أخبار المركز
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)

نفوذ متنامٍ:

أي مُستقبل للدور الصيني في آسيا الوسطى؟

24 أبريل، 2024


في إطار مساعي الصين لتوسيع حضورها ونفوذها الأمني والعسكري في منطقة آسيا الوسطى، وقّعت مع أوزبكستان في أوائل إبريل 2024، اتفاقية تعاون أمني مُعزّزة تغطي الفترة من 2024 إلى 2025، وذلك خلال اجتماع وزير الأمن العام الصيني، وانغ شياو هونغ، مع كل من الرئيس الأوزبكي شوكت ميرزيوييف، ووزير الداخلية بولات بوبوجونوف، في طشقند.

وقد فسّر البعض تلك الاتفاقية في ضوء تصاعد التنافس الدولي والإقليمي على منطقة آسيا الوسطى خلال الفترة الأخيرة، ولاسيما وأنها تأتي بالتزامن مع العديد من التحركات الدولية والإقليمية داخل المنطقة، فضلاً عن تزايد التحركات الصينية في المنطقة لاستغلال إمكانات وفرص التعاون، فقد شهد نفوذ الصين بين دول آسيا الوسطى ارتفاعاً مُطّرداً، في أعقاب انشغال موسكو بالحرب الأوكرانية؛ مما أثار التساؤلات حول مستقبل الوجود الصيني في آسيا الوسطى في السنوات المُقبلة.

أبعاد التوقيت: 

تزامنت الاتفاقية الأمنية بين بكين وطشقند، مع العديد من الأبعاد المُرتبطة باتجاهات التنافس على آسيا الوسطى، والتي تتجلى أبرزها فيما يلي:

1- نشاط أمريكي وأوروبي: لطالما سعت واشنطن للتعاون مع دول آسيا الوسطى في مجالات الطاقة والأمن والاقتصاد والبيئة؛ إذ ترى واشنطن أن التكامل الإقليمي والاتصال العالمي؛ هو السبيل لتخفيف قبضة روسيا والصين على تلك الدول؛ لذلك اختارت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية منطقة آسيا الوسطى؛ لتكون مكان إطلاق الاحتفال بيوم المياه العالمي في مارس 2024، فضلاً عن محاولات واشنطن الحثيثة لإقناع تلك الدول بالانضمام للعقوبات الغربية ضد روسيا؛ بما سيفتح جبهة جديدة ضد روسيا، فقد عرض وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، مساعدة الجمهوريات السوفيتية السابقة في آسيا الوسطى؛ لتقليص اعتمادها على روسيا.

في الوقت ذاته، يعمل الاتحاد الأوروبي على تعزيز نفوذه بآسيا الوسطى، ولم تتمثل تحركاته في هذا المجال، فقط في عقد "المنتدى العالمي لمستثمري البوابة العالمية للاتحاد الأوروبي وآسيا الوسطى" ببروكسل في يناير 2024، بل أيضاً تمثلت في تطوير استراتيجية أوروبية تجاه آسيا الوسطى؛ إذ دعا البرلمان الأوروبي، في تقرير له، إلى تطوير استراتيجية التعاون مع دول آسيا الوسطى؛ لتحقيق أقصى استفادة منها في ظل التغيرات الجيوسياسية بالمنطقة بعد الحرب الروسية الأوكرانية. 

2- مساعٍ صينية: تسعى بكين لفرض نفوذها في آسيا الوسطى من خلال الضغط على دول المنطقة؛ لتحقيق التعاون بينهما في كافة المجالات، وذلك من خلال مأسسة العلاقات بينهما، فقد أطلقت الصين ودول آسيا الوسطى الخمس، أمانة آلية تعاون بينهما، في نهاية مارس 2024، والتي أكد وزير الخارجية الصيني وانغ يي، أنها جاءت من أجل إظهار التصميم القوي للدول الست للعمل معاً من أجل التنمية والتعاون في كل القطاعات أمام المجتمع الدولي، ومن بين تلك القطاعات القطاع العسكري والأمني؛ ويشمل ذلك توفير تقنيات المراقبة المتقدمة، والمساعدات العسكرية، والتعاون في التدريب العسكري المهني؛ إذ تستثمر الصين في بناء قدرات القوات العسكرية في آسيا الوسطى على المدى الطويل من خلال برامج التعليم العسكري، واقتصادياً تسعى بكين؛ للاستفادة من التعاون مع آسيا الوسطى في كافة النواحي الاقتصادية؛ إذ تخطط لبناء ميناء للسكك الحديدية مع قرغيزستان؛ ليكون نقطة رئيسية في إقامة العلاقات بين الصين وآسيا الوسطى وأوروبا.

ومن جهة أخرى، نمت التجارة بين بكين ودول آسيا الوسطى إلى 89 مليار دولار في عام 2023، بزيادة قدرها نحو 27% عن العام السابق له، وذلك لصالح بكين؛ إذ إن هناك أكثر من 60 مليار دولار تمثل الصادرات الصينية للمنطقة. 

3- اهتمام تركي: خلال الفترة الأخيرة، أولت أنقرة اهتماماً كبيراً بمصالحها في آسيا الوسطى، ولاسيما فيما يخص تحسين الأمن القومي وتعزيز أمن الحدود، وقد تجلت أبرز ملامح الانخراط التركي في منطقة آسيا الوسطى، في مساعي أنقرة في يناير 2024، لأداء دور الوساطة بين قرغيزستان وطاجيكستان لإنجاح اتفاق الحدود بينهما، هذا ولم تغفل أنقرة مصالحها الاقتصادية في آسيا الوسطي، وأبرزها الممر الأوسط؛ الذي لطالما لوّحت بفوائده على آسيا الوسطى والقوقاز ولدول الشرق الأوسط. 

دلالات مُتشابكة: 

تحمل التحركات الصينية؛ لتعزيز النفوذ الأمني والعسكري في آسيا الوسطى العديد من الدلالات المتشابكة، والتي يمكن تناول أبرزها فيما يلي:

1- مُنافسة الصين للنفوذ الأمريكي في آسيا الوسطى: تُفسر التحركات الصينية الأخيرة في آسيا الوسطى، رغبة بكين في منافسة النفوذ الأمريكي في منطقة آسيا الوسطى، خاصة في ظل سعي واشنطن إلى ترسيخ هذا النفوذ. وفي هذا السياق، يمكن الإشارة إلى عقد الرئيس الأمريكي جو بايدن، في 18 سبتمبر 2023، قمّة هي الأولى من نوعها، مع رؤساء دول آسيا الوسطى الخمس (كازاخستان، وقرغيزستان، وطاجيكستان، وتركمانستان، وأوزبكستان)، على هامش اجتماعات الدورة الثامنة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك، وذلك في إطار مجموعة الحوار C5+1))، والتي تم الاتفاق خلالها على تعزيز العلاقات بين الولايات المتحدة من جانب، ودول آسيا الوسطى من جانب آخر. 

وجدير بالذكر أن الصين قد تقدمت على الولايات المتحدة الأمريكية دبلوماسياً، في عدد من المناطق ومنها آسيا الوسطى وإفريقيا وشرق آسيا ودول جزر المحيط الهادئ، وهو ما كشف عنه تقرير "مؤشر الدبلوماسية العالمية لسنة 2024" الصادر عن معهد "Lowy Institute".

2- امتداد للقمة الصينية السابقة: من المحتمل أن تكون الاتفاقية الأمنية بين بكين وطشقند، هي امتداد للقمة الصينية السابقة مع دول آسيا الوسطى، والتي انعقدت في مايو 2023؛ إذ أكد خلالها الرئيس الصيني شي جين بينغ، استعداد بلاده لمساعدة تلك الدول على بناء قدرات دفاعية؛ بهدف تعزيز اتفاقات الاستثمار بينهما، ولاسيما وأن تلك الاتفاقات تزامنت مع إطلاق أمانة آلية التعاون بين الصين وآسيا الوسطى، والتي تُعد أحد البنود التي تم الاتفاق عليها في القمة أيضاً.

3- استغلال الانشغال الروسي: شهد العامان الماضيان، تراجعاً في النفوذ الروسي في منطقة آسيا الوسطى؛ إذ قرر ممثلون عن أركان القيادة العملياتية لخمس وزارات دفاع في دول جنوب القوقاز وآسيا الوسطى إجراء مناورات "الوحدة-2024" في يوليو 2024 في منشأة تدريب أويماشا في كازاخستان، دون مشاركة روسيا، وذلك لأول مرة، الأمر الذي فسّره البعض بأنه دليل على أن آسيا الوسطى لم تعد الفناء الخلفي لروسيا؛ كما كان يطلقون عليها سابقاً، ويُفسر ذلك بالانشغال الروسي بالحرب في أوكرانيا.

سيناريوهات مُستقبلية: 

تشهد آسيا الوسطى زخماً واسعاً للتنافس على تعزيز النفوذ بالمنطقة، ويمكن تناول أبرز السيناريوهات المستقبلية لذلك التنافس، كما يلي: 

1- السيناريو الأول: تعزيز النفوذ الصيني: يرجّح هذا السيناريو، أن يتصاعد نفوذ الصين داخل آسيا الوسطى، ولاسيما وسط انشغال موسكو بحربها في كييف، وانشغال الغرب والشرق الأوسط بحرب غزة، وقد يعزز ذلك السيناريو أن دول آسيا الوسطى تعاني -وفقاً لتوقعات صندوق النقد الدولي في إبريل 2024- ارتفاع حالة عدم اليقين والمخاطر الاقتصادية؛ لذلك تستثمر الصين في تعزيز اقتصادات تلك الدول من خلال مشروعات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح خاصة في كازاخستان وأوزبكستان، كما تتمتع الصين بإمكانات كبيرة للتعاون مع آسيا الوسطى، وذلك وفقاً لتصريحات نيكولاي بودجوزوف، رئيس مجلس إدارة بنك التنمية الأوراسي؛ الذي يسعى بالفعل إلى التعاون مع المؤسسات المالية في الصين.

2- السيناريو الثاني: توتر المنطقة: يتوقع هذا السيناريو، أن تتصاعد حدّة التنافس بين الأطراف الفاعلة في آسيا الوسطى؛ بما قد يفرز توتر المنطقة، ومن أبرز مؤشرات ذلك التوتر، احتمالات حدوث أزمة بين موسكو وبكين؛ إذ ترجح بعض التقديرات أن آسيا الوسطى يمكن أن تكتب الفصل الأخير في كتاب التحالف الروسي الصيني، ولاسيما بعد تقليص الصين لصادراتها إلى روسيا بنسبة 16% في مارس 2024 في أول تراجع على أساس سنوي منذ منتصف 2022 بعد التلويح الأمريكي بالعقوبات، كما أن الصين ما زالت مترددة في بناء خط أنابيب غاز جديد من روسيا، بسبب استمرار اعتمادها على غاز آسيا الوسطى، وتطلعها لزيادته.

3- السيناريو الثالث: الإبقاء على سياسة التوازن: يرى هذا السيناريو أن تبقي دول منطقة آسيا الوسطى على سياسة التوازن والحياد، التي طالما انتهجتها لتعزيز الاستقرار والأمن؛ بما يحقق توازناً جديداً في المنطقة خلال الفترة المقبلة، ولاسيما وأن توقيع الاتفاق الأمني بين الصين وأوزبكستان، قد تزامن مع قيام خبراء في حلف شمال الأطلسي بإجراء دورات تدريب للجيش الأوزبكي، بما يُشير لسياسات التوازن التي تسير عليها أوزبكستان، وذلك لشعور بلدان المنطقة بقلق بالغ إزاء زعزعة الاستقرار في المنطقة، وخاصة في أفغانستان، وهناك مخاوف من أن تؤدي الجماعات المسلحة التي تركزت مؤخراً في شمال أفغانستان إلى تقويض الأمن والاستقرار في طاجيكستان وأوزبكستان.

وفي التقدير، يمكن القول إنه في ضوء معطيات الموقف الراهن للتنافس الدولي والإقليمي على تعزيز النفوذ في منطقة آسيا الوسطى، فمن المرجح أن تشهد الفترة المقبلة، محاولات صينية حثيثة لتعزيز النفوذ داخل تلك المنطقة، وهو ما قد يفضي إلى خلاف مُحتمل بين بكين وموسكو، والتي ترى أن هذه المنطقة هي منطقة نفوذ تقليدية بالنسبة لها، نظراً لما يربطها بها من صلات تاريخية وجغرافية وديمغرافية وأمنية وغيرها، كما أن الولايات المتحدة والدول الأوروبية لن تتخلى عن مصالحها المتنامية في تلك المنطقة.