أخبار المركز
  • شريف هريدي يكتب: (الرد المنضبط: حسابات الهجمات الإيرانية "المباشرة" على إسرائيل)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (عام على حرب السودان.. ترابط المسارين الإنساني والسياسي)
  • د. أحمد أمل يكتب: (إرث فاغنر: هل قاد "التضليل المعلوماتي" النيجر للقطيعة مع واشنطن؟)
  • عادل علي يكتب: (موازنة الصين: دوافع تزايد الانتشار الخارجي للقوة البحرية الهندية)
  • إبراهيم فوزي يكتب: (معاقبة أردوغان: لماذا خسر حزب العدالة والتنمية الانتخابات البلدية التركية 2024؟)

مكاسب محتملة:

لماذا أعفت الهند مدفوعات النفط الإيراني من الضرائب؟

08 يناير، 2019


اتجهت الهند مؤخرًا إلى إعفاء مدفوعات النفط الإيراني من الضرائب والرسوم، في خطوة تستهدف تطوير العلاقات مع إيران، ويأتي ذلك بعد أن منحت الولايات المتحدة الأمريكية إعفاءات للهند، في نوفمبر الماضي، لتتمكن من تطوير ميناء تشابهار الإيراني، ومواصلة شراء النفط الإيراني مع سبع دول أخرى، بشكل مؤقت، وهو ما سمح للهند باستئناف العلاقات التجارية والاستثمارية مع إيران، وإن كان بشكل محدود. لكن رغم المكاسب المنتظرة لهذه الخطوة، إلا أن العلاقات الاقتصادية بين الهند وإيران ستظل مرتبطة بمدى قبول الإدارة الأمريكية لتجديد الإعفاءات الممنوحة للدول السابقة من أجل مواصلة شراء النفط الإيراني في الأشهر التالية على المهلة الحالية. 

تعاون ممتد:

تتطلع الهند، عبر خطوات حثيثة، إلى توسيع نطاق علاقاتها الاقتصادية مع إيران، خاصة بعد الإجراءات التي اتخذتها واشنطن، لا سيما فيما يتعلق بمنح مهلة لشراء النفط الإيراني، بشرط تسوية التعاملات الثنائية بالعملات المحلية وليس الدولار.

ولا يُسمح لإيران بإجراء معاملات مالية بشكل مباشر مع دول العالم، ومن بينها الهند، في ظل العقوبات الأمريكية المفروضة على الأولى. وبناءً عليه، اتفقت الحكومتان الهندية والإيرانية، في نوفمبر الماضي، على إيداع مدفوعات واردات النفط الإيراني في بنك "يو.سي.أو" المملوك للأولى بالروبية الهندية.

وفي خطوة تالية لتنشيط العلاقات، وافقت وزارة المالية الهندية، في 28 ديسمبر الماضي، على إعفاء مدفوعات مشترياتها من النفط الإيراني المودعة لحساب شركة النفط الوطنية الإيرانية لدى البنك السابق من ضريبة ورسوم بنسبة 42.5%، وكانت تفرض بالأساس على أموال الشركات الأجنبية المودعة في حسابات البنوك الهندية.

غير أن الإعفاء الضريبي يشمل النفط الخام فقط، ولا ينطبق على الواردات الهندية من سلع أخرى مثل الأسمدة وغاز البترول المسال والشمع. ورغم ذلك تعتبر هذه الخطوة مهمة لرفع مستوى التبادل التجاري بين الدولتين، الذي تأثر في الأشهر الماضية بسبب العقوبات الأمريكية.

وفي سياق آخر، بدأت شركة موانئ الهند العالمية مؤخرًا في تطوير ميناء تشابهار، وذلك بعد أن منحت الإدارة الأمريكية، في نوفمبر الماضي أيضًا، استثناءً للهند لكى تتمكن من الاستثمار في المشروع. وفعليًا، تسلمت الشركة الهندية، في ديسمبر الماضي، عمليات تشغيل الميناء بموجب عقد موقع مع الحكومة الإيرانية يحدد مدة إدارة الشركة الهندية للميناء بـ18 شهرًا قد تزيد إلى 10 سنوات بعد ذلك.

ويتيح الإعفاء الأمريكي للهند إمكانية مد خط سكك حديدية من ميناء تشابهار إلى أفغانستان وشحن السلع غير الخاضعة للعقوبات الأمريكية مثل الأغذية والأدوية إلى الأخيرة، وهو مشروع يستهدف في نهاية المطاف تأسيس ممر لنقل البضائع بين إيران والهند إلى أفغانستان.

مصالح مشتركة:

من المحتمل أن تؤدي الخطوات السابقة إلى تحقيق مكسبين مهمين للهند وإيران، هما:

1- إنعاش التجارة: يسمح الإعفاء الضريبي الذي أقرته الحكومة الهندية بنهاية العام الماضي، لشركات التكرير الهندية بتسوية مدفوعات متأخرة بقيمة 1.5 مليار دولار لصالح شركة النفط الوطنية الإيرانية تراكمت عليها منذ أن فرضت الولايات المتحدة عقوبات على طهران في نوفمبر الماضي، حيث تسببت العقوبات في تجميد المدفوعات.   ومع تسديد هذه المدفوعات، سيكون بإمكان إيران استخدام الأموال بالروبية لتغطية مجموعة من النفقات، بحسب اتجاهات عديدة، من بينها الواردات من الهند، وتكاليف بعثتها الدبلوماسية، وتمويل الطلاب الإيرانيين في الهند.

وفي الوقت نفسه، سوف يشجع هذا الإجراء شركات التكرير على استئناف وارداتها من إيران، بما يدعم وجود الأخيرة في سوق النفط الهندية، وذلك بعد أن تراجعت من المرتبة الثالثة إلى السادسة في قائمة موردي النفط للهند.

ومن ناحية أخرى، من المحتمل أن يوفر تطوير الهند لميناء تشابهار على المحيط الهندي طريقًا للسلع الهندية ليس لأفغانستان فقط وإنما لمنطقة آسيا الوسطى، وهو ما سوف يدعم المشروع الهندي الطموح لتدشين ما يعرف بممر النقل الدولي بين الشمال والجنوب، والذي سيطور شبكة من الطرق البرية والبحرية لنقل البضائع الهندية من الموانئ الغربية في الهند إلى ميناء بندر عباس في إيران، ثم إلى أسواق روسيا وأوروبا وآسيا الوسطى.

2- تدشين استثمارات مشتركة: ربما يوفر الإجراء الهندي الخاص بإعفاء مدفوعات النفط الإيراني من الضرائب فوائض مالية أكبر قد توظفها إيران في عدد من المشاريع الاستثمارية بالسوق الهندية. وفي هذا الإطار، رجحت مؤسسة النفط الهندية مؤخرًا إمكانية مشاركة إيران في مشروع تطوير مصفاة تابعة لشركة "تشيناى بتروليوم".

ومن المخطط أن تستثمر شركة "تشيناى بتروليوم" مبالغ مالية قدرها 5.1 مليار دولار لتطوير مصفاة ناجاباتينام في ولاية تاميل نادو بجنوب البلاد لزيادة طاقتها إلى 180 ألف برميل يوميًا مقارنة بـ20 ألف برميل حاليًا.

 وتستند استثمارات إيران المتوقعة بقيمة 218 مليون دولار في تطوير المصفاة إلى كون شركة نفط إيران "انترتريد" أحد المستثمرين في المصفاة حاليًا، حيث تملك حصة نسبتها 15.4% في "تشيناى بتروليوم"، بينما تملك مؤسسة النفط الهندية نحو 52%.

فضلاً عن ذلك، يمكن لإيران أيضًا أن تستثمر الأموال في مجالات أخرى مثل أدوات الدين الحكومية الهندية، وهو ما ترجحه اتجاهات عديدة في الهند، حيث أشارت إلى أنه بإمكان إيران توظيف أموالها في مجالات أوسع وذلك بعكس الجولة السابقة من العقوبات الأمريكية في عام 2010، عندما كان مسموحًا لها فقط باستخدام الأموال للاستيراد من الهند.

حسابات أمريكية:

كما يبدو، فإن استئناف الهند لعلاقاتها التجارية والاستثمارية- وإن كان بشكل محدود- مع إيران لم يتم إلا بعد الحصول على موافقة أمريكية صريحة عقب منحها إعفاءات لاستئناف شراء النفط الإيراني وتنفيذ مشروع تطوير ميناء تشابهار، وهو ما يعود، في واقع الأمر، إلى أسباب تتعلق برغبة واشنطن في تجنب التأثيرات السلبية للعقوبات على أسعار النفط.

كما يتوافق تدشين ميناء تشابهار أيضًا مع الأهداف الأمريكية الخاصة بدعم الاستقرار الاقتصادي في أفغانستان، وتعزيز الدور الهندي في المحيط الهادئ كمنافس للصين، وبما يخصم في الوقت نفسه من الدور الباكستاني في منطقة آسيا الوسطى وأفغانستان.

وفي النهاية، يمكن القول إنه رغم المكاسب التي يمكن أن يحصل عليها جميع الأطراف من الإعفاءات الأمريكية، إلا أنه لا يمكن استبعاد احتمال قيام الولايات المتحدة بعدم تجديد الإعفاءات الممنوحة للهند والدول الأخرى لشراء النفط الإيراني، بشكل سوف يقلص من أهمية هذه المكاسب في الأشهر المقبلة.