أخبار المركز
  • شريف هريدي يكتب: (الرد المنضبط: حسابات الهجمات الإيرانية "المباشرة" على إسرائيل)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (عام على حرب السودان.. ترابط المسارين الإنساني والسياسي)
  • د. أحمد أمل يكتب: (إرث فاغنر: هل قاد "التضليل المعلوماتي" النيجر للقطيعة مع واشنطن؟)
  • عادل علي يكتب: (موازنة الصين: دوافع تزايد الانتشار الخارجي للقوة البحرية الهندية)
  • إبراهيم فوزي يكتب: (معاقبة أردوغان: لماذا خسر حزب العدالة والتنمية الانتخابات البلدية التركية 2024؟)

رؤية روسية:

كيف يُمكن لروسيا مواجهة تنظيم "داعش"؟

23 نوفمبر، 2014


إعداد: محمد أحمد عبد النبي


في ضوء تزايد نفوذ تنظيم "داعش" وسيطرته على عدة أجزاء في سوريا والعراق، بما يؤثر بدوره على النفوذ والمصالح الروسية في منطقة الشرق الأوسط، أعد أليكسي ملاشينكو Alexey Malashenko أستاذ العلاقات الدولية والمتخصص في السياسة الخارجية الروسية، والرئيس المشارك لبرنامج "الدين والمجتمع والأمن" بمركز كاميجي في موسكو، تقريراً نشره "مشروع POMEAS الخاص بالشرق الأوسط والربيع العربي" التابع لمركز اسطنبول للسياسات، تحت عنوان: "السياسة الروسية في الشرق الأوسط والحرب ضد التطرف"، تناول خلاله السياسة الخارجية الروسية المتبعة حالياً في منطقة الشرق الأوسط بصفة عامة، ونحو الجماعات المتطرفة في المنطقة بصفة خاصة، مستعرضاً أبعاد هذه السياسة بعد الثورات العربية، وصولاً إلى عرض بعض التوصيات بشأن كيفية مواجهة موسكو لخطر تنظيم "داعش".

محاولة فهم "داعش"

يؤكد الكاتب أن تنظيم "داعش، خلافا لتنظيم، لا يميل إلى تنفيذ عمليات إرهابية كبيرة كالتي تمت في 11 سبتمبر 2001 ضد الولايات المتحدة، بل يهتم قادته بالسعي إلى تكوين قوات عسكرية فعالة تستطيع منافسة الجيوش النظامية، وتأسيس بنية تحتية شبة حكومية، فضلاً عن تطبيق الشريعة في المناطق التي يسيطر عليها التنظيم؛ مشيراً إلى أن "داعش" يعد بمثابة تنظيم دولي، حيث ينتمي عناصره إلى نحو80 دولة، أغلبهم من الدول العربية والإسلامية، إضافة إلى عدد أقل من الدول الأوروبية.

وفي هذا السياق يوضح ملاشينكو أن هناك تباين في الإحصاءات الواردة بشان أعداد مقاتلي "داعش"، فبينما تشير إحدى التقديرات الصادرة في مطلع شهر سبتمبر 2014 إلى وصول عدد المقاتلين الأوربيين حوالي 2000 شخص، منهم 400 من فرنسا ومثلهم تقريباً من إنجلترا، توضح تقارير أخرى أن عدد من ذهب للقتال في سوريا والعراق من بريطانيا وحدها يُقدر بنحو 1500 مقاتل، و2000 مقاتل من فرنسا، وحوالي 1000 من ألمانيا، وما يقرب من عدة مئات من الولايات المتحدة الأمريكية. كما تختلف التكهنات بشأن أعداد المواطنين الروس المنضمين للتنظيم، حيث تتراوح التقديرات من 300 إلى 2000 شخص، ويُقدر عدد مقاتلي منطقة آسيا الوسطى بالمئات، ليصبح العدد النهائي لمقاتلي "داعش" يتراوح ما بين 12 ألف و30 ألف مقاتل.

ويشير الكاتب إلى "داعش" باعتباره جزءاً مما يسميه "الظاهرة الإسلامية" الأوسع انتشاراً، والتي تضم العديد من الجماعات الداخلية والإقليمية والعالمية، إضافة إلى الأحزاب والحركات. وقد قسَّم هذه الجماعات إلى أربعة تصنيفات يصعب وضع حدود قاطعة بينها، وهي جماعات (معتدلة، وراديكالية/ معتدلة، وراديكالية، ومتطرفة)، مشيراً إلى إمكانية إجراء حوار مع الثلاثة أنواع الأولى، على عكس الجماعات المتطرفة.

ومن ناحية أخرى، يعتقد الكاتب أن الدعم الكبير من قبل الشعوب التي تعيش داخل الأنظمة الديكتاتورية بالشرق الأوسط والعالم الإسلامي لقضايا الشريعة الإسلامية والعدالة الاجتماعية، بسبب تزايد معدلات الإحباط بهذه الدول، حيث يغيب عنها النمو والعدالة، ويعج بها الفساد؛ وهو ما يجعل "البديل الإسلامي" هو الأقرب لهذه الشعوب، لذلك يحرص تنظيم "داعش" على إظهار هذا البديل بكل الوسائل -حتى العنيفة منها- من خلال السعي إلى تأسيس ما يراه دولة "الخلافة".

روسيا والثورات العربية

يرى ملاشينكو أن الثورات العربية كان لها تأثير سلبي على النفوذ الروسي في منطقة الشرق الاوسط، مشيراً إلى ما ذهب إليه "الكرملين" الروسي باعتبار "الربيع" العربي بمثابة نتاج خطة معدة سلفاً للتدخل وتحقيق مصالح الغرب، وطرد روسيا من المنطقة.

ويبرز الكاتب أن ثمة تراجع في العلاقات السياسية والعسكرية والتجارية لموسكو مع معظم البلدان العربية في أعقاب الثورات العربية، وذلك في ضوء تباين الموقف الروسي من التيارات الإسلامية التي هيمنت حينذاك، حيث أبدت موسكو استعدادها لبدء حوار مع بعض التنظيمات الإسلامية مثل "حماس"، والإخوان المسلمين في مصر إبان حكم الرئيس الأسبق محمد مرسي، بيد أنها، وعلى النقيض، كانت ضد بعض التيارات الإسلامية في دول عربية أخرى مثل ليبيا وسوريا والعراق، بل وحاولت قمع المعارضة الإسلامية داخل روسيا نفسها.

وفي هذا السياق، يشدد الكاتب على ثبات الأهداف الاستراتيجية الروسية في منطقة الشرق الأوسط، والتي تتمثل في الآتي: (الحفاظ على صورة روسيا في المنطقة "كقوة عالمية"، وتطوير تجارة السلاح، ودعم أنشطة شركات النفط الروسية، والحفاظ على الاستقرار في المنطقة، وأن تثبت لمواطنيها المسلمين في موسكو وجود رغبة لديها للتعاون مع التنظيمات الدينية الأجنبية؛ ومن ثم تظهر كحامي للمسلمين).

وتتطرق الدراسة إلى تحليل علاقات روسيا مع بعض دول المنطقة، مركزة على العلاقات الروسية – السورية، حيث يصف الكاتب الرئيس السوري بشار الأسد بأنه "القوة الحليفة الوحيدة لموسكو في المنطقة، وأنه يذكر روسيا بالقوة السوفيتية السابقة في الشرق الأوسط، بل إنه الزعيم العربي الوحيد الذي يحمل قيماً مناهضة للغرب". وفي ظل الدعم الروسي لنظام بشار عقب اندلاع ثورة ضده، فقد اعتبر الكاتب أن هذا الموقف الروسي "عقلاني"، محذراً من أن سقوط النظام السوري الحالي سيقوي من شوكة الراديكاليين الإسلاميين، وربما يؤثر سلبياً على العلاقات العربية - الإسرائيلية.

وعلى صعيد العلاقات الروسية - المصرية، يؤكد الكاتب على سعي موسكو- منذ أن ظهر الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال حملته الانتخابية عام 2013 على أنه خليفة جمال عبد الناصر الذي سبق أن تعاون مع الاتحاد السوفيتي- لتوسيع علاقاتها مع القاهرة، مشيراً في هذا الصدد إلى تصريح وزير الخارجية المصري السابق نبيل فهمي، والذي ثمَّن تجنب روسيا للتطرف في سياستها الشرق أوسطية، لذا فقد وقعت مصر وروسيا على عدد من الاتفاقيات الاقتصادية، فضلاً عن توسيع التعاون العسكري بين الدولتين.

وفيما يخص العلاقات الروسية - العراقية، يشير الكاتب أنها كانت قاصرة على دعم شركات البترول الروسية العاملة في العراق، فيما تم تخفيض تجارة الأسلحة بشكل تدريجي بين البلدين بسبب جرائم الفساد الموجود بوزارة الدفاع الروسية. ومن ناحية أخرى غابت جماعات الضغط المؤيدة لروسيا في العراق بعد إقصاء صدام حسين عام 2003.

أما فيما يتعلق بالعلاقات الروسية مع باقي الدول العربية وتحديداً فلسطين ودول الخليج وليبيا وتونس، يرى الكاتب أنها علاقات غير قوية في الوقت الراهن، ويصعب استعادتها مرة أخرى في المستقبل القريب.

روسيا وصعود تنظيم "داعش"

يوضح ملاشينكو أن عنف تنظيم "داعش" في العراق وسوريا ربما يكون قد أعطى روسيا الفرصة لزيادة نفوذها في المنطقة، كما أن الحرب الروسية ضد المتطرفين ساهمت، ولو جزئياً، في رفع العزلة المفروضة على موسكو جراء تدخلها في الأزمة الأوكرانية.

وتعتبر موسكو أن نجاح "داعش" دليل على خطأ السياسات الأمريكية والغربية في الشرق الأوسط، والتي سبق أن قدمت دعمها للراديكاليين الإسلاميين، حيث صرح وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف قائلاً: "إن أصدقائنا في الغرب والولايات المتحدة هم الخاسرون، لقد تسببوا في الرياح، ويجنون العاصفة، ونحن نبذل قصارى جهدنا لوقف هذه العاصفة".

وأشار الكاتب إلى أن القوى الإسلامية تتجه للتطرف في الشرق الأوسط وفي كل مكان آخر، بل ويعد التهديد القادم منها أكثر خطورة من "القاعدة"، موكداً أن أنشطة التطرف عابرة للحدود، بمعنى أن إلحاق الهزيمة بها في دولة أو حتى في منطقة بأكملها لن يُوقف هؤلاء المتطرفين، ومحذراً من أن "داعش" لديها طموحات عالمية، حيث يمكن لمقاتليها أن يوسعوا من أنشطتهم ليصلوا إلى دول مجاورة، وربما لمناطق أبعد من ذلك مثل روسيا ووسط آسيا. وفي هذه الحالة، فإن الدور الروسي يصبح أكثر أهمية، ولذا تتعاون روسيا بالفعل مع كازاخستان وأذربيجان وجورجيا ودول أخرى، للقبض على المقاتلين العائدين من سوريا والعراق.

ويتوقع ملاشينكو أن تستغرق المواجهة ضد التطرف السياسي - الديني وقتاً طويلاً، مشدداً على ضرورة تضافر كافة الجهود الدولية في هذا الشأن، وهو ما أكد عليه أيضاً الرئيس الأمريكي باراك أوباما في لقاء مع شبكة "سي بي إس" الأمريكية، حيث قدر التهديد القادم من "داعش" للمواطنين الأمريكيين بأنه تهديد متوسط إلى طويل الأجل، مضيفاً أن الولايات المتحدة لا يمكنها تحديد أعداد مقاتلي التنظيم بمفردها. وبالرغم من هذا التصريح الصادر عن أوباما، فإن واشنطن تحاول بناء تحالف مناهض للإرهاب دون إشراك روسيا.

ووفقاً لتصريح "سيرجي لافروف"، فإن هذا التحالف مبني على مصالح ضيقة، ويسعى لإبعاد التهديد عن جزء معين من المنطقة، وهو ما يجعله غير فعَّال. وبالرغم من ذلك، لاتزال موسكو تدعم التحالف المناهض لتنظيم "داعش"، لكنها تصر على أن تكون كافة التحركات بموافقة مجلس الأمن والدول الواقع على أراضيها الأحداث. وعدا ذلك تصف روسيا أعمال الولايات المتحدة دون موافقة مجلس الأمن بأنها تمثل اعتداءً وانتهاكاً صارخاً للقانون الدولي. وهنا يرى الكاتب أن عملية محاربة الإرهاب التي تقودها الولايات المتحدة وحلفاؤها ربما تساهم في زيادة العزلة الروسية.

ويُعدد الكاتب الأسباب التي تدفع روسيا للمشاركة في العمليات المناهضة للإرهاب، وهي أنها تتوقع تحسين سمعتها في الشرق الأوسط بهذه الطريقة، كما ستُظهر للعالم فاعليتها في حل المشاكل والتصرف بشكل مستقل، فضلاً عن السعي نحو زيادة نفوذها في العراق، حيث تستثمر شركات البترول الروسية الكبرى في قطاع النفط.

ويبرز التقرير خطأ الاعتقاد القائل بوجود دعم روسي للشيعة في الشرق الأوسط، منوهاً إلى أن أغلب المسلمين الروس من السنة، وهو ما يجعل التأييد الروسي للشيعة أمراً غير مقبول على إطلاقه.

وبناءً على ما سبق، يعتبر الكاتب أن التحرك ضد المتطرفين في الشرق الأوسط بمثابة دفاع روسي عن النفس، لأن نجاح الإسلاميين في عدد من الدول بعد الثورات العربية، قد أدى إلى تزايد نشاط الإسلاميين في روسيا، والدليل على ذلك أنه خلال الفترة (2012 - 2014) شارك المئات أو الآلاف من المسلمين الروس في المظاهرات المؤيدة للمعارضة الإسلامية في روسيا، كما يوجد مؤيدين لتنظيم "داعش" في روسيا.

كيف يمكن مواجهة "داعش"؟

يقدم الكاتب عدداً من التوصيات لصانعي القرار الروس فيما يتعلق بالحرب ضد تنظيم "داعش"، وهي:

1- عدم المساس بالمسلمين السلميين عند توجيه الضربات الجوية حتى ولو كانوا من المتعاطفين مع "داعش"، حيث لا يمكن تجاهل حقيقة أن جزءاً كبيراً من أهل السنة في العراق وسوريا يتعاطفون مع التنظيم لأغراض متعددة، ومن ثم يجب أن تقتصر الضربات على العناصر المسلحة فقط، وإلا فإن عدد المتطرفين سيصبح لا نهائياً، وسيكون الوضع حينها أشبه بما حدث في أفغانستان.

2- أهمية توفير كل الدعم للقوات الدولية في مواجهة مقاتلي "داعش"، وتقديم كافة المساعدات لها بما في ذلك الدعم العسكري.

3- وقف الدعم عن هؤلاء المتطرفين، بما في ذلك الدعم المالي.

4- ضرورة توسيع عملية تبادل المعلومات الخاصة بهؤلاء المقاتلين، بما في ذلك الرصد المشترك لتحركات المتشددين عبر الحدود، وإلقاء القبض عليهم، وتبادل المعلومات حول أنشطة مراكز تجنيد عناصر هذا التنظيم الإرهابي المتطرف.


* عرض موجز لتقرير بعنوان: "السياسة الروسية في الشرق الأوسط والحرب ضد التطرف" المنشور في أكتوبر 2014 عن "مشروع POMEAS الخاص بالشرق الأوسط والربيع العربي"، وهو أحد مبادرات مركز أسطنبول للسياسات.

المصدر:

Alexey Malashenko, Russia’s Policy in the Middle East and the Fight Against Extremism (Istanbul, Istanbul Policy Center, October 2014).