أخبار المركز
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (عام على حرب السودان.. ترابط المسارين الإنساني والسياسي)
  • د. أحمد أمل يكتب: (إرث فاغنر: هل قاد "التضليل المعلوماتي" النيجر للقطيعة مع واشنطن؟)
  • عادل علي يكتب: (موازنة الصين: دوافع تزايد الانتشار الخارجي للقوة البحرية الهندية)
  • إبراهيم فوزي يكتب: (معاقبة أردوغان: لماذا خسر حزب العدالة والتنمية الانتخابات البلدية التركية 2024؟)
  • شريف هريدي يكتب: (مخاطر الانفلات: خيارات إيران للرد على استهداف قنصليتها في دمشق)

احتواء المخاطر:

33 كتابًا تستشرف مستقبل العلاقات الدولية في عام 2020

26 ديسمبر، 2019


عادةً ما يقترن النقاش حول عام 2020 بحالة من الترقب الشديد، وكمٍّ ضخم من التطلعات لعام فاصل ولحظة فارقة في مسار العلاقات الدولية، نتيجةً لزخم الأحداث المرتقبة خلال العام والتي يتصدرها الانتخابات الرئاسية الأمريكية، والانفصال البريطاني عن الاتحاد الأوروبي، ومصير الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، واحتمالات الانتقال السياسي في عدد من الدول، والمخاوف من تفجر أزمات اقتصادية عالمية، وتأثيرات الإرباك التكنولوجي، والتحسب لتصاعد اضطرابات في بعض أقاليم العالم وفي صدارتها الشرق الأوسط.

وقد انعكس ذلك الارتباك على توقعات كتب ومؤلفات العلاقات الدولية الأكثر انتشارًا وتأثيرًا في عام 2019. إذ كشفت الكتب الغربية الأكثر مبيعًا والتي حظيت بترشيحات النقاد والخبراء في وسائل الإعلام عالمية الانتشار والمجلات المتخصصة ومراكز التفكير الدولية، عن التركيز على عدة قضايا، مثل: اضطراب القيادة الأمريكية، وتعقيدات انتقال القوة نحو القارة الآسيوية بسبب إشكاليات الداخل بالتوازي مع تشكل ملامح مقلقة لمرحلة "ما بعد العولمة" والتحسب للمخاطر غير المتوقعة، والتحول في أدوار الدول والقيادات نتيجة لاضطراب العلاقة بين الدولة والمجتمع والأسواق، وأخيرًا تزايد الضغوط الاقتصادية الناتجة عن هيمنة الأثرياء وعدم المساواة والتأثيرات المعقدة للتقدم التكنولوجي السريع على الاقتصاد والمجتمع والأمن.

اضطراب السياسة الأمريكية:

لا يزال الاضطراب في السياسة الأمريكية في ظل حكم الرئيس "دونالد ترامب" موضع اهتمام العديد من المؤلفين، وفي صدارتهم "مايكل ولف" الذي سعى للبناء على الانتشار واسع النطاق لكتاب "نار وغضب" حول فوضى إدارة الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب"، وقام بطرح كتاب آخر في عام 2019 بعنوان "الحصار: ترامب تحت النار" متحدثًا عن التوترات المصاحبة لتحقيقات لجنة "روبرت مولر" في ارتباط مسئولي حملة "ترامب" الرئاسية بروسيا، وتواصلهم مع بعض المسئولين التابعين لموسكو، وهو ما يوضح سياقات الجدل الدائر حاليًّا حول محاولات "عزل الرئيس الأمريكي" بسبب اتهامات بسوء استخدام السلطة(1). 

وعلى الرغم من تعدد الكتب التي تم نشرها هذا العام حول الرئيس "ترامب" ما بين مؤيدين ومعارضين ضمن الاستقطاب السياسي المحتدم في واشنطن، فإن كتاب المحرر الأمريكي المتخصص في الشئون الأمنية "بيتر بيرجن" الصادر قبيل نهاية العام بعنوان "ترامب وجنرالاته: تكلفة الفوضى" يُعد نموذجًا للارتباك المحتدم في أروقة البيت الأبيض، والصدام بين الرئيس وكبار القيادات العسكرية الذين اصطدموا بـ"ترامب" تباعًا مما تسبب في استبعادهم، مثل "هربرت ماكماستر" مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق، ووزير الدفاع الأمريكي السابق "جيمس ماتيس"، والجنرال "جون كيلي" رئيس موظفي البيت الأبيض سابقًا. ويحذر الكاتب من عواقب استبعاد "ترامب" للقيادات العسكرية التي مثلت كوابح لسياساته الجامحة في مجالات الأمن القومي والسياسة الخارجية، وإحاطة الرئيس لذاته بعدد كبير من الأتباع المؤيدين (Yes-men) الذين يستسلمون لسياسات "ترامب"(2). 

ويُجادل كلٌّ من "راسل مويرهيد" و"نانسي روزنبلوم" حول أن صعود "ترامب" كان مرتبطًا بهيمنة الفكر التآمري ونظريات المؤامرة على المجتمع الأمريكي. وفي كتابهما المعنون "الكثير من الناس يقولون: التآمرية الجديدة والاعتداء على الديمقراطية" يؤكدان أن وسائل التواصل الاجتماعي أسهمت في تشكل العقيدة التآمرية الجديدة (The New Conspiracism) التي تقوم على التشكيك في كافة الثوابت، وتكرار بث المعلومات المغلوطة والأخبار الكاذبة للتأثير في توجهات المواطنين، وتحويل المؤامرة إلى حقيقة في أذهانهم(3). 

إعادة هيكلية الديمقراطية:

مقارنةً بتركيز كتب عام 2018 على انهيار وتصدع الديمقراطية الليبرالية وانحسارها، فإن عام 2019 شهد تركيز حركة النشر على تكيف الديمقراطية مع المد القومي الشعبوي واستيعابها للاتجاهات المادية للديمقراطية، حيث اعتبر "إيف كراستيف" و"ستيف هولمز"، في كتابهما المعنون "الضوء الذي أخفق: الحساب"، أن الدروس المستفادة من مرحلة ما بعد انهيار حائط برلين عام 1989 وتمدد الديمقراطية الليبرالية خلالها قد تسهم في التعامل مع الارتداد السلطوي القومي في العديد من دول العالم، وخاصةً ما يرتبط بالثقة المفرطة للنظم الديمقراطية في قدرتها على مواجهة الاتجاهات المناوئة لها، والاعتقاد بامتلاك الأفضلية القيمية والأخلاقية(4).


لم تقتصر رؤى إصلاح الديمقراطية على الكتاب السابق، وإنما شملت كتاب "سيمون ريد هنري" الصادر بعنوان "إمبراطورية الديمقراطية: إعادة بناء الغرب خلال الحرب الباردة 1971-2017"، الذي سعى من خلال مراجعة تاريخ الحرب الباردة لاكتشاف جذور الأزمة الراهنة للديمقراطية الليبرالية، والعوامل التي أدت لتآكل نموذج الديمقراطية التوافقية الذي ظهر بعد الحرب العالمية الثانية(5). وهو ما كرره "جيمس تروب" في كتاب "ما هي الليبرالية: الماضي والحاضر والوعد بفكرة نبيلة" بتتبع تاريخ الليبرالية وتطورها والقيم والدعائم الرئيسية لها، حيث يرى أن التراجع الديمقراطي الحالي مرتبط بالثقة المفرطة من جانب التيارات الديمقراطية واعتقادها في أفضليتها القيمية والأخلاقية مقارنة بالتيارات القومية، وهو ما أدى لإغفال ضرورة التركيز على تلبية احتياجات المواطنين الاقتصادية، وهو ما دفع لتبلور موجة الارتداد المضادة للديمقراطية الليبرالية والتي دعمت التيارات اليمينية والقومية(6).

عصر "ما بعد العولمة":

تواجه العولمة في عام 2020 تحديات وجودية قد ترسم مسارها لعقد قادم وفقًا للعديد من المؤلفين، حيث يتوقع "مايكل سوليفان" في كتاب "التسوية: ما بعد العولمة" تواصل اتجاهات انحسار في ظل تراجع نمو الاقتصادات الوطنية، وتزايد الاقتراض وأزمات الديون، وانتشار عدم المساواة، وهيمنة الشركات دولية النشاط، والتضخم في أدوار البنوك المركزية التي أصبحت أقوى من الحكومات، وتتابع الأزمات العالمية، وهو ما أدى لتحفيز توجهات يمينية متطرفة وشعبوية تدعم اتجاهات مناهضة للعولمة، مثل: الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي، ومعاداة الهجرة والتجارة الحرة، وتقويض الديمقراطية. ويرسم "سوليفان" صورة لعالم يحكمه التدافع بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والدول الآسيوية الصاعدة، بالتوازي مع تزايد الاضطرابات والتوترات التي تواجهها الدول الصغرى، وصعود نظم الحكم المركزية، وعسكرة السياسات الخارجية، وإعادة هيكلة المنظمات الدولية(7).

ويتفق ذلك مع ما يطرحه "باتيرك دياموند" في الكتاب المحرر الصادر بعنوان "أزمة العولمة: الديمقراطية والرأسمالية وعدم المساواة في القرن الحادي والعشرين"، حيث أشار إلى أن "الخاسرين من العولمة" أصبحوا ضمن القوى المحركة التي ستسهم في تحديد قدرتها على البقاء في النظام العالمي في ظل تزايد الاتجاهات الرافضة للتدفقات العابرة للحدود والدعامة لتشييد الجدران العازلة والارتداد للداخل(8).


ويطرح الخبير الاقتصادي الشهير الحاصل على جائزة نوبل "جوزيف ستيجلز" في كتابه الصادر بعنوان "الناس والسلطة والأرباح: رأسمالية تقدمية لعصر عدم الرضا"، رؤية مفادها الارتباط الوثيق بين التفاوتات الاقتصادية وعدم المساواة والتوجهات السياسية للمواطنين ومناهضة العولمة. حيث يحذر من سياسات الرئيس "ترامب"، وخاصةً تكريس الاحتكارات الاقتصادية وعلاقات الاستغلال الرأسمالي بالتوازي مع شن حرب على العولمة ممثلةً في حرية التجارة والهجرة، مؤكدا أن "الرأسمالية التقدمية" (Progressive Capitalism) قد تكون هي الحل، بحيث يصبح الاقتصاد موجهًا لخدمة المواطنين عبر التركيز على أهمية العمل وتوفير الرعاية الصحية والاجتماعية، وتطوير خدمات الصحة والتعليم والإسكان والأمن المالي للمواطنين والعدالة وتكافؤ الفرص وتعزيز دور المؤسسات الديمقراطية، والتركيز على رفاهية المجتمع وليس دعم الأثرياء، بالإضافة للاهتمام باقتصاديات حماية البيئة والتعليم والبحث العلمي(9).

تعقيدات "العصر الآسيوي":

شهدت الأطروحات حول ديناميات الصعود الآسيوي زخمًا كبيرًا على مدار عام 2019، ففي مطلع العام طرح "باراج خانا" كتابه "المستقبل آسيوي: النظام العالمي في القرن الحادي والعشرين" الذي أشار إلى أن القرن الأمريكي قد بدأ الانحسار فعليًّا تاركًا المجال لقرن آسيوي جديد يقوم على مركزية الدول الآسيوية، وتنبأ "خانا" بانتقال قيادة العالم من الغرب إلى القارة الآسيوية في ظل تمكن القوى الآسيوية الصاعدة، وفي مقدمتها الصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية، من تعزيز انخراطها في النظام العالمي(10).

ويركز "كريستوفر كوكر" على نموذج "الدولة الحضارية" (Civilizational State) الذي يعتبره سائدًا في كلٍّ من الصين وروسيا، حيث يرى أنه في مقابل نموذج الدولة القومية تدعي بعض الدول أنها تمثل حضارات منفصلة، مما يدعم سياساتها التوسعية على المستوى الخارجي، ويزيد دافعية عسكرة السياسات الإقليمية، والانخراط النشط في العلاقات الدولية. ويعني ذلك أن العصر الآسيوي قد يحكمه الصراع على قيادة النظام الدولي بين الدول غير الراضية عن الوضع الراهن والراغبة في استعادة الأمجاد الإمبراطورية لإرثها الحضاري(11).

وعلى المستوى الداخلي، يجادل "نيكولاس لاردي" في كتابه "الدولة تضرب من جديد: نهاية الإصلاح الاقتصادي في الصين" بأن الدولة في الصين قد عادت بقوة للمجال الاقتصادي مما كتب نهاية للإصلاح الاقتصادي القائم على التحول الكامل لاقتصاد السوق من وجهة نظره بحيث أصبحت أقرب لنماذج الاقتصادات التي تسيطر عليها الدول (state-controlled economy) على المستوى الداخلي على الرغم من دفاعها الدائم عن اقتصاد حر ومفتوح على المستوى العالمي لتحقيق مصالحها الاقتصادية(12). 

ولا تقتصر التحديات الاقتصادية على الصين، حيث يرسم "أندرس أسلوند" في كتابه "رأسمالية الزبائنية: الطريق من اقتصاد السوق إلى حكم اللصوص" صورة قاتمة للاقتصاد الروسي تحت قيادة الرئيس "فلاديمير بوتين"، مشيرًا إلى أن الأخير قد شيد "رباعية حديدية" (Iron Quadrangle) لدوائر القوة ضمن الاقتصاد الروسي، تتمثل في: قوة الدولة المركزية، والشركات الكبرى المملوكة للدولة، وعلاقات المحسوبية والزبائنية، وأخيرًا الملاذات الضريبية الآمنة الأنجلو أمريكية التي يمكن إخفاء الثروات بها، وهي معادلة تساوي استنزافًا طويل الأمد للاقتصاد الروسي نتيجة لرأسمالية المحسوبية (Crony Capitalism) والمحاباة في توزيع الفرص الاقتصادية(13).

تمدد "القارة العظمى":

يتوقع أن يتواصل الاهتمام خلال عام 2020 بإقليم أوراسيا وجغرافيا الاتصال بين الأقاليم المختلفة، حيث أشار "كنت كالدر" في كتابه "القارة العظمى: منطق التكامل الأوروآسيوي" إلى أن العالم يشهد حاليًّا تشكل قارة عظمى (Supercontinent) تمتد من جنوب الصين حتى المحيط الأطلنطي. ويرجح الكاتب أن يتحول التكتل الجغرافي الجديد لوحدة تكنولوجية واقتصادية وربما سياسية تشكل "جزيرة العالم" التي توقعها "هالفورد ماكيندر" سابقًا(14). 

ويأتي ذلك امتدادًا لتوقعات "برونو ماسياس" في كتابه "فجر أوراسيا: الطريق نحو نظام عالمي جديد" بتصاعد اتجاهات السيطرة على هذا الإقليم خاصةً من جانب روسيا والصين والهند بسبب الموقع الجيواستراتيجي، ومرور خطوط حيوية لنقل الطاقة عبر القارتين، بالإضافة إلى الكثافة السكانية الضخمة، والامتداد الجغرافي، واحتياطات الطاقة الضخمة، والتّماسّ مع بؤر الصراعات الرئيسية في آسيا وأوروبا(15)، كما تتفق هذه التوقعات مع ما ذكره "روبرت كابلان" في كتابه "عودة عالم ماركو بولو: الحرب والاستراتيجية والمصالح الأمريكية في القرن الحادي والعشرين"، حول الصراع للهيمنة على أوراسيا نتيجةً للمشروعات العالمية الكبرى، مثل مشروع "الحزام والطريق" الذي يعد تجسيدًا للرؤية الجيواستراتيجية للصين(16). 

مركزية القيادات السياسية:

أدى تصدر القيادات الشعبوية والقومية للتفاعلات العالمية، مثل الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب"، إلى تزايد الاهتمام بأدوار وتأثير القيادات في حركة النشر العالمية. ففي كتابه المعنون "كيف تكون ديكتاتورًا؟ عبادة الشخصيات في القرن العشرين"، يُشير "فرانك ديكوتر" إلى أن العالم يشهد حاليًّا عودة "رجال السياسة الأقوياء" للمعترك السياسي، مؤكدًا أن خبرات الماضي تكشف عن دروس متعددة من هيمنة القيادات القوية على العالم، وتأثيرهم على العلاقات الدولية، مثل "أدولف هتلر" و"ماوتسي تونج"(17).


وينطبق الأمر ذاته على كتاب "ماويزم: تاريخ عالمي" الذي أعدته "جوليا لوفل"، والذي يعتبر صعود دور الرئيس الصيني "تشي جينبينج" عالميًّا هو امتداد للإرث التاريخي لماوتسي تونج ورؤيته للدور العالمي للصين واستقلاليتها عن النفوذ الغربي وخصوصيتها السياسية والاقتصادية(18).

وفي السياق ذاته، تعددت الكتب التي تركز على دور القيادات في العلاقات الدولة، مثل كتاب "الخليفة العظيم: الصعود السري وحكم كيم جونج أون" الذي يطرح سردية صعود "جونج أون" للسلطة اعتمادًا على مقابلات مع مصادر مقربة من عائلته ومن النظام الكوري الشمالي، حيث يرصد الكتاب العلاقة المعقدة بين القائد الكوري والنظام والتأثير الطاغي للخصائص الشخصية على السياسة(19).

مواجهة "الخطر الخامس": 

تعد العلاقة بين الدولة والمجتمع وتأثيراتها على الاستقرار الداخلي من أبرز القضايا التي حظيت باهتمام حركة النشر في الآونة الأخيرة، حيث يحذر "مايكل لويس" المؤلف الأمريكي الذي تحظى كتبه بانتشار واسع من "الخطر الخامس" (The Fifth Risk) وهي المخاطر غير المتوقعة التي لا يتم الاستعداد لمواجهتها لأنها غير متخيل حدوثها، أو أن تداعياتها لم يكن من الممكن تقديرها مثل انعكاسات تزايد هيمنة مصالح رجال الأعمال على صنع السياسة المالية، وتحميل المواطنين العاديين تكاليف الإصلاح الاقتصادي بصورة مستديمة، وتراجع قدرة الدول على حماية المواطنين أمنيًّا ومعلوماتيًّا واقتصاديًّا وإخفاقها في أداء وظائفها مما يهدد بقاءها وتماسكها على المدى البعيد(20). 


وفي السياق ذاته، يرى "راجهورام راجان" في كتابه "العمود الثالث: كيف تخلت الأسواق والحكومات عن المجتمع" أن استعادة التوازن في المستقبل يبدأ من الاهتمام بدور المجتمع في الاقتصاد، وتجاوز الاستقطاب بين الحكومات والأسواق عبر تمكين المجتمع وتحجيم اتجاهات الشركات للاحتكار وتوزيع عوائد التنمية بصورة عادلة بحيث تصل إلى المستويات المحلية، بحيث يتم احتواء التأثيرات السلبية لعدم المساواة والتي تتسبب في صعود التيارات القومية والشعبوية، وتزايد دعم إجراءات الحمائية والحروب التجارية(21). 

استيعاب الأزمات الاقتصادية:

تصدرت المخاوف من أزمة اقتصادية جديدة في عام 2020 حركة النشر على مدار عام 2019، نتيجة للحروب التجارية والاستقطاب المتزايد بين الصين والولايات المتحدة، وتصدع المؤسسات الاقتصادية الدولية، وتوازى ذلك مع السعي لإصلاح الاقتصادات الوطنية، وفي هذا الصدد يمكن رصد عدة اتجاهات يتمثل أهمها فيما يلي:

1- تنامي أدوار "الدول القوية": دعم "دارون أسيموجلو" و"جيمس روبنسون" في كتابهما "الممر الضيق: الدول والمجتمعات ومصير الحرية" أن تلبية احتياجات المجتمع تتطلب وجود دولة قوية قادرة على أداء وظائفها، إلا أن توغل قوة الدولة وسلطاتها يؤدي للإجهاز على دور المجتمع مما يجعل العلاقة المتوازنة بين الدولة والمجتمع بمثابة "ممر ضيق" ما بين الفوضى والسلطوية على حد تعبير الكاتبين اللذين قاما بتأليف الكتاب الشهير "لماذا تفشل الأمم؟"(22).

2- صعود "حكم الأثرياء": تعددت الكتب التي تتناول النفوذ السياسي والاقتصادي للأثرياء في العالم، حيث اعتبر "أناند جيريدهاراداس" أننا بصدد تبلور اقتصاد يهيمن عليه الأثرياء وذلك في كتابه "الفائزون يحصلون على كل شيء: لعبة النخبة في تغيير العالم"، فالأعمال الخيرية ليست كافية لإصلاح العالم، وتبقى السياسة المتوازنة هي السبيل لمعالجة المشكلات الكبرى وليس التعويل على دور الأثرياء(23).

ويشير كتاب "شفرة رأس المال: كيف يخلق القانون الثروة وعدم المساواة"، إلى أن رأس المال أصبح يحكم بالقانون عبر التشريعات التي تدعم تكوين الثروات، والتي تدعمها قوة الدولة التي ترغب في حماية الرأسمالية والتوازن الاقتصادي عبر تحصين رؤوس الأموال(24). ووفقًا لـ"إيمانويل سايز" و"جبريل زوكمان" فإن إفلات الأثرياء من الضرائب يُعد "انتصارًا لعدم العدالة" وتعزيزًا لعدم المساواة في المجتمع، وهو ما رسخ حالة "حكم الأثرياء" (Plutocracy) في المجتمع الأمريكي نتيجة تحكمهم في صناعة القواعد المنظمة لفرض الضرائب(25).

3- التحذيرات من عدم المساواة: حظي عدم المساواة الاقتصادية في المجتمع الأمريكي باهتمام كبير، وهو ما تجلى في كتاب "غير محدود: كيف يقيد عدم المساواة اقتصادنا وما يمكننا القيام به حيال ذلك" الذي أشار إلى أن عدم المساواة كان يتم تصويرها باعتبارها الثمن الذي ينبغي دفعه للحفاظ على مرونة وقوة الاقتصاد والنمو، إلا أن "هيثر بوشي" مؤلفة الكتاب تؤكد أنها تتسبب في تدمير الاقتصاد وتؤثر سلبًا على رأس المال البشري وتعوق عدالة توزيع الفرص، وتقلص من تمويل الخدمات العامة، وتؤدي إلى تراجع الطلب بصورة كبيرة، كما تحفز السياسات الجبائية الحادة في الاقتصاد(26). 

ويؤكد كتاب "99%: الإفقار الجماعي وكيف يمكن إنهاؤه؟" أن الطبقة الوسطى تتعرض لضغوط حادة قد تتسبب في اختفائها بالتوازي مع تداول أفكار مغلوطة حول محدودية الجدوى الاقتصادية لإجراءات دعمها مثل رفع الضرائب، وأشار الكاتب "مارك توماس" إلى ضرورة تبني إجراءات ثورية لمواجهة عدم المساواة لتأسيس اقتصاد يعود بالنفع على الجميع(27). 

4- استيعاب الحرب التجارية: حظيت بالاهتمام المخاوف من تفكك النظام التجاري العالمي نتيجة الصراع بين الولايات المتحدة والصين، وهو ما عبر عنه "بول بلوشتين" في كتابه حول "الانشقاق: الصين والولايات المتحدة وتفكيك النظام التجاري العالمي"، حيث يحذر من الانشقاق (Schism) الذي قد يهدد النظام الاقتصادي العالمي، إذ ترغب الولايات المتحدة في استبعاد الصين من نظام التجارة العالمية، وهو ما يعتبره الكاتب توجهًا خاطئًا لأن وجود الصين خارج هذا النظام يقوض من قدرته على البقاء، وفرض القواعد على الفاعلين في النظام الاقتصادي العالمي(28).

5- ديناميات "الاقتصادات الحدية": يشير "ريتشارد دافيس" في كتابه "الاقتصادات الحدية: البقاء والفشل والمستقبل، دروس من حدود العالم" إلى أهمية الاهتمام بهذه الأنماط غير النمطية من الاقتصادات (Extreme Economies) وكيف تتعامل الاقتصادات مع حالات الشدة، مثل: الكوارث الطبيعية والصراعات الأهلية وتصدع الدول، إذ تتغير القيم السائدة في التفاعلات الاقتصادية، ويصبح البقاء والفردية المفرطة هي الحاكمة لتوجهات الأفراد مما دفعه للتركيز على أهمية المسئولية المتبادلة في هذه السياقات المعقدة التي يمكن وصفها بأنها "اقتصادات البقاء"(29). 


مخاطر الإرباك التكنولوجي:

حظيت التكنولوجيات باهتمام واسع النطاق ضمن كتابات عام 2019 الأكثر انتشارًا من زاوية تأثيراتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية واسعة النطاق والتي تسببت في إرباك التفاعلات ضمن عدة سياقات مسببةً جدلًا محتدمًا حول الخصوصية وحماية البيانات ومستقبل أسواق العمل، والتأثير على سلوك الناخبين عبر نشر الأخبار الكاذبة والتضليل المعلوماتي. وتمثلت أهم القضايا التي تصدرت الجدل حول تأثيرات التكنولوجيا السياسية والاقتصادية في عام 2020 فيما يلي:

1- تداعيات "فخ التكنولوجيا": عرض "كارل بنيدكت" في كتابه "فخ التكنولوجيا: رأس المال والعمل والقوة في عصر الأتمتة" لتأثيرات التحولات التكنولوجية السريعة على الاقتصاد، حيث وصف تراجع الطلب على الأيدي العاملة مقابل تزايد الاعتماد على الروبوتات في الصناعة بأنه "فخ التكنولوجيا" (Technology Trap) بسبب التأثيرات السياسية والمجتمعية العميقة التي تتمثل في تصويت المواطنين لصالح اليمين القومي والقيادات الشعبوية وصعود الموجة المناهضة للعولمة (30)، بينما تستفيد الدول المناوئة للغرب مثل الصين من التحولات التكنولوجية للتغلب على الاختلال السكاني وهيمنة كبار السن على المجتمع (Aging Demographics) وتنطلق "رانا فوروهار" من ذات الأطروحات في كتابها "لا تكن شريرًا: القضية ضد شركات التكنولوجيا الكبرى"، حيث حذرت من التوسع المفرط في احتكارات هذه الشركات وتهديدها للتوازن الاقتصادي وفرص العمل واستنزافها للموارد(31).


2- صعود رأسمالية المراقبة (Surveillance Capitalism): ترى "شوشانا زوبوف" في كتابها "عصر رأسمالية المراقبة: الصراع من أجل مستقبل البشرية ضمن الحدود الجديدة للقوة" أن "رأسمالية البيانات" (Data Capitalism) باتت تقوم على الاطلاع على بيانات مستخدمي الإنترنت والتطبيقات الذكية، واختراق خصوصيتهم من جانب الشركات الكبرى، وكيف استولت الشركات التكنولوجية الكبرى على اهتمامات الأفراد واستفادت منها ماليًّا وسعت لامتلاك القدرات اللازمة لتوجيه سلوكياتهم(32). 

3- تهديدات إتاحة التكنولوجيا: تشير "أودري كرونين" في كتابها "القوة للناس: كيف يُسلح الابتكار التكنولوجي المفتوح الإرهابيين؟" إلى أن إتاحة القدرات التي تمكن من تطوير التكنولوجيا يؤدي لاستغلالها من جانب التنظيمات الإرهابية في تصنيع أسلحة غير تقليدية تتسبب في آثار مدمرة، وهو ما دفعها لدعوة الحكومات لاتخاذ تدابير مضادة لاستباق استفادة التنظيمات الإرهابية من الابتكار التكنولوجي وعسكرة التكنولوجيا المدنية(33). 

إجمالًا، تكشف مراجعة المؤلفات الأكثر انتشارًا وحضورًا في عام 2019 عن توقعات بتصاعد اضطرابات السياسة الأمريكية في عام 2020، وتواصل الجدل حول مصير العولمة بعد احتدام الحروب التجارية والقيود على الهجرة وتدفقات رؤوس الأموال، بالتوازي مع إعادة تقييم اختلالات الديمقراطية وكيفية التصدي لها، في مقابل استمرار مركزية أوراسيا وتوقعات بتزايد تحديات "العصر الآسيوي" في ظل المخاوف من احتمالات حدوث أزمات اقتصادية جديدة والتحسب لتزايد المخاطر المجتمعية والتهديدات الأمنية للإرباك التكنولوجي. 

الكتب الواردة في الموضوع:

1-Michael Wolff, Siege: Trump Under Fire, Little Brown, 2019

2- Peter Bergen, Trump and His Generals: The Cost of Chaos, Penguin Press, December 2019

3- Russell Muirhead and Nancy L Rosenblum, A Lot of People Are Saying: The New Conspiracism and the Assault on Democracy, Princeton, 2019

4- Ivan Krastev, Stephen Holmes, The Light that Failed: A Reckoning, Allen Lane, 2019

5- Simon Reid-Henry, Empire of Democracy: The Remaking of the West Since the Cold War, 1971–2017, Simon & Schuster, 2019

6- James Traub, What Was Liberalism? The Past, Present, and Promise of a Noble Idea, Basic Books, 2019

7-Michael O’Sullivan, The Levelling: What’s Next After Globalization, Public Affairs, 2019 

8-Patrick Diamond, The Crisis of Globalization: Democracy, Capitalism and Inequality in the Twenty-First Century, IB Tauris, 2019 

9-Joseph Stiglitz, People, Power and Profits: Progressive Capitalism for an Age of Discontent, W W Norton, 2019

10- Parag Khanna, The Future is Asian: Global Order in the Twenty-First Century, Weidenfeld & Nicolson, 2019

11- Christopher Coker, The Rise of the civilizational State, Polity, 2019

12- Nicholas Lardy, The State Strikes Back: The End of Economic Reform in China, Peterson Institute for International Economics, 2019

13- Anders Aslund, Russia’s Crony Capitalism: The Path from Market Economy to Kleptocracy, Yale University Press, 2019

14- Kent Calder, Super Continent: The Logic of Eurasian Integration, Stanford University Press, 2019

15- Bruno Maçães, The Dawn of Eurasia: On the Trail of the New World Order, Penguin Random House, 2018

16- Robert Kaplan, The Return of Marco Polo’s World: War, Strategy, and American Interests in the Twenty-First Century, Random House, 2018

17- Frank Dikötter, How to Be a Dictator: The Cult of Personality in the Twentieth Century, Bloomsbury, 2019

18- Julia Lovell, Bodley Head, Maoism: A Global History, Knopf, 2019 

19- Anna Fifield, The Great Successor: The Secret Rise and Rule of Kim Jong Un, John Murray, 2019

20- Michael Lewis, The Fifth Risk, W. W. Norton & Company, 2019

21- Raghuram Rajan, The Third Pillar: How Markets and the State Leave the Community Behind, Penguin Press,2019

22- Daron Acemoglu and James A Robinson, The Narrow Corridor: States, Societies and the Fate of Liberty, Viking, 2019

23- Anand Giridharadas, Winners Take All: The Elite Charade of Changing the World, Allen Lane, 2019

24- Katharina Pistor, The Code of Capital: How the Law Creates Wealth and Inequality, Princeton University Press, 2019

25- Emmanuel Saez and Gabriel Zucman, The Triumph of Injustice: How the Rich Dodge Taxes and How to Make Them Pay, WW Norton, 2019

26- Heather Boushey, Unbound: How Inequality Constricts Our Economy and What We Can Do about It, Harvard University Press, 2019 

27- Mark E Thomas, 99%: Mass Impoverishment and How We Can End It, Head of Zeus, 2019 

28- Paul Blustein, Schism: China, America and the Fracturing of the Global Trading System, Center for International Governance Innovation, 2019

29- Richard Davies, Extreme Economies: Survival, Failure, Future — Lessons from the World’s Limits, Bantam Press, 2019

30- Carl Benedikt Frey, The Technology Trap: Capital, Labour and Power in the Age of Automation, Princeton University Press, 2019

31- Rana Foroohar, Don’t Be Evil: The Case Against Big Tech, Allen Lane, 2019

32- Shoshana Zuboff, The Age of Surveillance Capitalism: The Fight for a Human Future at the New Frontier of Power, Profile Books, 2019

33- Audrey Kurth Cronin, Power to the People: How Open Technological Innovation Is Arming Tomorrow’s Terrorists, Oxford University Press, 2019