أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يصدر العدد الثاني من مجلة "اتجاهات آسيوية"
  • أ. د. نيفين مسعد تكتب: (عام على "طوفان الأقصى".. ما تغيّر وما لم يتغيّر)
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (بين موسكو والغرب: مستقبل جورجيا بعد فوز الحزب الحاكم في الانتخابات البرلمانية)
  • د. أيمن سمير يكتب: (هندسة الرد: عشر رسائل للهجوم الإسرائيلي على إيران)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (من المال إلى القوة الناعمة: الاتجاهات الجديدة للسياسة الصينية تجاه إفريقيا)

تقييم تجربة أسعار المحروقات

21 يونيو، 2018


اتخذت دول مجلس التعاون الخليجي في السنوات القليلة الماضية العديد من القرارات التي جاءت ضمن إصلاحات اقتصادية ومالية مهمة للغاية، حيث تفاوتت الآراء حولها وحول تأثيراتها الاقتصادية والاجتماعية والمستقبلية، إلا أن عملية تقييمها من وجهة نظر مهنية بعيداً عن الاتفاق معها من عدمه مسألة ضرورية لتعميق المكاسب والتقليل من الانعكاسات غير المرغوبة.

ولنأخذ على سبيل المثال أحد أهم هذه الإجراءات الخاصة برفع أسعار المحروقات وتقييمه من الجوانب الاقتصادية والبيئية، فالبيانات المتوفرة عن استهلاك البنزين في السعودية، على سبيل المثال، تشير إلى أن حجم الطلب على البنزين انخفض في الربع الأول من العام الجاري بنسبة 7% ليصل إلى 549 ألف برميل يومياً، مقابل 590 ألف برميل خلال نفس الفترة من العام الماضي، علماً بأن المملكة ضاعفت أسعار المحروقات ابتدء من شهر يناير الماضي. ومع أن سعر البنزين يبلغ 2.04 ريال للتر حالياً، فإنه لا زال يعتبر واحداً من أرخص الأسعار في العالم، حيث يأتي في المرتبة الخامسة بعد الكويت التي تحتل المرتبة الرابعة في ترتيب الدول الأرخص في أسعار البنزين. يشير ذلك بوضوح إلى أنه كانت هناك مبالغة كبيرة في استهلاك الوقود وإهداره من قبل المستهلكين والناجم عن تدني الأسعار بسبب الدعم، والذي يكلف خزائن دول المجلس مليارات الدولارات سنوياً، إذ إن الطلب انخفض رغم التوسع الاقتصادي، والذي يؤدي عادة إلى ارتفاع الطلب على المحروقات، مما يعني أن نسبة الانخفاض الحقيقية أعلى من تلك النسبة المعلنة.

وبالإضافة إلى تقليل الدعم والعمل على تقليصه لحده الأدنى، فإن هذا التوجه الصحيح وفّر دعماً إضافياً لموازنات الدول السنوية، وأدى إلى تخفيض العجز وتقليل الاعتماد على عائدات النفط في تمويل الموازنة وقلص استهلاك مئات الآلاف من البراميل يومياً والتي تم تصديرها للخارج، مما وفر بدوره عائدات إضافية للدولة وساهم في تدعيم الميزان التجاري وميزان المدفوعات.

وفي جانب مهم، فقد ساعد ذلك في تقليل حجم الغازات المنبعثة من عملية استهلاك الوقود، وبالتالي تقليل التلوث وتحسين البيئة المحيطة. أما في الجانب الاجتماعي والمعيشي، فقد تم تعويض بعض الفئات الاجتماعية الأقل قدرة على تحمل رفع الأسعار، وما ينطبق على المملكة ينطبق أيضاً على بقية دول المجلس، التي قامت برفع أسعار المحروقات، والتي تشملها أيضاً الجوانب الإيجابية لعملية زيادة الأسعار، علماً بأنه حدثت بعض التغيرات الاقتصادية التي ساهمت في الحد من نسب التضخم الناجم عن رفع أسعار المحروقات. هذه التطورات الإيجابية بمعانيها الاقتصادية والبيئية لا بد من المحافظة عليها وتعزيزها بربط أسعار الوقود بأسعاره في الأسواق الدولية والإعلان عن هذه الأسعار شهرياً وفقاً لتغيرات السعر في الأسواق الدولية، مثلما تعمل دولة الإمارات بآلية حديثة ومنسقة.

وفي الجانب الاجتماعي والتوعوي، هناك مخاوف من أن يعتاد المستهلكون على الأسعار الجديدة لتبدأ من جديد العودة إلى نمط الاستهلاك السابق المبالغ فيه، والذي لا يعبر بالضرورة عن حاجات يومية تتعلق بالنقل والاحتياجات الأساسية، مما سيعيد الأمور إلى المربع الأول، خصوصاً وأن هناك ارتفاعاً في مستويات المعيشة من خلال زيادة الأجور والإعانات المقدمة، مما يتطلب العمل على توضيح أهمية الجوانب الاقتصادية والبيئية الناجمة عن زيادة الاستهلاك، والتي لا تقتصر على قدرة الأفراد المادية، وإنما على تأثيراتها على أوضاع المالية العامة للدولة المعنية، والتي تمس كافة أفراد المجتمع، وذلك إلى جانب المحافظة على البيئة والموارد ضمن التوجهات الخاصة بالتنمية المستدامة، وهي مسألة ضرورية للتنبيه إليها والالتزام بها من قبل أفراد المجتمع.

*نقلا عن صحيفة الاتحاد