أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • د. أحمد سيد حسين يكتب: (ما بعد "قازان": ما الذي يحتاجه "بريكس" ليصبح قوة عالمية مؤثرة؟)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)
  • أ. د. علي الدين هلال يكتب: (بين هاريس وترامب: القضايا الآسيوية الكبرى في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024)

الصيف الساخن في المنطقة

09 يونيو، 2019


سحب المنطقة تتراكم، وعواصفها تتجمع، وغيومها تزداد كثافة، ويمكن لقراءتها أن تكون أكثر يسراً عبر توزيعها على ثلاثة مستويات، ومن ثم فرز تداخلاتها، المستوى الدولي والإقليمي والعربي.

مواجهة إيران تمر بمراحل صعود وهبوط، ومناورات كثيرة على المستوى الدولي، والرئيس ترمب يحسن كثيراً حين يخاطب حلفاءه الأوروبيين حول برنامج إيران النووي وإمكانية حصولها على السلاح النووي، لجذب تأييدهم لاستراتيجيته ورؤيته تجاه عالم جديد بلا تهديد من دولة مارقة على النظام الدولي مثل النظام الإيراني، وهو محق أكثر حين يعرف جيداً الآثار السيئة لهذا النظام في المنطقة والعالم، بوصفه نظاماً توسعياً لا يعترف بالقوانين الدولية، وهو نظام مستعمرٌ، حيث يسيطر باعتراف مسؤوليه على أربع عواصم عربية كما صرّح مسؤولوه، بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء، وخامسة لم تذكر بعد وهي الدوحة.

وفقاً لرؤية الإدارة الأميركية السابقة، إدارة أوباما، فإن الخيار كان بالاتفاق مع النظام الإيراني، ضد مصالح الشعب الإيراني نفسه، وضد حضارته العريقة، وضد ثقافته، وضد مصالح الدول العربية وحضارتها وثقافتها وشعوبها، وتم حينذاك إنجاز «الاتفاق النووي» خمسة زائد واحد، بتغاضٍ كامل عن أدوار النظام الإيراني في التوسع والنفوذ ودعم الأصولية والإرهاب، وهو ما جعل ذلك الاتفاق، أسوأ اتفاق في التاريخ، كما صرح الرئيس ترمب أكثر من مرة.

تتدخل اليابان وسيطاً هذه المرة بين أميركا والنظام الإيراني، لأنه لا أحد في العالم وفي المنطقة يريد الحرب، ولأن إيران تحب الخضوع سراً إذا كانت مخنوقة كما يجري اليوم، وأي خيار يتجنب الحروب هو خيار جيد غير أن هذا رهن بتحقيق المصالح وإنجاز الأهداف، فهل المرشد الثاني للجمهورية الإسلامية في إيران مستعد لتجرع السم مرة ثانية كما فعل سلفه الخميني في نهاية حرب الخليج الأولى أم لا؟

التقرير الدولي الذي قدمته السعودية والإمارات والنرويج لمجلس الأمن عن نتائج التحقيق في استهداف السفن الأربع في ميناء الفجيرة يشير بشكل واضح إلى النظام الإيراني، حيث في التفاصيل أن عملاً إرهابياً كهذا يحتاج بكل المقاييس إلى إمكانيات «دولة» وليس إلى إمكانيات «ميليشيا» أو «تنظيم إرهابي» والحقائق وحدها ستقف أمام كل جدلٍ، وقوة منطق النتائج ستحول دون أي تلاعب.

وهذه نقطة مهمة في مزيد إدانة دولية للنظام الإيراني، يضاف لها نتائج التحقيقات التي لم تعلن بعد عن العبث الإيراني في خطوط تصدير النفط الداخلية في السعودية، وهو ما سيتكشف قريباً بتفاصيله كافة، كما هي العادة، واللعبة الدولية كما تحتاج إلى العزم والحزم فهي تحتاج إلى الحكمة والأناة، وإن غداً لناظره قريب.

إقليمياً، الخصوم الإقليميون معروفون، وهم إيران وتركيا ومعهما قطر، وجماعة «الإخوان المسلمين» وكل جماعات الإسلام السياسي وكل تنظيمات العنف الديني، التي كما تماهت في الأصول أصبحت تتماهى في الفروع، وكما اندمجت في الآيديولوجيا تشابكت في وسائل العنف والإرهاب.

وثمة ثلاثة مشاهد ساخنة في العالم العربي، الجزائر والسودان وليبيا، الجزائر لم تزل الدولة قائمة بحماية الجيش ورعايته لمرحلة انتقالية تمنع حدوث الفوضى وتسعى لتحقيق مطالب الجماهير دون أي مساسٍ بالدولة واستقرارها ومؤسساتها، والجماهير كما هي طبيعتها تريد كل شيء بأحسن ما يكون وتريده الآن، وهذا ما لا يمكن أن يحدث، وبالتالي فالأزمة هناك ستستمر إلى أمدٍ غير معلوم بعد.

في السودان يجري الأمر ذاته، حيث نشوة الجماهير تجعلها تحلم بالمستحيل وتتمنى الأفضل كما تراه دون التفات إلى إمكانيات السودان بوصفه دولة أو وضعه الداخلي والإقليمي، وهي - كعادة الجماهير - متشككة في كل شيء، ويزيد الحالة في السودان سوءاً أنه ظل لعقودٍ يحكم من قبل جماعة «الإخوان المسلمين» التي أنشأت تنظيماتها السرية التي تحدث عنها حسن الترابي بالصوت والصورة في عموم البلاد، وبعض تلك العناصر سعت لاقتحام السجن الذي يقبع فيه الرئيس المخلوع عمر البشير وعناصر نظامه، وهي مدعومة بقوة من دولة قطر التي لا تريد أي استقرار للدولة السودانية بل تسعى جهدها لإعادة إنتاج جديد لما سمي الربيع الأصولي والإرهابي الذي كان يعرف قبل سنوات زوراً وبهتاناً بالربيع العربي، والذي خرّب عدداً من الجمهوريات العربية ونشر الدمار واستقرار الفوضى في ربوعها.

الوساطة الإثيوبية التي قام بها رئيس الوزراء بين المجلس العسكري وقوى التغيير تبدو ناجحة ومقبولة حتى الآن، ولكن أحداث الفوضى السابقة في بعض الدول العربية تؤكد أن الجماهير لا تعرف تحديداً ما تريد، وأنها تطالب بالمستحيل، وتصر أكثر مما ينبغي عليه، وهي تخسر حين يهدد تصلبها أمن الناس واستقرار الدولة ومؤسساتها ما يدفع المواطنين للابتعاد عنها.

ثمة محاولات لإعادة تلميع ما سمي الربيع العربي الفاشل والمدمّر، واستخدام مفردات اللغة نفسها التي كانت رائجة في 2011 وما بعدها في أكثر من دولة عربية حينذاك، وأوضح الأمثلة ما تفعله وسائل الإعلام القطرية وعلى رأسها قناة «الجزيرة»؛ حيث الكذب مباح والفبركة مستحبة وكل ما يزعزع أمن السودان وينشر الفوضى فيه هو أمر مطلوب يجب الدفع باتجاهه، وينساق خلف هذا التوجه كل من يريد إعادة الربيع العربي المشؤوم إلى الواجهة من جديد، ولكل هدف وغاية مختلفة، وكأن البعض يريد إعادة التاريخ القريب الذي لم تنس مساوئه وأخطاؤه بل وجرائمه.

الوضع في ليبيا مختلفٌ، فليبيا تسعى بجهد للتخلص من تركة الربيع العربية المؤذية، والجيش الوطني الليبي يهاجم أوكار الميليشيات والجماعات الإرهابية في غرب ليبيا، تلك المدعومة بشكل سافرٍ من قطر وتركيا، وهو ينجح في ذلك، والمسألة مسألة وقتٍ حتى يستطيع إنقاذ الشعب الليبي من أمراء الحرب الأصوليين والإرهابيين الذين توجههم قطر وتركيا، وتهرّب لهم الأسلحة والمعدات الثقيلة لإدامة حالة استقرار الفوضى هناك وذلك لحماية مصالحهما في ليبيا على حساب الشعب الليبي وللرغبة الجامحة لدى الدولتين في جعل ليبيا منطلقاً لكل الجماعات الإرهابية لضرب دول الجوار الليبي وتحديداً في مصر وتونس.

أخيراً، فقوة السعودية الداعمة لاستقرار الدولة في الدول العربية تجلت سابقاً في دعم مصر والشعب والجيش المصري وهي تدعم استقرار ليبيا والسودان اليوم وتحرص على مصالح الشعوب العربية.

*نقلا عن صحيفة الشرق الأوسط