أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

سيناريو افتراضي:

كيف يتصرف "ترامب" لو نشبت حربًا مع الصين؟

22 يوليو، 2019


عرض: ياسمين أيمن - باحثة في العلوم السياسية

مع اشتداد الصدام بين الولايات المتحدة والصين خلال أول عامين للرئيس "دونالد ترامب"، والتصعيد المتبادل على خلفية الحرب التجارية والتكنولوجية المحتدمة بينهما، والتي يُتوقع أن تأخذ منحى تصعيديًّا خلال السنوات القادمة، بحسب بعض التحليلات الغربية، أصدرت مجلة "الإيكونوميست The Economist" تقريرها السنوي في يوليو الجاري بعنوان "ماذا لو؟" الذي تضمن سيناريو حدوث حرب عسكرية بين واشنطن وبكين في بحر الصين الجنوبي. ويتناول ردود فعل كل منهما، والطريقة التي يتعامل بها إعلامهما، فضلًا عن ردود فعل الديمقراطيين والجمهوريين.

وضم تقرير المجلة أيضًا سيناريو آخر حول احتمالات انسحاب الولايات المتحدة من حلف شمال الأطلنطي (الناتو)، ولا سيما بعد الانتقادات المتعددة التي يوجهها "ترامب" للحلف ودوله، وحديثه عن تقليل الالتزامات الأمريكية به، التي تثقل كاهل اقتصاد دولته، تاركًا أوروبا بمفردها، الأمر الذي قد يؤدي إلى تفكك الاتحاد الأوروبي لصعوبة اعتماد أمن دوله الكلي على فرنسا وألمانيا فقط.

سيناريو التصادم العسكري

يرسم تقرير المجلة سيناريو تخيليًّا عن حدوث تصادم بين الصين والولايات المتحدة في بحر الصين الجنوبي خلال شهر أكتوبر 2020، قبل موعد إجراء الانتخابات الرئاسية الأمريكية القادمة المقرر لها في نوفمبر من العام ذاته. ويُضيف السيناريو أنه رغم أن تلك الأزمة قد تستغرق نحو أسبوعين حتى يتم حلها، فإنها تبرهن على أن الصراع مع عدو خارجي لا يكفي لتوحيد الرأي العام الأمريكي، وتزايد التأييد للرئيس الحالي الذي يخوض الانتخابات للفوز بفترة رئاسية ثانية. 

ويشير السيناريو إلى أنه قبل تلك الأزمة كان هناك تنافس محموم بين المرشحين الجمهوري "دونالد ترامب" والديمقراطي (يتوقع السيناريو أن تكون السيناتور "كاملا هاريس") على مقعد الرئاسة، وقد أوضحت استطلاعات الرأي في ذلك الوقت تراجع التأييد الأمريكي للرئيس "ترامب"، الذي يُوصف بلهجته المتهورة التي لا تتناسب مع شخص في مكان قيادة، مقابل تزايد التأييد لمرشحة الحزب الديمقراطي.

ويُضيف أنه في هذا الوقت تستطيع الصين أن تحقق انتصارًا كبيرًا على المدمرة البحرية الأمريكية McCampbell التي حاصرتها في بحر الصيني الجنوبي لمدة 13 يومًا باستخدام مجموعة من السفن البحرية الخاصة بالصيد، وسفن عسكرية، بحجة أنها قد اخترقت المياه الإقليمية الصينية، واعتدت على مجموعة من الصيادين الصينيين، فمات واحد منهم. وعقب ذلك تشن بكين حربًا إعلامية، حيث تنشر وكالات الأنباء الصينية صورًا لمغادرة المدمرة الأمريكية لجزر باراسيل ببحر الصيني الجنوبي، مع استعراض قوة البحرية الصينية في تلك المنطقة.

وفي ردٍّ على ما قامت به الصين، يضيف السيناريو أن المسئولين الأمريكيين سيعلنون أن المدمرة لم تُهزم، لكنها واجهت العدوان الصيني بحالة عظيمة من ضبط النفس. كما يحاول مجموعة من أعضاء الكونجرس المطالبة بحملة بحرية لتحقيق "حرية الملاحة" في بحر الصين الجنوبي، لكن الرأي العام الأمريكي لا يتقبل تلك الفكرة حينذاك. 

واستكمالًا لأحداث ذلك السيناريو التخيلي، يرد البنتاجون بعد أيام من نشر وكالات الأنباء الصينية الصور بتصريح وجيز مضمونه أن المدمرة لم تتعدّ خطوط الملاحة الدولية بجزر باراسيل، وأنها امتثلت لأوامر القيادة الصينية. وعقب ذلك بساعات تنشر وكالة الأنباء الصينية مقاطع فيديو توضح اعتداءات على الصيادين الصينيين من قبل غواصة أمريكية وقارب سريع، الأمر الذي دفع بكين لنشر قوة بحرية بعد نصف ساعة من الاعتداء الأمريكي تتكون من مراكب صيد لتحيط بالمدمرة الأمريكية. وتفسر وزارة الدفاع الصينية تلك التحركات بأن مراكب الصيادين الصينيين قد تعرضت لإطلاق نار من قبل البحارة الأمريكيين، معلنة عن اعتقالها بحارًا أمريكيًّا قتل صيادًا صينيًّا.

وفي المقابل، تعلن وزارة الدفاع الأمريكية في التاسع من أكتوبر 2020 في رد على مقاطع الفيديو، عن شروعها في التحقيق بالمسألة برمتها، ثم تخرج في بيان موجز قبيل ساعة من المناظرة الرئاسية بين المرشحين الجمهوري والديمقراطي يشير إلى أن المدمرة لم تخترق المياه الإقليمية الصينية، ولكنها كانت تسير بين الجزر الصخرية التي لا تنتمي لأي دولة، والتي تمثل مياهًا دولية. أما عن الصيادين الذين تم إطلاق النار عليهم، فهي خدعة مدبرة من قبل بكين وقواتها البحرية الموجودة عند جزر باراسيل، حيث لم يصدر عن البحارة الأمريكيين تلك الأفعال. ويضيف البيان أن كل ما حدث كان رغبة في ابتزاز الولايات المتحدة وجرها نحو حرب.

ويُضيف السيناريو أن المرشح الجمهوري "ترامب" سيستغل ذلك الحادث، ملقيًا اللوم على الديمقراطيين الذين يروجون الأكاذيب في حقه. بينما تقول المرشحة الديمقراطية "كاملا هاريس" إن الولايات المتحدة لا ترغب في الدخول في حرب عالمية ثالثة بسبب مجموعة من الجزر الصخرية. وبعد ذلك بأيام يستقبل "ترامب" قادة البحرية الأمريكية في البيت الأبيض، ويعلن عن أنه سيرد بقوة غاشمة إذا لم تستجب الصين وتفرج عن البحار والمدمرة الأمريكية، ليتم الإفراج لاحقًا عن البحار الأمريكي المتهم بقتل الصياد الصيني، وتقوم السلطات في بكين بنقل أسرة الصياد لمكان مجهول على إثر الاحتجاجات الطلابية التي خرجت بجزيرة هاينان ببحر الصين الجنوبي اعتراضًا على إطلاق سراح البحار الأمريكي، معلنة عن تقديم "ترامب" اعتذارًا رسميًّا لها.

وكعادة الرئيس "ترامب" فإنه سيستخدم حسابه على موقع "تويتر" ليعلن أنه لم يقدم اعتذارًا للصين، ولكن الرئيس الصيني يتسم بالذكاء لتصرفه على ذلك النحو. وتعلق وزارة الدفاع الأمريكية لاحقًا على احترامها قرار قائد المدمرة في البقاء بموقعه محاصرًا بالسفن الصينية لتظل السفينة المحتجزة للبحار الأمريكي في مرمى نظره، وفي غمار كل ذلك لا يعلق الرئيس الصيني على الأزمة برمتها تاركًا الأمر لادعاءات الناس والصحف التي روجت حينها صورة للبحارة الصينيين يحملون خطابًا من الرئيس الصيني يطلب منهم "بناء قوة بحرية قوية" تضاهي قوة المدمرة الأمريكية، وترد "النيويورك تايمز" بأن بكين قد أصلحت أجزاء من المدمرة وأرسلتها للتحليل، في حين تتجاهل حملات الرئاسة التعليق على تطورات الأزمة.

سيناريو الانسحاب

ينسج التقرير سيناريو تخيليًّا آخر عن انسحاب الولايات المتحدة من حلف شمال الأطلنطي (الناتو) وبقاء دوله الأوروبية بمفردها داخله. ويبدأ السيناريو بفوز المرشح الجمهوري "دونالد ترامب" في الانتخابات الرئاسية التي ستجري في نوفمبر من العام القادم بنسب ضئيلة. ويضيف التقرير أن تبنيه لسياسة "أمريكا أولًا" ستؤثر على أحداث السيناريو برمته. 

ويقوم السيناريو الافتراضي على أنه بعد فراغ الرئيس "ترامب" من مشاهدة مسلسله المفضل في أبريل 2023، كتب تغريدة على حسابه بموقع تويتر معلنًا فيها أنه لطالما لم تشارك أوروبا الولايات المتحدة في مشاكلها، وأن الأخيرة ليست على استعداد لإرسال جنودها لدعم الحلف. ويأتي ذلك على خلفية مجموعة من الأحداث التي امتدت منذ اجتماع قمة "الناتو" في عام 2021 بمدينة بوتسدام الألمانية، حيث أعلن القادة رغبتهم في ضم روسيا إلى الحلف، ثم الحرب التجارية المشتعلة بين الاتحاد الأوروبي وواشنطن في العام التالي.

ويسترسل التقرير في رواية القصة المتخيلة، حيث يصور أحداث اليوم التالي لتلك التغريدة، حين يسرع "جاريد كوشينر" وزير الخارجية الأمريكي وصهر الرئيس "ترامب" لتوقيع خطاب يعلن فيه عن رغبة الولايات المتحدة في الانسحاب من حلف "الناتو" بنهاية العام، ثم يقوم بإرساله لسفارات دول الحلف بواشنطن. وعلى الرغم من رؤية الكونجرس الأمريكي بمجلسيه أن هذا سيكون خطأ فادحًا؛ يتمسك الرئيس بموقفه، حيث يصرح بأنه لن يسمح باستغلال أمريكا أكثر من ذلك، مبديًا رغبته في عودة نحو عشرة آلاف جندي أمريكي منتشرين في أوروبا إلى أراضي الولايات المتحدة بنهاية شهر نوفمبر 2023.

ولا يرى السيناريو الافتراضي أن الاتحاد الأوروبي سيكون متفاجئًا بهذا القرار؛ إلا أنّ توقيته كان صادمًا، ولا سيما مع إعلان تكوين حكومة فيدرالية بين روسيا وبيلاروس (روسيا البيضاء) برئاسة "فيلاديمير بوتين" الذي مدّ فترة رئاسته خمس سنوات أخرى بناءً على رغبة شعبية. 

ولذلك يعقد رؤساء الدول الأوروبية وأعضاء حلف الناتو قمة استثنائية ببروكسل، ويتخذون قرارًا بالوقوف جنبًا إلى جنب اعتمادًا على صندوق الدفاع الأوروبي الذي تشكل في عام 2016 بمبلغ يُقدر بـ13 مليار يورو. وتعلن رئيسة المجلس الأوروبي حينذاك "أنجيلا ميركل" أن ميزانية صندوق الدفاع الأوروبي التي بلغت حينها 30 مليار يورو تفوق روسيا بأربعة أضعاف، وهو أمر يجب التعويل عليه للإيمان بقوة أوروبا على مواجهة أي خطر يعترضها، إلا أن ذلك القرار تتم مقابلته برفض مفاجئ من قبل تركيا التي توترت علاقتها مع دول القارة في عام 2022 على خلفية إلغاء الانتخابات الرئاسية التركية، وإعلان العمل بقانون الطوارئ.

وتغلبًا على هذا الموقف، يقرر زعماء الاتحاد الأوروبي إنشاء منظمة بمعاهدة أوروبية جديدة بحلول صيف 2023. ويشير السيناريو إلى وجود مشكلة أخرى تتمثل في رئاسة المنظمة الجديدة. فسابقًا كانت الولايات المتحدة هي القائدة وبريطانيا هي نائبتها داخل الحلف. لكن بعد انسحاب الأولى من الحلف والثانية من الاتحاد الأوروبي، تصبح ألمانيا أكبر ممول وأكبر قوة عسكرية، لذلك يوافق الدول الأعضاء على رئاستها للمنظمة الجديدة، ونقل مقرها العسكري لفرساي منشأ حلف الناتو قديمًا.

ويستطرد التقرير في عرض المشكلات التي تواجه المنظمة الجديدة، فيشير إلى أن الولايات المتحدة كانت المصدر الأساسي للمعلومات الاستخباراتية التي تسهل حركة الطائرات والسفن، كما أنها كانت تمدها بالوقود والدعم المالي، فضلًا عن بريطانيا التي كانت مساهمتها المالية تمثل ربع تمويل حلف الناتو، وبغياب الاثنين يصعب تسيير عمل معدات الحلف. وما يعظم تلك المشكلات أنه بالتزامن معها تعلن واشنطن عن سحب قنابلها النووية الموجودة بدول أوروبا وبقية الأسلحة، سواء الجوية أو البحرية، ونقلها لليابان وكوريا الجنوبية. 

وفي الوقت ذاته، تزداد قوة الدفاع النووي الروسي ومخاطره، خصوصًا عقب تمركزه ببيلاروس، وقدرته على استهداف أي عاصمة أوروبية في دقائق، فضلًا عن زيادة مخاطر كوريا الشمالية، حيث أضحى لديها صواريخ تصل إلى العمق الأوروبي، وإعادة إحياء إيران برنامجها النووي، الأمر الذي يجعل القارة الأوروبية معرضةً لتهديدات نووية خطيرة. 

ولا يرى التقرير أنه سيكون هناك إجماع واتحاد أوروبي على مواجهة تلك التهديدات، لانشعال كل دوله بالتحديات الأمنية التي تواجهها، حيث تعد إيطاليا نفسها لمواجهة الهجرة القادمة من شمال إفريقيا، ومقدونيا ومونتينيجرو تواجه انقلابات عسكرية مدعومة من روسيا، وتتجه بقية الدول لتشكيل ائتلافات مصغرة أو العمل على دعم برامجها النووية، وهو ما يجعل الصورة قاتمة بالنسبة لمستقبل المنظمة الجديدة. ويضيف السيناريو التخيلي أن الرئيس الأمريكي سيخرج من ناديه بفلوريدا في عام 2024 معلقًا على المشهد الأوروبي بتغريدة تقول: "دول أوروبا تسعى لتأسيس جيوشها بدلًا من دفع مستحقات الناتو، فكيف يكون ذلك؟".

وختامًا، استند السيناريوهان الافتراضيان اللذان طرحتهما مجلة "الإيكونوميست" على السلوك الذي ينتهجه الرئيس الأمريكي في التعامل مع الأزمات. وعلى الرغم من توقع السيناريو الأول احتمال نشوب حرب بين الولايات المتحدة والصين في بحر الصين الجنوبي، وهو ما تشير إليه بعض الكتابات الغربية، إلا أن هناك اتجاهًا لدى بعضها يرفض تلك الفرضية لمعرفة الدولتين مخاطر نشوب تلك الحرب، وعدم رغبتهما في تكبد خسائر كبرى. 

وفي حال تحقق السيناريو الثاني الذي يؤسس على انسحاب الولايات المتحدة من حلف شمال الأطلنطي، وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي؛ فإن ذلك سيكون -بحسب الكثير من الدراسات- لحظة تفكك الاتحاد في الوقت الذي تتصاعد فيه قوة روسيا، وتتزايد تهديداتها للأمن الأوروبي، ما يجعل دول القارة الأوروبية في حال تحقق هذا السيناريو على حافة الهاوية.

للمزيد: 

"The world If", The Economist, London, July, 6, 2019, pp. 1-4.