أخبار المركز
  • شريف هريدي يكتب: (الرد المنضبط: حسابات الهجمات الإيرانية "المباشرة" على إسرائيل)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (عام على حرب السودان.. ترابط المسارين الإنساني والسياسي)
  • د. أحمد أمل يكتب: (إرث فاغنر: هل قاد "التضليل المعلوماتي" النيجر للقطيعة مع واشنطن؟)
  • عادل علي يكتب: (موازنة الصين: دوافع تزايد الانتشار الخارجي للقوة البحرية الهندية)
  • إبراهيم فوزي يكتب: (معاقبة أردوغان: لماذا خسر حزب العدالة والتنمية الانتخابات البلدية التركية 2024؟)

توظيف دولي:

محاولات حركة طالبان القضاء على تنظيم داعش في أفغانستان

11 مارس، 2022


أشارت التقييمات الدفاعية والاستخبارية الأمريكية الأخيرة إلى أنه على الأقل في الوقت الحالي، فإن جماعات مثل داعش والقاعدة ليست مستعدة لاستخدام البلد كنقطة انطلاق للهجمات ضد الدول الغربية. وجاءت تلك التقييمات الأخيرة في إطار تقرير أصدرته وزارة الدفاع الأمريكية لفحص التهديدات المحتملة من أفغانستان بعد انسحاب الولايات المتحدة من البلاد قبل ستة أشهر.

والجدير بالذكر أن هذه التقييمات سالفة الذكر قد تعارضت مع المخاوف التي أعرب عنها كبار مسؤولي البنتاجون منذ شهر أكتوبر الماضي، حيث حذروا من أن تنظيم داعش خراسان قد يكون مستعداً لضرب الدول الغربية والولايات المتحدة في أقل من ستة أشهر، مع احتمالية قيام تنظيم القاعدة بشن هجمات ضد تلك الدول في أقل من عام.

تفاهمات مع الولايات المتحدة:

يلاحظ أن هناك مؤشرين على وجود تعاون أمني بين الولايات المتحدة وحركة طالبان، وهو ما يمكن توضيحه على النحو التالي: 

1- تقييد طالبان للقاعدة: أشار تقرير صادر عن البنتاجون إلى أن حركة طالبان لازالت تضع حدوداً لتحركات مسؤولي تنظيم القاعدة، منعاً لخروجها عن السيطرة، وشنّها عمليات إرهابية. ومن جهة أخرى، لم تسمح حركة طالبان لأعضاء القاعدة بلعب دور مهم فيما يسمى بالحكومة المؤقتة، انطلاقاً من رغبتها في الحصول على الشرعية الدولية. 

ولكن في ذات الوقت، من المرجح أن تسمح طالبان لعناصر القاعدة في أفغانستان بالبقاء بعيداً عن الأضواء داخل البلاد للحفاظ على العلاقات الوثيقة بين الطرفين، فضلاً عن تجنب إثارة حفيظة العناصر الإسلامية الأكثر تشدداً داخل طالبان، إذا ما تخلت الأخيرة عن القاعدة.

2- إحياء اتفاق سابق: كان مجال مكافحة الإرهاب من أبرز المجالات التي شهدت التعاون بين الإدارة الأمريكية وحركة طالبان، ففي هذا الصدد، أشارت الولايات المتحدة الأمريكية إلى تعاونها أمنياً واستخباراتياً مع الحركة لمواجهة تنظيم داعش – ولاية خراسان، وذلك طبقاً للاتفاقية التي عٌقدت بين الولايات المتحدة الأمريكية والحركة عام 2020، مروراً بالاجتماعات التي عقدتها الحركة عقب توليها السلطة في شهر أغسطس عام 2021. 

استراتيجية داعش ضد طالبان: 

تتمثل استراتيجية تنظيم داعش – خراسان خلال عام 2021 في زعزعة سيطرة طالبان على معاقل التنظيم السابقة في مقاطعة ننجرهار. فقد شهد عام 2021 حوالي 340 هجوماً لتنظيم داعش – خراسان، مسجلاً أعلى سنة في عدد الهجمات منذ تأسيس التنظيم في عام 2015. في حين أعلن تنظيم داعش مسؤوليته عن 127 هجوماً في أفغانستان منذ منتصف سبتمبر 2021، حيث استهدف 79% من الهجمات حركة طالبان وحدها، كما أن 60% من الهجمات ضد حركة طالبان وقعت في مقاطعة ننجرهار. وتتمثل أهداف التنظيم في التالي:

1- استهداف البنية التحتية: يستهدف تنظيم داعش – ولاية خراسان البنية التحتية الحيوية في أفغانستان، لتسلط الضوء على عجز نظام طالبان عن توفير الخدمات والأمن، في محاولة لنزع شرعية الحركة أمام المواطنين الأفغان. وبدأ التنظيم مهاجمة أهداف البنية التحتية في عام 2021، مدعية مسؤوليتها عن ثلاثين هجوماً على أبراج الكهرباء والشاحنات التي تنقل النفط، وجاءت تلك الاستراتيجية في إطار الحرب الاقتصادية التي يشنها التنظيم لتحدي شرعية الحكومة الأفغانية.  

2- توسيع قاعدة أعضاء التنظيم: يسعى تنظيم داعش – خراسان باستمرار لاستغلال المشاعر المناهضة لطالبان، وذلك لتجنيد المزيد من الأعضاء، فالجدير بالذكر أن تنظيم داعش – خراسان قد تضاعفت أعداد عناصره تقريباً منذ انسحاب الولايات المتحدة إلى ما يقرب من 4000 مقاتل، وتمثلت أبرز الطوائف التي نجح التنظيم في ضمها إليه في التالي: 

أ- السجناء المفرج عنهم: سمحت حالات الهروب من السجون التي أعقبت انهيار الحكومة الأفغانية السابقة لمئات السجناء المفرج عنهم بالانضمام إلى صفوف التنظيم. فوفقاً لتقديرات مختلفة، هرب ما يتراوح بين 2000 و 3000 سجين أثناء وبعد سقوط الحكومة السابقة، والتي تضمنت كبار قادة التنظيم على غرار مؤسس فرع تنظيم داعش في جامو وكشمير، إعجاز أحمد أهنجر، والمنظر البارز أبو يزيد عبد القاهر خراساني.

ب- بعض عناصر القوات الأمنية: أشارت بعض التقارير في أواخر عام 2021 إلى أن بعض أفراد القوات الأفغانية السابقة قد انضموا إلى داعش لمقاومة طالبان. وفي حالة صدق هذه التقارير، فإن التنظيم قد يستفيد كثيراً من هذه الفئة، خاصة إذا ما قاموا بنقل خبراتهم القتالية والاستخباراتية من أفراد الأمن إلى التنظيم. 

ج- المجتمعات السلفية المتطرفة: تُعد المجتمعات الأفغانية السلفية، سواء بالقرب أو داخل مقاطعات كابول وننجرهار أحد المجتمعات المستهدفة للتجنيد من قبل التنظيم، حيث حاول داعش استغلال انعدام الثقة بين طالبان والمجتمعات السلفية.

فقد قام تنظيم داعش بتنفيذ هجمات إرهابية في أعقاب مقتل العالم الديني "عبيد الله متوكل" في سبتمبر 2021، والذي تتهم طالبان بتصفيته. وردت الأخيرة على هذه الهجمات عبر فرض إجراءات أمنية قاسية ضد المجتمعات السلفية، وإغلاق مساجدها، وخطف عشرات الشباب السلفيين وإعدام بعضهم علانية، وهي الممارسات التي سهلت لتنظيم داعش لتوظيف المشاعر السلبية بين السلفيين ضد طالبان، ومحاولة تجنيد أنصار لهم من بينهم. 

د- أعضاء حركة طالبان: انضم بعض عناصر طالبان إلى التنظيم، لا سيما عقب سيطرة الحركة على الحكم في شهر أغسطس، حيث لم تستطع الحركة تعويض مقاتليها، سواء من الناحية المادية، أو من الناحية المعنوية من خلال الحصول على المناصب، فضلاً عن رفض بعض العناصر المتطرفة داخل الحركة "التساهل"، الذي تبديه الحركة مع بعض الفئات، مثل النساء، أو الشيعة.

3- التوسع في نطاق الهجمات: انخفضت عمليات تنظيم داعش – خراسان في ننجرهار، منذ شهر ديسمبر 2021، حيث لم يكن هناك سوى خمس هجمات في ننجرهار تحمل التنظيم مسؤوليتها عنه، وذلك مقارنة بحوالي 20 هجوماً تبناها تنظيم داعش في المقاطعة في كل شهر بين شهري سبتمبر ونوفمبر. وفي المقابل، أعلن التنظيم، خلال يناير 2022، عن مسؤوليته عن 18 هجوماً في خمس مقاطعات أفغانية أخرى، ووقع ما يقرب من نصف هذه الهجمات في العاصمة كابول.

إجراءات طالبان المضادة:

تجدر الإشارة إلى أن هناك سمات مميزة قد اتسمت بها استراتيجية الحركة ضد التنظيم، وهو ما يمكن توضيحه على النحو التالي:

1- محاولة اجتثاث داعش: أشارت حركة طالبان إلى أنها قامت باعتقال أكثر من 670 مقاتل ممن ينتمون إلى التنظيم في ديسمبر الماضي وحده، فضلاً عن تدمير 25 معسكراً لهذا التنظيم، وفي حين أن هذه الأرقام لم يؤكدها أي مصدر مستقل، فإن الأمم المتحدة تنسب ما لا يقل عن 72 جريمة قتل لحركة طالبان، بما في ذلك 50 من أعضاء داعش المشتبه بهم في إقليم ننجرهار، كما تم العثور على ما يصل إلى 150 جثة في الأنهار والجداول في ضواحي جلال آباد، ويعتقد أنهم ينتسبون لداعش.

2- عميات قتل عشوائية: تقوم الحركة بعمليات قتل عشوائية، وفقاً لبعض المزاعم، خاصة ضد المجتمعات السلفية، على الرغم من أن الغالبية العظمى من السلفيين لا علاقة لهم بـالتنظيم. وقد تدفع عمليات القتل العشوائية إلى دفع كثير من السلفيين للانضمام للتنظيم بغرض الانتقام. وهو ما قد ينذر بتفاقم المشكلة التي كانت طالبان تسعى لعلاجها.

3- تجنيد الانتحاريين: سعت حركة طالبان إلى تجنيد انتحاريين للانضمام إلى الجيش في الوقت الذي تحاول فيه طالبان احتواء تنظيم داعش منذ تشكيل حكومتها الأولى في أفغانستان. وكانت طالبان قبل توليها الحكم العام الماضي، تستخدم الانتحاريين كسلاح رئيسي لمهاجمة وهزيمة القوات الأمريكية والأفغانية في الحرب التي استمرت 20 عاماً. 

أما في الوقت الحالي، فتسعى الحركة لتنظيم فرق الانتحاريين المتناثرة في جميع أنحاء البلاد للعمل تحت وحدة واحدة، والذي سيكون استهدافهم الأساسي هو تنظيم داعش – خراسان.

4- الاعتماد على وساطة شيوخ القبائل: اعتمدت حركة طالبان إلى حد ما على وساطة بعض شيوخ القبائل، والذي أسفر عن إعلان الحركة في بداية شهر فبراير الماضي عن استسلام حوالي 50 عنصراً من تنظيم داعش ولاية خراسان، في ولاية ننجرهار شرق أفغانستان. واتسمت عملية الاستسلام بأنها مشروطة وأن من استسلم ستتم مراقبته ومن ثم، التعامل معه بصرامة إذا لجأ إلى التخريب". وأكد أحد المسؤولين في حركة طالبان أن المئات من مسلحي داعش استسلموا في الأشهر القليلة الماضية.

وفي الختام، سيظل تنظيم داعش – ولاية خراسان من أبرز التحديات أمام حركة طالبان على الأقل في المدى القصير، وإن كان لا ينفي أن مكافحة الإرهاب من قِبل الحركة ضد تنظيم داعش قد تكون البوابة الرئيسية للتعاون بين الحركة وبين العديد من الدول على المستوى الدولي، وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية.