يواجه الاقتصاد الإيراني احتمالات انهيار حقيقية، وذلك بعد أن دخلت العقوبات المفروضة عليه من قبل الولايات المتحدة، عقب إلغائها الاتفاق النووي، حيز التنفيذ حتى قبل موعدها المقرر في 4 نوفمبر المقبل. فالدول الآسيوية، المستورد الرئيس للنفط والغاز لإيرانيين، بدأت في تقليص وارداتها منهما، حيث أعلنت اليابان عن تعليق هذه الواردات اعتباراً من منتصف أكتوبر المقبل، على أن توقف شركاتها عقد صفقات جديدة بدءاً من منتصف أغسطس، فيما طلبت كل من الصين والهند من الشركات المستوردة للنفط الإيراني إيجاد بديل لتجنب رد الفعل الأميركي.
أما في أوروبا، وبرغم الموقف الأوروبي الرسمي المؤيد للاتفاق النووي، فقد أعلن بنك الاستثمار الأوروبي عن تعليق أنشطته في إيران، بينما أعلنت العديد من الشركات الأوروبية وقف أعمالها في إيران، بما في ذلك العاملة منها في مجال النفط والغاز، ناهيك عن بقية دول العالم التي ستحذو حذو هذه الشركات التزاماً بالعقوبات الأميركية التي لا يمكن مقاومتها.
هذا المأزق الكبير، والذي سيؤدي حتماً إلى انهيار اقتصادي بسبب ثقل هذه العقوبات، والتي تمس أهم مصدر للدخل في إيران وأهم قطاعاتها الاقتصادية، وهو قطاع النفط والغاز، يتعامل معها نظام الملالي في طهران بنفس أسلوبه أثناء المقاطعة في ظل إدارة أوباما، ودون الأخذ بعين الاعتبار تغير المواقف وموازين القوة بين مختلف الأطراف، حيث يعمل النظام الإيراني باتجاهين فاشلين، يكمن الأول في تهديد الطرف الأوروبي بأن إيران سوف تنسحب من الاتفاق النووي إذا لم تقدم لها أوروبا حزمة اقتصادية متكاملة لإنقاذ اقتصادها، لكن هذا التهديد لا يعني شيئاً؛ فالاتحاد الأوروبي لا يستطيع -حتى لو أراد- مساعدة إيران على مواجهة العقوبات الأميركية، بسبب حجم مصالحه الهائل مع الولايات المتحدة واعتماده شبه التام على النظام المالي العالمي الذي تقوده وتهيمن عليه واشنطن، وبالتالي، فهذه التهديدات الفارغة لن تأتي بنتيجة تذكر.
التوجه الآخر هو عكس ذلك تماماً، ويعبر عن الخنوع الإيراني، حيث طلب وزير النفط الإيراني بيغن زينغنة من منظمة «أوبك» دعم بلاده في مواجهة العقوبات الأميركية، وفق وكالة «رويتر»، ما يعني مطالبة أعضاء «أوبك» بعدم زيادة الإنتاج، مما قد يضر بالاستقرار الاقتصادي والنمو العالمي، خصوصاً وأن رئيس شركة «روسنفت» الروسية قال إن انسحاب أميركا من اتفاق إيران قد يضر 5% من الإنتاج العالمي.
لكن محاولة الاستجداء تلك لن تجدي نفعاً، فدول «أوبك»، بالإضافة لروسيا، لديها التزام حقيقي تجاه الاستقرار الاقتصادي العالمي، ولا يمكنها التضحية بهذا الاستقرار، والذي يشمل بلدانها، في سبيل نظام كهنوتي مغامر ومتطرف، بدليل زيادة الإنتاج من داخل وخارج «أوبك» لتلبية الطلب العالمي وتلافي وجود أي نقص في الإمدادات.
زمن أوباما انتهى دون رجعة، و150 مليار دولار التي أفرج عنها لإيران تبخرت في أروقة فساد السلطة، كما أن التسهيلات التي قدمت لها ضمن النظام المالي العالمي آنذاك سيتم وقفها.. مما يعني أن الخيارات أمام نظام الملالي محدودة للغاية، وتتجسد في خيارين لا ثالث لهما؛ فإما العناد والتقوقع، وهو ما يعني انهياراً مؤكداً ليس للاقتصاد فحسب، وإنما للنظام ككل في إيران، أما الخيار الآخر، فهو الاستجابة للشروط الـ12 التي أعلنها وزير الخارجية الأميركي بومبيو، والتي تعني الخضوع التام للأعراف والقوانين الدولية والركوع أمام سيد البيت الأبيض، بما في ذلك وقف دعم الإرهاب والتدخل في شؤون الآخرين والانسحاب من سوريا واليمن والعراق ولبنان، أي إنهاء المشروع الطائفي الذي اتبعته إيران على مدى أربعين عاماً وأثبت فشله، مما سيؤدي إلى أن يطالب الشعب الإيراني بمحاسبة المسؤولين عن ضياع ثروة الشعب وتبديدها على الإرهاب والتدخل دون عائد.
باختصار إيران تضيع البوصلة، فالبحث عن حلول في عواصم العالم لا جدوى منه، والحل عند ترامب، فتجربة حليفها القطري بينت أن التنقل بين عواصم العالم لا يقدم حلولًا، فالحل في الحالة القطرية في الرياض، وفي الحالة الإيرانية في واشنطن.
*نقلا عن صحيفة الاتحاد