أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • د. أحمد سيد حسين يكتب: (ما بعد "قازان": ما الذي يحتاجه "بريكس" ليصبح قوة عالمية مؤثرة؟)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)
  • أ. د. علي الدين هلال يكتب: (بين هاريس وترامب: القضايا الآسيوية الكبرى في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024)

مؤتمر المعرفة الأول:

استراتيجيات توطين المعرفة في المنطقة العربية

10 ديسمبر، 2014


أفرزت ثورة التكنولوجيا في السنوات الأخيرة وسائل تواصلية وتفاعلية، أثرت على العمل الاقتصادي، مثل شبكات التواصل الاجتماعي، والإعلام التعايشي، وصناعة المعرفة، والتدفق المعلوماتي الآني، الذي يتيح لكل مستخدم أو متابع للاقتصاد أن يتفاعل مع الأسواق العالمية بصورة حية.

وتلعب المعرفة دوراً أساسياً في تقدم الدول، وقصورها يفسر بوضوح سبب الفجوة المعرفية بين العالم العربي والعالم المتقدم، من حيث التعليم والمناهج والصرف على التعليم. فالعالم العربي بحاجة إلى التحول من مجتمعات مستهلكة إلى مجتمعات منتجة قائمة على المعرفة، مما يستوجب ضرورة التعرف على التحديات التي تواجه المجتمعات العربية، ومواجهتها بإيجاد منصة عالمية لنشر المعرفة وعرض الممارسات التي وصل إليها العالم لإثراء المخزون المعرفي في المنطقة.

ووفقاً لمنتدى الاقتصاد الدولي، تحتل الإمارات المركز الثاني على مستوى الشرق الاوسط بعد قطر، في مؤشر الجاهزية الشبكية لعام 2013. وتؤكد الدراسات والأرقام جدارة الإمارات في التحول نحو نموذج المدن والحكومة الذكيتين، حيث تعتبر دبي أول مدينة في المنطقة تقوم بإنشاء أول مجمعات للمعرفة، بما في ذلك مدينة دبي للإنترنت ومدينة دبي للإعلام وقرية المعرفة. كما أن عملية تحول الإمارات إلى اقتصاد قائم على المعرفة هي أولوية رئيسية حالياً بالنسبة للدولة، وتشمل الابتكارات في العديد من القطاعات الاقتصادية الرئيسية مثل النفط والغاز والإنشاءات والرعاية الصحية والضيافة وغيرها.

مؤتمر المعرفة الأول

في إطار السعي الجاد لدولة الامارات نحو تحقيق التنمية المستدامة، تم تنظيم مؤتمر المعرفة الأول في دبي، والذي انتهت فعالياته يوم 9 ديسمبر الجاري، تحت شعار "تمكين أجيال الغد"، حيث يعد المؤتمر بداية لتأسيس أحد أهم وأبرز التجمعات الدولية المعنية بنشر المعرفة بشكل سنوي، ويجسد المؤتمر منصة عالمية مثالية لمناقشة سبل ترسيخ ثقافة بناء مجتمعات واقتصادات مستدامة ركيزتها المعرفة. كما أن استضافة دبي لمؤتمر متخصص في أمور المعرفة إنما يعكس مكانتها الرائدة كمركز لتطوير مجالات نشر المعرفة عالمياً وتوطينها محلياً، فالمؤتمر دعوة للاستثمار في المعرفة من خلال تطوير إمكانات الكوادر البشرية ودعم الابتكار.

ومن أهم الموضوعات التي سلط المؤتمر الضوء عليها: طبيعة التحول إلى اقتصاد المعرفة ما بين الواقع والتطبيق، والمتطلبات الضرورية للمنطقة العربية لبناء اقتصاد قائم على المعرفة، ودور الهياكل الاقتصادية القائمة في المنطقة العربية في إقامة مجتمعات واقتصادات المعرفة، ومدى مواكبة المؤسسات الاقتصادية العربية للثورة المعرفية والتقنية في العالم.

بالإضافة إلى ذلك، تم مناقشة التكامل بين المعرفة والابتكار ودور الشبكات المعرفية في دمج الإبداع مع مسارات البحث والتعليم، وكذلك بحث وسائل توظيف تقنيات المعرفة في رفاهية المجتمع. إلى جانب مناقشة استراتيجيات إنتاج وتوطين المعرفة في المنطقة العربية، مع تسليط الضوء على التجربة الإماراتية كتجربة رائدة في هذا المجال.

وقد ركز المؤتمر على مناقشة المعرفة وسبل تقويتها بعد الثورات العربية وفتح باب الحوار حول الدور المطلوب من الدول العربية المستقرة لدعم الدول المتأثرة بالأحداث الأخيرة، وتم تكريم شخصيات ومؤسسات عالمية لها إسهامات واضحة في مجال نشر ودعم المعرفة، بهدف التشجيع على بذل المزيد من الجهود والمبادرات والبرامج في مجال نشر ونقل وتوطين المعرفة حول العالم كسبيل للتنمية المستدامة ورخاء الشعوب.

الحاجة إلى تنافسية عربية معرفية

بناء على ما سبق، ظهرت أهمية المؤتمر في تسليط الضوء على واقع المعرفة في العالم العربي، إضافة إلى إطلاق العمل على بناء مؤشر المعرفة، لرصد واقع المعرفة في الوطن العربي بشكل سنوي وفقاً لعدد من المؤشرات الفرعية في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والمعرفية الدالة على التقدم نحو مجتمعات واقتصادات المعرفة، ليتم بعد ذلك منح تصنيفات خاصة عن مدى تطور المعرفة في كل دولة عربية.

ويشكل تطوير سبل التعليم ومناهج الدراسة تحدياً أساسياً وكبيراً في المساعدة على ظهور أجيال جديدة من العلماء والباحثين، وترسيخ ثقافة المعرفة في أوساط الشباب عموماً، وشباب دولة الإمارات على وجه الخصوص، وتمكينهم من خلال مراجعة برامج التعليم الجامعي والمدرسي، والتركيز على البحوث والدراسات من أجل تعزيز ونشر ونقل المعرفة لشرائح الشباب في مختلف الفئات العمرية، وإطلاق رؤية شاملة لتعزيز دراسات العلوم، وتعزيز فرص التكامل بين المواطنين، إضافة إلى ترجمة الأبحاث إلى اللغة العربية، وحضور الندوات، وورش العمل لإثراء المعرفة والمعلومات عند المواطن العربي. ونتيجة لذلك تبرز أهمية قطاع الترجمة إلى العربية في نقل المعرفة ونشرها في الوطن العربي، والتي تسهم في عملية التطور والتقدم المنشود في شتى المجالات الاقتصادية والتعليمية والاجتماعية.

في هذا السياق أيضاً تبرز أهمية ربط مخرجات التعليم باحتياجات السوق، وتشكيل فرق متخصصة للتنسيق والتحاور، ونقل وجهات النظر بين القائمين على المؤسسات التعليمية والعاملين على وضع القرارات المطلوبة لإدارة الاقتصاد.

وكان تقرير المعرفة العربية الذي أصدره برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أكد أن العالم العربي يواجه تحديات في دمج الشباب لنقل وتوطين المعرفة، فالمنطقة تمر بمرحلة حرجة تهدد التماسك المجتمعي، وأكثر المتأثرين بها هم الشباب والأطفال. وأبرزت المؤشرات الخاصة بالمعرفة ارتفاعاً في الفجوة بين الدول العربية والدول النامية الأخرى، حيث وضعت الدول العربية في الدرجة السادسة من بين مناطق العالم التي قسمت إلى ثماني مناطق، لتسجل المنطقة العربية درجة أقل من المتوسط العالمي وفق دليل اقتصاد المعرفة.

وتعاني الدول العربية بشكل واضح في مجال التنافسية الكامنة، إذ إنها تصل فقط إلى 30% مقارنة بالدول النامية الأخرى، وذلك وفق تقرير التنافسية العربية، إذ إن معظم الدول العربية عاجزة عن تحويل الثروات السكانية التي تتركز في الشباب إلى طاقة معرفية تساعد على تحويلها من مجتمعات مستهلكة إلى مجتمعات قائمة على اقتصاد المعرفة.

ووفقاً لإحصاءات منظمة اليونسكو لعام 2014، يعاني 51.8 مليون عربي في سن الـ 15 فأعلى من الأمية، بينهم سبعة ملايين شاب، وذلك على الرغم من تحقيق بعض الدول لإنجازات ملموسة في نسب التحاق الشباب في التعليم الأساسي، لكن تبقى معدلات الالتحاق بالتعليم الثانوي والعالي والجامعي أقل من المتوسط العالمي. لذلك يسعى البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة إلى تمكين الجميع في المنطقة العربية، أياً كان مجال تخصصهم، من استخدام الإنترنت، والاستفادة من أدواته في الوصول إلى المعلومات، وبناء استقلالية فكرية قوامها الوصول إلى المصادر النظيفة للمعلومات، بما يسهم في النهوض بفكرهم ومهاراتهم إلى مستويات أعلى وأفضل.

وعلى الرغم من صعوبة تحقيق التوازن في معادلة السماح بانتقال المعلومات بحرية ودون ضوابط وشروط، واستخدام آليات لضمان حقوق الفرد من جهة، وعدم تعرّضه للضرر من جهة أخرى، فإن هناك حاجة متواصلة لابتكار تقنيات جديدة تخدم عمليات بناء المعرفة وتوطينها، مع احترام خصوصية الفرد، وحقه في عدم اطلاع أي طرف على شؤونه الخاصة، عن طريق سن تشريعات وقوانين تكفل عدم انتهاك حقوق الأفراد وتحميهم، وإن كان ذلك على حساب الانتقاص بنسبة ما من هامش الحرية المطلوبة لتبادل ونقل المعلومات.

من هنا أصبح من الضروري إيجاد منصة عالمية لالتقاء العقول المفكرة والمعنيين بنشر المعرفة لإثراء المخزون المعرفي في المنطقة العربية ككل، حيث يشهد العصر طفرة معلوماتية غير مسبوقة أصبحت فيها صناعة المعرفة أحد المصادر الأساسية للدخل الوطني للدول.

وبما أن المعرفة يتم تطويرها بشكل فردي، فهي في النهاية محصلة لنتاج جماعي، فلا يمكن بناء إرث معرفي من دون مشاركة الخبرات وتبادلها ونقل المعارف بين المجتمعات والمؤسسات وتطويرها، فضلاً عن التباحث في أفضل الممارسات والاستفادة المتبادلة، والجمع بين المساهمين في إثراء المعرفة والمفكرين والخبراء سوف يسهم دون شك في تطوير مسيرة العمل المعرفي ودعمه بما يعود بالفائدة على المجتمعات محلياً وإقليمياً ودولياً بشكل أوسع وأعم.

ختاماً، يظل نجاح التوجه المعرفي والتقني مرهون بتحقيق استقرار سياسي وسلم اجتماعي ومقومات اقتصادية وتطلعات نحو المستقبل، ولكن من دون القفز على المراحل؛ فلاتزال المخاوف في جميع أنحاء المنطقة العربية من عدم القدرة على مواكبة الثورة التقنية الذكية موجودة في ظل عدم كفاية المعلومات ونوعيتها وتبادلها والخروج باستنتاجات عملية منها، وضعف منظومة البنية التحتية للاتصالات ككل. بالإضافة إلى ارتفاع تكلفة ممارسة الأعمال التجارية، وعدم تقدير قيمة الإبداع والابتكار، ووجود ما يشبه الوصاية "الدينية" في بعض الدول على الثقافة والفنون والعلوم المستقبلية. وهنا تبرز ضرورة العمل على تقليص الصعوبات التي تواجه المنطقة العربية، من أجل الالتحاق بركاب التقدم واقتصاد المعرفة.