أخبار المركز
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)
  • هالة الحفناوي تكتب: (ما مستقبل البشر في عالم ما بعد الإنسانية؟)
  • مركز المستقبل يصدر ثلاث دراسات حول مستقبل الإعلام في عصر الذكاء الاصطناعي
  • حلقة نقاشية لمركز المستقبل عن (اقتصاد العملات الإلكترونية)

أنماط جديدة:

هل عززت الاحتجاجات الديمقراطيات في العالم؟

28 نوفمبر، 2015


إعداد: مروة صبحي


تضاعفت احتجاجات المواطنين في مختلف أنحاء العالم، وتصاعد وتيرتها خلال السنوات الأخيرة. ويكفي القول أنه منذ عام 2010 وحتى الآن شهد العالم احتجاجات في أكثر من 60 دولة. وتتعدد الأسباب الكامنة وراء اندلاع مثل هذه الاحتجاجات، وفي مقدمتها الرغبة في مكافحة الفساد في ظل غضب المواطنين من تفشيه، والمشاكل الاقتصادية وما يترتب عليها من تقشف اقتصادي.

ولكن هل ثمة سمات وأشكال محددة للاحتجاجات في الوقت الراهن؟ وهل هناك دوافع تساهم في ارتفاع وتيرة الاحتجاجات في العديد من الدول؟ وما الآثار المترتبة جراء الاحتجاجات في البلدان التي تحدث فيها؟ وغيرها من التساؤلات الهامة التي تسعى مؤسسة "كارنيجي للسلام الدولي" إلى الإجابة عليها في الدراسة الصادرة بعنوان: "تعقيدات الاحتجاجات العالمية"، وهي الدراسة التي أعدها كل من Thomas Carothers – نائب الرئيس للدراسات بمؤسسة كارنيجي، وRichard Youngs – كبير الباحثين في كارنيجي.

تصاعد وتيرة الاحتجاجات في العالم

تشير الدراسة إلى صعوية إجراء مقارنات كمية دقيقة بشأن وتيرة الاحتجاجات في العالم، نظراً لعدم وجود مقياس مشترك لتحديد ما هو نوع النشاط بالتحديد الذي يمكن أن يُعد احتجاجاً, فضلاً عن صعوبة تتبع الاحتجاجات في بعض الأماكن. فعلى سبيل المثال, شهدت الصين 180 ألف احتجاج عام 2010 فقط. وبطبيعة الحال, فإن العديد من تلك الأحداث كانت صغيرة جداً تركز على قضايا على المستوى الجزئي مثل فساد رئيس بلدية أو غيره.

وبالتالي، يتركز إهتمام الدراسة على الاحتجاجات الرئيسية Major Protests, التي لها آثار كبيرة محتملة على المستوى الوطني، ويشارك فيها آلاف المتظاهرين, وتستمر لأكثر من يوم. ومع ذلك, من غير الممكن وضع تعريف محدد للاحتجاجات الرئيسية عن الصغيرة أو غير المؤثرة. ففي بعض النظم السُلطوية، يمكن أن يشكل تظاهر بضع المئات في الشوارع للتنديد بسياسات الحكومة، حدثاً سياسياً بالغ الأهمية.

فعلى سبيل المثال, تركت الاحتجاجات المناهضة للحكومة في أذربيجان عامي 2011 و2012 أصداء سياسية كبرى بالرغم من أنه لم يشارك فيها عدد كبير من الأشخاص. وبالمثل, فإن الاحتجاجات التي اندلعت في بعض المدن الصينية عام 2011, وشارك فيها عدد قليل من المتظاهرين, كانت كافية لمراجعة السياسات الاجتماعية للنظام.

وعلى الرغم من غياب القياسات الدقيقة, يشير الكاتبان إلى تصاعد الاحتجاجات بشكل متزايد، حيث تضاعفت الاحتجاجات الرئيسية في النصف الثاني من الثمانينات وأوائل التسعينات بالقرن الماضي, وبالتزامن مع ما يُطلق عليه "الموجة الثالثة للديمقراطية". ولكن بعد ذلك انخفضت الاحتجاجات بشكل ملحوظ مع مطلع الألفية الجديدة، ثم عادت وتسارعت وتيرتها، وبلغت ذروتها خلال السنوات الخمس الماضية.

أسباب الموجة الأخيرة من الاحتجاجات

عند النظر إلى أسباب حدوث الموجة الأخيرة من الاحتجاجات, تُميز الدراسة بين المُحفزات قصيرة الأجل، والظروف طويلة الأجل، وذلك كالتالي:

1- مُحفزات قصيرة المدى:

تتباين العوامل المُفسرة للاحتجاجات لدى المحللين وفقاً لاختلاف مجال تخصصهم. فعلى سبيل المثال, يعتبر المُتحمسون للديمقراطية أن الاحتجاجات الواسعة والمعادية للحكومة داعمة للديمقراطية. فيما يميل المتخصصون في قضايا الفساد إلى رؤية الغضب ضد الفساد كمحفز جوهري على محاربته. كما يستحوذ على الاقتصاديين تفسير اقتصادي للاحتجاج, بينما يميل علماء السياسة إلى تفسيرها من خلال عوامل سياسية.

ويدلل المحللون الغربيون على احتجاجات مصر عام 2011 كمثال بأنها ظاهرة ذو تفسيرات معقدة ومتشابكة, حيث أنها عكست دوافع (العدالة الاجتماعية, الكرامة, الغضب ضد الفساد, الطوق للديمقراطية, الإحباط من الظلم الاقتصادي, ومطالبات أخرى). وتسود نفس التعقيدات بالنسبة لاحتجاجات أوكرانيا عام 2014, حيث ركز المحللون على دوافع عديدة مثل غياب الحوكمة, القمع, الظروف الاقتصادية, وعوامل أخرى.

ومع تلك التعقيدات, يمكن تقسيم دوافع الاحتجاجات إلى سياسية بالأساس مثل الانتخابات المزورة أو التمديد غير الدستوري للفترات الرئاسية، ودوافع اقتصادية - اجتماعية مثل إلغاء دعم الطاقة, استبعاد جماعة اجتماعية معينة, التدهور الاقتصادي الحاد, وعدم المساواة الاقتصادية.

وترى الدراسة أن تأثير الظروف الاقتصادية والاجتماعية أقل من العوامل السياسية التي كانت بدورها السبب الأساسي في معظم الاحتجاجات الأخيرة.

كما تستخلص الدراسة أن دوافع الاحتجاجات في السنوات الأخيرة باتت مرتكزة أكثر على الشئون الداخلية للدول, وخاصةً المتعلقة بمشاكل فعلية في حياة المواطنين. ومن ثم، فإن موجة الاحتجاجات الأخيرة أقل ارتباطاً بالقضايا العابرة للقوميات عكس ما كانت عليه في العقود السابقة، حيث اندلعت فى التسعينات احتجاجات معادية للعولمة.

2- عوامل طويلة المدى:

من أجل فهم أعمق للموجة الاحتجاجية الحالية, يشير الكاتبان إلى ضرورة الأخذ في الاعتبار عوامل طويلة المدى تساهم في اندلاع هذه الاحتجاجات, وتتحدد في أربعة عوامل أساسية:

أ- التقدم في تكنولوجيا الاتصال الذي سهل بدوره طرق الاحتجاجات بشكل مضاعف، حيث أتاحت هذه التكنولوجيا معلومات أكثر للناس العاديين ومدهم بالوعي حول أوضاع حقوق المواطنين في بلدان أخرى وعمل المقارنة مع أحوالهم.

ب- الاتجاهات الاقتصادية العالمية التي ساهمت في موجة الاحتجاجات بطريقتين مختلفتين، حيث صاحب النمو الاقتصادي الضخم في أجزاء كثيرة من العالم النامي خلال العشرين سنة الماضية صعود الطبقة الوسطى الجديدة. وفي هذا الصدد، يُلاحظ أن الحركات الاحتجاجية في (أذربيجان، هونج كونج، ماليزيا، تايلاند، تركيا, وأوكرانيا) قامت بها الطبقة الوسطى بدلاً من الفقراء. كما يمكن أن يزدهر النمو الاقتصادي من خلال سياسات الإقصاء الاجتماعي والاقتصادي لأعداد كبيرة من المواطنين، ما يخلق أساس واسع من الدعم المحتمل للاحتجاجات. وتعكس الاحتجاجات في مصر وتونس عام 2011 تلك الظاهرة.

في المقابل, ساهم الركود الاقتصادي في بعض البلدان النامية، وكذلك في الديمقراطيات الغربية على إثر الأزمة المالية عامي 2008 و2009، إلى تصاعد الاحتجاجات.

ج- يولد استيعاب قيم الديمقراطية عند المواطنين فى دول الموجة الثالثة للتحول الديمقراطي، استعداداً للاحتجاج ضد حكوماتهم عندما تنتقص من حقوقهم وحرياتهم. وتعد تركيا مثالاً جيداً في هذا الصدد، فبالرغم من النجاحات الاقتصادية الهائلة, آثارت حكومة حزب "العدالة والتنمية" الاحتجاجات ضدها عام 2013 عندما بالغت في سلطاتها السياسية، وانتهكت توقعات التطور الديمقراطى لدى كثير من الأتراك. وحتى في البلدان التي بقيت خارج الموجة الثالثة للديمقراطية, فإن اتجاه التنمية السياسية العالمية قد زاد من توقعات المواطنين بزيادة درجة الشفافية والمحاسبية.

د- النمو الهائل لمنظمات المجتمع المدني خلال العقود الثلاثة الأخيرة في جميع أنحاء العالم وخاصةً في البلدان النامية. وقد ساهمت هذه المنظمات في ظهور أشكال جديدة من الاحتجاجات.

أشكال جديدة من الاحتجاجات

تشير الدراسة إلى أن الموجة المعاصرة للاحتجاجات المدنية تمثل شيئاً جديداً في أشكال وأساليب وأهداف الاحتجاجات، حيث كانت أبرز ملامحها كالتالي:

1- عفوية الاحتجاج, حيث يميل البعض إلى اعتبار الاحتجاجات عفوية, بلا قيادة أو أهداف واضحة، وغير مُبالية نسبياً بإقتراح حلول محددة للمشاكل السياسية.

2- الاحتجاج كغاية في حد ذاته, حيث يشكل تكتيك احتلال الميادين المركزية مستوى عال من الاضطراب السياسي في حد ذاته. وأصبحت أهداف الاحتجاجات غامضة ومفتوحة النهايات. وقد أطلق البعض على المتظاهرين بأنهم "متمردون دون سبب" .rebels without a cause

3- تحول العلاقة بين الدولة والمواطنين, إذ أدت الاحتجاجات إلى وجود شكل جديد من أشكال "الديمقراطية الرقابية" monitory democracy, والتي تكون خلالها الوظيفة الأساسية للمواطنين هي الرقابة المستمرة على عمل الدولة.

آثار الاحتجاجات المعاصرة

تطرح الدراسة فكرتين حول آثار الاحتجاجات الأخيرة والتغيير الذي أحدثته في البلدان التي شهدتها، أولهما أن الاحتجاجات قد تشكل موجة مؤيدة للديمقراطية، والتي تثير مشاكل للعديد من الحكومات غير الديمقراطية. وثانيهما تثبت الاحتجاجات فعاليتها في عزل القادة والحكومات، ولكن ليس في بناء مؤسسات أو عمليات سياسية جديدة أو فى وضع حلول إيجابية للمشاكل.

ويوضح الكاتبان هذه الآثار للاحتجاجات، كالتالي:

1- المساهمة في الديمقراطية أم لا؟

تشير بعض التجارب إلى أن عدداً من الاحتجاجات في الدول غير الديمقراطية أدت إلى تأثيرات داعمة للديمقراطية، حيث استطاعت تمكين القوى المعارضة. ومثال على ذلك, احتجاجات إيران عام 2009 والتي استطاع النظام الحاكم في طهران أن يكبحها, بيد أن الانتفاضة قد ساهمت في إقصاء "أحمدي نجاد" من نتائج الانتخابات الرئاسية، وفوز الإصلاحي "حسن روحاني" عام 2013.

وفي حالات أخرى، قد تكون تأثيرات الاحتجاجات قوية ولكنها ليس بالضرورة داعمة للديمقراطية، حيث تحولت الاحتجاجات في سوريا وليبيا عام 2011 إلى تمردات مُسلحة عندما قابلت الحكومة الموجة الأولية من الاحتجاجات بإجراءات قمعية.

2- هدم المؤسسات القديمة:

يرى العديد من المحللين أن الموجة الأخيرة من الاحتجاجات قادرة على هدم الهياكل المؤسسية القديمة، ولكنها ليس قادرة على بناء المؤسسات السياسية أو المشاركة فى العمليات السياسية الرسمية. ومثال على ذلك، احتجاجات "حركة احتلال الشوارع" في الولايات المتحدة عام 2011، والتي تلاشت دون مكاسب ملحوظة.

وفي الوقت ذاته، أدت بعض الاحتجاجات إلى تشكيل أحزاب جديدة, كما حدث في أسبانيا واليونان. وفي بعض الحالات, لم تتحول الحركات الاحتجاجية إلى أحزاب سياسية جديدة، ولكن كان لها آثار مباشرة على تطوير الأحزاب السياسية القائمة. ففي تركيا, انتهت احتجاجات "جيزي بارك" إلى تنشيط دور القوى المعارضة, وتحقيقها مكاسب عديدة في الانتخابات العامة في تركيا التي أُجريت في يونيو 2015، قبل أن يتم الدعوة إلى إجراء انتخابات جديدة في بداية نوفمبر من العام الجاري.

أما في الدول الديمقراطية, لا تسعى الحركات الاحتجاجية إلى تطوير ذاتها لتصبح بمثابة فاعلين سياسيين بشكل رسمي، بل أنها تركز أساساً على قضايا السياسات الاقتصادية والاجتماعية. وأبرز مثال في هذا الصدد، الاحتجاجات ضد عنف الشرطة في الولايات المتحدة.

ختاماً, يخلص الكاتبان في هذه الدراسة إلى غلبة طابع التعقيد والتنوع على مُسببات الاحتجاجات, حيث لا يمكن تصور عامل واحد يمكن أن يشكل جوهر موجة الاحتجاجات الأخيرة.

كما أن الآثار الحالية للاحتجاجات متنوعة ومعقدة, ولكن أبرز ما فيها أنها لم تولد موجة تغير ديمقراطي، حيث أثبتت العديد من البلدان غير الديمقراطية التي ضربتها الاحتجاجات قدرتها في البقاء على قيد الحياة. ويُلاحظ آثار جوهرية في مختلف الدول غير الديمقراطية, إذ يشير بعضها إلى التحول نحو الديمقراطية, والبعض الآخر نحو الفوضى العامة، والبعض الثالث لا يزال يتجه نحو مزيد من القمع السياسي.


* عرض مُوجز لدراسة بعنوان: "تعقيدات الاحتجاجات العالمية"، والصادرة في شهر أكتوبر 2015 عن مؤسسة "كارنيجي للسلام الدولي".

المصدر:

Thomas Carothers and Richard Youngs, Complexities of Global Protests (Washington: The Carnegie Endowment for International Peace, October 2015).