أخبار المركز
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)

حرب عقائدية:

استراتيجية استباقية لمواجهة الجهاديين

29 يناير، 2016


إعداد: عبدالغفار الديواني


تمثل التنظيمات الجهادية، وفي مقدمتها "القاعدة" و"داعش"، تهديداً كبيراً للولايات المتحدة وباقي دول العالم، حيث أودت الأعمال الإرهابية التي نفذتها بحياة الكثير من الضحايا، سواء في منطقة الشرق الأوسط أو خارجها. وتسعى مثل هذه التنظيمات إلى تعزيز حضورها على الساحة الدولية بالاستفادة من المكاسب التي حققتها مؤخراً في سوريا والعراق وليبيا واليمن وغيرها.

ولعل التحديات الاستراتيجية التي تواجهها الولايات المتحدة في هذا الصدد، ناجمة عن عوامل عديدة منها تغير الوضع الأمريكي في النظام الدولي عما كان عليه قبل سنوات سابقة (حلفاء أقل، موارد أقل، وقوات أقل للتعامل مع التهديدات)، ويُضاف إلى ذلك أن السياسات التي اعتمدتها واشنطن لمواجهة "القاعدة" و"داعش" وغيرهما من الجماعات المتطرفة، قائمة على سياسة "رد الفعل" بدلاً من السياسة "الاستباقية" والأخذ بزمام المبادرة.

وقد خلقت هذه التطورات انطباعاً بأن الولايات المتحدة لم تعد قادرة على كسب المعركة ضد تنظيمي "القاعدة" و"داعش". ومن ثم، فإن الإدارة الأمريكية بحاجة إلى استراتيجية جديدة لمكافحة الجماعات المتطرفة.

وفي هذا الإطار، تأتي الدراسة الصادرة عن معهد المؤسسة الأمريكية (AEI) بعنوان: "استراتيجية عالمية لمواجهة القاعدة وداعش"، وأعدها مجموعة من الباحثين في مقدمتهم "ماري هابيك"Mary Habeck – وهي باحثة زائرة في معهد المؤسسة الأمريكية، وزميلة بارزة في معهد أبحاث السياسة الخارجية. وعرضوا خلالها تصوراً لاستراتيجية دولية لمحاربة "القاعدة" و"داعش" وغيرهما من التنظيمات الجهادية، من خلال قراءة للوضع الحالي، وتقييم موقف هذه الجماعات.

الوضع الحالي للتنظيمات المتطرفة

تبدأ الدراسة بتقييم الوضع الحالي لتنظمي "القاعدة" و"داعش"، مشيرةً إلى تحقيقهما مكاسب كبيرة في سوريا والعراق وليبيا والقوقاز وأفغانستان، فضلاً عن شن هجمات إرهابية في عواصم أوروبية مثلما حدث في باريس مؤخراً.

وقد سعت "القاعدة" والتنظيمات المرتبطة بها إلى زيادة نفوذها في أكثر من 20 بلداً، حيث تلعب أدواراً قيادية من خلال حركات التمرد من شمال مالي إلى ميانمار. في حين يسيطر تنظيم "داعش" على نسبة كبيرة من أراضي سوريا والعراق منذ أكثر من عام، ويقوم بأدوار الحكومات في مجالات عديدة، وبلغ عدد مقاتليه 200 ألف وفقاً لتقديرات الدراسة. كما توسعت فروع "داعش" في ليبيا واليمن وأفغانستان وغيرها.

وبالتالي، فإن الاحتمالات باتت ضعيفة فيما يتعلق بالقضاء نهائياً على تنظيم "داعش" في سوريا والعراق على المدى القصير.

1- استراتيجيات "القاعدة" و"داعش":

يُعبر كل من "القاعدة" و"داعش" عن فكرة مركزية مفادها أن لديهما ما أسمته الدراسة "تكليفاً إلهياً" لتنظيم المجتمع البشري من خلال تنفيذ رؤيتهما للشريعة، وهذه الرؤية فرض عين على جميع المسلمين.

أ- تنظيم "القاعدة":

ينتهج تنظيم القاعدة استراتيجية (سياسية وعسكرية) للهيمنة على العالم، وتدمير جميع الأنظمة الاجتماعية والسياسية والدينية المنافسة، ويتم ذلك عبر عدة مراحل:

- المرحلة الأولى: تركز على إنشاء تنظيمات جديدة في العديد من المجتمعات ذات الأغلبية المسلمة، واستمالة المقاتلين في البلدان المستهدفة والتي بها شروط النجاح مثل؛ التمرد المستمر، والحكومات المركزية الضعيفة، ووجود مناطق خارج سيطرة الحكومة، أو عداء داخلي تجاه الغرب، كما يستمر التنظيم في جهوده لإقناع المسلمين العاديين بالانضمام إليه.

- المرحلة الثانية: تركز على محو الوجود الأمريكي من الدول ذات الأغلبية المسلمة، حيث يعتقد قادة تنظيم "القاعدة" أن الولايات المتحدة وحدها لديها الموارد والقدرات والاستعداد لإلحاق الهزيمة بهم، ومن ثم يُقاتلون الأمريكيين لإجبارهم على سحب قواتهم العسكرية من البلدان ذات الأغلبية المسلمة. كما تستهدف "القاعدة" الحكومات الحليفة لواشنطن، ومعاقبتها على تعاونها معها.

- المراحل التالية: تقوم "القاعدة" بفرض هيمنتها على السلوك الجماهيري، ونشر رؤية التنظيم للحكم في جميع أنحاء العالم من خلال العنف والدعوة، حتى تنشأ الولايات الإسلامية الأولى، ثم بعد ذلك "الخلافة".

ب- تنظيم "داعش":

اتخذ تنظيم "داعش" موقفاً أكثر برجماتية في استراتيجيته العسكرية والسياسية، حيث تُظهر بعض الوثائق في العراق أن التنظيم تبنى القيم والأفكار "البعثية" في الشؤون العسكرية والسياسية، مُعطياً مفهوم الخلافة نظرة واقعية. فـ"داعش" لديه أيديولوجية أكثر تطرفاً من "القاعدة" خاصةً فيما يتعلق بتطبيق الشريعة الإسلامية، ويعتمد عليها التنظيم – حسب تفسيره - في تبرير قتل الأبرياء، وبناء هياكل الحكم في سوريا والعراق.

2- أهداف التنظيمات المتطرفة:

تتمثل الأهداف الرئيسية من العمليات العسكرية لتنظيمي "القاعدة" و"داعش"، في كسر إرادة الولايات المتحدة والغرب، وردعهم عن التدخل في شؤون هذه التنظيمات، وإنهاء الدعم الغربي للأنظمة الإسلامية التي تقاوم "القاعدة" و"داعش"، علاوة على السيطرة على مزيد من الأراضي في الدول الإسلامية، وفرض الفكر الديني للجماعات المتطرفة.

استراتيجية جديدة لمكافحة "القاعدة" و"داعش"

تهدف هذه الاستراتيجية إلى هزيمة تنظيمي "القاعدة" و"داعش"، والحد من قدراتهما على تجنيد المزيد من المقاتلين والداعمين لهما. وتعرض الدراسة عناصر الاستراتيجية المقترحة، كالتالي:

1- مبادئ أولية:

يشير الباحثون إلى عدد من المبادئ الأولية المُتضمنة في استراتيجية مكافحة تنظيمي "القاعدة" و"داعش"، وتتمثل في الآتي:

أ- عودة المؤسسات العسكرية والاستخباراتية للقيام بدورها في منع هذه التنظيمات المتطرفة من التمدد وتجنيد مزيد من المسلحين. كما أنه لا يمكن تجاهل الحاجة إلى الحلول السياسية والدبلوماسية، ووجود سياسات مالية وقانونية جديدة لمكافحة التطرف.

ب- أهمية عمل الحكومة الأمريكية مع الحلفاء والشركاء لمواجهة "القاعدة" و"داعش"، وأن تساعد في بناء أنظمة حكم شرعية وقوية ومستقرة تحد من تنامي التنظيمات الإرهابية، ومنعها من العودة لممارسة أنشطتها مرة أخرى بعد هزيمتها.

ج- ضرورة أخذ الولايات المتحدة زمام المبادرة في هذا الصراع، بدلاً من الاعتماد على مبدأ "القيادة من الخلف".

د- تحديد الولايات المتحدة الخصوم الفاعلين الرئيسيين في العالم الإسلامي، وهم – من وجهة نظر الدراسة-  إيران والنظام السوري الحالي و"حزب الله". كما أن روسيا من خلال انتشارها القوي في منطقة الشرق الأوسط، تفرض تحدياً قد يؤدي إلى صراع إذا لم يتم التنسيق الدبلوماسي مع موسكو.

2- مواجهة أيديولوجية التنظيمات "مركز ثقل العدو":

يتمثل مركز ثقل التنظيمات المتطرفة في عقيدتها، وهي نوع من أنواع الجهادية السلفية. ويرى الباحثون أنه إذا تم نزع شرعية هذه العقائد الإرهابية التي تجذب المسلمين إلى "القاعدة" وغيرها من المنظمات المتطرفة الأخرى، فيمكن حينها هزيمة التنظيمات. وعلى العكس من ذلك، إذا تم الفشل في التعامل مع أفكار وعقائد ودوافع تحرك تلك التنظيمات، فسيكون هناك صعوبة في مواجهتها.

وتنصح الدراسة في هذا الشأن باتباع الخطوات التالية:

أ- أن تعمل الولايات المتحدة مع شركائها لمواجهة هذه الأيديولوجيات والعقائد الجهادية بالفكر النقدي، وتأكيد ضررها على الأمة الإسلامية.

ب- تقوية الجماعات الدينية المحلية المعادية لتنظيمي "القاعدة" و"داعش"، باعتبار أنها الأجدر على تقديم الحجج المتطورة التي تفند الأيديولوجيات المتطرفة.

ج- أن تقوم واشنطن بمعاقبة أي من المتعاونين مع الجماعات المتطرفة، وطمأنة حلفائها وشركائها أنها تقف بجانبهم على المدى الطويل.

د- تقويض الأيديولوجيات المتطرفة مالياً ودينياً، وذلك بقطع التمويل عن الأئمة والشيوخ المتطرفين، وفي الوقت نفسه دعم البدائل المعتدلة في المجتمعات الإسلامية.

3- حلول سياسية لأزمات المنطقة:

تؤكد الدراسة أن محاربة هذه الأيديولوجيات تتطلب عدم إغفال الحلول السياسية لأزمات منطقة الشرق الأوسط، وذلك من خلال تشجيع ودعم الحكومات التي تعتبر في نظر شعوبها شرعية، وقادرة على تأمين أراضيها، ومكافحة المتطرفين بدعم ضئيل من الخارج.

وتعترف الدراسة أن هذه الحلول السياسية لمشكلات المنطقة تتطلب عقوداً - وليس سنوات - من جانب الولايات المتحدة وحلفائها، ولكن أيضاً من دون هذه الحلول لن يكون ثمة سلام واستقرار دائم بالإقليم. وفي الوقت نفسه، يُقر الباحثون بحقيقة مفادها أنه بالنظر إلى النجاحات العسكرية التي يحققها تنظيما "القاعدة" و"داعش"، فلن تكون الحلول السياسية ممكنة إذا استمرت مستويات العنف التي يمارسها المتطرفون مرتفعة جداً في جميع أنحاء المنطقة.

4- حملات مكافحة التمرد المستمرة في المنطقة:

تعد حملات مكافحة التمرد بمنزلة العمل العسكري الوحيد المؤهل للنجاح ضد المتطرفين، من خلال سلسلة من الحملات الإقليمية المنسقة والمستمرة بالتزامن مع الجهود السياسية والدبلوماسية والأيديولوجية، ويكون ذلك عبر الآتي:

أ- دعم القوات المحلية، مثلما فعلت الولايات المتحدة في العراق من خلال بعض التقنيات والتكتيكات التي تقوم بها القوات المحلية، والتي تركز على هزيمة المتمردين وإبطاء تقدمهم. ولا تعني هذه الحملات نشر القوات الأمريكية للقتال في العديد من البلدان، ولكن تمكين القوات الوطنية، ودعمها بجهود التدريب والاستشارة.

ب- أن تتم حملات مكافحة التمرد في إطار إقليمي وليس بمعزل عن بعضها البعض، حيث إن "داعش" و"القاعدة" لا يعترفان بالحدود الدولية. مع ضرورة أن تكون الولايات المتحدة مُطلعة مع شركائها على هذه الحملات وآليات التنسيق الإقليمية. وعلى هذا النحو يمكن محاصرة التنظيمات الجهادية وقطع الإمدادات عنها.

ج- حتمية الاستمرارية في محاربة المتمردين، حيث يتعين على الولايات المتحدة أن تكون مهيأة سياسياً ومالياً وعسكرياً ونفسياً لحرب طويلة ضد التنظيمات الإرهابية، فهي معركة لن تنتهي بين يوم وليلة، ولكنها مستمرة على المدى الطويل.

ختاماً، يشير الباحثون إلى أنه قد يكون ثمة مخاطر ترتبط بهذه الاستراتيجية لمكافحة "القاعدة" و"داعش"، وتتمثل في استمرار المعركة لفترة طويلة. لذلك يُوصي هؤلاء الكتَّاب بضرورة نشر عشرات الآلاف من القوات الأمريكية كمستشارين ومساعدين في العديد من البلدان، مع الدعم الجوي للشركاء المحليين، وتوسيع شبكة التعاون المعلوماتي والاستخباراتي.

أما مخاطر عدم التحرك لمواجهة التنظيمات الجهادية، فهي أشد وطأةً. فإذا قررت الولايات المتحدة التنصل من هذا الصراع، فإن المتطرفين سينجحون في السيطرة على مزيد من الأراضي، وجذب الكثير من المقاتلين، وإنشاء كيانات بديلة للدول. وبالتالي في هذه الحالة ستعاني واشنطن وحلفاؤها خطر الإرهاب والتمرد بدرجة أكثر ضراوة، بما يخلق ملاذات آمنة للمتطرفين في جميع دول العالم، وبالتالي التأثير على أمن الولايات المتحدة سواء داخلياً أو خارجياً.


* عرض مُوجز لدراسة بعنوان: "استراتيجية عالمية لمواجهة القاعدة وداعش"، والصادرة عن معهد المؤسسة الأمريكية (AEI) في ديسمبر 2015.

المصدر:

Mary Habeck and others, A global strategy for combating al Qaeda and the Islamic State (Washington: American Enterprise Institute, December 2015).