أخبار المركز
  • شريف هريدي يكتب: (الرد المنضبط: حسابات الهجمات الإيرانية "المباشرة" على إسرائيل)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (عام على حرب السودان.. ترابط المسارين الإنساني والسياسي)
  • د. أحمد أمل يكتب: (إرث فاغنر: هل قاد "التضليل المعلوماتي" النيجر للقطيعة مع واشنطن؟)
  • عادل علي يكتب: (موازنة الصين: دوافع تزايد الانتشار الخارجي للقوة البحرية الهندية)
  • إبراهيم فوزي يكتب: (معاقبة أردوغان: لماذا خسر حزب العدالة والتنمية الانتخابات البلدية التركية 2024؟)

خسارة فرماجو:

فوز الرئيس الصومالي السابق حسن شيخ محمود بالانتخابات الصومالية

22 مايو، 2022


فاز الرئيس الصومالي السابق، حسن شيخ محمود، بالانتخابات الرئاسية في الصومال، والتي جرت في 15 مايو 2022، بعد منافسة حادة شهدتها هذه الاستحقاقات بين حوالي 36 مرشحاً، منهم رؤساء ووزراء سابقون، بالإضافة إلى الرئيس المنتهية ولايته، محمد عبدالله فرماجو.

منافسة حادة

شهدت قاعدة "أفسيوني" بمنطقة مطار مقديشو عملية تصويت أعضاء البرلمان على اختيار الرئيس الصومالي الجديد، بعد نحو 15 شهراً من تأجيل الاستحقاقات الرئاسية في الصومال، وفي هذا السياق، يمكن عرض أبعاد العملية الانتخابية على النحو التالي:

1- تعدد مرشحي الرئاسة: تنافس خلال هذه الانتخابات الرئاسية نحو 36 مرشحاً، منهم سيدة واحدة، وذلك بعدما انسحب ثلاثة مرشحين من السباق من بداية الجولة الأولى، وهو ما يمثل العدد الأكبر الذي يشارك في الاستحقاقات الرئاسية في تاريخ الصومال. 

وتمثلت أبرز الأسماء المطروحة على قائمة المرشحين في كل من الرئيسين السابقين للصومال، حسن شيخ محمود، وشريف شيخ أحمد، ورئيس الوزراء السابق، حسن علي خيري، وكذا رئيس ولاية بونتلاند، سعيد عبد الله دني، بالإضافة إلى الرئيس المنتهية ولايته، محمد عبد الله فرماجو.

2- حسم بعد ثلاث جولات: يتم اختيار رئيس الجمهورية عبر انتخابات غير مباشرة عن طريق أعضاء البرلمان الصومالي (مجلسي الشعب والشيوخ) البالغ عدده 329 نائباً، حيث يحتاج أي مرشح للحصول على الثلثين لحسم المنافسة في الجولة الأولى، وإلا يتم إجراء جولة ثانية يتنافس فيها المرشحون الأربعة الحاصلون على أعلى نسب، وفي حال عدم حصول أي منهم على نسبة الثلثين في هذه الجولة، يتم اللجوء إلى جولة حسم ثالثة بين الحاصلين على المركزين الأول والثاني، بيد أن الفائز في جولة الحسم الثالثة يعتبر فائزاً بالأغلبية البسيطة.

ونظراً لعدم حصول أي من المرشحين على النسبة المطلوبة في الجولتين الأولى، والثانية، تنافس كل من حسن شيخ محمود وعبد الله فرماجو في الجولة الثالثة، تكرراً للمشهد في عام 2017، بيد أن الأول نجح في حسم الجولة الثالثة لصالحه بتفوق كبير، بحصوله على 214 صوتاً مقابل 110 لفرماجو.

دلالات مهمة: 

مثّل فوز حسن شيخ محمود بالانتخابات الرئاسية في الصومال مفاجأة لدى الكثيرين، ومن ثم تعكس هذه النتائج جملة من الدلالات المهمة، والتي يمكن عرضها على النحو التالي:

1- دعم داخلي وخارجي واسع: يعد حسن شيخ محمود أكاديمي صومالي يقود حزب "الاتحاد من أجل السلام والتنمية"، وهو ينتمي إلى عشيرة "الهوية"، إحدى أكبر القبائل الصومالية، وذلك نظراً لحصوله على دعم المرشح الرئاسي ورئيس ولاية بونتلاند، سعيد دني، في الجولة الثالثة، كما تمكن شيخ محمود من حشد عدد كبير من أصوات المرشح الرابع، حسن خيري، وهو ما يكشف عن حدوث توافقات بينهما خلال الفترة الماضية.

ومن ناحية أخرى، ألمحت بعض التقارير إلى أن الخطاب التصالحي الذي تبناه حسن شيخ محمود في حشد أصوات الكثير من الحلفاء السابقين لفرماجو، خاصةً من عشيرتي "راهانوين" و"دير". كذلك، يبدو أن هناك دعماً إقليمياً ودولياً واسعاً لشيخ محمود، حيث ألمحت بعض التقديرات إلى أن ثمة علاقات واسعة تربط الأخير ببعض القوى العربية والأفريقية التي ربما تكون لعبت دوراً كبيراً في تعزيز فرص حسمه المنافسة، فضلاً عن علاقاته الدولية الواسعة، خاصةً بالولايات المتحدة والغرب.

2- تراجع دور المال السياسي: لم يلعب المال السياسي دوراً حاسماً في هذه الانتخابات، على الرغم من حصول فرماجو على أموال واسعة من قطر لدعم حملته الانتخابية، فقد أشار تقرير صادر عن مركز "أفريكا كونفيدينشيال" (Africa Confidential) إلى أن هذه الأموال مكنّت فرماجو من دفع أموال لشراء أصوات بعض النواب، بلغ بعضها 150 ألف دولار للبعض، فيما حصل آخرون على ما يتراوح بين 10 – 20 ألف دولار، بينما حصل آخرون على مبالغ أقل.

3- تحديات عديدة قائمة: هناك العديد من التحديات التي سيواجهها الرئيس الصومال الجديد، يتعلق بعضها بملف الانقسامات السياسية الراهنة، والتي أفرزتها الصراعات التي نجمت عن تمسك الرئيس السابق، محمد عبد الله فرماجو، بالسلطة، خاصةً أن هذه الانقسامات امتدت لهياكل الدولة وأجهزتها المختلفة. 

كما أضحت مؤسسات الدولة تتضمن الكثير من العناصر الموالية لفرماجو، والتي يمكن أن تهدد أي سياسات يسعى شيخ محمود لتنفيذها، فضلاً عن التحديات المتعلقة بالتصاعد المستمر في نشاط حركة الشباب. وكذا التحديات الخاصة بالسياسة الخارجية للصومال، ومحاولة تحسين علاقات الصومال مع الدول الأجنبية، التي تأثرت كثيراً في ظل ولاية فرماجو. ومن بين التحديات أيضاً التي ربما تواجه الرئيس الصومال الجديد مدى قدرته على تحقيق التوافق بين القوى السياسية المتنافسة.

ارتدادات داخلية وخارجية:

من الواضح أن فرماجو تعرض لضغوطات دولية واسعة لتسليم السلطة لشيخ محمود، وهو ما ستكون له تداعيات واسعة داخلية وخارجية يمكن تفصيلها على النحو التالي:

1- إعادة إحياء سياسة تصفير المشكلات: اتسمت فترة الولاية الأولى للرئيس الصومالي الجديد، حسن شيخ محمود، خلال الفترة ما بين 2012 و2017، بالاستقرار السياسي لحد كبير، وكذلك تعزيز النظام الفيدرالي في الصومال والتركيز على ملف مكافحة نشاط حركة الشباب الإرهابية، الأمر الذي تمخض عنه تحرير مناطق واسعة من سيطرة الحركة، فضلاً عن شبكة العلاقات الخارجية الواسعة التي نجح في نسجها شيخ محمود.

وفي هذا السياق، من المرجح أن يعيد الرئيس الصومال الجديد تفعيل سياسة تصفير المشكلات داخلياً وخارجياً خلال الفترة المقبلة، وهو ما سينعكس على العلاقة مع إقليم "غدو" بولاية جوبالاند، والذي شهد مواجهات حادة بين إدارة الولاية وفرماجو، حيث عمد الأخير إلى إرسال قوات إلى الإقليم للإطاحة بالإدارة التابعة لجوبالاند. وبدأت إرهاصات هذا الملف تطرح نفسها بشكل سريع، من خلال تصريحات وزير الإعلام في ولاية جوبالاند، سليمان محمد محمود، والذي طالب الرئيس الجديد بإيجاد حل لهذه الإشكالية.

2- غموض العلاقة مع روبلي: يثار التساؤل حول مستقبل اتحاد مرشحي الرئاسة، والذي مثّل قوى المعارضة الرئيسة لفرماجو، ويتوقع أن تكون العلاقات بينه وبين الرئيس وثيقة بالنظر إلى كونه أحد أعضاء الاتحاد، ولذا، فمن المرجح أن ينضم جانب منه إلى هياكل السلطة الجديدة.

وفي المقابل، لاتزال هناك شكوك تتعلق بمدى استمراريته على رأس الحكومة بعد تولي شيخ محمود وهناك اتجاهان في هذا الإطار، يرى الأول أن الرئيس الجديد ربما يلجأ إلى تعيين حكومة جديدة، نظراً للعلاقات الواسعة التي يحظى بها روبلي، والتي ربما تخصم من نفوذ شيخ محمود، بيد أن هناك اتجاه آخر يرجح بأن شيخ محمود يرتبط بعلاقات قوية بروبلي، فضلاً عن إمكانية استفادة الأول من خبرات وعلاقات الثاني الداخلية والخارجية المتشعبة، ما قد تنتج عنه توافقات بين الرجلين تعزز من قوة السلطة السياسية والأمنية في مقديشو.

3- إعادة هيكلة التحالفات الإقليمية: كانت بعض الأطراف الإقليمية تسعى إلى فوز فرماجو في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، أبرزها إثيوبيا وإريتريا، بسبب العلاقات الوثيقة التي نسجها فرماجو معهما. واتساقاً مع هذا الطرح، أشارت بعض التقارير إلى أن العلاقات التي تربط شيخ محمود بجبهة التيجراي ربما يعيد بلورة حقبة جديدة من العلاقات بين مقديشو وأديس أبابا، وذلك في مقابل احتمالات تعزيز العلاقات الصومالية – الكينية والتي كانت تراجعت كثيراً خلال فترة فرماجو.

وعزز من صحة هذه التقديرات التصريحات الأخيرة الصادرة عن زعيم الجبهة الشعبية لتحرير التيجراي، ديبرتسيون جبريمايكل، والذي ألمح إلى أنه يتطلع لتعزيز التعاون المشترك مع شيخ محمود.

4- تغيرات محتملة في علاقات الصومال الخارجية: يعتبر شيخ محمود رئيس توافقي، فهو يرتبط بعلاقات قوية بتركيا، لكنه في الوقت ذاته يحظى بصلات قوية مع القوى العربية الرئيسة في المنطقة، وهو ما سيفتح المجال أمام توسيع أشكال التعاون بين الصومال ومحيطه العربي، ومن ثم إعادة تحسين العلاقات بعدما تدهورت كثيراً فترة حكم فرماجو.

ومن ناحية أخرى، يرجح أن تعمد مقديشو خلال إدارة الرئيس الجديد إلى تعزيز ارتباطها بالغرب والولايات المتحدة، على حساب الخطوات التي كان فرماجو قد اتخذها مؤخراً للتقارب مع الصين، وربما يفسر هذا الأمر القرار السريع الذي اتخذته إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، بعودة الوجود العسكري الأمريكي في الصومال، من خلال إعادة نشر نحو 500 جندي أمريكي في مقديشو. وقدم الرئيس الصومالي الجديد الشكر للولايات المتحدة على قرار إعادة الوجود العسكري إلى مقديشو لمكافحة حركة الشباب.

5- تراجع محتمل لنشاط حركة الشباب: نجح شيخ محمود حينما كان رئيساً للصومال، في السابق، في طرد حركة الشباب من العديد من المناطق والبلدات الصومالية، فضلاً عن الدعم الدولي الواسع الذي يحظى به شيخ محمود، والذي انعكس في القرار السريع من قبل الإدارة الأمريكية بعودة الحضور العسكري لواشنطن في مقديشو، فمن المرجح أن تفرز هذه المتغيرات تراجعاً في النشاط الإرهابي لحركة الشباب، وتراجع احتمالات توسيع نطاق انتشارها في مزيد من المناطق بالبلاد، وهو الأمر الذي كان مرجحاً خلال الفترة الماضية في ظل الانقسامات السياسية والأمنية المتزايدة.

وفي الختام، تمثل خطوة إجراء الانتخابات الرئاسية في الصومال أهمية خاصة، من خلال وضع حد للأزمات السياسية والأمنية الداخلية، فضلاً عما تمثله من نقطة تحول في علاقات مقديشو الإقليمية والدولية، بيد أن هذا لا يعني عدم وجود العديد من التحديات السياسية والاقتصادية والأمنية التي ستواجه الرئيس الصومالي الجديد، والتي تحتاج إلى توافقات داخلية ودعم خارجي واسع.