أخبار المركز
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)

الاتجاهات الثلاثة:

قضايا ومحددات جديدة لسياسة اليابان الخارجية

08 سبتمبر، 2014


إعداد: سلمى العليمي


إن إحدى السمات الجديدة والاتجاهات الصاعدة الآخذة في التشكل لتوزيع القوى في النظام الدولي هي بروز تحولات جذرية ترتبط بصعود قوى لا تحاول استثمار تقدمها الاقتصادي فقط، بل تعمل على وضع سياسات أخرى تتناسب مع تغير خريطة الفاعلين الدوليين الكبار. ويتضح هذا التوجه في القارة الآسيوية أكثر من بقية المناطق في العالم، لاسيما في ضوء ما تمر به منطقة شرق آسيا من بداية تحول في خريطة التحالفات التي سادت منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى الآن، وفي ظل تنامي التوترات والصراعات الإقليمية، خاصة بين اليابان والصين.

في هذا الإطار نشر "تاكاشي إينوجوشي" Takashi Inoguchi أستاذ العلوم السياسية المتفرغ في جامعة طوكيو ورئيس جامعة نيجاتا في اليابان، مقالاً بعنوان: "دعوة إلى سياسة خارجية يابانية جديدة.. معضلات الدولة صاحبة المصلحة" "A call for a new Japanese foreign policy: The dilemmas of a stakeholder state" ، وذلك في دورية "شؤون دولية" الصادرة عن المعهد الملكي للشؤون الدولية "تشاتم هاوس"، حيث تتناول هذه المقالة السياسة الخارجية لليابان والخيارات التي تواجهها طوكيو في ظل سياق عالمي متغير، وذلك من خلال استعراض ثلاثة اتجاهات محددة للسياسة الخارجية اليابانية، وهي: "الواقعية الكلاسيكية" Classical realism، و"البرجماتية التحويلية" Transformative pragmatism، والأممية الليبرالية Liberal internationalism، وذلك في محاولة للوصول إلى "توليفة جديدة" للسياسة الخارجية اليابانية تجمع بين الاتجاهات الثلاثة.

أولاً: محددات السياسة الخارجية اليابانية

1- "الواقعية الكلاسيكية":Classical realism  

يهتم هذا المحدد أو الاتجاه بالحفاظ على الوضع الراهن وعلى السيادة، وتعزيز القدرات الدفاعية وبناء شبكة من التحالفات. ويشير الكاتب إلى حدوث عدة توترات أخيرة في سياسات شرق آسيا تكشف عن التوجه الواقعي الكلاسيكي للسياسة الخارجية اليابانية، حيث شهد عام 2013 ثلاثة أحداث في هذا الصدد، منها قيام سفينة حربية صينية يومي 15و30 يناير من العام الماضي بتصويب رادار لإطلاق النار على سفينة مراقبة يابانية في بحر الصين الشرقي، وعلى أثرها وجهت الحكومة اليابانية اللوم لنظيرتها الصينية لاختراق ميثاق الأمم المتحدة الذي يحظر التهديد باستخدام القوة، فيما نفت بكين تورطها في هذه الأحداث، كما أبلغ القادة اليابانيون الولايات المتحدة التي أصدرت بدورها بياناً قوياً تدين فيه الصين لعملها الاستفزازي.

وأبدى الكاتب عدة ملاحظات على هذه الحادثة من خلال ربطها بالواقعية الكلاسيكية، ويحمل بعضها طابعاً سلبياً نحو اليابان، وتتمثل في طول الفترة الزمنية التي اتخذتها طوكيو للتحقيق في الحادث، وعدم تخوف الصين من اتخاذ واشنطن موقفاً صارماً تجاهها، فيما كان إنكار بكين لتورطها في هذا الحدث دليلاً على أنها لا تريد أن تكون في موقف المعتدي، ولعل هذا الأمر إيجابياً بالنسبة لليابان.

وثمة حادثة أخرى في 12 فبراير 2013 عندما قامت كوريا الشمالية بتجربتها النووية الثالثة، ونددت اليابان بهذا العمل لما يمثله من زعزعة لاستقرار منطقة شرق آسيا والتوسع في الانتشار النووي. ودلالة هذا الحدث أنه تم تنفيذ سياسة "الاحتواء القسري" coercive engagement  مع بيونج يانج.

ويؤكد إينوجوشي أن ثمة مشكلة أساسية تواجهها اليابان مع اعتماد نهج "الواقعية الكلاسيكية"، تتعلق بأن الدستور الياباني يعطي دوراً محدوداً للقوات المسلحة، مما أوجد مشاكل متعلقة بشبكات القيادة والسيطرة والاتصالات والاستخبارات، والمعروفة باسم (C31)، الأمر الذي أعاق قدرة البلاد على لعب دور جنباً إلى جنب مع حلفائها.

2- "البرجماتية التحويلية" :Transformative pragmatism

تسعى اليابان من خلال تبني هذا الاتجاه إلى تجديد اقتصاد البلاد وتنميته، والتركيز على توليد الطاقة، وزيادة الدخل القومي من خلال تشجيع الاستثمار والصناعة عن طريق مجموعة من السياسات النقدية والمالية، والمعروفة باسم "Abenomics".

ووفقاً لما ذكره الكاتب، تقوم "البرجماتية التحويلية" كذلك على الاعتماد الذاتي في بناء القدرات العسكرية سواء التقليدية أو النووية، وتغيير عقلية التبعية للولايات المتحدة، وتأكيد الحفاظ على مسافة في علاقة طوكيو بكل من واشنطن وبكين، وإن كان ذلك لا يعني خروج اليابان عن تحالف الولايات المتحدة، بل على العكس فهذا التوجه يبقي على ذلك التحالف، ولكن من دون التركيز بشدة على تفضيلات الولايات المتحدة حول القضايا ذات الأهمية.

ويرى الكاتب أن ذلك التحول في الاستراتيجية اليابانية نحو مزيد من الاستقلالية قد يكون محل ترحيب من قبل واشنطن، شريطة ألا تتجاوز طوكيو الخط الأحمر الذي رسمته لها واشنطن.

3- "الأممية الليبرالية"  :liberal internationalism

يُعبِّر اتجاه "الأممية الليبرالية" عن تعزيز المعايير والمؤسسات العالمية، وهناك مجموعة من القضايا تقع ضمن هذا المجال مثل (الاقتصاد والتجارة وحقوق الإنسان والسلام وحقوق الملكية الفكرية والبيئة والعمل).

ومن جانبها، فقد أظهرت اليابان دعماً قوياً للأنظمة التي تتعامل مع هذه القضايا، حيث يؤكد الكاتب على دور طوكيو المهم في تعزيز التجارة الحرة في جميع أنحاء العالم، فضلاً عن كونها لاعباً رئيسياً في تشكيل قواعد التجارة الحرة الإقليمية. ويكفي القول إن واحدة من المخططات التي يجري الترويج لها حالياً من قبل اليابان في منطقة آسيا والمحيط الهادئ هي إبرام اتفاقية شراكة إقليمية اقتصادية شاملة (RCEP) تشمل كل اتفاقيات التجارة الحرة الإقليمية ضمن إطار واحد كبير، وإذا تحققت ستصبح أشبه بمنظومة التجارة العالمية على نطاق إقليمي.

وفي إطار هذا الاتجاه أيضاً، يشير الكاتب إلى إسهامات طوكيو في الأمم المتحدة من خلال حفظ السلام والمساعدات الإنمائية الخارجية، كما تعمل اليابان على تعزيز جهود المؤسسة الدولية في مجالات مثل (الكرامة الإنسانية، وحقوق الإنسان، وعدم الانتشار النووي، والتنوع الثقافي، والقضاء على الفقر، ومحو الأمية).

وقد مثل مؤتمر طوكيو الدولي المعني بالتنمية في أفريقيا (تيكاد TICAD) وسيلة مهمة لتعزيز أوراق اعتماد اليابان في الأمم المتحدة، حيث عملت طوكيو خلال ربع القرن الماضي على دفع عجلة التنمية الاقتصادية في أفريقيا، وتطوير الصحة والتعليم والبنية التحتية مثل إمدادات المياه والطاقة والاتصالات والنقل.

ثانياً: قضايا ذات صلة بالاتجاهات الثلاثة

يشير الكاتب إلى أربع قضايا ذات صلة بالاتجاهات الثلاثة السابق ذكرها، وهي: (العولمة، والتحالف مع الولايات المتحدة، وتشكيل مجتمع شرق آسيوي، وسياسة "قوس الحرية والازدهار")، ويمكن توضيح ذلك كالتالي:

1- العولمة: بالنظر إلى ما شهدته العقود الماضية من تحرير التجارة، فإن العديد من الكتَّاب يصفون القرن العشرين بأنه "قرن العولمة" مع التركيز على الدول السبع الكبرى (G 7)، وكذلك دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)، بينما يرى كاتب المقال أن "قرن العولمة" يرمز إلى عولمة الاقتصادات الناشئة وكذلك بلدان (OECD)، مضيفاً أن هذه العولمة الجديدة تمثل المستوى المناسب وليس المفرط للعولمة.

وفي حالة اليابان، فإن ثمة توقعات بألا تعمل منظمة التجارة العالمية بكفاءة، مما سيساهم بشكل فعال في تدشين الشراكة الإقليمية الاقتصادية الشاملة (RCEP) السابق الإشارة لها أعلاه، وهي فكرة أقرب إلى اتفاقات ثنائية للتجارة الحرة في إطار منظمة التجارة العالمية، ولكنها تعطى مجالاً أكثر مرونة لتعديل البنود لتناسب الظروف المحلية لكل دولة.

2- تحالف أوثق مع الولايات المتحدة: لا شك أن استراتيجية الولايات المتحدة التي تنطوي على دعم الروابط الدبلوماسية والعلاقات التجارية والأمنية مع آسيا والمحيط الهادي فيما يعرف باسم "محور الارتكاز الآسيوي Pivot to Asia"، هذه الاستراتيجية قد تمكن اليابان من تجنب الاختيار ما بين زيادة اعتمادها على الولايات المتحدة أو التحرك نحو الاستقلال في الجانب الأمني، فاستراتيجية واشنطن تتطلب إيجاد محور من الحلفاء والأصدقاء لتعزيز الشراكات الاستراتيجية، لاسيما من حيث تبادل المعلومات الاستخباراتية والتعاون المشترك في مجال صناعة الأسلحة الثقيلة.

وترى اليابان أن تعزيز هذه الشراكة في المجالات العسكرية، سوف يساهم ليس فقط في تطوير القدرات القتالية لطوكيو، بل أيضاً في تعزيز قدرة اليابان على التفاوض ومساومة الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية.

3- تشكيل مجتمع شرق آسيوي: تدعم السياسة الخارجية اليابانية بشكل عام فكرة التحالفات، ولكن يتغير موقفها تجاه هذه التحالفات وفقاً لموقف الحلفاء الآخرين، بمعنى ما إذا كانوا موالين أو معادين للولايات المتحدة أو الصين، والعكس. ويشير الكاتب إلى أنه مع زيادة حدة القضايا الإقليمية مع كل من الصين وكوريا الجنوبية، سقطت فكرة تشكيل "مجتمع شرق آسيوي" من الذاكرة اليابانية.

4- دبلوماسية "بناء قوس الحرية والازدهار": تم الإعلان عن هذه السياسة الجديدة للدبلوماسية اليابانية في عهد رئيس الوزراء "شينزو آبي" Shinzo Abe  إبان الفترة (2006- 2007) وعندما كان "تارو أسو" Taro Aso وزيراً للخارجية، وهدفت دبلوماسية "بناء قوس الحرية والازدهار" إلى تحقيق ثلاثة أهداف، أولها: جعل وجود اليابان واضحاً وعلى نطاق واسع خاصةً بعد تقلد الصين الصدارة مع إعلانها عن ارتفاع معدل النمو الاقتصادي السنوي في مطلع الألفية الجديدة، وثانيها: التوافق مع عقيدة الرئيس الأمريكي حينذاك "جورج بوش" والمشاركة في مكافحة الإرهاب والتصدي للأنظمة الاستبدادية الراعية له مثل العراق وإيران وكوريا الشمالية، وثالثاً: تعزيز المساعدات الإنمائية اليابانية والمساهمات الأخرى في المجتمع الدولي مثل عمليات حفظ السلام والمساعدة الإنسانية ودعم الحرية وحقوق الإنسان والديمقراطية وسيادة القانون.

قصارى القول، ينصح الكاتب بضرورة المزج بين الاتجاهات الثلاثة المذكورة سابقاً "الواقعية الكلاسيكية، والبرجماتية التحويلية، والأممية الليبرالية"، لأن ذلك من شأنه صياغة سياسة خارجية جديدة لليابان تتماشى مع التحولات العالمية الراهنة، مؤكداً أن اتجاه "الواقعية الكلاسيكية" يمكن النظر إليه في سياق المنافسة السياسية الداخلية أفضل من اتباعه كنهج للتعبير عن توجه من قبل الحكومة والمجتمع المدني تجاه الخارج، بينما يركز اتجاه البرجماتية التحويلية على Abenomics"" تنشيط النمو الاقتصادي عن طريق مجموعة من السياسات النقدية، فيما يعتمد الاتجاه الأخير "الأممية الليبرالية" على الأفكار والمؤسسات الدولية التي تعزز مبادئ الحرية والسلام والرخاء في دول العالم.


* عرض مختصر لمقال بعنوان: "دعوة إلى سياسة خارجية يابانية جديدة.. معضلات الدولة صاحبة المصلحة"، والمنشور في يوليو 2014 بدورية "شؤون دولية" الصادرة عن المعهد الملكي للشؤون الدولية في لندن.

المصدر:

Takashi Inoguchi, A call for a new Japanese foreign policy: The dilemmas of a stakeholder state, International affairs, Volume 90, Number 4 (London: The Royal Institute of International Affairs, July 2014) PP 943 - 958.