أخبار المركز
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)

تعزيز الفرص:

هل اقترب ترامب من العودة للبيت الأبيض؟

14 فبراير، 2024


أعلن حاكم ولاية فلوريدا والمرشح الجمهوري رون ديسانتيس، في 21 يناير 2024، انسحابه من سباق الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2024، مُعلناً تأييده الكامل للرئيس السابق دونالد ترامب، إذ قال: "ترامب أفضل من الرئيس الحالي المنتهية ولايته جو بايدن، ويحظى بتأييدي لأنه لا يمكننا العودة إلى الحرس الجمهوري القديم أو إلى ما تمثله نيكي هيلي من استعادة للنزعة النقابوية (التشاركية)". 

إخفاقات مُتعددة:

1. خسارة مدويّة في ولاية أيوا: كان من المفترض أن تكون ولاية أيوا إحدى الولايات المحسومة لصالح ديسانتيس انتخابياً، ويرجع ذلك إلى أنه نقل حملته الانتخابية إلى تلك الولاية في أواخر العام الماضي، والتي شهدت على وجه خاص إنفاقاً بعشرات الملايين من الدولارات. ومع ذلك، خسر ديسانتيس أمام الرئيس السابق دونالد ترامب بفارق 30 نقطة مئوية، فبينما فاز ترامب بنسبة 51% من إجمالي الأصوات، حصل ديسانتيس على 21% فقط. هذه الخسارة صعبت الاستمرار في الحملة، ولاسيما وأن نتيجة ولاية أيوا لم تكن الوحيدة المخيبة للآمال، فقد أُضيف إليها أرقام استطلاعات الرأي المتدنية في ولايتيْ نيو هامبشاير وساوث كارولينا.

2. تقديم نفسه كبديل لترامب: كان ينبغي على حملة ديسانتيس أن تقدم مرشحها على أنه مرشح يشبه ترامب، ولكنه أفضل منه في جوانب أخرى، فبدلاً من مجرد محاولة تقليد ترامب، كان عليها إضافة جديد، وطرح رؤية أكثر قوة وزخماً تتعلق بمستقبل الجمهوريين، إلا أنه على أرض الواقع، ظهر ديسانتيس بمظهر متواضع، وفي أفضل حالاته كان يشبه ترامب، بل وأقل منه من حيث جذب اهتمام الناخبين، فقد بدا سياسياً صغيراً ذكياً، ولكنه في الوقت ذاته انطوائي. وبوجه عام، لم يلق ديسانتيس قبولاً واسعاً لدى الجمهوريين الذين رفع بعضهم لافتات ساخرة تقول: "رون كن أكثر قبولاً"، في إشارة إلى افتقاده إلى "الكاريزما" وروح الدعابة، التي يتمتع بها الرئيس السابق دونالد ترامب.

3. تبرعات مُهدرة: جمع ديسانتيس 20,1 مليون دولار بين منتصف مايو ونهاية يونيو، متقدماً على حملة ترامب، والتي جمعت 17.7 مليون دولار في الفترة من إبريل حتى يونيو 2023، ومع ذلك، أنفقت حملة ديسانتيس في الأسابيع الستة الأولى 7,9 مليون دولار، مما يعني أنها أهدرت مبالغ طائلة من المال بشكل سريع ودون أي تخطيط، إلى جانب أن المانحين الكبار قدموا له الحد الأقصى القانوني للتبرعات خلال الأسابيع الأولى من حملته، ومن ثم، لا يمكن أن يتبرعوا مرة أخرى. وعلاوة على ذلك، تفيد التقديرات بأن ديسانتيس أنفق حوالي 40% مما جمعه على دفع رواتب الموظفين العاملين في الحملة، وهو عدد هائل من الموظفين، لا يمكن أن يُقارن بفريق ترامب الذي يتألف من 40 شخصاً فقط. 

4. معارك داخلية داخل الحملة: واجهت حملة ديسانتيس مشكلات تنظيمية لا بأس بها، فقد اختار مجموعة من المتخصصين في الحملات الانتخابية، تمثلت في لجنة العمل السياسي الكبرى ومجموعة أخرى من المحاميين المقربين الذين ركزوا فقط على جمع الأموال من مصادر عدة، وعلى الرغم من محاولة الفريقين العمل ككيان واحد، فإنهما فشلا في التنسيق بشأن معدلات الإنفاق، وما زاد الأمور تعقيداً هو استقالة جيف رو، كبير مستشاري لجنة العمل السياسي الكبرى في ديسمبر 2023، وما تبعها من طرد ثلاثة مسؤولين كبار قريبين من رو، في خطوة أربكت تحركات الحملة.

وبشكل عام، أصبحت الحملة هيكلاً مُضطرباً سمح للأشخاص المُقرّبين من ديسانتيس بتغيير القرارات الاستراتيجية الرئيسة للجنة العمل السياسي الكبرى، وهي اللجنة التي أشرفت منذ البداية على جميع برامج ديسانتيس الإعلانية والبرامج الميدانية والكثير من الرحلات داخل الولايات؛ إذ إن تهميشها أسفر عن انتقال المعارك الداخلية إلى الرأي العام الأمريكي.

5. صعوبة الصمود أمام ترامب: لم ينجح ديسانتيس على الإطلاق في جذب انتباه أنصار ترامب، فعلى العكس، ظل متردداً طوال الشهور الماضية في توجيه أي انتقادات له، وذلك على الرغم من أن ترامب وصفه بأنه "غير أخلاقي" على اعتبار أن ترامب ساعده على الوصول إلى منصب حاكم الولاية في الانتخابات التمهيدية لعام 2018، وهكذا، ظل هذا الهجوم عالقاً في أذهان الجمهوريين؛ إذ اعتقدوا أن ديسانتيس أنكر جميل ترامب، وكان عليه الانتظار وعدم التنافس أمامه. 

فرص ترامب: 

أطلق ترامب حملته الانتخابية في نوفمبر 2022 في أعقاب لحظة الضعف التي مرت على الجمهوريين بعد انتخابات التجديد النصفي، وعلى الرغم من محاولات مُستشاريه إقناعه بعدم القفز إلى السباق الانتخابي في وقت مبكر جداً، فإن الحقائق التي تتكشف بعد ثلاثة عشر شهراً تؤكد أن ترامب حول لوائح الاتهام الجنائية إلى مادة انتخابية لصالحه، وذلك إلى جانب استفادته من مُنافسين غير أقوياء في الحزب الجمهوري، ورئيس أمريكي متورط في أزمات داخلية وخارجية لا حصر لها. ومن هذا المنطلق، يمكن الإشارة إلى خمسة عوامل تدفع نحو فوز ترامب، أو على الأقل أن الطريق أصبح ممهداً للمضي قدماً نحو البيت الأبيض:  

1. دعم صريح من ديسانتيس: أعلن ديسانتيس في خطاب الانسحاب صراحة إنه يؤيد الرئيس السابق دونالد ترامب، مؤكداً أنه المرشح الأوفر حظاً بعد فوزه في الانتخابات التمهيدية في ولاية أيوا بنسبة 51% من الأصوات، وأضاف أنه أصبح من الواضح أن غالبية الناخبين الجمهوريين "يريدون منح دونالد ترامب فرصة أخرى"، معترفاً أنه على الرغم من حدوث خلافات بينهما، فإنه سيظل متفوقاً على الرئيس الديمقراطي الحالي جو بايدن، وقال: "لقد وقعت على تعهد بدعم المرشح الجمهوري، وسأحترم هذا التعهد".

2. استطلاعات رأي كاشفة: تكشف استطلاعات الرأي بمعدل يومي تنامي شعبية الرئيس السابق دونالد ترامب، فبينما حصل على نسبة تأييد 63% في 16 يناير 2024، ارتفعت لتتجاوز 70% بين الجمهوريين مع نهاية الشهر ذاته. وبالنسبة لتأثير خروج ديسانتيس من السباق الانتخابي، وجد استطلاع للرأي أجراه مركز للحزب الجمهوري على المستوى الوطني في نوفمبر وديسمبر من العام 2023، أن ترامب يُعد الخيار الثاني لمؤيدي ديسانتيس بنسبة 48%، في الحين أن 27% فقط من قاعدة ديسانتيس يمكن أن تختار هيلي كخيار ثاني. 

وعلى الجانب الآخر، تتهاوى شعبية الرئيس الديمقراطي جو بايدن، في البلاد بشكل ملحوظ، فقد انخفضت شعبيته بأكثر من 15 نقطة مئوية عن تقييماته المرتفعة التي كانت تزيد عن 50% في عام 2020. وهي جميعها مؤشرات إيجابية لصالح ترامب على المستويين الحزبي والفدرالي. 

3. تدوير الهجوم: يتمتع الرئيس السابق بقدرات سياسية مكنته من تحويل سيل من المشكلات القانونية إلى ميزة سياسية، مقنعاً أنصاره بأن التهم الجنائية ضده، بما في ذلك اكتناز أسرار الأمن القومي، والتآمر لمنع التداول السلمي للسلطة، على أنها هجوم على أنصاره، وعليه، يستخدم أزماته القانونية كمنطقة مشتركة مع أولئك الذين يشعرون أن أسلوب حياتهم يتعرض للهجوم والظلم، لدرجة أنه قال أمام حشد من أنصاره في مارس 2024: "أنا قصاصكم"، موضحاً أن التهم التي تلاحقه دائماً ذات دوافع سياسية، وتعود إلى كونه محارباً ومدافعاً عن المظلومين في البلاد. وهكذا، يرى مراقبون أن محاكمات ترامب الجنائية كانت تُستغل لصالح حملته الانتخابية، فمع كل لائحة اتهام، كانت حملته تجمع مزيداً من التبرعات، وتقوم ببيع الملابس والتذكارات التي تُظهر صورته.

4. تتويج الفوز في ولاية نيوهامشاير: بعد السقوط المدوي لمنافسي ترامب في ولاية أيوا، وخروج ديسانتيس من السباق الانتخابي، جاءت نتيجة الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري في نيوهامشاير، وهي الولاية الثانية بعد ولاية أيوا، كما كان متوقعاً، فقد حصل ترامب على 54% من إجمالي نسبة الأصوات مُقابل 43% لصالح مُنافسته الوحيدة المُتبقية نيكي هايلي. وتجدر الإشارة إلى أن انتخابات ولاية نيوهامشير كانت محورية لنيكي هيلي، ويرجع ذلك إلى أن النظام الانتخابي لتلك الولاية يسمح للناخبين المستقلين أو غير المعلنين عن انتمائهم الحزبي، أن يشاركوا في الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري وأن يدلوا بأصواتهم، وهي شريحة انتخابية تُعوّل عليها هيلي بشكل كبير. وعليه، ليس من المستغرب أن تكون هناك دعوات تطالب هيلي بإنهاء حملتها، نظراً لحجم الهزائم التي تلقتها أمام ترامب، وخاصة أن المستقلين لم يحسموا تلك الجولة الانتخابية لصالحها. 

5. المتبقي الوحيد أمام ترامب سيدة: يرى التيار المعتدل داخل الحزب الجمهوري أن وجود نيكي هيلي هو محاولة للنأي بعيداً عن السياسات الشعبوية التي كرّسها دونالد ترامب وربما سيعطي وجودها مظهراً من الاحترام للحزب الجمهوري الذي يعاني من هيمنة ترامب الشخصية وأفكاره الذكورية الأبوية التي يرفضها الشباب وبعض الأقليات والعرقيات. ومع ذلك، فإن فرص فوز هيلي تكاد تكون معدومة في الحالة الأمريكية بسبب أن أغلبية الجمهور الأمريكي ما يزال غير مُستعد لانتخاب النساء في هذا المنصب، ويرجع ذلك إلى الاعتقاد بأن الولايات المتحدة الأمريكية كقوة عظمى لا يمكن أن تُحكم إلا من خلال صورة الرجل القوي. 

وفي التقدير، يمكن القول إن الانتخابات الرئاسية المقبلة ستكون واحدة من أكثر الانتخابات المصيرية في التاريخ الأمريكي الحديث، فمع انسحاب ديسانتيس من السباق الانتخابي، فإنه من المرجح تكرار سيناريو انتخابات عام 2020، والتي شهدت تنافساً كبيراً بين أنصار الترامبية من ناحية، وأقطاب الدولة العميقة على حد وصف ترامب من ناحية أخرى.

ومن المرجح أن تكون سياسة ترامب الخارجية –حال فوزه بالانتخابات – بشكل جزئي امتداداً لسياسة جو بايدن، إذ إنه ورغم تبنيه الشعارات الخاصة بجعل أمريكا عظيمة من جديد والتي تركز على المصالح الأمريكية بشكل مباشر وحصري، فإنه لن يتمكن من عزل واشنطن عن الصراعات الملتهبة، وستدفع المؤسسات الأمريكية باتجاه ضمان أمن حلفاء الولايات المتحدة.