أخبار المركز
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)

التوظيف الأمثل:

تطوير الأدوار غير التقليدية لـ "القوات الخاصة" في الصراعات المستقبلية

07 أغسطس، 2021


 عرض: آية بدر - باحثة ماجستير علوم سياسية، جامعة القاهرة

تواجه الدول تحديات ومخاطر هائلة ومتغيرة يصعب التعاطي معها عبر الأطر الأمنية والعسكرية التقليدية، الأمر الذي أدى إلى تنامي الاعتماد على القوات الخاصة لأداء بعض المهام غير التقليدية، والتي تتم في سياق بيئة عمليات أكثر خطورة وتعقيداً. وفي ظل التوقعات المستقبلية بشأن ازدياد التحديات الأمنية والعسكرية، وتعقد بيئات العمليات المستقبلية، تُثار التساؤلات حول ماهية الدور المستقبلي للقوات الخاصة وسبل تكيفها واستعدادها لمثل تلك التغيرات، وهو ما يتناوله التقرير الصادر عن "المعهد الملكي للخدمات المتحدة والدراسات الأمنية والدفاعية".

مهام استثنائية:

تعرف القوات الخاصة بكونها وحدات عسكرية غير تقليدية، يخضع عناصرها إلى معايير انتقائية وتدريبية عالية للغاية، وما يميزها عن القوات التقليدية ليس فقط قدراتها ومستوياتها التدريبية، بل أيضاً وضعها التنظيمي الخاص، وعلاقتها بهيكل القوى، والتراتبية العسكرية التقليدية وما تتمتع به من مرونة وتحرر وخصوصية، فضلاً عما تتسم به من القدرة على العمل من دون دعم في ظروف وبيئة عمليات صعبة، وفي الظروف التي تتطلب التخفي. وقد تنامى دورها تاريخياً منذ الحرب العالمية الثانية.

وتُكلف تلك القوات بالمهام التي لا تتسق مع الطبيعة التقليدية للحل العسكري المعتمد على العقائدية التقليدية، وقوة السلاح والذخيرة، وكذلك المهام التي تتطلب مرونة وخروجاً عن الأطر البيروقراطية التقليدية، منها؛ الاستطلاع الاستراتيجي، والتخفي، والمهام السرية والاستخباراتية، ومهام البحث والإنقاذ، ومهام حراسة بعض الشخصيات المهمة، ومهام التعامل مع بعض المهددات الأمنية عالية الخطورة التي تستهدف المدنيين وما إلى ذلك من مهام. وقد اكتسبت تلك القوات زخماً بفعل انخراطها في الحرب على الإرهاب.

تحولات بيئة العمليات: 

ثمة عدد من التحولات تطرأ على بيئة العمليات، وعلى السياقات السياسية والاقتصادية والعسكرية والتكنولوجية، وكذلك على طبيعة المخاطر التي تواجهها الدول والتي تنعكس على مهام وقدرات القوات الخاصة، كالتالي:

1- تحولات في طبيعة الحروب والأعداء: هي ناجمة عن تنوع الفاعلين العسكريين، خاصة مع نشوء الفواعل العسكريين والمدنيين من غير الدول، وتزايد نفوذهم وتأثيرهم على مجريات الأمور، وعلى تداول ونشر المعلومات، الأمر الذي يهدد سرية مهام العمليات الخاصة. ففي غضون دقائق من إجراء العملية، يمكن معرفة كافة تفاصيلها وتداولها على نطاق واسع. ومن ناحية أخرى، قد تضطر القوات الخاصة للتفاعل مع بعض تلك الفواعل لأداء المهام المطلوبة.

2- التنافس بين القوى الكبرى: إذ تبلور مفهوم جديد للحرب الباردة والتنافس بين الصين والولايات المتحدة وروسيا، وهو ما يجعل مهام القوات الخاصة أكثر صعوبة، في ظل غموض الخطوط الأيديولوجية وخطوط التداخل والتشابك بين القوى الثلاث، وتنافسهم حول الهيمنة لتأمين مصالحهم المتشابكة خارج حدود دولهم، بفعل العولمة وتنامي سلاسل التوريد وتداخل المصالح الاقتصادية، وهو ما يُزيد إمكانية التصعيد والمواجهات عبر الحدود. فلم يعد الأمر كما كان عليه الحال في الحرب الباردة السابقة. وبالتالي ستصعب مهام القوات الخاصة لأنها ستصبح هدفاً لذلك الصراع الدولي للحد من نفوذ الخصم عبر تعطيل نشاط قواته الخاصة.

3- التطورات التقنية والتتبع: مع الثورة التكنولوجية، تزداد مهام القوات الخاصة صعوبة في ظل صعوبة التخفي، والحفاظ على سرية هوياتهم، مع سهولة رصدهم عبر الكاميرات وأجهزة الاستشعار التي يمكنها كشف هوية تلك العناصر بفعل ثراء قواعد البيانات عالمياً بمعلومات عن الأفراد وهوياتهم، فضلاً عن سهولة رصد الإشارات والاتصالات بين عناصر القوات، بل قد يسهل استهدافهم واغتيالهم، وهو ما يتطلب تعزيز شروط انتقاء عناصر القوات الخاصة ويعرضهم للمزيد من الضغوط والمخاطر لأداء مهامهم في أشد الظروف صعوبة وبأدنى مستوى للتواصل والدعم.

4- العولمة والتحول في مفهوم الدولة: بفعل التحولات السياسية والاقتصادية التي تدفع نحو التدويل لا التوطين، باتت الهياكل السياسية والاقتصادية والمجتمعية معولمة وليست قومية، الأمر الذي عزز تشابك المكونات المحلية عالمياً. ويأتي ذلك بالتزامن مع تصاعد الموجات الانفصالية عن الدول القومية، فمثل تلك التحولات التي تشهدها الدولة القومية تنعكس على السياق الأمني وتزيده صعوبة بفعل تراجع حدود سيادة الدولة في مقابل تنامي نفوذ فواعل أخرى تنافسها، وهو ما يدفع نحو تزايد الاعتماد على "الخصخصة العسكرية" للقيام بمهام وعمليات عسكرية خاصة بالخارج لحماية مصالح الدول الخارجية، مثلما هي الحال بالنسبة لروسيا عبر قوات فاجنر، وكذلك الصين التي تحرص على تأمين مصالحها بمبادرة الحزام والطريق، وهو ما يحمل في طياته انتهاكاً للسيادة ولقواعد القانون الدولي. 

ويزداد الأمر صعوبة في الدول الضعيفة بالأساس التي تعاني - بالإضافة إلى ذلك- وجود فواعل مسلحة من غير الدول تحد من قدرة الدولة على بسط الأمن عبر أجهزتها الرسمية والتمتع بكامل السيادة، ما سمح باختراق الدول الأخرى لها بحجة عدم قدرتها على مواجهة التهديدات الأمنية بمفردها. ومثل تلك التحولات تضيف العديد من المخاطر لبيئة العمليات للقوات الخاصة، وتخلق لها منافسين متعددين وتُزيد عمليات الاستهداف صعوبة، بل قد تعمل القوات الخاصة إما بشكل سري أو بالاشتراك مع جهة محلية للمساعدة في محاربة جهة أخرى.

اعتبارات أساسية:

تُوظف القوات الخاصة للقيام ببعض المهام -كما سبقت الإشارة لها- بدلاً من القوات العسكرية والأمنية التقليدية، ومع ذلك فثمة حدود للاعتماد على القوات الخاصة، وثمة مخاطر قد تنجم عن إساءة توظيفها وإسناد المهام لها على نحو غير ملائم، إذ إن الزج بالقوات الخاصة للقيام بمهام في بيئة عمليات غير ملائمة ودون استعداد مسبق، يُعرضها للعديد من المخاطر قد تصل إلى حد فقدانها. 

ومن ناحية أخرى، لابد أن تكون القوات الخاصة محدودة العدد بفعل العديد من القيود والاعتبارات، بما يتلاءم مع طبيعة مهام تلك القوات وطابعها السري نسبياً، للتمكن من القيام بمهامها الخارجية وللحفاظ على عدم تسرب المعلومات عن المهام الخاصة على نطاق واسع. وبالتالي فإن زيادة عددها يُفقدها ميزتها عن القوات التقليدية المتمثلة في غياب البيروقراطية المعقدة للوحدات العسكرية الأخرى.

كما أنه بفعل بيئة العمليات التي تنخرط فيها على عكس القوات التقليدية، فهي تُدرب للقيام بالمهام في أشد الظروف صعوبة، وبأقل دعم ممكن، وتحت التعرض لضغط هائل، وعلى الرغم من ذلك لابد لها من مواصلة مهامها بأعلى درجات الإبداع والاحترافية. وهذا يعني انتقاء عناصر ذات سمات نفسية وجسدية وعقلية خاصة، بما يزيد محدودية عددهم، فضلاً عن ارتفاع تكلفة التدريب وانتقاء تلك العناصر من صفوف العسكريين، بالإضافة إلى أهمية محدودية العدد للحفاظ على مهنية تلك القوات وثقافتها الداخلية والقيمية، وللتمكن من القدرة على رقابة تصرفات تلك العناصر بفاعلية وضمان عدم إساءة استغلال صلاحياتها أو تراجع معدل احترافها. كما تشير الدراسات إلى أن التوسع في عدد عناصر القوات الخاصة سينعكس سلباً على كفاءتهم النوعية.

التكيف مع التحديات: 

تمثل القوات الخاصة حصاناً رابحاً بفعل قدراتها التكتيكية على التعامل مع أشد المهام صعوبة وأكثرها تهديداً، بما يجعلها الأداة العسكرية المفضلة للعديد من متخذي القرار. ومن المتوقع أن يزداد الاعتماد على دور القوات الخاصة مستقبلاً بفعل تزايد التهديدات، وتعقد المهام التي لا تتناسب سوى مع القوات الخاصة مثل مهام الاستطلاع الاستراتيجي السري، واختراق السياق ذي الكثافة البشرية، وبناء علاقات مع الشركاء في بيئات معقدة، والمهاجمة والردع في المنافسة المعولمة، وما إلى ذلك من مهام. 

بيد أن حجم وحدات القوات الخاصة محدود ويصعب زيادته، مما يقلص فرص التوسع في توظيف هذه القوات للقيام بكافة المهام المطلوبة، وهو ما يدفع نحو انتهاج سياسات واستراتيجيات تحقق المزيد من التكيف مع تلك التحديات وفقاً لاعتبارات التكلفة والعائد لتعظيم الاستفادة من فعالية دور القوات الخاصة عند التعويل عليها، للموازنة بين محدودية عدد عناصرها والتزايد المتوقع في مهامها وكذلك التحديات في بيئة العمليات التي تقلص فرص المرونة التي تمتعت بها القوات الخاصة من قبل.

وتدفع تلك التحديات نحو ضرورة الاستعداد الأمثل عبر تعزيز القدرات التدريبية للتكيف مع التحديات في بيئة العمليات، والتكيف مع التطورات والمخاطر التقنية والأمنية وغيرها، والتغلب على التحديات الخاصة بالتتبع والرصد والكشف عن الهوية.

كما سيتعين على القوات الخاصة أن تتحول عن العمومية إلى التخصص بدرجة أكبر في مهارات ومهام محددة؛ للحفاظ على فعاليتها وللتكيف مع التحديات. فقد يتم تخصيص وحدات للقيام بالاستطلاع الاستراتيجي والمداهمة، ووحدات للقيام بالمهام السرية، ووحدات تختص بالتفاعل مع الشركاء الميدانيين الآخرين، إلا أن ذلك قد ينعكس سلباً على تماسك القوات ومدى اعتماد وحداتها على بعضها البعض، الأمر الذي يستلزم مجابهته عبر العقيدة والمنظومة القيمية لتلك القوات لترسيخ التكامل والتعاون ومن ثم الفعالية.

مستقبل القوات الخاصة: 

مجمل القول، إن التفاصيل حول كيفية تحقيق التوظيف الأمثل للقوات الخاصة مستقبلاً وسبل مواجهة التحديات والمخاطر سيُبحث بعيداً عن الرأي العام على صعيد دوائر صُنع القرار السياسي والأمني والعسكري، مع الوضع في الاعتبار ضرورة معالجة خطر الإفراط في تحميل القوات الخاصة بالعديد من الالتزامات، والإحجام عن تمكين القوات التقليدية مثلما حدث خلال الحرب على الإرهاب. فعلى مدار السنوات العشرين الماضية، كُلفت القوات الخاصة بمهام كان من الممكن إسنادها للقوات التقليدية لأسباب تتعلق بأمور سياسية لا تنفيذية وفنية. كما ينبغي مراعاة مجابهة التحديات التي قد تواجهها القوات الخاصة في بيئة العمليات مستقبلاً لمحورية دورها بالمستقبل مع عدم اغفال ضرورة الاستعداد والتأهيل.

ويخلص التقرير إلى أن بيئة العمليات المستقبلية ستتميز بتنوع الفواعل بالساحة العسكرية، وتزايد التصعيد والصراع عبر الحدود الوطنية، مع الانتشار المتوقع للفواعل من غير الدول، وهو ما يزيد الحاجة لفهم تعقد المشهد، والقوات الخاصة هي الأقدر على اختراق ذلك المشهد المعقد وفهمه والانخراط فيه، لكن ذلك سيكون مصحوباً بما ستلاقيه تلك القوات من مخاطر كما سبقت الإشارة لها. وإذا أرُيد للقوات الخاصة أن تتمكن من أداء المهام قد تُكلف بها، فإنها ستحتاج إلى إعداد أساليب جديدة للتكيف والتغلب على المخاطر والتهديدات في بيئة العمليات المستقبلية، وهو ما يستلزم إدراك دوائر صنع القرار طبيعة المهام وكذلك التحديات المتوقعة؛ لتحقيق الاستعداد والتشغيل الأمثل للقوات الخاصة. 

المصدر:

Jack Watling, Sharpening the Dagger Optimising Special Forces for Future Conflict, Royal United Services Institute for Defence and Security Studies, Whitehall Report 1-21, May 2021, available at:

https://static.rusi.org/whr_special_forces.pdf