم، حيث يتم نقل ما تعادل قيمته ملايين الدولارات من البضائع التجارية والنفط والغاز يومياً. 

رسائل تحذيرية:

انطوى أيضاً إرسال الولايات المتحدة لغواصة نووية إلى الشرق الأوسط، على عدة رسائل مهمة، وهي كالتالي:

1- تأكيد أن إيران أكبر قوة مزعزعة للاستقرار في الشرق الأوسط، وذلك بإرسال الغواصة وبقائها لفترة من الوقت لتعزيز الأسطول الأمريكي الخامس الموجود بالبحرين، وهو تهديد لطهران لا يمكن تجاهله بنشر قوة نووية أخرى مهمة على مقربة من سواحلها.

2- إرسال رسالة تحذيرية قوية لطهران بالإعلان عن موقع هذه الغواصة، وهو أمر غير مُعتاد لأن الجيش الأمريكي لا يعترف عادة بوجود غواصاته في أي مكان، على عكس السفن والطائرات التي يمكن تتبعها. كما أن استخدام الغواصة النووية والحشد العسكري الأمريكي على هذا المستوى قد يُصعب عملية التفاوض مع إيران على اتفاق نووي جديد، حيث إن استخدام الغواصة أمر مهم وينطوي على رمزية خاصة من جانب واشنطن في مواجهة طهران وحلفائها.

3- طمأنة شركاء الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة بأن واشنطن لا تزال ملتزمة تجاههم، وتأكيد أنه لا يوجد بديل للوجود العسكري الأمريكي في الإقليم لمواجهة التهديدات الإيرانية، وذلك في محاولة من واشنطن لاستعادة الثقة فيها فيما يتعلق بالتزاماتها الأمنية الإقليمية، وخاصة في ظل التنافس مع الصين على النفوذ الإقليمي في الخليج. 

4- تأكيد الوجود الأمريكي في الشرق الأوسط في ظل المعادلات الجديدة التي قد تشكل نظاماً إقليمياً جديداً قد يقلل من الحاجة لوجود قوات عسكرية من خارج المنطقة، ولاسيما بعد التقارب السعودي الإيراني بوساطة الصين منذ 10 مارس 2023؛ والذي يُعد نقطة تحول جوهرية في التفاعلات الإقليمية.

5- التلويح باستخدام القوة عند الضرورة ضد أي هجمات مستقبلية ضد القوات أو المصالح الأمريكية، وأن مثل هذه التهديدات لن تمر دون عقاب، مع الإشارة إلى مفهوم ردع جديد يقوم على الانتشار السريع والحشد المكثف؛ والذي يشمل إرسال قوات عسكرية إلى المنطقة خلال ساعات ومن اتجاهات عديدة.

ختاماً، على الرغم من أن هدف الولايات المتحدة في الشرق الأوسط هو خفض التصعيد والحفاظ على الاستقرار في المنطقة لتأمين مصالحها، فإنها ترى أن إيران والقوات الموالية لها قامت بتصعيد مقصود ضد المواقع الأمريكية في سوريا، لذا قامت بحشد الغواصات والطائرات كرسالة تهديد واضحة لإيران. وبشكل عام، فإن إرسال مثل هذه الغواصة النووية وغيره من مظاهر الحشد العسكري الأمريكي في المنطقة، ربما يؤشر على تزايد الاحتقان بها خلال الفترة المقبلة.