أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يصدر العدد الثاني من مجلة "اتجاهات آسيوية"
  • أ. د. نيفين مسعد تكتب: (عام على "طوفان الأقصى".. ما تغيّر وما لم يتغيّر)
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (بين موسكو والغرب: مستقبل جورجيا بعد فوز الحزب الحاكم في الانتخابات البرلمانية)
  • د. أيمن سمير يكتب: (هندسة الرد: عشر رسائل للهجوم الإسرائيلي على إيران)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (من المال إلى القوة الناعمة: الاتجاهات الجديدة للسياسة الصينية تجاه إفريقيا)

اللحظة الحرجة:

خيارات تركيا تجاه الدعم الأمريكي لأكراد سوريا

25 مايو، 2017


تحوّل الدعم الأمريكي للأكراد في سوريا إلى مشكلة كبيرة تهدد العلاقات التركية – الأمريكية، خاصة وأن لقاء الرئيسين التركي "رجب طيب أردوغان" والأمريكي "دونالد ترامب" في البيت الأبيض يوم (16 مايو 2017) انتهى دون تحقيق مطالب الأول بأن تُوقِف الولايات المتحدة دعمها العسكري لأكراد سوريا، وهو ما اعتبرته أنقرة مخالفة لثوابت العلاقات بين البلدين منذ أن انضمت تركيا مبكرًا إلى حلف شمال الأطلنطي (حلف الناتو) في عام 1952.

المطالب التركية:

قبل أن يلتقي الرئيس التركي نظيره الأمريكي حددت أنقرة مجموعة من المطالب التي اعتبرتها أساسية للتحالف التاريخي بين البلدين، ومن أهمها: 

1- وقف الدعم العسكري الأمريكي لوحدات حماية الشعب الكردية وقوات سوريا الديمقراطية، حيث تعتبر تركيا وحدات حماية الشعب الكردية منظمة إرهابية، على أساس أنها الجناح العسكري لحزب الاتحاد الديمقراطي الذي يُعد الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني المُصَنَّف تركيًّا وأمريكيًّا منظمةً إرهابيةً. 

2- عدم اعتماد الولايات المتحدة على أكراد سوريا في معركة تحرير الرقة من تنظيم "داعش"، والاعتماد بدلا منهم على الفصائل السورية المسلحة المرتبطة بتركيا، حيث شاركت هذه الفصائل في عملية "درع الفرات". 

ويعود سبب رفض أنقرة مشاركة القوات الكردية السورية في معركة تحرير الرقة إلى الخشية التركية المتعاظمة من أن يؤدي تحرير الرقة على يد الأكراد إلى ولادة إقليم كردي على حدودها الجنوبية مع سوريا من جهة، ومن جهة ثانية إلى اعتراف إقليمي ودولي بالكيان الكردي الناشئ على غرار إقليم كردستان العراق، وهو ما تعده أنقرة خطرًا على أمنها القومي، لا سيما مع وجود قرابة عشرين مليون كردي يطالبون بحكم ذاتي لهم.

3- تسليم الداعية "فتح الله جولن" زعيم حركة "الخدمة"، والذي تتهمه تركيا بالتورط في الانقلاب العسكري الفاشل صيف العام الماضي (2016)، لكن الخطاب الأمريكي الذي ظهر عقب لقاء أردوغان – ترامب لم يخرج عن الخطاب التقليدي الذي يتحدث عن الطابع القانوني والدستوري لقضية ترحيل جولن. 

اللافت أنه تزامنًا مع زيارة أردوغان إلى واشنطن نشرت صحيفة "واشنطن بوست" في 15 مايو 2017 مقالة لجولن بعنوان "تركيا التي لم أعد أعرفها The Turkey I no longer know" تتحدث عن سلطوية النظام التركي تحت حكم "أردوغان"، وهو ما اعتبره البعض رسالة أمريكية غير مباشرة لتركيا بعدم إمكانية تسليمه. 

وبعد انتهاء زيارة الرئيس التركي للولايات المتحدة يتضح أن أيًّا من الأهداف الأساسية للزيارة لم يتحقق؛ إذ لم يتم التوصل إلى اتفاق بشأن القضايا الخلافية السابقة، ولعل جل ما أعطته الولايات المتحدة لأردوغان مجموعة من الوعود السياسية والدبلوماسية. وتتخلص أبرزها، في: زيادة التعاون في المجال العسكري والأمني بين البلدين، والتعاون في مجال محاربة تنظيم "داعش" والحرب التركية ضد حزب العمال الكردستاني، مع الإشارة إلى أن التعاون الأمني بين أنقرة وواشنطن ضد الحزب يعود إلى أكثر من عقدين من الزمن.

خيارات تركيا:

يزيد الإصرار الأمريكي على المضي في دعم الأكراد السوريين رغم الاعتراضات التركية من شكوك أنقرة إزاء النوايا الأمريكية، لا سيما أن الأمر يتعلق بقضية حساسة تشكل جوهر الأمن القومي التركي. وفي ضوء ذلك يتم الحديث عن الخيارات التركية إزاء استمرار الولايات المتحدة في سياساتها التي تغضب أنقره، وتتمثل هذه الخيارات في:

1- التلويح باللجوء إلى خيارات عسكرية منفردة، ومنها، القيام بغارات عسكرية على مواقع وحدات حماية الشعب الكردية في شمال سوريا، على غرار الغارات التي نفذتها في الخامس والعشرين من إبريل 2017 عندما استهدفت الطائرات الحربية التركية مواقع قيادية للوحدات الكردية في كراتشوك في أقصى شمال شرق سوريا. وكذلك القيام بعمليات عسكرية ضخمة على غرار عملية "درع الفرات"، حيث تتحدث الأوساط التركية عن عملية "درع دجلة" في سنجار بشمال العراق أو عملية "شمس الفرات" في منطقة تل أبيض بشمال سوريا.

2- الاستمرار في المحادثات مع الإدارة الأمريكية بغية التوصل إلى تفاهمات بشأن مرحلة ما بعد تحرير الرقة من داعش، حيث تتحدث تركيا عن ثلاثة شروط أساسية بهذا الخصوص. أولها: عدم السماح للأكراد بالسيطرة على مدينة الرقة في مرحلة ما بعد تحريرها من تنظيم "داعش". وثانيها: انكفاء الوحدات الكردية إلى شرقي نهر الفرات، أي المناطق التاريخية للأكراد السوريين. وثالثها: أن لا يتحول الدعم العسكري الأمريكي المؤقت للأكراد إلى دعم دائم يؤسس لكيان كردي يتطلع إلى الاعتراف به. 

ومع أنه من الصعب الإقرار بأن الولايات المتحدة ستستجيب للشروط التركية، إلا أنه يمكن القول إن تلك الشروط قيد التفاوض، خاصة مع حرص واشنطن على بقاء تحالفها التاريخي مع أنقره لأسباب استراتيجية تتعلق بأهمية الموقع الجيوستراتيجي لتركيا في معادلة الصراع الدولي على منطقة الشرق الأوسط.

3- توجه تركيا رسميًّا إلى الإعلان عن عدم مشاركتها في معركة تحرير الرقة من داعش، على اعتبار أن الولايات المتحدة قد حسمت خيارها بالاعتماد على قوات سوريا الديمقراطية ووحدات حماية الشعب الكردية.

4- توجه تركيا إلى انتهاج سياسة جديدة تجاه المكون الكردي السوري تتمثل في الانفتاح التدريجي عليه، وصولا إلى الاعتراف به بالتوازي مع الإعلان السابق، كما حصل مع إقليم كردستان العراق. ولعل هذا الأمر قد يشكل مدخلا لأنقرة للتعاطي مع حزب العمال الكردستاني، والعودة إلى المفاوضات السياسية لحل القضية الكردية في تركيا سلميًّا، خاصة وأن مثل هذا الأمر يلقى قبولا أمريكيًّا وأوروبيًّا ويسهم في تحسين الصورة التركية التي تواجه اتهامات من وسائل الإعلام الغربية بأنها دولة تسلطية تصادر الحريات. 

اختلاف الاستراتيجيات:

يكشف الإصرار التركي على أن تحدد الولايات المتحدة سياستها تجاه الأكراد في سوريا لصالح البقاء على التحالف التاريخي مع أنقرة، عن قصور الوعي التركي بحقيقة سياسة واشنطن التي تنطلق من أولوياتها ومصالحها وليست من اعتبارات أخرى، وهي سياسة ربما تقتضي التحالف مع أكثر من طرف حتى لو كانت هناك خصومة سياسية بين هذه الأطراف. 

ولعل ما يحصل اليوم على صعيد علاقاتها بكل من الأكراد وتركيا يأتي في سياق سياسة واشنطن لإدارة التوازنات مع الحليفين. حيث تتلخص أولوية الإدارة الأمريكية في قضيتين أساسيتين، الأولى: إلحاق هزيمة كبرى بتنظيم "داعش" في الرقة تحقيقًا لوعود ترامب بهذا الخصوص خلال حملته الانتخابية. 

والثانية: عدم خسارة الحليف الكردي لأسباب تتعلق بالتوازنات الدولية القائمة في الأزمة السورية بعد أن أصبح الأكراد الحليف الوحيد للولايات المتحدة في سوريا، والحليف التركي لأسباب استراتيجية تتعلق بأهميته الجيوسياسية للسياسة الأمريكية، والنزاع مع روسيا على الشرق الأوسط، وأهمية تركيا للغرب عمومًا في الصراعات الدولية الجارية. 

وفي الواقع، فإن حِرْصَ الطرفين -الأمريكي والتركي- على العلاقة التاريخية لأسباب تتعلق بمصالح كل طرف، لا يعني التغافل عن اللحظة الحرجة التي وصلت إليها هذه العلاقة. فتركيا باتت ترى في الموقف الأمريكي الداعم للأكراد مخالفة للتحالف التاريخي بين البلدين، وفي العمق تعتقد أن هذه السياسة تستهدف أمنها القومي، على اعتبار أن ما يحدث يؤسس لولادة دولة كردية ستؤدي إلى تقسيم تركيا مستقبلا، فيما ترى الولايات المتحدة أن دعمها للأكراد يتجاوز قضيتهم إلى استراتيجية تتعلق بمصالحها حتى لو تناقضت مع ما تعده أنقرة ثوابت في علاقات البلدين، ولعل هذا ما كرسه لقاء أردوغان – ترامب. 

فالثابت أن الإدارة الأمريكية تدرك أن الحرص التركي على وقف الدعم عن الأكراد، واستبعادهم من معركة الرقة، ليس بهدف محاربة تنظيم "داعش" وإنما لأسبابها الخاصة. فيما باتت تركيا ترى في التحالف الأمريكي – الكردي قضية حياة أو موت لسياستها التقليدية، وهو ما يرشح لمزيد من التصعيد في الخلافات بين البلدين بالمرحلة المقبلة، ليبقى التساؤل عن مستقبل العلاقة التركية مع الغرب بشقيه الأمريكي والأوروبي حاضرًا بقوة، على نحو: هل سنشهد تموضعًا جديدًا للعلاقة أو حتى تفكيكًا للتحالف التاريخي بينهما؟.

هذا التساؤل سيشغل بال الرئيس التركي "أردوغان" كثيرًا في المرحلة المقبلة، وهو في بحثه عن الجواب قد يجد صعوبة أكبر طالما أن الخيارات الأخرى قد تكون أكثر كلفة للسياسة التركية التي اتجهت بوصلتها إلى الارتباط بالغرب منذ أن تأسست الجمهورية التركية عام 1923.