أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

أدوار متباينة:

كيف أثرت وسائل التواصل الاجتماعي على نتائج الانتخابات التركية؟

27 يونيو، 2018


اكتسبت الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي أجريت في تركيا في 24 يونيو الجاري أهميتها من كونها جاءت عقب إقرار النظام الرئاسي الجديد في البلاد. وقد طرحت نتائج هذين الاستحقاقين دلالات عديدة ترتبط بالمسارات المحتملة لتوازنات القوى السياسية الداخلية خلال المرحلة القادمة. وتمثلت أبرز تلك الدلالات في تصاعد تأثير وسائل التواصل الاجتماعي، التي استخدمت في الترويج لبرامج المرشحين والقوى السياسية التي تنافست في الانتخابات، وكان لها دور بارز في النتائج التي حققتها تلك القوى خلال هذه الانتخابات، على نحو قد يحولها إلى محور رئيسي للتفاعلات التي سوف تجري بينها خلال المرحلة القادمة.

توظيف مبكر:

منذ الإعلان عن إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية مبكرة، شهدت وسائل التواصل الاجتماعي، لا سيما موقع "فيس بوك" الأكثر شعبية في تركيا، حسب العديد من التقارير، حضورًا نشطًا للقوى السياسية التركية، خاصة حديث النشأة منها، اعتمادًا على انتشار هذه المواقع، وحرص مستخدموها على ارتيادها رغم القيود العديدة التي تفرضها الحكومة، والتغلب عليها بتقنيات حديثة يمكنها فتح هذه المواقع، مثل تطبيق "VPN" البالغ سعر بعض نسخه 115 دولار على تطبيق "Google Play".

وقد تنوعت أنماط توظيف المرشحين والأحزاب وكذلك مؤيديهم لمواقع التواصل الاجتماعي، في الدعاية الانتخابية، وهو ما يمكن رصده على النحو التالي:

1- الاعتماد علي انتقاد الخصوم: استخدم حزب "إيي" (حزب الخير) الذي أسسته الوزيرة السابقة والمرشحة الرئاسية ميرال أكشينار، في أكتوبر 2017، مواقع التواصل الاجتماعي بكثافة، وبصفة خاصة موقع "فيس بوك"، للترويج لبرنامجه وتوجهاته، وذلك من خلال صفحة رسمية وحسابات لأعضائه ومؤيديه، إلى جانب إعلانات مدفوعة الأجر، ليس فقط على هذه المواقع وإنما أيضًا على العديد من المواقع الإلكترونية.

واللافت أن الحزب الجديد لم يعتمد في دعايته الانتخابية على الترويج لأفكاره وبرنامجه الانتخابي فحسب، وإنما ركز أيضًا على انتقاد الرئيس أردوغان وتحالفه الحزبي. وعلى سبيل المثال، روج الحزب لإعلان عن أن السياحة يمكن أن تشهد انتعاشًا إذا لم يفز أردوغان بفترة رئاسة جديدة، حيث سيتم، وفقًا له، الاستفادة من عدد الغرف الهائل في القصر الرئاسي الذي يقطنه حاليًا، والبالغة 1100 غرفة. كما حملت دعايا الحزب إشارات إلى المواقع الإلكترونية المحظورة في البلاد، مؤكدًا أن تكلفة الحصول على تطبيقات لفتحها ستنتهي، حسب بياناته، إذا ما فازت زعيمة الحزب.

2- محاولة كسب التعاطف: وظَّف حزب "الشعوب الديمقراطي" الكردي المعارض، على سبيل المثال، الحملة العسكرية التي شنتها تركيا على مدينة عفرين السورية وموقف الحكومة من الأكراد بشكل عام، فضلاً عن الإجراءات التي اتخذت ضد مرشحه للانتخابات الرئاسية صلاح الدين ديمرتاش، في مساعيه لاستقطاب مؤيدين وحشد متعاطفين من غير الأكراد، لا سيما مع إعلان ديمرتاش الترشح للرئاسة من محبسه، والاستعانة بمساعديه ومحاميه في نشر أفكاره وتصريحاته على حساباته الخاصة على مواقع "تويتر" و"فيس بوك" و"انستجرام"، حيث استطاع أن يتواجد مع مؤيديه عن طريق تقنية الفيديو، وتحت عنوان هاشتاج "#اسأل ديمرتاش". وقد حصل الـ "live Video" على نسبة مشاهدة عالية على موقعى "فيس بوك" و"انستجرام" أثناء بثه، كما أثار الحزب اهتمام المتابعين للانتخابات في ظل ترشح زعيمه للرئاسة وإلقائه خطاب الترشح من محبسه.

3- التركيز على أخطاء المنافسين: تلقفت الصفحات والحسابات المؤيدة للرئيس أردوغان داخل وخارج تركيا، التصريحات المثيرة للجدل لمرشحي الرئاسة، وركزت على توجيه انتقادات قوية لها والسخرية منها، لا سيما تلك التي صدرت عن أقرب المنافسين المرشح محرم إينجه، وبصفة خاصة ذلك التصريح الذي قال فيه "أنه منذ 15 عامًا يصلي الجمعة كل يوم".

انعكاسات مختلفة:

انعكس توظيف مواقع التواصل الاجتماعي من قبل القوى السياسية والمرشحين للانتخابات الرئاسية والبرلمانية التركية بشكل متفاوت، فيما ظهر تأثير هذا التوظيف في الانتخابات البرلمانية بدرجة أكبر مقارنة بالرئاسية.

فعلى صعيد الانتخابات الرئاسية، ورغم حرص مرشحي الرئاسة كافة على التواجد إلكترونيًا من خلال صفحاتهم الرسمية وعبر مؤيديهم، لمخاطبة الناخبين، فإن ثمة نتائج هامشية حصدها المرشحون من تكثيف اهتمام حملاتهم الانتخابية بوسائل التواصل الاجتماعي، لا سيما إذا ما قورنت نتائج الانتخابات الأخيرة مع تلك التي أسفرت عنها الانتخابات السابقة. إذ احتفظ الرئيس أردوغان بمنصبه، وذلك بفوزه بنسبة 52.5% من إجمالي الأصوات، وبفارق أقل من 1% عن نسبة فوزه في انتخابات عام 2014 التي بلغت 53.2%، بينما لم يستطع المرشح اليساري محرم إينجه أن ينافس بالقوة التي توقعها المحللون، حيث لم يحصل سوى علي نسبة 30.7%، فيما حصل المرشح الكردي صلاح الدين ديمرتاش على نسبة 8.3%، في الوقت الذي جاءت فيه نسبة التصويت للنائبة القومية ميرال أكشينار دون التوقعات بحصولها على 7.3%، بعد أن ساد لقبها "المرأة الحديدية" إعلانات ودعاية حزبها.

أما علي مستوى الانتخابات البرلمانية؛ فقد حقق حزب "إيي" حديث النشأة نجاحًا لافتًا، حيث استطاع دخول البرلمان بـ44 مقعد، وتجاوز نسبة الـ10%، بعد أن تمكن من الانتشار سريعًا، لا سيما بين فئة الشباب، وذلك خلال أقل من عام على تأسيسه. ويمكن القول أن ترشح زعيمته للرئاسة دعم من انتشار الحزب رغم عدم تحقيقها نتيجة بارزة في انتخابات الرئاسة.

وساهمت الدعايا التي صاحبت إعلان صلاح الدين ديمرتاش ترشحه للرئاسة من محبسه في زيادة شعبية حزب "الشعوب الديمقراطي" الكردي، إلى جانب توظيفه الناجح لقضية اعتقال أعضائه ورئيسه على خلفية تهم مختلفة تتصل بالإرهاب، حيث استطاع الحزب الحصول على 67 مقعدًا، وذلك بنسبة أصوات بلغت 11.6%.

يأتي ذلك في الوقت الذي خسر فيه حزب "العدالة والتنمية" ما يقرب من 7% من أصواته بالمقارنة بالانتخابات البرلمانية الماضية، رغم الجهود الحثيثة التي بذلتها وسائل الإعلام التقليدية في الدعاية الانتخابية للحزب الذي يسيطر علي أغلبها.

وفي النهاية، يمكن القول إن التوظيف الذي شهدته الاستحقاقات الانتخابية التركية الأخيرة لمواقع التواصل الاجتماعي إنما يعد امتدادًا لدورها الذي باتت تمارسه على الساحتين الدولية والإقليمية في التأثير على الانتخابات، وذلك رغم القيود التي تتعرض لها هذه المواقع داخل تركيا، وهو الأمر الذي يشير إلى أن القوى السياسية التركية ستعمل، في الغالب، خلال الفترة القادمة على زيادة مساحات تواجدها على هذه المواقع، لا سيما قوى المعارضة التي لا تجد مساحات للرأى في الإعلام الرسمي والخاص المسيطر عليه أيضًا من قبل الحكومة.