أخبار المركز
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)

جوانب خفية:

أسباب ودلالات بروز ظاهرة "الإرهاب العائلي"

30 نوفمبر، 2016


طرحت العمليات الإرهابية التي تعرضت لها بعض الدول الأوروبية، على غرار فرنسا وبلجيكا، خلال عامي 2015 و2016، دلالات عديدة ترتبط بنجاح التنظيمات الإرهابية، خاصة تنظيم "داعش"، في تكوين ما يسمى بـ"الخلايا النائمة" داخل تلك الدول، التي تمكنت من تجاوز القيود الأمنية المشددة التي اتخذتها، وتنفيذ تلك العمليات التي استهدفت إيقاع أكبر عدد من الضحايا من أجل الرد علي العمليات العسكرية التي تشارك فيها تلك الدول ضد هذه التنظيمات في مناطق متعددة في الشرق الأوسط، لا سيما في العراق وسوريا ومالي والصومال واليمن.

لكن ربما يكون أهم ما طرحته هذه العمليات الإرهابية هو بروز ما يطلق عليه "الإرهاب العائلي"، الذي يقصد به العمليات الإرهابية التي تقوم بها مجموعة من الأفراد الذين ينتمون إلى عائلة واحدة.

ووفقًا لاتجاهات عديدة، فإن هذه الظاهرة تبدو جديدة نسبيًّا، حيث كانت التنظيمات الإرهابية فيما قبل عام 2011، تضم في صفوفها العديد من الأشقاء أو الأقارب، لكن دون مشاركتهم في عملية إرهابية واحدة إلا باستثناءات قليلة. لكن مع ظهور الأنماط الجديدة من التنظيمات الإرهابية، مثل تنظيم "داعش"، بدأ هذا الاتجاه يتسع تدريجيًا، ليتحول، في بعض الحالات، إلى إحدى الآليات الرئيسية التي تستخدمها تلك التنظيمات سواء في تجنيد مزيد من المتطرفين أو في تنفيذ عمليات إرهابية نوعية في بعض الدول.

ملامح متعددة:

وقد شهدت السنوات الأخيرة عددًا من العمليات الإرهابية التي قام بتنفيذها بعض الأفراد الذين ينتمون إلى عائلة واحدة، خاصة في بعض الدول الأوروبية، والتي كان من أشهرها الهجوم الإرهابي الذي قام به الأخوان شريف وسعيد كواشي على صحيفة "شارلي إيبدو" الأسبوعية الفرنسية، في 7 يناير 2015، والذي أسفر عن مقتل 12 شخصًا وإصابة 11 آخرين.

وقد لقي الأخوان "كواشي" حتفهما بعد الحادث بيومين خلال تبادل لإطلاق النار مع قوات الشرطة، فيما تسلمت السلطات الفرنسية من نظيرتها البلغارية، في أغسطس 2016، مراد حميد، شقيق زوجة شريف كواشي، الذي وجهت إليه اتهامات بالارتباط بمنظمة متطرفة بهدف إعداد عمليات إرهابية.

كما شارك الأخوان إبراهيم وصلاح عبد السلام في سلسلة الهجمات الإرهابية التي تعرضت لها العاصمة الفرنسية باريس، في 13 نوفمبر 2015، حيث قام الأول بتفجير نفسه في أحد المطاعم أثناء الهجمات، في حين تمكن الثاني من الهرب إلى بروكسل قبل أن تلقى السلطات البلجيكية القبض عليه، في 21 مارس 2016، وتقوم بتسليمه في الشهر التالي إلى السلطات الفرنسية من أجل محاكمته، لدوره في تلك العمليات، إذ قام، وفقًا لتقارير عديدة، بنقل ثلاثة انتحاريين إلى ستاد "دو فرانس"، حيث وقع الهجوم الذي أسفر عن مقتل 130 شخصًا، قبل أن ينجح، بمساعدة بعض رفاقه، في الهرب إلى بلجيكا. 

وقام الأخوان إبراهيم وخالد البكراوي بتنفيذ تفجيرات بروكسل التي وقعت في 22 مارس 2016، واستهدفت مطار بروكسل الدولي ومحطة مترو مالبيك، وأسفرت عن مقتل 34 شخصًا وإصابة 271 آخرين. وقد كان لافتًا أن تلك العمليات وقعت بعد يوم واحد من اعتقال السلطات البلجيكية صلاح عبد السلام المشتبه به الرئيسي في تفجيرات باريس في نوفمبر 2015.

ورغم أن بعض الاتجاهات استبعدت أن يكون تنفيذ تفجيرات بروكسيل قد جاء ردًا على اعتقال صلاح عبد السلام، على اعتبار أن هذه النوعية من العمليات الإرهابية تحتاج إلى وقت ليس قصيرًا في المراقبة وتحديد الهدف والإعداد للعملية وتوفير المواد المستخدمة فيها، إلا أن اتجاهات أخرى لم تستبعد وجود تنسيق غير مباشر بين "الخلايا النائمة" التي كونتها التنظيمات الإرهابية في أوروبا، أو وجود شخص محوري كان له دور بارز في تحديد الأهداف وتقديم مساعدات لوجيستية لتنفيذ العمليات.

دوافع مختلفة:

ويمكن تفسير تصاعد ظاهرة "الإرهاب العائلي" خلال الفترة الأخيرة في ضوء اعتبارات عديدة، يتمثل أبرزها في:

1- سهولة التجنيد: يبدو أن بعض التنظيمات الإرهابية، مثل تنظيم "داعش" باتت تعول على إمكانية أن يساعد المتطرفون الذين انضموا إليها في عمليات التجنيد، من خلال إقناع أقاربهم بجدوى الانضمام لتلك التنظيمات وتنفيذ عمليات إرهابية نوعية للرد على الضربات العسكرية التي تتعرض لها. وقد كشفت بعض الدراسات التي تم إعدادها في هذا الصدد، عن أن التنظيمات الإرهابية، وخاصة "داعش"، تسعى إلى استخدام ما يمكن تسميته بـ"تأثير الرابطة العاطفية" أو "التنشئة الاجتماعية" التي تساعد في تكوين تصورات ومعتقدات الأفراد، من أجل دعم قدرتها على زيادة عدد الإرهابيين المنضمين إليها بشكل كبير.

ومن هنا تفسر بعض الاتجاهات أسباب حرص هذه التنظيمات على تجنيد عدد كبير من النساء، باعتبار أن النساء يمارسن دورًا بارزًا في عمليات التنشئة ويستطعن التأثير بقوة على أفكار وتوجهات أبنائهن. 

2- مواجهة القيود الأمنية: تحاول التنظيمات الإرهابية من خلال تجنيد عائلات متطرفة بأكملها التحايل على القيود المشددة التي تفرضها أجهزة الأمن في الدول المختلفة، باعتبار أن ارتباط الإرهابيين بصلات قرابة يسهل من عملية التنسيق فيما بينهم، لا سيما في حالة ما إذا اتجهوا إلى تنفيذ عملية إرهابية، ويصعب من عمليات رصد تحركاتهم من جانب أجهزة الأمن. وربما يفسر ذلك، إلى حد ما، أسباب نجاح بعض الأشقاء في تنفيذ عمليات إرهابية داخل بعض الدول الأوروبية، رغم أن بعضهم خضع لمراقبة وملاحقات أمنية قبل ذلك.

3- تصفية المنشقين: تشير بعض الاتجاهات إلى أن بعض التنظيمات الإرهابية تسعى من خلال تجنيد أعضاء جدد من عائلة واحدة إلى تصفية أعضاء آخرين في تلك العائلة، خاصة الذين أعلنوا انشقاقهم عنها، نتيجة اتساع الخلافات فيما بينهما.

4- المساعدة في تنفيذ العمليات الإرهابية: إذ أن وجود أكثر من شخص إرهابي داخل عائلة واحدة، يمكن أن يعزز، في رؤية التنظيمات الإرهابية، من قدرتها على تنفيذ عمليات إرهابية، من خلال العمل على تقسيم المهام فيما بينهم، حيث يقتصر دور بعض الأشخاص، في هذه الحالة، على تقديم مساعدات لوجيستية، على غرار توفير المواد المستخدمة في العملية الإرهابية ووسيلة الانتقال وتحديد الهدف، إلى الإرهابيين الذين يتم تكليفهم بتنفيذها.

وفي النهاية، ربما يمكن القول إن تلك الظاهرة قد تتصاعد تدريجيًا خلال المرحلة القادمة، وذلك لاعتبارين رئيسيين: يتمثل أولهما، في استمرار العمليات العسكرية ضد التنظيمات الإرهابية، وخاصة تنظيم "داعش"، على غرار عملية تحرير الموصل التي تجري في الوقت الحالي، والتي أدت إلى تراجع سيطرته على مساحات واسعة من الأراضي، وفقدانه عددًا كبيرًا من مقاتليه.

وينصرف ثانيهما، إلى فرض مزيد من القيود على وسائل التجنيد التقليدية الأخرى التي استخدمتها تلك التنظيمات في الفترة الماضية، على غرار مواقع التواصل الاجتماعي التي باتت محط اهتمام ومراقبة مستمرة من جانب أجهزة الأمن في الدول المعنية بالحرب ضد تلك التنظيمات، بشكل قد يدفع الأخيرة إلى الاعتماد على تجنيد مزيد من المتطرفين من داخل العائلة الواحدة.