أخبار المركز
  • شريف هريدي يكتب: (الرد المنضبط: حسابات الهجمات الإيرانية "المباشرة" على إسرائيل)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (عام على حرب السودان.. ترابط المسارين الإنساني والسياسي)
  • د. أحمد أمل يكتب: (إرث فاغنر: هل قاد "التضليل المعلوماتي" النيجر للقطيعة مع واشنطن؟)
  • عادل علي يكتب: (موازنة الصين: دوافع تزايد الانتشار الخارجي للقوة البحرية الهندية)
  • إبراهيم فوزي يكتب: (معاقبة أردوغان: لماذا خسر حزب العدالة والتنمية الانتخابات البلدية التركية 2024؟)

سباق الكمامات

07 أبريل، 2020


درسنا في سنواتنا الجامعية الأولى نظريات السياسة الدولية وكان موضوع «عوامل قوة الدولة» واحداً من موضوعاتها الأثيرة باعتبار أن الدولة هي الفاعل الرئيسي في ساحة السياسة الدولية حتى وإن شاركها الفعل فاعلون من غير الدول كحركات التحرر الوطني والشركات متعددة الجنسيات وغيرها. وكان منطقياً أن يتم التركيز على القوة العسكرية باعتبارها تتويجاً لقوة الدولة على أساس أنه لا يمكن لدولة أن تمتلك قوة عسكرية قادرة دون أن تتوفر لها قدرة اقتصادية متقدمة وكذلك علمية وتكنولوجية وغيرها. وكان «السكان» من بين عوامل قوة الدولة، حيث تم التركيز في هذا المنظور على بُعدي الكم والكيف، فلا قوة عسكرية أو اقتصادية دون توفر عدد كافٍ من السكان، ولا قيمة للعدد بحد ذاته ما لم يرتبط بنوعية رفيعة في مستوى التعليم والمستوى الصحي. لكن أحداً في ذلك الوقت وحتى ما قبل جائحة كورونا لم يكن يفكر ضمن حسابات قوة الدولة في تفاصيل الحفاظ على المستوى الصحي للسكان والبنية الصحية الأساسية، ولم يكن أحد يتخيل أن يأتي اليوم الذي تبرز فيه إلى جوار سباقات التسلح سباقات على المستلزمات الطبية، من كمامات وأجهزة تنفس صناعي وغيرها، وأن يحدث ما يشبه القرصنة والمزايدة على هذه المستلزمات بما يوتر العلاقات بين دول تخوض معركة من أجل البقاء.

والواقع أن الدول كانت تتصرف في هذا الصدد بمنطق المصارف المالية التي تستثمر نسبة محسوبة من ودائع عملائها على أساس أن طلبهم على ودائعهم في لحظة زمنية محددة مرهون بعوامل معروفة بحيث يستطيع المصرف دائماً تلبية هذا الطلب دون أدنى مشكلة، مع أنه يستثمر نسبة معتبرة من الودائع، أما إذا حدث ظرف كاهتزاز ثقة العملاء في الاقتصاد الوطني أو في بنك بعينه، فإنهم يُهرعون لسحب ودائعهم في وقت واحد فيُفلس المصرف. بل إن بعض الدول، وتحت تأثير توجهات يمينية، قلل من شأن وظيفة الدولة في الرعاية الصحية، كما فعل ترامب بالقانون الذي سُن في عهد سلفه للتأمين الصحي، وكما فعلت حكومات أخرى، مما ترتب عليه تراجع في مستوى الخدمات الصحية يدفع العديد من الدول ثمناً باهظاً له الآن، بينما تكسب دول أخرى لأنها أثبتت قدرتها على مواجهة متطلبات الوباء، من توفير البنية الأساسية لهذه المواجهة كإنشاء مستشفيات ذات طاقة استيعابية استثنائية في زمن قياسي، وتوفير المستلزمات الطبية المطلوبة من كمامات وأجهزة تنفس صناعي وغيرها، بكميات فاضت عن الحاجة لدرجة، كحالة الصين التي أخذت تزوّد دولاً غير حليفة لها كإيطاليا التي عجز فيه الاتحاد الأوروبي عن مساعدتها.. مما ستكون له تداعياته على أمور كثيرة كالمكانة العالمية للصين، وإعادة تشكيل توازن القوى الدولي بدرجة أو بأخرى.

وما من شك في أن مسألة توفير البنية الصحية الأساسية سوف تكون إحدى أولويات السياسات العامة للدول، وقد يصل الأمر إلى أن يكسب نمط الحكم الذي يثبت قدرة تنظيمية عالية في مواجهة الوباء، بغض النظر عن درجة ديمقراطيته، نقاطاً تفضيلية على حساب نظم أخرى ارتبكت في هذه المواجهة.

ويقول البعض: لكن القوة العسكرية ستبقى الأساس. لكن ليست العلاقات الدولية كلها حروباً تُكسب بالقوة العسكرية، وإنما هناك من المعارك، كالتنافس على قمة النظام العالمي، ما يمكن كسبه بالقوة الاقتصادية مع توفير قدرة عسكرية لا تتفوق بالضرورة على الخصم، وإنما تكون كافية لردعه عن القضاء عليها خشية ما سيلحق به من أضرار نتيجة توظيف هذه القدرة، وهذا ما تفعله الصين حالياً بالضبط. وحتى في المواجهات العسكرية -على ضوء دروس كورونا- لنتخيل أن حاملة الطائرات الأميركية التي أُصيب طاقمها بالفيروس كانت مكلفة بمهمة حاسمة في صراع محتدم، فماذا عساها تفعل لو أنها خسرت نسبة مؤثرة من أرواح طاقمها أو قدراتهم؟

*نقلا عن صحيفة الاتحاد