أخبار المركز
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (تأملات حول فشل جهود السلام الفلسطينية الإسرائيلية)
  • محمد محمود السيد يكتب: (آليات التصعيد: خيارات إسرائيل إزاء معادلات الردع الجديدة مع إيران)
  • شريف هريدي يكتب: (الرد المنضبط: حسابات الهجمات الإيرانية "المباشرة" على إسرائيل)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (عام على حرب السودان.. ترابط المسارين الإنساني والسياسي)
  • د. أحمد أمل يكتب: (إرث فاغنر: هل قاد "التضليل المعلوماتي" النيجر للقطيعة مع واشنطن؟)

محاولات التعافي:

أبعاد الأزمات المتلاحقة لنموذج أعمال الفيسبوك

22 أغسطس، 2018


تعد شركة فيسبوك إحدى أنجح المؤسسات التجارية الرقمية، وخلال السنوات الماضية كانت تُعتبر المقصد الذي يرغب الخريجون الأكثر تميزًا في العمل به، ومن علامات نجاحها كشركة توسع خدماتها ونمو أعداد مستخدميها. ولكن مؤخرًا أصبحت الشركة غائبة بشكل كبير فيما يتعلق بإدارة التأثيرات الاجتماعية التي تقع على عاتقها، ولا تزال ترزح تحت ضغوط هائلة لوضع سياسات أكثر وضوحًا حول عدة أمور، منها: خطاب الكراهية والأخبار المزيفة، وتأثيرات مشكلة كامبريدج أناليتيكا، ومشكلة تأمين المستخدمين والاحتفاظ ببيانات تخصهم بعد مسحها وغير ذلك من أزمات، وهو ما يُظهر بوضوح أن شركة فيسبوك أصبحت تعاني من عدة تحديات قد تؤثر على مستقبلها وعلى قدرتها على المنافسة، منها مايتعلق برؤيتها للمستخدمين، وحاجتها لإعادة تقييم طريقة عملها ونموذج الأعمال الذي تتبعه، بالإضافة إلى محاولاتها النهوض بأرباحها.

رؤية محدودة:

يُشير الخبراء إلى أن شركة فيسبوك ترى أن المستخدمين حول العالم عبارة عن مجموعات من نقاط البيانات المتصلة ببعضها على شبكة اجتماعية واسعة، ويتم استهداف هذه النقاط بواسطة برامج وأنظمة الكمبيوتر، ولذلك تركز الشركة بشكل أساسي على مبدأ "ربط الناس"، وهو ما سمح لمنصتها بالانتشار في العالم، كما أتاح هذا المبدأ إمكانية إنشاء شبكة واسعة من العلاقات الإنسانية وتحقيق التواصل بين المستخدمين أكثر من أي شركة أخرى. ولكن لأجل تحقيق هذا الهدف، ارتكبت الشركة أخطاء ضخمة تناقلتها وسائل الإعلام بشكل واسع، مثل: سماحها بدون قصد لحملة "دونالد ترامب" الرئاسية بجمع البيانات الشخصية عن الملايين من الأمريكيين دون رقابة، وإخفاقها في التنبه إلى محاولة روسيا للتأثير على الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي جرت في عام 2016، إضافة إلى تحول منصتها إلى ساحة لتأجيج العنف العرقي والديني وانتشار نظريات المؤامرة والأخبار الكاذبة بها رغم وعود الشركة المستمرة بإيقاف نشر تلك الآراء، إضافة إلى أن إدارة فيسبوك تدّعي عدم معرفتها بكيفية قيام خوارزمياتها بتعزيز الاستقطاب في المجتمع.

وعلى الرغم من أن 44٪ من الأمريكيين والكثير من المستخدمين حول العالم يلجئون إلى فيسبوك للحصول على الأخبار. كل هذه المشاكل وغيرها ترسم نمطًا يوضح على المدى البعيد عدم إدراك فيسبوك عواقب بعض قراراتها على المستخدمين بشكل خاص والمجتمع بشكل عام، وهو ما يعد انفصالًا بين الواقع الحالي والمشروع الكبير الذي تسعى فيسبوك لتحقيقه وهو تحويل العالم البشري إلى نظام معلوماتي ضخم مترابط.

ومن المنطقي أن تركز شركة فيسبوك على مبدأ "ربط الناس"، خصوصًا وأنها تتبنى نموذج عمل مبنيًّا على جمع بيانات المستخدمين، وتمكين المعلنين من الوصول إلى الشرائح المستهدفة بدقة من داخل قاعدة بيانات المستهلكين الضخمة مقابل مصاريف تحددها الشركة. وبذلك تكون شركة فيسبوك من أكثر الشركات التي تمتلك معلومات دقيقة عن المستخدمين، ويعتبر الخبراء أن نموذج أعمال شركة فيسبوك أحد أنجح نماذج الأعمال على مستوى شركات التقنية، لأنه ببساطة لا توجد تكلفة على المحتوى المعروض بحيث يقدم المستخدمون الأفراد والشركات محتوى مجانيًّا على المنصة، ولا توجد تكاليف تسويقية، حيث إن التداول الشفهي بين المستخدمين أعطى المنصة شهرة كبيرة ومستمرة، خاصة وأن استخدام منصة فيسبوك مجاني، ولا توجد تكاليف لبيع الإعلانات لأنه يتم الترويج لمعظم الإعلانات من خلال نظام أساسي للإعلانات يعمل بشكل تلقائي.

خطاب الكراهية:

نادرًا ما تتبنى شركة فيسبوك مواقف أيديولوجية تخالف المجتمع، كما أنها تدعي أنها تحاول الالتزام بالحياد، بيد أنها لا تزال تواجه مشكلة الموازنة بين حرية التعبير من جهة وانتشار محتوى قد يكون صادمًا للمجتمع أو رسائل تحض على العنف الديني، والتمييز العرقي، وخطابات الكراهية. ويرى الخبراء أن تغيير القائمين على فيسبوك لطريقة تفكيرهم أمر ضروري، فحتى الآن الخطوات الإيجابية التي تقوم بها الشركة مثل إزالة المشاركات التي تحرض على العنف، أو حظر الحسابات التي تتبنى نظريات المؤامرة؛ لم تنبع ذاتيًّا من الشركة، بل جاءت كنتاج لضغط مجتمعي وإعلامي مكثف، مثلما حدث مؤخرًا في حالة اليميني "أليكس جونز" الذي ادعى أن حادث إطلاق النار في مدرسة "ساندي هوك" بمدينة نيوتاون بولاية كونيتيكت الأمريكية عام 2012 كان مجرد خدعة، وهو ما يعطي انطباعًا بأن شركة فيسبوك تقوم بفعل الصواب فقط عندما تضطر إلى ذلك، فهي تكون على استعداد للتضحية بهدف مبدأ "ربط الناس" عندما تكون له تكلفة مجتمعية.

نمو متباطئ:

تواجه شركة فيسبوك مشكلة أكبر وهي أنها لا يمكن أن تنمو أكثر مما هي عليه الآن، وبالتالي فإن أرباحها ستتأثر وعليها تعويض الانخفاض في الأرباح من خلال الإعلانات في تطبيقات الدردشة، ومشروع الواقع الافتراضي، ومحتوى الفيديو المشابه للتلفزيون، وتحديثات الشبكات الاجتماعية، وقد اعتمد فيسبوك لفترات طويلة على استراتيجية عرض الإعلانات داخل المحتوى الذي يتصفحه المستخدم، ومما يعطي قوة لهذه الاستراتيجية أن عدد المستخدمين على منصتها أكثر من 2 مليار مستخدم، بحيث يكون عدد الذين يتعرضون للحملات الإعلانية على المنصة ضخم، وكلما رغبت فيسبوك في رفع الأرباح زادت وتيرة الإعلانات على المنصة. 

والمعضلة هنا أن بعض الإعلانات تعتمد في أرباحها على سعر الإعلان وعدد مرات ظهور الإعلان للمستخدم، لذا فإن عدد المستخدمين عامل هام للربح. وتشير تقديرات فيسبوك إلى أن نمو عدد مستخدميها في الربع الثاني من عام 2018 أبطأ من أي وقت مضى، كما أن عدد المستخدمين في أمريكا الشمالية والبالغ عددهم 241 مليون أصبح ثابتًا. وبدأ يقل في أوروبا ليصل إلى 376 مليون مستخدم بدلًا من 377 مليون مستخدم. ويرجع سبب الانخفاض في أوروبا -وفقًا لفيسبوك- إلى صدور قواعد الخصوصية الجديدة المعروفة باسم اللائحة العامة لحماية البيانات GDPR. مع العلم بأن الشركة تحصل على 70 ٪ من أرباح إعلاناتها من هاتين المنطقتين فقط، كما أن سوق المستخدمين الجدد قد تشبع تاركًا القليل من المستخدمين الجدد المحتملين.

محاولات للتعافي:

حاولت الشركة تنويع مصادر دخلها بشكل كبير من خلال الاستثمارات الضخمة في كيانات جديدة لتوليد أرباح مستقبلية، حيث استحوذت فيسبوك على شركة WhatsApp مقابل 22 مليار دولار في عام 2014، وأنشأت تطبيق الدردشة الخاص بها Messenger في العام نفسه على اعتبار أنها تنتظر الوقت المناسب لكسب المال من هذه الاستثمارات من خلال فرض رسوم على استخدام هذه الخدمات حسب توقعات بعض الخبراء، بيد أن هذه الاستثمارات ليست كبيرة بما يكفي على المدى القصير والمتوسط لتعديل النمو المتباطئ. 

كما تحاول الشركة إيجاد بعض الآليات المبتكرة لتحسين معدل النمو، مثل إعلان رغبتها في دخول مجال الواقع الإفتراضي Virtual Reality، وهو ما يقلق المستثمرين العاملين في هذا المجال، حيث إنها قد تقوم بتصنيع نظارات الواقع الافتراضي وبيعها بأقل من تكلفتها الحقيقية من أجل إغراء العملاء والمستخدمين باقتنائها. كما كلف مشروع "تلفزيون الإنترنت" فيسبوك مئات الملايين من الدولارات من صفقات المحتوى، وعلى المدى الطويل تخطط الشركة لتقاسم عائدات الإعلانات الناتجة مع منشئي المحتوى.

يضاف إلى هذا سعي الفيسبوك لحل بعض مشكلاته الكبرى حتى لا يفقد ثقة عملائه. وفي هذا الإطار، تقوم الشركة بتوظيف الآلاف من الموظفين للعمل على التحقق من الأخبار المزيفة، وموضوع التدخل الأجنبي في الانتخابات، وتخطط لبناء ذكاء اصطناعي يمكنه تبسيط هذه الأعمال في المستقبل.

وتتطلع إدارة فيسبوك إلى التوسع في مجال الخدمات المالية، حيث إنها تواصلت مع العديد من البنوك الأمريكية للحصول على معلومات عملائها كجزء من خطوة لتطوير تطبيق Messenger، ومن المتوقع أن تساعد هذه الخطوة فيسبوك على الحصول على المزيد من المعلومات حول الأوضاع المالية للمستخدمين، في حين أن البنوك ستصبح لديها طرق أخرى للوصول إلى عملائها. وقد نفت شركة فيسبوك أنها تسعى للحصول على تفاصيل المعاملات المالية للمستخدمين، ولكنها تريد مساعدة البنوك في خدمة العملاء.